قطر أرض التحدي والأحلام

بقلم : مولاي إسماعيل العلوي
 موقع الجزيرة نت

من نحن هنا، إلا نظرت إلينا نحن الحالمون هنا
نحن من سيحقق ذلك
لأنا به آمنا
انظر إلينا، نحن الحالمون هنا
نحن من جعلناه واقعا
لأننا أبصرنا وقد استطعنا
لأنا على الشغف حافظنا،
الاحترام
لأننا الذين حصلنا على السحر
الاحترام. (أغنية الافتتاح بتصرف).إذا كانت دولة قطر قد أبهرت العالم اليوم بتقديم أفضل نسخة من بطولة كأس العالم، فإن ذلك كان حلما قد راود قادتها قبل عقد من الزمان، وها قد تابع الملايين في العالم هذا الحلم الكبير الذي راود هذه الدولة “الصغيرة”، فنافست تلكم الدول “الكبيرة” وفازت عليها، رافعة التحدي بشعار “عالوعد”، فوفّت بما وعدت وما قصرت، بل قد أخرست الألسن جميعها إلا المغرضة منها، فلن تعترف أبدا لدولة عربية بهذا الإنجاز التاريخي غير المسبوق. لقد آمنت قطر بحلمها ونافست غيرها بإصرار عجيب على الظفر به، وها هي تراه رأي العين، والجميل في القصة أن “الرجل الأبيض” المحتكر قد انبهر، وانتقل إلى ردود الفعل بعد أن كان هو الفاعل المعرقل، وتلك لعمري مرحلة جديدة دشنتها دولة قطر، بدخولها التاريخ من أوسع أبوابه عبر النجاح في تنظيم أكبر حدث رياضي على كوكب الأرض. ليس صدفة أبدا أن يجد ذلك “الحلم” الكبير تجسيدا له في الكثير من التفاصيل التي عشناها، من حفل الافتتاح الغني بالرسائل الظاهرة والخفية إلى كرة “النهاية” العنابية! فإذا كانت أغنية الافتتاح الرائعة تحمل عنوان “الحالمون”، فإن الكرة الرسمية الذكية لنصف نهائي ونهائي كأس العالم 2022 قد غيرت لونها عبر “الرحلة” الممتعة لتحمل اسم “الحلم”، وهي إشارة إلى أن الدولة قد جرأت على الحلم، وآمنت به وسعت جاهدة لتحقيقه رغم كل التحديات والصعوبات، فوصلت باقتدار إلى خط النهاية، وحق لها أن تفرح بتحقيق حلمها أمام العالم أجمع. فها قد فعلتها دولة قطر المسلمة ونافست الكبار، وكسرت حلقة الاستحواذ الغربي والاحتكار، ووضعت بصمتها بأصالتها وحققت الانبهار، فبتنظيمها هذا كسبت الرهان، وبتشبثها بهويتها فرضت احترامها على البلدان، وبنجاحها الباهر هذا قدمت للمشككين والمشوشين الدليل والبرهان، وخلاصة الخلاصات أنها غيرت تلكم الصورة النمطية عن المنطقة العربية، ونالت بذلك التقدير التام والاحترام. ما يميز قطر أنها صغيرة المساحة كبيرة الشغف، تعشق مطاردة الأحلام، فمن غيرها كان يصدق أنها ستفوز باستضافة أكبر تظاهرة رياضية في العالم، بل تبهر العالم بنجاحها في التنظيم، وتتعب حتما من سيأتي بعدها! في هذه العجالة، سنركز على فريقين شابين طرقا أبواب “المستحيل”، واستطاعا افتكاك انتصارات تاريخية على الكبار! فإذا كان الفريق الشاب القطري الذي سهر على إعداد ملف تنظيم كأس العالم والدفاع عنه قد دخل المنافسة وهو مصرّ على الفوز، فإن فريقا آخر من المغرب الأقصى تسلم مدربه قيادة المنتخب قبيل 100 يوم فقط من انطلاق البطولة العالمية، فأبلى البلاء الحسن، ونافس كبار الفرق في العالم، بل انتصر عليها، ووصل إلى المربع الذهبي لأول مرة في التاريخ، منصبا نفسه رابع أقوى فريق في العالم عن جدارة واستحقاق. وإذا كان الفريق القطري الشاب قد نافس فرقا من دول تصنف بأنها متقدمة كاليابان وأستراليا وكوريا وأميركا، وحسم فوزه في الجولة الرابعة بعد منافسة ندية مع الولايات المتحدة الأميركية، فإن فريق أسود الأطلس قد تصدر مجموعة قوية ضمت كلا من كرواتيا وبلجيكا وكندا، واستطاع كتابة تاريخ جديد بفوز ثمين على الفريق الإسباني حمله إلى صفوف الثمانية الكبار، ولم يقف عند ذلك الحد، بل انفتحت شهيته للحصول على الكأس بعد نصر مبين على البرتغال، فأربك بذلك كل الحسابات، وشقلب كل التكهنات، وقدم لأمته أروع المفاجآت، وكاد يصل إلى النهاية لولا الإجهاد وكثرة الإصابات، وكذا “ظلم الحكام” الذي أطلق الإشارات وألهب الجمهور المغربي في المدرجات! فما عشناه في الأيام القليلة الماضية على أرض قطر ليس عاديا مطلقا، إنه حلم قادة دولة تحقق أمامنا على هذه الجزيرة الصغيرة/الكبيرة، فمن كان يصدّق أن دولة صغيرة ستنافس أكبر دولة في العالم، بل تنتزع منها شرف تنظيم أكبر حدث رياضي في العالم؟ يكمن السر في أمرين اثنين، أولهما: الثقة بالقدرة على المنافسة، وثانيهما: دخول المنافسة بهدف الفوز، وليس الحصول على “شرف” المشاركة! وقد نجح الفريقان وحققا ما لم يكن أبدا في الحسبان! ولا شك أن طريق تحقيق الحلم لم تكن مفروشة بالورود أبدا، فقد كانت التحديات كبيرة جدا، والعراقيل تتناسل من كل حدب وصوب، وتشويش المغرضين لم يعرف التوقف، وقد ساهم في ذلك القريب قبل البعيد للأسف الشديد! فقد استمرت حملات التشويه طوال العقد المنصرم، إضافة إلى محاولات الإنهاك الاقتصادي، بهدف انتزاع التنظيم أو على الأقل تقاسمه مع الدولة المنظمة، وكان الهدف المشترك: إحباط الاستضافة، سواء من الخصوم والأعداء، أو حتى بعض الأشقاء! وما وسم (هاشتاغ) “قطر لا تستطيع” عنا ببعيد! ولكن ذلك كله ما زاد قطر إلا إصرارا وصبرا وإيمانا بقدرتها على النجاح، بل قد رفعت التحدي عاليا بأنها ستقدم أفضل نسخة من بطولة كأس العالم، وها هو رئيس الفيفا يصرح بصراحة لا تقبل التأويل قائلا “كانت هذه أفضل نسخة من نسخ كأس العالم على الإطلاق”، بل قد حصلت هذه النسخة من البطولة العالمية على شهادة “الأيزو 20121″؛ وهو المعيار العالمي في استيفاء المتطلبات الخاصة بأنظمة الإدارة خلال تنظيم الفعاليات الرياضية الكبرى، وبذلك أصبحت البطولة التي نظمتها قطر أول بطولة تحصل على هذا التقدير العالمي المرموق، وتلكم لعمري شهادة عالمية من أهل الاختصاص تفحم المشككين وتخرس المشوشين. هناك تشابه كبير بين الفريقين المتميزين، والقاسم المشترك بينهما تلكم الثقة الغالية التي حصلا عليها من القيادة العليا والدعم الكامل، إلى جانب الالتفاف الشعبي الذي كان له دور حاسم في إنجاح هذه النسخة الاستثنائية، فالفريق المغربي كأنه كان يلعب أمام جمهوره وفي ميدانه، بل قد استقطب كل الشعوب العربية والأفريقية والإسلامية بإنجازاته المتواصلة، وكان منسجما مع الهدف الذي سطرته دولة قطر من أول يوم، إذ اعتبرته “مونديال العرب”، فكان منتخب أسود الأطلس مسانَدا من كل العرب وغير العرب! فقد نجح مدرب المنتخب المغربي في تشكيل فريق منسجم، وهنا سر النجاح، حيث استطاع المدرب الشاب صهر كل الطاقات المغربية التي توفرت له، من داخل الوطن وخارجه، في بوتقة واحدة عنوانها النية، وبذل أقصى الجهد، والذهاب إلى أبعد الحدود، وخوض المنافسة العالمية بندية تامة، بعيدا عن عقدة النقص! كل ذلك مع إصرار عجيب على كتابة تاريخ جديد، وإذا كان المدرب وليد قد حصل على وسام ملكي من درجة قائد، فإنه يستحقه عن جدارة، لأنه نجح في انتقاء فريق تسري فيه روح الوطنية والتعاون والأخوة العالية، حيث اختفت الأنانية في المنتخب الأول، وظهر الانسجام فيما بين اللاعبين من جهة، وبين اللاعبين وطاقمهم من جهة أخرى، فقدموا أفضل ما لديهم دفاعا عن قميصهم الوطني، واكتملت الوصفة السحرية لوليد الركراكي، بل بدأنا نستشف أسلوبا مغربيا متميزا، عبر عنه الناخب الوطني بـ”الكرة اللي بغاوها المغاربة”، وهنا يأتي دور الجمهور المغربي الشغوف الذي ساند فريقه منذ أول مباراة إلى أن وصل للمربع الذهبي، ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل خصص للأسود استقبالا جماهيريا تاريخيا يليق بالإنجازات التي حققوها في مونديال قطر. لقد قالت أغنية الافتتاح الرسمية كل شيء! فقد خاطبت العالم وخصوصا ذلك الآخر بالنظر بعين الإنصاف، وأن من حق هؤلاء الحالمين أن يحلموا، وها هم يقولون إنهم آمنوا بحلمهم بل قد رأوه رأي العين، لذلك استطاعوا تحقيقه على أرض الواقع، والجميل أنهم يطلبون من الآخر شيئا واحدا إن كان منصفا، هو “الاحترام” (respect). Look who we are, we are the dreamers we will make it happen because we believe it. (لمن لا يعرفنا، نحن الحالمون، وسنحول الحلم إلى حقيقة، لأننا نؤمن به) واخيرا لا يسعنا في الختام إلا أن نؤكد أن قطر كانت بحق جزيرة الأحلام، حيث أوفت بوعدها على وجه الكمال والتمام، ونالت بنجاحها في التنظيم كل التقدير والاحترام، ولن تضرها تلك السموم المغرضة التي تنفثها تلكم الأقلام! وإذا عدنا إلى أغنية الافتتاح التي تناقلتها كل وسائل الإعلام، سنرى أن أكثر الكلمات تكرار فيها هي الحلم والحب والاحترام، وبه تم الإعلام والسلام.

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *