عودة مرة أخرى إلى تنظيم القطاع المدرسي الخصوصي،.

بقلم: خالد الصمدي
إستمعت أمس بإمعان إلى جواب السيد وزير التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة عن سؤال يتعلق بتنظيم التعليم المدرسي الخصوصي وتقنين خدماته وأسعاره ، فكان الجواب عاما مع التذكير بأن القوانين الحالية لا تسمح بتدخل الوزارة في أسعار التمدرس بهذا القطاع في إطار المنافسة وأن هذا القطاع هو قطاع ربحي وأن الوزارة تكتفي بمراقبة القوانين الجاري بها العمل وخاصة مدى احترام دفتر التحملات الذي تربط هذه المؤسسات بالدولة ،
وإذا كان مثل هذا الجواب مفهوما قبل صدور القانون الإطار 17-51 فإن تكراره بعد صدور هذا القانون لا يمكن أن يفسر إلا بأحد أمرين :
عدم الاطلاع على المقتضيات التي جاء بها هذا القانون لتنظيم هذا القطاع والتي تمكن الوزارة من الآليات القانونية والتشريعية لإعادة هيكلته وتنظيم خدماته وتحديد أسعاره ، أو عدم الرغبة في فتح هذا الملف الذي عمر طويلا ، رغم أن هذا القطاع يعاني من عدد من الاختلالات المالية والإدارية والتربوية، ويعيش ارتفاعا في منسوب التوتر بين الأسر وهذه المؤسسات نظرا لعدم تحديد وتدقيق لائحة الخدمات التي تقدمها هذه المؤسسات وما يقابلها من أسعار ، وضعف ملحوظ في آليات التتبع والمراقبة ،
كما يعاني هذا القطاع الشريك للدولة من غياب هيكلة مجالية على الصعيد الوطني مما يؤدي الى تمركزه في المدن والحواضر الكبرى ( ٪55) ، وشبه غياب استثمار هذا القطاع في المدن الصغرى والمتوسطة حيث تبرز الحاجة جلية إلى دعم مجهود الدولة في تعميم التمدرس رغم التحفيزات التي توفرها للتشجيع على ذلك ،
وقد استحضر الجميع هذه الوضعية أثناء إعداد الرؤية الاستراتيجية و المصادقة على القانون الإطار ، فتم معالجتها بالتنصيص فيه على مقتضيات هامة من المفروض أن تعمل الحكومة على إخراجها إلى حيز الوجود في غضون ثلاث سنوات من صدوره وأهمها :
– إعداد إطار تعاقدي استراتيجي شامل بين الدولة وهذا القطاع يتضمن التوجهات الكبرى المنظمة له ماليا وتدبيريا وتربويا وموارد بشرية وغيرها، واعتماد هذا الإطار التعاقدي الموقع بين الدولة وهذا القطاع في :
– إعادة هيكلة هذا القطاع وضبط خريطته على الصعيد الوطني ،
– ربط التحفيزات التي تقدمها الدولة لهذا القطاع بالاستثمار في المناطق ذات الخصاص، تفاديا لتمركزه في المدن الكبرى ،
– ضبط سلة الخدمات التي يقدمها وفق دفتر تحملات مع تحديد الأسعار المناسبة لها سواء تعلق الامر بالتسجيل أو التمدرس ،
– تحيين الترسانة القانونية المنظمة للقطاع بما فيها القانون 00-06
– إعادة النظر في أنظمة الترخيص والاعتراف بتحيينها وتجديدها،
– اتخاذ الإجراءات التي تمكن هذا القطاع من التوفر على موارده البشرية الخاصة مع ضمان استقرارها الاجتماعي والمهني واستفادتها من التكوين المستمر الذي توفره الدولة للعاملين في التعليم العمومي ،
– تجديد آليات الحكامة ومراقبة الجودة خاصة على مستوى البنيات والتجهيزات والبرامج والمناهح والكتب المدرسية والمعينات التربوية محليا وإقليميا وجهويا ،
– تعزيز حضور آليات التدبير التشاركي لهذه المؤسسات خاصة تقنين وتفعيل عمل جمعيات الآباء وضمان الحريات النقابية للعاملين داخلها،
لم تعد هذه المقتضيات مطلبا وطموحا لمرتفقي هذا القطاع، او مطلبا للسادة النواب في البرلمان يرافعون عنها ويدافعون ، ولكنها أصبحت مقتضيات ملزمة للحكومة والقطاع بموجب القانون ،
الذي ألزمها بإخراج هذا الإطار التعاقدي الاستراتيجي الشامل إلى حيز الوجود ، كما ألزمها بمراجعة الترسانة القانونية التي تمكن من فتح كل الأوراش السالف ذكرها لتحقيق الأهداف التي نص عليه هذا القانون وذلك في غضون ثلاث سنوات من تاريخ صدوره ، مما يمكن هذا القطاع من القيام بمهامه وتقديم خدماته في أحسن الظروف ، كما يمكن الدولة من الآليات التشريعية لمراقبته وتتبع جودة خدماته صيانة لحقوق المرتفقين الذي يلجون إلى هذه المؤسسات اختيارا أو اضطرارا ،
لقد انتظر الجميع بما في ذلك آلاف الأسر من السيد الوزير في جوابه بالبرلمان ولا زالوا ينتظرون توضيح مدى تقدم الوزارة في تنزيل هذه المقتضيات ، والمخطط الزمني التنفيذي لذلك ، عوض تكرار الجواب التقليدي الذي يرسخ في الأذهان أن القوانين المعمول بها حاليا لا تسمح بمراقبة الأسعار بهذه المؤسسات لأنها قطاع ربحي تنافسي، وهو ما جاء القانون الإطار ليقطع معه من خلال الإجراءات التشريعية والتدبيرية الجديدة التي ينص عليها دون أن تعمل الحكومة على تفعيلها وتنزيلها لحد الساعة رغبة منها أو رهبة، وإن الجميع لمنتظرون،

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *