عبقرية “الكْوَانْبْ” عند المخزن.. خميس الزمامرة نموذجا
خالد الجامعي –
هاد المخزن العبقري، شحال مكلخ ما قاري، وكيحل الأزمات، بالبهرجة والحفلات
لم يسبق للمخزن أبدا قبل اليوم أن كان أوسع خيالا وأعظم إبداعا…ولم يسبق له كذلك أن أثرى موسوعة “غينيس” المغربية بحماقات (كعيات) :جاءت على يد بعض فطاحلة الاستراتيجيين البارزين لديه، المنعوتين عادة بلقب “الكوانب”.
والأدهى والأمر، هو أن هؤلاء العباقرة الوهميين، يعتقدون بكثير من الغرور والمباهاة أنهم مهرة في فن المراوغة وفرسان لا يشق لهم غبار في مجال الاحتيال، أي بما نسميه بالدراجة العامية: “قوالبية” حاشاكم…
يقول المثل العامي:
“جا يداويه وهو يعميه”
وتقول إحدى الشعارات:
“هادي كلمة واحدة، هاد الدولة فاسدة”
وليعذرني القارئ الكريم كثيرا إذا رآني ألتجئ إلى بعض العبارات والمفردات المقتبسة من حلقات الحكواتيين ومجامع المشعوذين.
إذا ما الحيلة كي يفهمني أولائك الذين اعتادوا ألا يتكلموا إلا بالغمز والهمز واللمز؟ متسترين من فرط جبنهم وراء كائنات ما أنزل الله بها من سلطان في ساحتنا السياسية الموبوءة، من قبيل العفاريت والتماسيح وغيرها من الزواحف التي تحيل كلما سمعتها الأذن المغربية على الفتك والبطش والخطر الداهم والشر المستطير…
“علي علي صوتك يا مغربي… علا ش نتا ديما مخبي”…
وآخر “كعية” من الكعيات التي عشناها أخيرا، هي تلك التي طرأت في خميس الزمامرة، حيث قامت التنسيقية المحلية من أجل مناهضة الفساد والمفسدين بتنظيم ندوة حول حقوق الإنسان، دعت إليها كلا من الأستاذ محمد الهيني، قاض الرأي الذي شطب عليه من سلك القضاء لأنه مدافع شرس عن استقلالية القضاء، والأستاذ النقيب عبد السلام البقيوي رئيس جمعية المحامين سابقا معروف عنه دفاعه المستميت عن حقوق الإنسان، وصحفيين اثنين هما حميد المهداوي، وعبد ربه، كاتب هذه السطور.
وحرصا منها على أن يمر هذا اللقاء في إطار قانوني تام، بادرت التنسيقية إلى إخطار السلطات التي وافقت فأعطتها الضوء الأخضر.
غير أنه بساعات قليلة قبل الافتتاح، أرسلت نفس السلطات أحد خدامها لتعلن للمنظمين والمشاركين تعذر إقامة هذه الندوة، بزعم أن حارس دار الشباب التي كانت ستأوي هذا النشاط، قد أسقط بقدرة قادر مريضا في الوقت بدل الضائع على انطلاق هذا اللقاء، وذهب يلتمس العلاج، شفاه الله وعافاه، ومعه مفاتيح دار الشباب، وكأن قدر المؤسسات العمومية بقدر صحة أو مرض رؤسائها.
وبطبيعة الحال، لم يكن ليلزم أبلد البلداء ذكاء عصفور كي يفهم بأن الباشا هو من أمر الحارس البئيس بأن يسقط مريضا بالرغم من أنفه ويتبخر في الهواء على شاكلة عفاريت سيدنا سليمان وطريقة التماسيح حين تخطف فريسة وتغوص بها في جوف المياه…
فياله من دهاء خارق للعادة…ويالها من حيلة عظيمة تفتقت عنها عبقرية فذة من تلك العبقريات “الكنباوية” السخيفة…
“كعية” أخرى تضاف إلى “الكعيات” التي لا حصر لها ولا عد، ولكن هذه كانت “كعية” بطعم هدية قدمت للمنظمين الذين استغلوها فرصة سانحة للقيام بوقفة احتجاجية أمام مقر دار الشباب، تمخضت بعدها عن مسيرة غاضبة نحو مقر البلدية والباشوية.
وكان مسك ختامها احتلال الجموع الحانقة الساحة الكبرى للمدينة، وإقامة ندوتها في الهواء الطلق، حيث جرت إليها جمهورا غفيرا ومتنوعا من المواطنين والمواطنات كان في عدده أضعافا مضاعفة مما كانت ستستوعبه قاعة دار الشباب.
وبرز حجم البلادة لدى السلطات أكثر، لما أخذ الكلمة مواطنون ومواطنات لم يكونوا ليحلمون بأخذها، فأطلقوا العنان لألسنتهم وغيظهم واحتقانهم، منددين وفاضحين الحالة المزرية التي توجد عليها مدينتهم.
وبما أننا نحن في عصر السرعة المفرطة والإعلام الخاطف، فقد انضمت مواقع التواصل الاجتماعي واليوتوب إلى الندوة، فعرت المستور، وكشفت العورة بعدما أطلعت آلاف المواطنين في الخارج والداخل على تلك الممارسة المخزنية الشنيعة…
فهل يتعظ عباقرة “الكوانب”، ودهاقنة “القوالبية”، من مكرهم الذي لا يحيق إلا بهم، أم أن حليمة ستبقى مصرة (وإن طارت معزة) على عادتها القديمة؟
مدينة منكوبة
خميس الزمامرة مدينة صغيرة تنتمي لإقليم سيدي بنور التابع ترابيا لمدينة الدار البيضاء سطات، عدد سكانها يناهز العشرين ألف نسمة، وتقع على الطريق الوطنية رقم 1 الرابطة بين الجديدة وآسفي.
فلوس الشعب فين مشات؟ في السكرة والحفلات…
تختزل هذه المدينة الصغيرة الواقع المغربي بكل حيثياته وتفاصيله الغريبة.
فعلى الصعيد السياسي، ما فتأت المدينة كغيرها من المدن ترزأ تحت قبضة المخزن، وذلك عبر آليات التزوير والفساد والتحكم وضبط الخارطة السياسية، حيث يصل الصوت الانتخابي إلى أكثر من ألف درهم للصوت الواحد.
وهذا ما يرهن مصير المدينة ويضعها تحت تصرف لوبي إقطاعي عقاري فاسد ومفسد من الأعيان الذين يتوارثون الثروة والنفوذ، ويعمدون إلى تسيير الشأن العام بالعقلية نفسها التي تدار بها”الضيعة”. وهذا التسيير الانتهازي المجحف، يكاد فساده من شدة هوله يفقئ الأبصار. ويكفي دليلا أن يرى الزائر بعين الحسرة والأسف، حالة الطرقات المزرية ومداخل المدينة المتداعية، وذلك رغم ما استدانه المجلس البلدي من ديون قدرت ب 34 مليار سنتيم…
واك واك على شوهة، الندوة قمعتوها…
على الصعيد الاقتصادي، يشتكي تجار المدينة من الحصار المفروض عليهم من طرف لوبي الفساد المسيطر على المجلس البلدي، حيث يتم وضع علامات ممنوع الوقوف والتوقف، ونزع مصابيح الإنارة العمومية، وقطع الماء عن المحلات التجارية، بدواع انتقامية محضة، لأجل الضغط على تجار المدينة بكل من شارع الجيش الملكي، وشارع محمد الخامس، وشارع النهضة، حتى ينصاعوا لما يؤمرون به.
جبتوا لنا الحريرة، واش بغيتوا تنسيونا…
وعلى صعيد الخدمات الاجتماعية، تم إغلاق معمل السكر بالمدينة، المشغل الأول للشباب الذين يعانون من نسبة مرتفعة للبطالة بسبب حسابات سياسوية ضيقة يحرك خيوطها أعيان وتجار الانتخابات.
من جهة أخرى، تم تجميد كل مشاريع السكن الاجتماعي حتى يتمكن اللوبي الإقطاعي المسيطر على التسيير من بيع تجزئاته في طمأنينة وراحة بال، ما تسبب في أزمة سكن خانقة. علاوة على ذلك، تم السطو على الوعاء العقاري للمدينة بطريقة مفيوزية تورطت فيها السلطات المحلية بتواطؤ مفضوح مع أباطرة الفساد السياسي بالمدينة.
وحسبنا دليلا أن نشير إلى أنه قد تم إقصاء مجموعة من سكان حي المسيرة الأصليين من الاستفادة من برنامج “مدن بدون صفيح” لما فوتت البقع الأرضية.
التي كان من المفروض أن تكون من نصيبهم إلى من لا يستحقها لأجل ضمان أصوات انتخابية جاهزة عند الطلب.
باي باي الحريات، الحكومة دارت ما بغات...
وفي المجال الصحي، لا حديث بين الساكنة إلا عن الوضعية الكارثية للمستشفى المحلي، حيث يتم تهريب التجهيزات والأطر الصحية إلى المدن المجاورة، وحيث تطغى الزبونية وانعدام النظافة. وتحكي في هذا المجال امرأة نزيلة بالمستشفى أن قططا ضالة تتخذ من الأسرة في جناح الولادة مأوى لها بدون أن يثير ذلك أدنى مشكل لدى المسؤولين.
أما على الصعيد الثقافي، فقد أقدم لوبي الفساد على إغلاق دار الثقافة خوفا على نفسه من انتشار الوعي والثقافة، تطبيقا لمقولة كوبلز، وزير دعاية هتلر:
“كلما سمعت كلمة ثقافة، تحسست مسدسي”…
ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس…. فلا حول ولا قوة إلا بالله العظيم.
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.