الحاجة إلى التربية الإسلامية.

ذ. محمد ماجي 
تقديم
لا شك أن لكل مجتمع من مجتمعات الأرض ، على مر الزمان ، احتياجات كثيرة ؛ فمنها الحاجة إلى الطعام والشراب ، والحاجة إلى اللباس ، والحاجة إلى الإيواء ، والحاجة إلى التطبيب ، وغير ذلك من الاحتياجات التي تقوم عليها الحياة .
إلا أن حاجته إلى الأمن الروحي والاستقرار النفسي ، تبقى ذات أهمية كبرى ، وسط ذلك كله .
فإذا كان الإنسان يعاني من فراغ روحي ، وانهزام نفسي ، أو قل عدم استقرار نفسي ، فإن حياته تبقى بدون طعم ، وغير ذات جدوى .
ومن هنا يطرح السؤال : من أين للمجتمع بهذا الأمن الروحي وذلك الاستقرار النفسي ؟
إن ارتباط الإنسان بخالقه بشتى طرق الارتباط ، يحقق له شيئا من الأمن الروحي والاستقرار النفسي.
وفي بلدنا المغربي ، وباقي المجتمعات الإسلامية لن يتحقق ذلك بالطريقة المثلى ، إلا بالاهتمام بمادة التربية الإسلامية ، وتدريسها للمتعلمين في مختلف مراحل التدريس ، وجعلها ذات مركزية كبيرة وسط باقي المواد المدرسة .
مفهوم التربية الإسلامية
لن نقف هنا عند البحث في التحديد اللغوي والاصطلاحي للكلمتين : ( التربية – الإسلامية ) ، فليس هذا محل ذلك ، بقدر ما يهمنا تكوين صورة عامة عن هذه التسمية المركبة من لفظتين ؛ إحداهما التربية ، والأخرى الإسلامية .
وعليه يكون المعنى العام لذلك ، والذي قد يفهمه عامة الناس ، هو أن التربية الإسلامية عبارة عن مادة دراسية ، تقدم للمتعلم ، ضمن باقي المواد الدراسية ، وتسعى إلى تربيته وتعليمه وتوجيهه … في الحياة وفق قواعد الإسلام ، أي أن حياته فكرا وسلوكا ومنهجا يجب أن تكون خاضعة لمبادئ الإسلام.
فلا يقول إلا ما يقبله هذا الدين ولا يتعارض معه ، ولا يفعل إلا ما يتماشى مع المنظومة الإسلامية … فيخط له حدودا لا يتجاوزها إلى غيرها ، حدودا تميز له بين الحلال والحرام ، وبين الصالح الطالح ، والحسن من السيء … فيقول الصدق ، ويفعل الخير ، ويظن الظن الحسن ، ويكون متشبعا بالأخلاق الحسنة ، مراقبا لخالقه في السر والعلن ، فاعلا في محيطه بشكل إيجابي …
هذا باختصار شديد هو ما توحي به كلمة التربية الإسلامية لكل باحث عن حقيقتها ، قاصد ماهيتها ، وغايتها ضمن المنظومة التعليمية .
وإذا كان الأمر كذلك فما الذي يمكن أن تقدمه هذه المادة للمجتمع ؟
مركزية التربية الإسلامية في المنظومة المجتمعية
لا أحد يجادل في الدور الذي تلعبه مادة التربية الإسلامية في استقرار المجتمع روحيا ونفسيا ، وفي توازنه فكريا وعقليا ، ولا أحد ينكر ذلك ، إلا معاد لها ولأهلها ، جاهل بأهميتها ، متحامل عليها .
وفيما يلي بعض مما تسهم به هذه المادة في المجتمع :
– تربية المتعلم على المراقبة الذاتية لله تعالى ، فيقوم بواجباته ، وهو صغير أو كبير ، على أكمل وجه ، دون غش أو تحايل أو كسل … لأنه يدرك مراقبة خالقه له أينما كان ، وأنه سيحاسبه على كل تقصير منه . وهنا يتربى لنا جيل لا يحتاج منا إلى مراقبته ، بل يراقب نفسه بنفسه ، مستحضرا قول الله تعالى : ” وهو معكم أينما كنتم ” ؛
– تربيته على قول الصدق كائنا من كان ، فلا تجد في. خلقه كذبا أو نفاقا أو شهادة زور … وبذلك يتم الحفاظ على كثير من الحقائق كما هي ، كما تصبح الإشاعات منعدمة فيما بيننا . وكثيرا ما هدم الكذب بيوتا ، وتسببت الإشاعات في حروب طاحنة ؛
– تكوين جيل يكره الرشوة ، لأنه يعلم أنها محرمة في الإسلام ، وأن صاحبها ملعون عند الله ورسوله … وإذا كان الأمر كذلك سوف نتفادى كثيرا من المشاكل التي نعيشها يوميا ؛ فكم مظلوم صار ظالما ، وكم من حقوق ضاعت ، وكم من مصالح عطلت ، وكم من مشاريع أصبحت في خبر كان … وكل ذلك بفعل جريمة الرشوة ؛
– كراهية السرقة التي أصبحت مستشرية في واقعنا للأسف الشديد ، وذلك بفعل الابتعاد عن ديننا الحنيف ، الذي حرمها ، وتشدد في عقوبة مرتكبها … فأكثرنا اليوم يقع في هذه الآفة عن قصد أو عن غيره ؛
فحينما تضيف الماء إلى الحليب ، فتبيع الماء بثمن الحليب أليس هذا بسرقة ؟
حينما تكون في إدارة ما تشتغل بها ، و تحمل بعض ما بها من أقلام وأوراق … لأولادك ، أليس هذه سرقة ؟
حينما تذهب إلى المسجد للصلاة ، وتضع هاتفك يشحن من كهربائه التي سيدفع ثمنها الساهرون عليه ، أليست هذه سرقة ؟
حينما تأتي إلى محل لبيع السلع ، وتجد بعضهم أمامك ثم تتجاوزهم لشراء أغراضك دون مبالاة بهم ، أليست هذه سرقة ؟ …
نحن كثيرا ما نفكر في السرقة بمفهومها المتعارف عليه ، ولكن ننسى هذه الصغائر ، التي قد تؤدي بنا إلى التهلكة .
هذه الأمور وغيرها نتعلمها في مادة التربية الإسلامية .
– عدم الحاجة إلى الإنفاق كثيرا على الجانب الامني إذ أن إحساس الناس بمراقبة الله لهم يجعلهم ينتظمون من تلقاء أنفسهم ، دونما حاجة إلى من ينظمهم ، أو يوجههم .
ولعل هذه المقارنة البسيطة كافية بأن توضح ذلك ؛ ففي بعض الأحيان ، قد يحضر بضعة مئات في ملعب لكرة القدم ، وتكون النتيجة القيام بعمليات تخريبية يحتاج ترميم تبعاتها وإصلاحها إلى أسابيع ، وأحيانا إلى أشهر ، وكل ذلك في حضور عشرات رجال الأمن . في المقابل قد تجد في مصلى في صلاة العيد ، عشرات الآلاف من المصلين ، يسيرون ويجيئون ويجلسون في نظام وانتظام ، دون أن تجد وسطهم رجل أمن واحد . والغريب في الأمر أنك تجد أحيانا بعضا من المخربين في ذلك الملعب ، يلتزمون الهدوء والانضباط في هذه المصلى ، وكأنهم أشخاص من نوع آخر ؛
–  تفادي الكثير من النزاعات والصراعات ؛ ذلك أن كل فرد من أفراد المجتمع يعرف ما له وما عليه ، يعرف حقوقه وواجباته . ويعرف في نفس الوقت أن الله يطلع على ما في قلب العبد ، فيعمل هذا الفرد على تطهير قلبه من الحسد والنفاق والكراهية وإضمار السوء … كما يعمل على ألا تمتد يده إلى غيره دون حق ؛
– قلة حوادث السير التي تؤدي بأرواح الكثير من البشر ، فالعبد يتعلم النظام في الصلاة ، ويتعلم الصبر ومجاهدة النفس في الصوم ، ويتعلم أن الغضب من وساوس الشيطان … فيكبح جماحه، وتكون قيادته في الطريق معقولة ، فتقل الحوادث .
وبناء على ما سبق ، ولتحقيق ذلك وبالتالي إقامة مجتمع سليم الفكر ، معتدل السلوك ، لا انحراف فيه ولا فساد ولا إفساد … ينبغي أن يكون لمادة التربية الإسلامية مكانها الذي تستحقه ، بين باقي المواد المدرسة لأبنائنا ، ذلك أن البناء ينطلق من الأساس ، وأساس المجتمع هو أبناؤه .

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *