fbpx

المخاض العسير و الانزال الكبير

بقلم ابو ايوب
بعدما اسدل الستار عن القمة الافريقية العادية لرؤساء الدول و الحكومات الافارقة في طبعتها 36 ، اصبح من الضروري البحث في مخرجاتها و ما تولد عنها من تطورات و تبلورات شملت عدة قضايا و ملفات تهم القارة السمراء الواعدة ، قارة اصبحت بكل المقاييس تستهوي كبريات الشركات العالمية حيث بات التنافس على اشده ، في مجال الطاقة و الثروات المعدنية و الفلاحة و فرص الاستثمار …سوق استهلاكية تشكلها اكثر من مليار و 400 مليون نسمة اثارت شهية اقوى الاقتصادات العالمية حيث بلغ التهافت عليها من اولى الاولويات ( الصين.روسيا.امريكا.اليابان.تركيا.اسرائيل.الاتحاد الاوروبي مثال) ، بشأنها كثرت القمم الاقتصادية مع تسجيل ارتفاع ملحوظ في حركية الرساميل الاجنبية ، الى ان اصبح الجميع يخطبون ودها و يتوددون لها نظرا لما تمثله من مقدرات طبيعية ، و اراضي فلاحية و ثروات حيوانية و زراعية قد تجعل منها صمام الأمن الغذائي و الطاقي لكافة دول العالم .
* المخاض العسير
افريقيا اليوم بقدر ما تنشد الحياد في الصراع الدائر بين الغرب بقيادة امريكا و الشرق بزعامة روسيا و الصين ، بقدر ما تبتغي و تسعى للانعتاق من التبعية للمستعمر القديم في ظل نظام عالمي جديد آخذ في التبلور على ارض الواقع ، من بوادره الاولى ما تولد عن الحرب الروسية الاوكرانية من تطورات و متغيرات طالت اكثر من مجال ، حرب ارتقت الى حرب عالمية ثالثة دون الاعلان الرسمي عن نشوبها ، و لا زالت لحد الساعة ترخي بظلالها على مجمل العلاقات الدولية ، صراع سيفضي بالضرورة الى تغيير المفاهيم و المعايير المتوافق بشأنها سابقا ، بالتالي يصبح من المنطقي القيام بتعديلات تفضي الى اصلاح الأمم المتحدة بما يتناسب مع الواقع الجديد .
بتقديري للوضع الحالي ، التاريخ يعيد نفسه لكن بمفاهيم و قوانين جديدة لافساح المجال امام تعددية قطبية ، و للتوضيح اكثر علينا استحضار مسببات و مآلات الحرب الكونية الأولى ، و ما افضت اليه من نعي لعصبة الأمم و استبدالها بالامم المتحدة بميثاق و قوانين جديدة خدمت مصلحة الفائزين في الحرب الى يومنا هذا ، وقتذاك انقسم العالم الى شطرين متنازعين متصارعين على النفوذ ( المنظومة الشرقية بزعامة الاتحاد السوفياتي و دراعها العسكري حلف وارسو/ المنظومة الغربية بقيادة امريكا و دراعها العسكري حلف الناتو ) .
و بعد صراع مرير و مخاض عسير استفاق العالم على تفكك المنظومة الشرقية و تسيد المنظومة الغربية ، إثرها تغول قانون الغاب او ما عرف بالاحادية القطبية التي اوصلت العالم الى ما نترجعه اليوم من ازمات و حروب بالوكالة ، و فوضى خلاقة كما نظرت لها كوندوليسا رايس وزيرة خارجية امريكا السابقة في مشروعها ( الشرق الاوسط الجديد) ، بالتالي فقد العالم توازنه و اتزانه بشكل معاكس لقانون الطبيعة ( الطبيعة تخشى الفراغ ) ، فاصبح الوضع الجديد الذي نتج عن الحرب الروسية الغربية بالوكالة ، يستلزم و يحثم خيارين اثنين لا ثالث لهما تفاديا للانهيار ، اما اصلاح الأمم المتحدة بما يضمن العدالة للجميع او ايجاد هيكل تنظيمي جديد بما يتناسب و يتوافق مع المتغيرات الطارئة بالمسرح الأوكراني .
* الانزال الكبير
في سابقة من نوعها بمناسبة انعقاد القمة الافريقية العادية 36 ، شارك المغرب بوفد ترأسه رئيس الحكومة السيد عزيز اخنوش ضم 46 شخصية رسمية من بينها وزير الشؤون الخارجية السيد بوريطة ، سابقة لم تتفوق عليها في رمزيتها و ضخامتها و مستواها التمثيلي سوى الجولات الملكية المكوكية لمختلف الربوع الافريقية سنوات 2015/16/17 . من ابرز الملفات التي حملها الوفد المغربي ملف ( نداء طنجة) ، او ما اصطلح على تسميته رسميا بالكتاب الابيض ، ملف حوى مخرجات ندوتي طنجة و مراكش بمشاركة حوالي 30 مسؤولا افريقيا سابقين موزعين بين سفير و وزير خارجية و رئيس حكومة ، نداء طنجة كان عنوانه الابرز مطالب بطرد ( الجمهورية الصحراوية من الاتحاد الافريقي ) .
فيما ثانيها فكان ملف الدعم اللامشروط لانظمام اسرائيل للاتحاد الافريقي كعضو مراقب ، و هو الملف الذي عرف نشاطا كبيرا لوزير الخارجية السيد بوريطة ، عبر تواصله المستمر مع نظرائه الافارقة الذين ترتبط دولهم بعلاقات رسمية مع اسرائيل ، في سعي دؤوب لتوفير النصاب القانوني لانظمام الحليف القديم الجديد للمغرب الى المنظمة القارية ، لكن الرياح جرت عكس المسعى و المبتغى ، بعدما انبرت كل من جنوب افريقيا و الجزائر لوأد الحلم الاسرائيلي و فرضتا واقعا مغايرا معاكسا للتطلعات المغربية .
صحيح ان الرفض اعقبه تعليق ملف انظمام اسرائيل كعضو مراقب ، كما هو صحيح ايضا احالة الملف على انظار لجنة افريقية للحسم فيه دون الرجوع الى رئاسة القمة ، لجنة تترأسها جنوب افريقيا و الجزائر و هذا وحده كفيل بالتنبؤ بمآل القضية اللهم الا حدثت معجزة و زمن المعجزات ولى ، و على ضوء خيبة الامل هذه ، يفقد المغرب عونا و سندا و حليفا قويا بالقارة السمراء .
على ضوء هذا الوضع و في ظله ، مقولة لا بلح اليمن و لا عنب الشام قد تصلح كعنوان للزمن المغربي الحالي افريقيا ، لا سيما بعد تواتر اخبار مفادها عدم الالتفات الى… و الاكثرات ب… و تجاهل ما دونه الكتاب الابيض من مطالب و سعي حثيث لطرد ( الجمهورية الصحراوية ) او على الأقل تجميد عضويتها بالاتحاد الافريقي ، و هذا بتقديري امر جد مستبعد جملة و تفصيلا .
دليلي في هذا ان القانون التأسيسي للاتحاد الذي لا يسمح بتجميد العضوية الا في حالة انقلاب عسكري و الاستيلاء على السلطة بالقوة ، كما ان العقل الافريقي و منطق الاشياء لن يتقبلا طرد عضو منظم حديثا لعضو مؤسس للاتحاد ، فضلا عن المادة الرابعة من القانون التأسيسي التي تنص على الالتزام باحترام حدود الدول غداة الاستقلال ( الحدود الموروثة عن الحقبة الاستعمارية) .
بالتالي السؤال يفرض نفسه عن الخريطة التي قدمها المغرب قبل انظمامه للاتحاد القاري ؟ و بناء عليه اذا كانت الخريطة شاملة للصحراء فتلك ورطة الاتحاد الافريقي الذي لم يبادر الى التكفير عن غلطة منظمة الوحدة الافريقية ، اما اذا كانت الخريطة المقدمة لم تشمل كامل جغرافية المغرب فذاك ضحك على الدقون و استبلاد و استغباء للمغاربة قاطبة ، لا يقل اهمية عن مسألة السيادة المغربية على صحراءه و مجالها الجوي تديره اسبانيا و تستفيذ من رسوم العبور منذ سنة 1975 حتى حدود الساعة ؟.

اترك رد