في معنى الاختيار الاحتفالي
محمد الوادي
في البدء كان البحث عن مرجعية وسند نظري:
قبل سنوات، في عنفوان الشباب الفائر المتحمس، كنت مدمن قراءة منفتحة على كل المجالات المعرفية، فقرأت من كتب المسرح، وشاهدت من المسرحيات، ما يكفي لتكوين رؤية، واتخاذ قرار، واتباع منهج. وفي منتصف الثمانينات بدأ وعيي الفكري يتشكل. كانت ساعتها الساحة الفكرية والثقافية والفنية في المغرب تعج بالنظريات وبالصراعات السياسية التي انعكست، بشكل بائن، على المجال الثقافي وما ارتبط به نزعات ايديولوجية. المجال المسرحي لم يكن حالة شادة، بل انخرط المسرحيون ممن لهم حس فني، ووعي سياسي، وقدرة على مواكبة التحولات المجتمعية، ولهم رؤية وكفاءة فكرية، ولهم تحصيل علمي وتعليمي يمكنهم من الاستيعاب… انخرطوا في الاختيارات النظرية الكبرى التي انفتح المغرب عليها مبكرا. أمام هذا الكم الهائل من النظريات والاتجاهات الفكرية والفنية العالمية والعربية والتي مست المسرح المغربي وأثرت فيه كان لزاماً علي أن أحدد اختياراتي المبنية على قناعات بعدما قرأت وفككتُ البنيات وأعدت تركيب وترتيب المعطيات والمدركات، وامعنت النظر في كل نظرية من هذه النظريات. كان ساعتها، في المغرب المسرحي، مجموعة من الأوراق النقدية التي قدمت نفسها، انطلاقاً من منتصف السبعينات، على أساس أنها مشاريع نظريات مسرحية. قرأت، كغيري من المكتوين بنار المسرح والحالمين بأن يصبحوا من الفاعلين والمتفاعلين، كل هذه المشاريع بالدقة اللازمة على ضوء النظريات الفكرية التي اتكأت عليها كمرجعيات.
في اختيار الاحتفالية:
هل كانت الاحتفالية قدري الفكري والفني؟ هل أصبحت احتفاليا بين عشية وضحاها؟ هل أغوتني الاحتفالية؟ هل ضللت الطريق باختياري هذا؟ هل أصبت أم أخطأت حينما أعلنت عن عشقي للاحتفالية مبكراً؟ ما هو الثمن الذي سأدفعه إن كان اختياري غير صائب؟ وما الذي من الممكن أن أربحه أن كان اختياري صائباً؟ هل للاحتفالية آفاق؟ وما عساها تكون هذه الآفاق؟ كل هذه الأسئلة وغيرها قضت مضجعي وكان علي أن أجيب عليها، أو أجد لها أجوبة عند غيري. وما عساه ان يكون هذا الغير؟
في لقاء عبد الكريم برشيد:
قرأت كل نظريات المسرح العربي، وركزت في قراءاتي على ما عد، في المغرب، إجرائياً وتجاوزاً، نظريات، أو بالأحرى مشاريع نظريات، أو بشكل أدق أوراق نقدية، وهي بالمناسبة قليلة بالنظر إلى حجم المعارك النقدية، والفورة التي عرفتها الساحة المسرحية المغربية، انطلاقاً من منتصف السبعينيات من القرن الماضي، إلى أن أفل نجم كل هذه المشاريع النظرية مع مرور الوقت، وبقيت الاحتفالية تقاوم وتراكم أدبياتها وبياناتها التي لم تنقطع.
كان علي أن ألتقي عبد الكريم برشيد الذي سطع نجمه في سماء المسرح العربي سواء ككاتب أو كمنظر للاحتفالية. أول ما التقيته لأول مرة وكان ذلك في الدار البيضاء بالمركب الثقافي المعارف الذي أصبح يحمل، فيما بعد، اسم المركب الثقافي محمد زفزاف. قدمت له نفسي فقال لي أعرفك وأتابع كتاباتك. كنت جد نشيط وقتذاك ثقافياً وإعلامياً. ساعتها عرفت ان الرجل له دراية بالمشهد الثقافي والفني والإعلامي ولا تفوته لا صغيرة ولا كبيرة، وله ذاكرة متفدة وحية، وله وعي تام بمجال اشتغاله. بعد هذا اللقاء العابر تعززت ثقتي في اختياري الاحتفالي.
الاحتفالية والاحتفالية الجديدة:
حينما أصدرت البيان الأول للاحتفالية الجديدة ونصَّصْتُ فيه على أن الاحتفالية الجديدة هي اجتهاد داخل اجتهاد الاحتفالية وصف خطوتي هذه بعض المنتسبين للاحتفالية بالمتسرعة. ولكن عبد الكريم برشيد باركها واعتبر أن الاحتفالية يجب أن تتناسل وتتكاثر وتتوالد وتنجب احتفاليات. وهو ما بدأ يترجم واقعياً فهناك الاحتفالية الجديدة، والاحتفالية المتجددة، والاحتفالية الإكولوجية. وحتماً ستظهر احتفاليات أخرى قد تكون جمالية، أو أسلوبية، او تتخذ من الأسماء والصفات ما يشاء صناعها. وحتماً ستغني الحقول الاصطلاحية والمفاهيمية للاحتفالية.