هل تنزلق العلاقات الثنائية بين المغرب و اسبانيا نحو القطيعة ؟

بقلم ابو ايوب .
لن نعود الى حقبة القرن الرابع عشرو ما تلاها من قرون و نحن في القرن الواحد و العشرين ( مليلية و سبتة و…..مثال) ، بل لنكتفي ببداية القرن الاخير و بالضبط سنة 2002 و ما تلاه من تشنجات و سوء فهم يخبو تارة و يتأزم أخرى ……في علاقات الجانبين ( سياسية. اقتصادية…). و تجدر الاشارة الى أن سوء الفهم بين الجانبين و اوجه الاختلاف و الرؤى بينهما كانت ردودها منحصرة في جانبيها السياسي و الديبلوماسي لا اكثر ، فما هو المتغير الجديد الذي حصل سنة 2002 حتى تتحول الأزمة الى اشكالية ذات بعد عسكري ؟
سنة 2002 أرخت لاول رد عسكري اسباني في ظل حكومة اليميني خوصي ماريا أزنار ضد المغرب على بعد امتار من قرية بنيونج و مدينة الفنيدق شمال المملكة ، انزال جوي اسباني على جزيرة ليلى بعدما علمت بتواجد جنود مغاربة على الجزيرة تم اسرهم و تغطية وجوههم ليتم نقلهم الى اسبانيا قبل ان يفرج عنهم فيما بعد ، الافراج تم بعد تدخل الجنرال الامريكي المتقاعد كولن باور وزير الخارجية الامريكية ، بعد تلقي ضمانات مغربية من اعلى المستويات بعدم التكرار ، وقتها كان السيد محمد بن عيسى وزيرا للخارجية المغربية .
رغم تولي احزاب اليسار مقاليد السلطة باسبانيا ، و رغم العلاقات الودية التي تجم عاهلي المملكتين المغربية و الاسبانية ، و بالرغم من ان اسبانيا تعتبر شريكا اقتصاديا و اول او ثاني مستثمر اجنبي بالمغرب ، الا ان التوجهات و النظرة السياسية الاسبانية تبقى هي نفسها بالرغم من تداول السلطة بين اليمين و اليسار، و هي العقيدة الراسخة التي تنظر الى المغرب بتوجس كبير من زوايا عدة اساسها تاريخي لما يشكله التاريخ من عقدة لكلى الطرفين .
ما يؤكد المعطى ما توالى بعد ازمة جزيرة ليلى من ازمات التي وثقت و رسخت البعد العسكري في علاقات المملكتين ، حيث تواصلت زيارات العاهل الاسباني للمدينتين بصفته القائد الاعلى للجيش ، و معها لم تنقطع زيارات البوارج الحربية و كبار القادة العسكريين ، زيارات استفزازية للمغرب بلغت ذروتها حد التعرض ليخت الملك محمد السادس من طرف حرس الحدود و محاولة تفتيشه في المياه السبتاوية.
و لمزيد من محاولات اذلال المغرب و احراجه امام المجتمع الدولي و من بعدها جهويا و اقليميا ، رفضت اسبانيا سنة 2019 التفاوض مع المغرب حول ترسيم حدود البلدين البحرية وفق قانون البحار ، يومها طرح الجانب المغربي مسألة الحدود الاقليمية على نظيره الاسباني ، فكان رد الاخير عدم التجاوب مع المطلب المغربي و رفع الملف الى الامم المتحدة ، وقتها اعلنت الحكومة المستقلة لارخبيل جزر الكناري التابعة للتاج الاسباني ان لا حدود بحرية مشتركة لها مع المغرب ، و كانت هذه رسالة سياسية واضحة للجانب المغربي فيما يتعلق بقضية الصحراء .
المملكة المغربية اعتبرت نفسها في حل من موقف اسبانيا هذا وغير معنية و لا ملزمة به ، ثم بادرت الى اتخاذ قرار ترسيم حدودها البحرية و توثيقها بالجريدة الرسمية للمملكة المغربية ، خطوة اعتبرتها اسبانيا احادية الجانب و تتنافى مع بنود القانون الدولي للبحار و ميثاق الامم المتحدة ( القانون يلزم الدول المعنية بالتفاوض بينها قبل رفع ما تم التوافق بشأنه للمصادقة عليه من طرف الأمم المتحدة ليصبح ساري المفعول بقرار أممي )، و هذا ما لم يحصل بين الجانبين مما يسمح باستنتاج مدى قانونيته من عدمها !! .
و يستمر التصعيد رغم الخطاب السياسي الرسمي لكلى الجانبين ، و هو خطاب يعتبر في كل الحالات مدغدغا للعواطف تبدو عليه رغبة في تحسين العلاقات و تطويرها في كافة المجالات و فتح افاق واعدة …..، لكن الواقع و ما يجري على الارض شيئ مخالف لطموحات كلى الجارين ، فمثلا و عند تفجر ازمة استقبال زعيم البوليساريو ابراهيم غالي للاستشفاء ، الازمة تولدت عنها اخرى من خلال السماح لبضع الوف من المهاجرين المغاربة بينهم قاصرون اجتياز حدود سبتة و ما نتج عنها من عرض القضية على الاتحاد الاوروبي …فكان ما كان من ادانة و موقف جامع أجمعت عليه كل الدول الاوروبية داعم و مساند للموقف الاسباني .
فكما بالامس القريب اليوم تطفو على السطح ازمات و سوء تفاهم اخرى لا زالت تشكل عقبات جيوستراتيجية في وجه تحسن العلاقات الثنائية من قبيل ، المغرب يرخص لبعض الشركات باقامة مزارع لتربية الاسماك قبالة ساحل مدينة مليلية ، خطوة اعتبرتها اسبانيا خرقا لمياهها الاقليمية وجهت على اثره بنبرة تصعيدية اخطارا للجانب المغربي بضرورة التراجع عما بدر منه ، متوعدة في الوقت ذاته بعرض القضية على البرلمان الاوروبي ، كما بادت في خطوة عسكرية تصعيدية الى بعث تعزيزات عسكرية و بارجة حربية لسواحل مليلية.
لكن الاكثر خطورة على مصالح المغرب حاضرا و في المستقبل المنظور ، الموقف الرسمي الاسباني من قضية الصحراء الذي يقف حجر عثرة يحيل دون تطوير علاقات المملكتين ، و هو موقف داعم مساند لتنظيم استفتاء تقرير مصير ساكنة مستعمرتها السابقة الصحراء ، موقفها هذا يستمد قانونيته وفق رؤيتها من مسؤولياتها التاريخية و الاخلاقية وفق قرارات الشرعية الدولية و ميثاق الامم المتحدة كمستعمر سابق للاقليم .
دليل ثقلها هذا في القضية تخصيصها طائرة عسكرية لجولة المبعوث الشخصي الجديد للامين العام للامم المتحدة الى الصحراء السيد ستافان ديميستورا ، هذا الاخير قام بزراتين للعاصمة مدريد الاولى كانت قبل زيارته للمغرب و مخيمات تندوف و موريتانيا و الجزائر ، و الثانية جاءت مباشرة بعد انتهاء جولته للمنطقة و قبل تقديم تقريره للامين العام الاممي ، حيث التقى بوزير الخارجية الاسباني خوصي مانويل الباريس ، هذا الاخير كان قد زار امريكا و التقى بنظيره في الخارجية انتوني بلينكن ثم اختتمها بعد عوته الى اسبانيا بلقاء المبعوث الاممي ديميستورا .
فهل تتجه العلاقات بين الجانبين نحو القطيعة على غرار ما حصل بين المغرب و الجزائر على ضوء ما تم سرده من حقائق و معطيات ؟ و هل سينجح المغرب في تغيير موقف اسبانيا من قضية الصحراء و الدفع بها الى تبني مقترح الحكم الذاتي و هذا امر جد جد مستبعد ؟ للاشارة الحكم الذاتي كانت قد تقدمت به اسبانيا قبل سنة 75 و تم رفضه حينها من طرف الجماعة الصحراوية ، كما رفضته الجبهة ايام حكم الملك الراحل الحسن الثاني في لقاء جمعهما بمدينة مراكش حضره الوزير السابق في الداخلية ادريس البصري و ولي العهد وقتذاك العاهل المغربي محمد السادس .
في المقابل و بحسب تصريحات مختلف المعنيين بقضية الصحراء و مسؤولي الدول الفاعلة صاحبة القرار الدولي ، و من بينهم الامين العام الاممي انطونيو غوتيريش في تصريحه الاخير ، يتضح بجلاء حجم الضغوط الدولية التي تمارس على المغرب من اجل جلولسه للتفاوض مباشرة مع الجبهة تحت اشراف دولي ، فهل يقوى المغرب على احتمال الضغوطات الممارسة ام سينحني للعاصفة؟ لا سيما بعدما اجمع الكل على ان سنة 2022 ستكون سنة المفاجئات !! .

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *