مرحى في مغرب الأثرياء الجدد_(nouveau_riche)

محمد الشرقاوي – أكاديمي وأستاذ باحث مقيم في و.م.أ

كان الشاب عبد اللطيف وهبي يتلمّس طريقه إلى المستقبل من خلال التعلم في مؤسسة الحسن الثاني، ثم ثانوية سليمان الروداني، ويدرك التحديات المعيشية لأسرة كبيرة العدد وكيف عايشها والداه الحسين بن همو وحليمة الوكيلي في مسقط رأسه تارودانت. وقد بلورت هذه النشأة رؤيته المجتمعية وإيمانه بالإصلاح عندما انضم إلى الشبيبة الاتحادية. وعمل محاميا متمرنا في مكتب المحامي أحمد بنجلون حيث اتسع اطلاعه على المشاكل البنيوية في مغرب التباعد بين حظوة الأثرياء ومعاناة الفقراء. وتعزز وعيه السياسي ليصبح “مناضلا” بعد حضوره المؤتمر التأسيسي لحزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي إلى غاية سنة 2010.

قد يحتاج عبد اللطيف وهبي اليوم لسرير التحليل النفساني لدى سيغموند فرويد ليسرد بواعث هذا التحوّل المفاجئ والانقلاب على عقيدته المجتمعية التي ترسخت في أعماقه لتسعة وأربعين عاما من عمره والاقتراب من أوساط حزب الأصالة والمعاصرة، لكي يجد مكانه بين حزب الحظوة ويحصل على جواز السفر إلى طبقة اجتماعية أعلى. ومما يؤكدّ هذا الانسلاخ عن ماضيه والاعتداد بأنه أصبح من فئة “الأثرياء الجدد” Les Nouveau Riches قوله:”ولدي عندو جوج ديال إجازات في مونتريل.. بّاه لا باس عليه.. وخلّص عليه.. وقرّاه في الخارج.”

هي عقدة التماهي مع الكبار ومحاولة تجاوز ما كنّا بدافع الحماسة لما أصبحنا، وكيف نتحصن بمؤشرين أساسيين: الاعتداد بقيمة الثروة المادية والاحتماء بدائرة العلاقات العامة مع النبلاء كما هو تاريخ التحوير الذاتي لغيره من الوهبيين عبر التاريخ. وقديما عند الإغريق، ظهر مفهوم “الثري الجديد” Nouveau Riche في القرن الثامن قبل الميلاد. ومن أفضل ما يختزل هذا التحول من فقراء الأمس إلى أثرياء اليوم عبارة كتبها الشاعر والأرستقراطي ثيوجنيس ميغارا كيف Theognis of Megara في القرن السادس قبل الميلاد إذ قال: “في الفترة السابقة، كانت هناك قبيلة لا تعرف أي قوانين ولا أخلاق … هؤلاء الرجال هم نبلاء، والآن أصبح السادة القدامى هم القمامة”. وفي مجتمع روما القديمة، اتخد مصطلح novus homo “الرجل الجديد” دلالات مماثلة.

ثمة جملة معاصرة تنطبق على الوهبيين الجدد والأثرياء الجدد عندما يصبح المرء “يدير أسلوب حياة أرستقراطي على ميزانية تاجر”، كما جاء في كتاب The Nouveaux Pauvres: A Guide to Downward Nobility “دليل نمط الحياة للأرستقراطيين المنكوبين بالفقر”، الذي أصدره نيكولاس مونسون وديبرا سكوت عام 1984. وكلما تأملنا اللغة الجديدة للسيد وهبي، تظهر بعض العبارات وبنية التعبير التي تنطوي على حداثة النعمة وجديد المقام الاجتماعي لصاحبه. فهو يقحم المقدرة المالية والسبل المادية والخطاب الأكثر صرامة والأقل صقلًا لأولئك الذين صُنعت ثرواتهم مؤخرًا. ويخون المتحدث نفسه عندما يكشف بزلات لسانه أنه شخص ما زال ينتقل من شخص ليس لديه إلى شخص يملك بالتأكيد.

أكد الوزير عبد اللطيف وهبي تسرّعه وانفعاله، والأكثر من هذا كله، قناعته بأن رأس المال هو الفيصل في مغرب العهد الجديد. وينطوي دفاعه عن دراسة ابنه في كندا على عدة أمور أساسية في تركيبته السياسية والفلسفية بين عضوية الحكومة ورئاسة الحزب. ويكمن الوجه الآخر للعملة في تعبيره الجامح في أن أبناء الفقراء المغاربة لا ينبغي أن يتنافسوا مع ابنه وأبناء وبنات بقية الأثرياء القدامى والجدد.

ليس عبد اللطيف وهبي ظاهرة استثنائية في ركوب مغرب الثروة ومغرب الحظوة في دائرة الرباط، بل هو عينة أخرى على تحوّر النخب الحزبية بين سائر المشارب الأيديولوجية. وقبل سنوات قليلة، لوح لحسن الداودي عضو حزب العدالة والتنمية بأن “لي بغا يقرّي ولادو خاص يكحب الفلوس.” هي موجة تتكاثر نحو تشيئة الحياة العامة، ومَوْلَلَة (من المال) جل القطاعات الحيوية مثل التعليم والصحة بين أصحاب القدرة المالية وأصحاب العوز واليد القصيرة. وعلى خلاف الدول الغربية التي أصبحت تتجه رغم رأسمالياتها، مثل ألمانيا والدول السكندنافية، نحو نموذج الدولة الديمقراطية الاجتماعية وتأمين خدمات عامة أكثر لمواطنيها في أعقاب حقبة كورونا، يختار المغرب الاتجاه الآخر وهو الاحتكام إلى قوة المال وفوارق الملكية ونزعات الاحتكار والتلويح بقوة المال.

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *