فتح الملفات و ترتيب الاولويات على ضوء توتر و تذبذب علاقات اسبانيا مع دولتي جوارها الجنوبي الجزائر و المغرب

بقلم ابو ايوب .


الحكومة الائتلافية الاسبانية برئاسة بيدرو سانشيز تعيش اليوم اسوء كابوس عرفته المملكة الايبيرية منذ سنة 1975، و لا بوادر تحسن وضعها تلوح في المستقبل المنظور ، بل و اكثر من هذا ، الازمة الحالية تزداد تعقيدا على كافة الاصعدة بخاصة على الصعيد السياسي و الاقتصادي و الامني. الاخبار الآتية من الضفة الاخرى تشير الى احتمال اللجوء الى انتخابات مبكرة لا مكان فيها للحزب الاشتراكي الذي ثبث فشله في اكثر من مجال ، فشل افقد اسبانيا الكثير من قوتها الاقتصادية و نفوذها السياسي بجوارها الافريقي جنوب المتوسط .
* سياسيا :
الموقف الداعم للمقترح المغربي بخصوص الصحراء الذي اعلن عنه بيدرو سانشيز ليس وليد اليوم ، اذ سبق و اعلن عنه سنتي 2007/2008 ايام حكم الاشتراكي زاباتيرو . موقف سانشيز هذا اوقعه في المحظور كما جر عليه وابلا من النقض و الرفض ، و هو الذي كان يمني النفس بصفر ازمات ، بالتالي تولد عنه اجماع مختلف مكونات الطيف السياسي الاسباني من اقصى اليمين الى اقصى اليسار بما فيه حزبه ذاته ، هذا فضلا عن منظمات المجتمع المدني و المنظمات الحقوقية و الفاعلين الاقتصاديين ، حيث ندد الجميع بموقفه المعلن مطالبينه بالتراجع و تصحيح الموقف درءا لما قد يترتب عنه الامر من ازمات اسبانيا في غنى عنها. كما تجدر الاشارة الى ما ترمز اليه قضية الصحراء بالنسبة للاسبان على ضوء التعاطف الشعبي و الحزبي الكبير مع جبهة البوليساريو .
من تجليات الاحتقان السياسي الداخلي أذكر مثالا و ليس حصرا ، مواقف كل من نائبته الاولى و رؤساء الحكومات المستقلة لكل من الجزر الجعفرية و جزر البليار و ارخبيل جزر الكناري و مدينتي سبتة و مليلية…. ، فضلا عن المقترح الرافض لموقف سانشيز الذي صوت عليه البرلمان الاسباني بالاجماع ، و ما تلاه من مقترح رفض و شجب و تنديد بالموقف المعبر عنه الذي صوت عليه مجلس الشيوخ الاسباني .
للاشارة حكومة بيدرو سانشيز هي حكومة اقلية غير متماسكة و مطعمة باحزاب يسارية و قومية( بوديموس/ الحزب الكاطالاني مثال) ، عدد نواب الحزب الاشتراكي الحاكم لا يتعدى 120 عضوا من مجموع 350 نائبا بالبرلمان الاسباني، بالتالي و على ضوء تلازم الازمات يمكن الجزم بان مصير حكومة سانشيز أمسى قاب قوسين و ادنى من التفكك ، و ان مستقبله السياسي اصبح بين كفي عفريت ان لم اقل بالموت السريري اللهم الا اذا حدثت معجزة و زمن المعجزات قد ولى.
* اقتصاديا :
على اثر الموقف المعلن و الداعم للمقترح المغربي بمنح ساكنة الصحراء حكما ذاتيا تحت السيادة المغربية ، بادرت الجزائر الى الرفع من وتيرة التصعيد في مواجهة سانشيز ، في مسعى منها لخنق الاقتصاد الاسباني و تحميل بيدرو سانشيز تبعاتها من اجل التأثير على الناخب الاسباني ، سواء في الانتخابات المرتقبة( مبكرة سابقة لأوانها) او تلك التي سوف تجرى بعد اقل من سنتين” اواخر سنة 2023″. من بين الاجراءات الاولى التي تم اتخاذها جزائريا بصفة فورية :
– وقف استيراد الثروة الحيوانية و منتجاتها من اسبانيا ” العجول و الاغنام…”، حظر اسفر عن خسائر مالية معتبرة قدرت بحوالي 6 ملايين دولار شهريا، اي بمعنى اكثر من 70 مليون دولار في السنة الواحدة ، و هذا سينعكس بالضرورة سلبا على مربي الماشية الاسبان و يزيد من تفاقم الوضح الاقتصادي المتازم اصلا بفعل تداعيات كورونا ، فضلا عن المساهمة في تدني شعبية سانشيز.
– التلويح باعادة النظر في اتفاقية توريد الغاز و مراجعة الاسعار وفق تقلبات الاسواق الدولية ، مستثنية من هذا باقي الدول الاوروبية ، مع التهديد بقطع الغاز عن اسبانيا في حالة ثبوث اعادة تصديره للمغرب بطريقة عكسية عبر انبوب المغرب العربي ، و رغم النفي الاسباني يبدو ان الجزائر غير مقتنعة و تطالب بضمانات و بالمزيد من التوضيحات ( ابتزاز و كسر عضام من اجل الاخضاع و الاركاع ) .
و من يعتقد بتعويض الغاز الجزائري بالغاز الصخري الامريكي فهو واهم متوهم ، و السبب بسيط يتجلى في التكلفة العالية على ضوء ارتفاع الاسعار ( حوالي 60% نسبة تكلفة الغاز الامريكي و ما يتطلبه الامر من وقت و سفن النقل قياسا بغاز الجزائر الذي يضخ عبر انبوب ميدغاز مباشرة عبر الاطلسي) ، للعلم تأمين احتياجات اسبانيا من الغاز الجزائري وصلت سقف 45% و من بعد تقلصت حتى حدود 25% زمن انتشار كورونا ، و اليوم اسبانيا في أمس الحاجة لامدادات الغاز لاعادة تدوير عجلة اقتصادها المتعثر.
– استبعاد و اقصاء اسبانيا من لعب اي دور كانت تنشده كمنصة انطلاقة للتوزيع الحصري للغاز الجزائري في الدول الاوروبية ، و هذا ما كان من المفترض ان يعزز موقعها في الفضاء الاوروبي ، و قد تفاقم وضعها عندما تم تعويضها بايطاليا من خلال ابرام عدة اتفاقيات ثنائية بمناسبة زيارة ر. دراغي رئيس وزراء ايطاليا للجزائر ، اتفاقيات تمت وفق رؤية تشاركية اقتصادية واعدة في عدة مجالات من بينها الصناعات المختلفة و الطاقات المتجددة و استثمارات معتبرة في التنقيب عن النفط و الغاز ( حصة شركة المحروقات الجزائرية سوناطراك 51% و 49% من نصيب شركة النفط الايطالية ايني).
تحويل البوصلة نحو ايطاليا و ما نتج عنه من تقوية و تعزيز لدورها على الصعيد الاوروبي كمنصة انطلاق للغاز الليبي و الجزائري نحو اوروبا ، نجمت عنه خسائر اسبانية بملايير الدولارات كانت قد استثمرتها في البنية التحتية ( ارصفة لاستقبال حاملات النفط و الغاز العملاقة/ 6 مصافي لتكرير البترول و معالجة الغاز السائل و تحويله الى صبغته الغازية/ مشاريع مد الانابيب نحو فرنسا. المانيا . بلجيكا . هولندا ) ، مشاريع ضخمة تهاوت في رمشة عين من حيث لم تحتسب اسبانيا ، هذا ما افقدها دور محوري لصالح ايطاليا ، دور لطالما خططت له و ترجته اسبانيا في الفضاء الاوروبي .
* الأمن السياسي :
– تفجر فضيحة التنصت و اختراق هواتف اكثر من 60 شخصية سياسية/ حقوقية/اعلامية كاطالانية بواسطة برمجيات بيغاسوس الاسرائيلي الصنع ، و هذا ما بات يعرف اليوم في الاوساط السياسية الاسبانية بكاطالان-غيت ، نسبة الى فضيحة ايران غيت الامريكية .على اثر تفجر الفضيحة بادرت الحكومة المستقلة لكاطالونيا بوقف انشطتها الحكومية مع الحكومة المركزية بمدريد ، مطالبة بتوضيحات و فتح تحقيقات قضائية مع توجيه اصابع الاتهام لحكومة سانشيز بالضلوع في عمليات التجسس هذه .
تهمة انكرتها حكومة مدريد في بادئ الامر ثم سرعان ما تراجعت عن النفي مؤكدة ان مثل هذه الأمور تجري وفق الضوابط القانونية و ما يخوله الدستور ( بأمر من المحكمة الدستورية العليا) ، لكن هذه الاخيرة نفت جملة و تفصيلا تلقيها اي طلب حكومي بهذا الشان مضيفة انها لم تصدر اي امر قضائي بخصوص التنصت او التجسس على هواتف المواطنين الاسبان ، موقف المحكمة هذا بدى معه رئيس الحكومة الائتلافية في موقف حرج و ضعف لا يحسد عليه لا سيما بعد انضمام حكومة اقليم الباسك المستقلة الى جوقة المطالبين برأس سانشيز .
– مباشرة بعد فضيحة كاطالان غيت تفجرت اخرى مشكوك في امرها بحسب الاوساط السياسية الاسبانية ، فضيحة التجسس و اختراق هاتفي رئيس الحكومة ” مرتين” و وزيرة الدفاع ” مرة 1″ بواسطة برمجيات بيغاسوس ، لكن هذه المرة اشارت اصابع الاتهام الى ضلوع دولة او منظمة حكومية اجنبية في اشارة الى اسرائيل و المغرب ( بحسب الاعلام الاسباني) ، و لحد الساعة لم يصدر اي تصريح نفيا او تاكيدا من الاطراف الخارجية ، و هذا ما يبقى الامر ضمن خانة التكهنات و الفرضيات ، فيما ذهبت بعض الاوساط السياسية حد اتهام رئيس الحكومة بمحاولة الالتفاف على عمليات الاختراق و التجسس التي طالت هواتف الشخصيات الكاطالانية .
بالمناسبة تجدر الاشارة الى اقتناء اسبانيا لبرمجيات بيغاسوس سنة 2018 ، لكنها بقيت متمسكة بعدم استعماله منذ ذلك الحين سواء ضد جهات خارجية ، او ضد النشطاء السياسيين بخاصة الشخصيات المطالبة بالاستقلال و الانفصال عن اسبانيا ( اقليمي كاطالونيا و الباسك مثال) ، ليطرح السؤال عن الجدوى من اقتناء برمجيات بيغاسوس المثير للجدل دوليا ؟ اليوم بتقديري يمكنني الجزم بان اسبانيا سانشيز لعبت اللعبة و خسرت ، و يلزمها كثير من الوقت لاستعادة مكانتها الجهوية و الاقليمية ، و قد لا تستطيع مجاراة ايطاليا الظافرة و لو بعد حين .

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *