العراب
بقلم ابو ايوب
المهندس الجديد القديم لسياسات الجزائر الخارجية د احمد عطاف من خريجي المدرسة العليا للادارة ، قبل يومين من تخليذ ذكرى النصر التي تصادف التاسع عشر مارس من كل سنة ، تمت المناداة عليه لقصر المرادية ليتم من بعد تعيينه وزيرا لخارجية الجارة الشرقية ، خلفا للمخضرم رمطان لعمامرة شيخ الديبلوماسية بحسب الوصف المحلي . الوزير الجديد من مواليد سنة الف و تسعمائة و ثلاث و خمسين ميلادية ، اي قبل اعلان ثورة التحرير بزهاء سنة و نيف ، تدرج بعد تخرجه في عدة مناصب حكومية بين سفير و كاتب عام وزارة ….
ابان العشرية السوداء التي عاشت فصولها الجارة الشرقية منذ سنة 1991، التاريخ المصادف لتوقيع المغرب و جبهة البوليساريو على اتفاق وقف اطلاق النار بالصحراء تحت رعاية الأمم المتحدة ، و مباشرة بعد تعيين الجينرال ليامين زروال خلفا للرئيس الشاذلي بن جديد ، على رأس الدولة و رئيسا للحكومة الجماعية وقتذاك ( Gouvernement collégial ) ، وقع الاختيار على د احمد عطاف ، مهندس و عراب فكرة غلق الحدود مع المغرب و فرض التأشيرة على المغاربة ، كوزير خارجية الجزائر سنة 97 ، معروف عنه دهاءه السياسي و حنكته الديبلوماسية و خبرته النوعية بالشؤون و القضايا الافريقية خاصة و الدولية عموما ، حيث استمر على رأس الوزارة لاقل من اربع سنوات ، و بمجيئ عبد العزيز بوتفليقة كرئيس جديد للجزائر خلفا للجينرال زروال سنة 1999 , تم اعفائه من منصبه على اثر سوء الفهم الكبير مع بوتفليقة في تدبير مخلفات و مضاعفات العشرية السوداء .
الملاحظ اليوم فيما يجري بالشقيقة الشرقية ، العودة القوية للشيوخ المخضرمين الى مقاليد السلطة و صناعة القرار ، يعتبر العنوان الابرز لما سوف يشهده المستقبل المنظور من تصعيد و تأزيم للوضع الحالي بشمال غرب افريقيا ، لا سيما الوضع بالصحراء التي تشهد اعمالا حربية بين المغرب و البوليساريو بشهادة الأمم المتحدة نفسها ، مضاعفاته ستشمل بالضرورة المحيط الاقليمي و الجهوي بما ينذر بتفاقم الوضع و تعقيده اكثر ، فيما التداعيات ستطال الامن و الاستقرار بضفتي حوض الابيض المتوسط وصولا لدول الساحل و الصحراء ، التي تعيش على وقع حرب على المجموعات الارهابية بكل من النيجر و مالي و بدرجة اقل موريتانيا .
للتذكير ، المنطقة المغاربية و شمال افريقيا عموما أمست برميل بارود قد يشتعل فتيله في اية لحظة ، و هذا ما سوف يستدعي تدخلات اجنبية البعض منها يسعى لخلق فوضى عارمة ليست البثة في صالح الفضاء الاقليمي و الجهوي ، برميل بارود ينضاف لما تعرفه منطقة الشرق الاوسط و الخليج الفارسي من تأزم الوضع بفلسطين و لبنان و ما تعيشه اسرائيل من ازمات مستفحلة و انقسام داخلي طال المؤسسة العسكرية نفسها ، وضع ينذر بحرب وشيكة شهر رمضان الابرك ( اسرائيل في مواجهة الفصائل الفلسطينية و حزب الله لتصدير ازماتها الداخلية لدول المنطقة ) ، وضع يحيلنا بالضرورة على نظرية كوندوليزا رايس وزير الخارجية الامريكية سابقا ، في مقاربتها لمشاكل و ازمات شمال افريقيا و الشرق الاوسط و الخليج ، وقتها تبنت الوزيرة نظرية الفوضى الخلاقة لاعادة تشكيل المنطقة برمتها .
نظرية تم وأدها في المهد بتنسيق روسي صيني ايراني ، سرعان ما تمطط التنسيق ليشمل القارة الافريقية بخاصة مع الجزائر و جنوب افريقيا و نيجيريا و انغولا و اثيوبيا و كينيا ، قبل انضمام دولة مالي و جمهورية افريقيا الوسطى و موريتانيا لهذا المحور ، بالتالي تغيرت موازين القوى لصالح دول المحور ، على حساب المصالح الغربية التي بدأ نفوذها يتآكل تدريجيا بافريقيا ، بخاصة النفوذ الفرنسي و الالماني لحساب الصين و روسيا ( الدول الفرانكوفونية بالنسبة لفرنسا/ ناميبيا بخصوص المانيا مثال) ، هذا ما اشار اليه بالضبط سفير المانيا عند لقاءه الرئيس الناميبي ، حيث ابدى امتعاضه الشديد من التواجد القوي للصين بناميبيا ، فضلا عن المأزق الذي وجد نفسه فيه الرئيس الفرنسي ماكرون في جولته الافريقية الأخيرة ، خاصة بعد لقائه بنظيره الكونغولي الذي امطره امام وسائل الاعلام بوابل من اللوم الجارح بنبرة تحدي ، و الانتقاد الصريح لسياسات فرنسا بمستعمراتها السابقة بافريقيا .
بالعودة الى ما يشغل بال المغاربة على ضوء التعديل الحكومي بالجارة الشرقية ، بخاصة اعفاء الوزير رمطان لعمامرة الذي ساهم بقسط وفير في فرملة الاندفاعة الاسرائيلية بافريقيا ، و وأد حلم ظل يراودها منذ يوم طردها من منظمة الوحدة الافريقية بداية الالفية الثانية ، حلم النيل بعضوية الاتحاد الافريقي كعضو مراقب تبخر و اصبح سرابا ، يمكنني الجزم اليوم باحتمالين اثنين فيما له علاقة بالاعفاء و التعيين ( وزارة الخارجية حصرا) :
* اعفاء الوزير لعمامرة ما هو الا مقدمة لترشيحه لمنصب اكثر اهمية ، من منطلق الخبرة التي راكمها طوال مشواره الديبلوماسي ، و العلاقات التي تمكن من نسجها على الصعيد الافريقي و الاوروبي و الدولي ( المعهد الدولي لابحاث السلام و السلاح باستوكهولم مثال) ، تجربته الكمية و مساهماته النوعية تجعل منه المرشح الاوفر حظا , لشغل منصب الممثل الدائم للجزائر بمجلس الامن الدولي برسم سنتي 2024/2025 ) .
* تعيين الوزير الجديد احمد عطاف على رأس وزارة الخارجية ، يعتبر رسالة تصعيد تدريجي موجهة نحو المغرب ، الهدف منها خلق المزيد من العراقيل و نصب الفخاخ للديبلوماسية المغربية ، و قد يستغل الوضع الحالي و ازمات المغرب المختلفة مع الاتحاد الاوروبي ، و الدول الافريقية الاكثر نفوذا بالقارة كجنوب افريقيا و نيجيريا و كينيا و انغولا و اثيوبيا ، لتشكيل محور جنوب افريقيا الجزائر نيجيريا بالتنسيق مع ايطاليا ، من اجل ممارسة الكثير من الضغوط على فرنسا و المانيا و اسبانيا ، بهدف استكمال طوق الحصار على المغرب .
لبنته الحديثة العهد انطلقت من موريتانيا ، بحيث لم يكتفي الرئيس ولد الغزواني برفض استقبال السفير المغربي رغم الطلبات المتكررة ، بل تحاشى كذلك استقبال الوزير بوريطة في زيارته الأخيرة لنواكشوط اول امس الجمعة ، في الوقت الذي خصص استقبالا رسميا للمبعوث الصحراوي ولد السالك بالقصر الرئاسي ، فضلا عن الموقف الرسمي الموريتاني المعبر عنه في اكثر من مناسبة ، موقف داعم مساند معترف رسميا ب(الجمهورية الصحراوية) و موثق بالامم المتحدة .