fbpx

مستقبل المدرسة في ظل التحول الرقمي: نحو مسار للتفكير الراشد

بقلم: خالد الصمدي
وصلني عبر نشرة خاصة خبر يفيد أن خبراء شركة غوغل يضعون لمساتهم النهائية لإطلاق برنامج غوغل الدراسي الإشهادي العالمي الرقمي بعد فترة تجريبية ،
هذا العرض التربوي الرقمي سيمكن الآباء و الأمهات من اختيار مسار أبنائهم الدراسي ومدة الدراسة التي تناسبهم من مقر إقامتهم من الخطوة الأولى في التمدرس إلى التخرج ، مع خضوع كفاياتهم للتقييم المنتظم عن بعد ، مع ضمان حقهم في التوجيه والإرشاد الى المهن الأكثر جاذبية في سوق الشغل ومستوى الكفايات المطلوبة لولوجها، دون أن يحرموا في نفس الوقت من حقهم في التواصل مع جماعة الأقران من خلال برامج عمل مشتركة لتطوير مهاراتهم الاجتماعية والتواصلية ،
يتوج كل ذلك بالحصول على شهادات معترف بها من المدارس والجامعات المعتمدة والتي تعمل بالنمط الحضوري التقليدي أو عن بعد ،
وفي هذا الإطار تفيد العديد من التقارير ذات الصلة برصد التحولات التي يعرفها حقل التربية والتعليم خاصة في ظل التغيرات التي أحدثتها التكنولوجيات الرقمية على حياة الإنسان المعاصر، أن هناك علامات جدية على دخول النموذج التقليدي للمدرسة في طور الأفول في الأمد المنظور ، بعد أن أصبح إصلاحه من الداخل مكلفا جدا للدول بالمقارنة مع المردودية التي تنتظرها منه في المستقبل ،
الاتجاه نحو النموذج التربوي الرقمي الذي يعرف توسعا تدريحيا على شبكة الانترنيت سيمكن من خلخلة مجموعة من المسلمات في بنية المنظومات التربوية:
وهكذا يتوقع أن تحدث العروض الرقمية تحولات عميقة في الزمن الدراسي التقليدي في اتجاه الاختزال وحسن الاستثمار ، وستضمن لروادها خيارات متعددة لزمن التعلم تراعي الفروق الفردية للمتعلمين مما سيمكن من إنصاف الموهوبين من جهة ، وتمكين باقي المتعلمين من اختيار مسارهم الدراسي وتكييف نظام الدراسة مع حاجتهم وإمكاناتهم وقدراتهم دون ضغط إلا من الرغبة الذاتية في التعلم ومقدار الجهود التي يعبؤها كل متعلم على حدة ،
وأنها من المتوقع أن تحقق مستويات متقدمة من الإنصاف وتكافؤ الفرص شريطة الولوج المنصف والعادل إليها ،
خاصة وأنها ستمكن المنظمات الدولية من تجاوز صعوبات تدبير التعليم في المناطق النائية وذات الخصاص ، وتأمين التعلم في ظل الأزمات خاصة في مناطق النزاعات وتلك التي تعيش حالة الطوارئ الأمنية او الاقتصادية أو الصحية ،
أما على مستوى التمويل فمن المتوقع أن توجه الدول والمنظمات المانحة الاعتمادات المالية المخصصة للتعليم أكثر فأكثر إلى الاستثمار في الولوج المنصف الى التكنولوجيات الحديثة وإنتاح الموارد التعليمية الرقمية ضمانا لحق الجميع في الولوج المنصف والجيد للتعليم عن بعد،
وعلى المستوى القانوني والتشريعي يتوقع أن ينتهي بالتدريج زمن المذكرات والمراسيم التنظيمية الخاصة بتدبير النموذج التقليدي للمدرسة ، وسيخف دفتر النصوص التشريعية حيث سيتم الاقتصار على القوانين الناظمة التي ستتوجه أكثر فأكثر إلى الإرساء التدريحي لهذا النموذج الجديد للتعلم ،
على المستوى البيداغوجي سيتم التركيز أكثر على تنمية المهارات والقدرات المنهجية المؤهلة للحياة أكثر من المعلومات والمعطيات العامة ، وسيتم التركيز على أنماط وشبكات ومؤشرات التقييم ، وأنظمة الإشهاد والتصديق على الكفايات ، ومعادلة الشهادات وحركية التكوينات ، مع ظهور وتطور التكوين البينمؤسساتي ، الذي سيهدم الجدران بين المؤسسات التعليمية خاصة في التعليم الجامعي ،
أما على مستوى الموارد البشرية فقد أضحى التكوين في البيداغوجيا الرقمية رهان المستقبل بالنسبة لكل الفاعلين في المنظومة منا سيمكن المدرس من تغطية حاجيات أكبر عدد ممكن من المتعلمين ، خاصة مع الارتفاع المضطرد لعدد المتعلمين ، وازدياد الطلب على التعليم ،
وعلى مستوى الحاجيات من الموارد البشرية فيتوقع أن تنقرض مهن إدارية وبيداغوحية كثيرة ، وستعوض بمهن التدبير والتواصل والتأطير والتقييم الرقمي ، والتطوير والمواكبة والتتبع والجودة ،
أما على مستوى البنيات والتجهيزات فستختفي بالتدريج مصطلحات النقل المدرسي والداخليات والأحياء والمطاعم الجامعية والمدرجات، وستعوضها مؤسسات متخصصة في إنتاج الموارد الرقمية ، مزودة بآليات التدبير والتقويم الرقمي، حيث ستزداد الحاحة إلى تكوين متخصصين في إرساء أنظمة التقويم وتتبع تنفيذها ler évaluateurs
وعلى مستوى التكوين الجامعي والبحث العلمي يتوقع أن تختفي التخصصات التقليدية المعروفة في جامعاتنا تدريحيا وتظهر عوضها أسماء أخرى ذات الصلة بالكفاءات المنهجية الأفقية المندمجة القادرة على تمكين الخريحين من التكيف السريع مع تحولات سوق الشغل،
على مستوى البحث العلمي يتوقع أن تولي الجامعات ومؤسسات البحث اهتماما متزايدا بالعلوم الإنسانية والاجتماعية وتوجيهها الى ضرورة تضييق هامش التنظير ، والتركيز على الدراسات التطبيقية الميدانية المتخصصة في رصد التحولات المجتمعية ومراقبة التطورات واقتراح البدائل وبناء استراتيجيات التطوير ، وعرض نتائج كل ذلك على صناع القرار السياسي والاقتصادي على وجه التحديد ،
إن ممارسة مهن المستقبل لن تتطلب بالضرورة التنقل الى أماكن العمل سواء داخل الوطن أو خارجة ، حيث يمكن لمهندس أو أي إطار أن يمارس عمله في أمريكا من المغرب وأعرف اليوم عددا منهم ، ويمكنه أن يمارس أكثر من مهنة في وقت واحد ، كما يمكنه أن يمارس مهنا متعددة خلال مساره المهني الافتراضي ، الذي قد يصل إلى 40 سنة ، مع اختفاء شىء اسمه سن التقاعد الذي سيصبح قرارا شخصيا وخيارا فرديا ،
تحولات عميقة تحث تقارير المنظمات الدولية على ضرورة التفكير الجدي فيها والاستعداد لها بالموازاة مع التدبير الإعتيادي للنموذج التقليدي للمدرسة بمفهومها الواسع ،
العالم دخل منذ بداية عصر الانترنيت بالتدريج إلى التعليم الهجين ( حضوري وعن بعد ) والمتعلم أضحى يميل بسرعة الى كل ما هو رقمي ويمل من الفضاءات التقليدية للتعلم ،
وليس ذلك سوى علامة فارقة على بداية أفول النموذج التقليدي للمدرسة وبزوغ فجر النموذج الجديد ،
فهل تأخذ الدول النامية ومنها معظم دول العالم الاسلامي حذرها واستعداداتها حتى تتكيف مع هذه التحولات،؟ أم ستظل غارقة في التدبير اليومي لمنظوماتها التربوية بعيدا عن أي تفكير استراتيجي حتى تفاجأها هذه التحولات وتصطدم بها فتجدها دون عدة ولا عتاد ؟
وهل يمكن للمنظمات الدولية المتخصصة في التربية والتخطيط الاستراتيجي أن تواكب هذه الدول وتقودها في هذا المسار الى سبيل الرشاد ؟

اترك رد