محمد الغاوي.. الفنان الإنسان
“هذه حسنة جابها الله، فعلاش لا” ؟
**************
نورس البريجة: خالد الخضري
**************
كثيرا ما كتبت عن مبدعين واصدقاء رحلوا إلى دار البقاء، لكن القلم في الأيام الأخيرة حرن بين أصابعي واستعصت الكلمات عن الخروج كما جفت الدموع كمدا على رحيل صديق، مبدع وفنان يستحق جميع الأوصاف الجميلة لعل أهمها “الإنسان”. نعم إن أجمل وأصدق نعث يمكن أن نصف به محمد الغاوي هو “الفنان الإنسان”. وذلك لما عرف به وعنه من حميد الخصال، لباقة القول والحديث، جمال الأناقة وتناسق الهندام وخصوصا أنشطته الجمعوية ودعمه المادي والمعنوي للمحتاجين في شتى القطاعات على رأسها القطاع الفني حيث كان سباقا إلى الوقوف إلى جانب العديد من زملائه الذين مروا بأوقات عصيبة.
من ضمن هؤلاء الفنان الشعبي الجديدي فتاح الخيالة الذي اضطره مرض السكر إلى بتر ساقيه معا غدا بسبب ذلك مشلولا عن الحركة. فطلبت لأجله كرسيا متحركا من جمعية أبي رقراق بسلا حيث تدخل كل من الصديق المسرحي عبد المجيد فنيش وكذلك الفنان محمد الغاوي لدى الجمعية التي لبت الطلب. وذهبت شخصيا إلى الرباط لتسلمه وإحضاره، طالبا من الفنان الغاوي أن يشرفنا بالحضور لمدينة الجديدة لتسليم الكرسي للفنان فتاح بمناسبة تكريمه في الدورة 11 لمهرجان “الأيام السينمائية لدكالة بالجديدة”. وفعلا استجاب الغاوي قاطعا بذلك سفرا له إلى كندا حيث قال بالحرف خلال حفل التكريم:
– حين وجه إلي الأخ خالد الخضري الدعوة لحضور حفل تكريم “خايْ فتاح” في مهرجان الجديدة السينمائي، قطعت سفرا مهما قائلا مع نفسي: “هذه حسنة جابها الله..فعلاش لا؟”.
وفعلا قدم الغاوي الهدية لفتاح الخيالة وغنى معه بل وتأثر باكيا حين معاينته للروبرتاج الذي أعددت عن فتاح وواساه قائلا أيضا وهو يحضنه:
– خاي فتاح، هذا هو الفنان وهكذ نحن الفنانون في هذه الدنيا، يوم لك ويوم عليك.. اليوم راك سبع فوق الخشبة وغدا يعلم الله؟
وكأن الفنان السي محمد الغاوي حدس ما سيحمله الغد له حين ودعنا صامتا بعد أن ضج معه جمهور “الأيام السينمائية لدكالة بالجديدة” وضيوفه طيلة 3 أيام نشاطا، غناءا وفرحا خصوصا في يوم الاختتام (الأحد 6 نوفمبر 2022) حين هيأت بمساعدة طاقم إدارة المهرجان نزهة في غابة الحوزية تناولنا خلالها وجبة”رفيسة” دكالية محضة بالدجاج والبيض البلْديَيْن كما اللوز والبصل والزبيب والحلبة طبعا.
فابتهج جميع ضيوف المهعرجان بهذ النزاهة الدكالية التى أتتها – زيادة على تغريد العصافير وهدير البحر الغير بعيد عن بالغابة – غناء ثنائي شعبي بالكمنجة والبندير غنى ورقص على إيقاعهما وطربهما الضيوف. إلا أن تمة حالة شرود مع نظرة حزن كانتا تنتابان الفنان الغاوي من حين لآخر، كما يبدو في الصور المرفقة.
صبيحة يوم الإثنين 7 نوفمبر 2022 وعلى مائدة الإفطارفي فندق جوهرة بالجديدة، عزفت له مقطعا من أغنيته الشهيرة “الغربة والعشق الگادي” أداه بصحبتي معلنا عن مفاجأته بمعرفة أنني أعزف على العود. ثم قام مودعا حيث رافق الأستاذ فقيهي الصحروي في سيارة هذا الأخير حتى مدينة الدارالبيضاء.
ذاك كان آخر نشاط فني ثقافي وأيضا إنساني فذ، يقوم به المرحوم الفنان محمد الغاوي بمدينة الجديدة قبل أن يصاب بالجلطة الدماغية في متم دجنبر 2022 والتي أودت بحياته يوم 4 فبراير 2023. فيما يلي رابط فيديو حفل تكريم الفنان فتاح الخيالة بحضور صاحب “نحرثو البلاد” الذي رافقه في الغناء الشيء الذي أعاد الثقة بالنفس إلى فنان دكالة، فجعله مرة أخرى يقبل على الحياة بروح معنوية مرتفعة، بينما غادرها الغاوي دون سابق إشعار وبعد صراع مرير مع الموت: ولا زال صدى كلمات “الغربة والعشق الگادي” يرن في المسامع: ((كندير نقاوم هادي كندير.؟؟ كندير نصارع هاديك واش ندير؟؟)):
https://www.youtube.com/watch?v=F9Ifi5q6_uI