المرجعية الإسلامية والتنمية الذاتية

 نورالدين قربال

1/ ماذا نعني بالتنمية الذاتية؟
إن أي تعريف مرتبط بمرجعية تؤطره، تخضع لأبعاد فلسفية وحضارية ومذهبية. بل إن العوامل النفسية والاجتماعية مؤثرة في سيرورة التعريف المستهدف وصيرورته. وحتى لا نخلط بين الاستفادة من العالم والنقل الحرفي للتجارب الكونية، لا بد من استحضار المكونات الحضارية لأمتنا حتى يتم التجاوب بين الأطراف المتعددة. والذي يميزها أنها تعتمد النقل والعقل، بمعنى أن هناك مساحة واسعة لفهم واستيعاب أي منظومة، وتنزيلها وتقويمها.
من خلال ما سبق فالتنمية الذاتية تحمل دلالة الارتقاء والزيادة. وتنطلق من الإنسان لأنه هو التيمة المركزية لكل مشروع تنموي ذاتي أو جماعي. باعتبار أن الإنسان مكون من البعد الفسيولوجي، والمعنوي، والعقلي ولكل منهم طرق إشباعه. هذا العلاج الذي يتداخل فيه المعرفي “اقرأ” والمعنوي الإيمان بالغيب، والمادي الاستعداد لمواجهة الكدح الدنيوي. وكل هذا يتم بباسم الرب الكريم. باعتباران هناك جدلية بين التنمية والتربية في إطار مبدأ الربانية. فالتربية الذاتية تؤهل للحياة الطيبة. إن الخروج إلى الناس يتطلب تأهيل الذات إلى أفضلية تنموية ذاتية. وهذا يتطلب الحكمة لأنه من أوتي الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا. إن المرجعية الإسلامية تؤسس لمبدأ الثقة: الثقة في الذات والثقة في التعاون مع الغير لفعل الخير.
إن تنزيل هذا المسلسل من القيم، يتطلب التربية على مهارات متنوعة ومتعددة، وصناعة محكمة لأن نجاح أي عمل يعتمد الإخلاص والصواب. والإخلاص هو الصدق في العبادة والتعبد. وهو يناقض الأخلاق الذميمة نحو الرياء، وابتغاء السمعة، لأن للإخلاص دلالة وفضل وحكمة ويغسل القلب من الغل والحسد. إنه النجاة والصفاء، والحب للجميع. فهو قمة الامتثال لرب الناس، من أجل تصفية العمل لله، والقصد في الطاعة والتحرر من الشوائب. والصفة الثانية بعد الإخلاص الصواب، وهو معانقة الحق والسداد في القول والفعل، مما يحقق النجاح. والرشد، والتقليص من نسبة الوقوع في الخطأ. ونتحاكم فيه إلى الشرع والعقل، أي موافقة صحيح المنقول لصريح المعقول.
هناك تمة خلق كبير على مستوى التنمية الذاتية وهو الإتقان. وهو الإحكام. من أجل الدقة والضبط، وهذا شرط للقبول والفوز بالدارين، لأن احترام الجودة كان حاضرا. والتي تجعل الإنسان طامعا في الكمال. وهو الترقي في سلم التزكية. لأن الإيمان له بعدان: الغيب والشهادة. إنه الدقة في العمل ذاتيا كان أو جماعيا. وكان علماؤنا يركزون على الضبط من أجل قبول الخبر. ويمكن أن نطلق عليه الإحسان. وهو أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك. وهذا حديث جبريل لما سأل النبي عليه الصلاة والسلام عن الإحسان.
نؤكد من خلال ما سبق أن التنمية الذاتية في علاقتها بالمرجعية الإسلامية مشروع إصلاحي كبير تتداخل فيه المهارات الدنيوية، لتأهيل الذات في الاندماج والانخراط في الحياة، ووسطية واعتدال بين المادي والمعنوي في الإنسان، في إطار التعاون والتوازن، مع استحضار البعد الأخلاقي” إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق” حديث صحيح. هذه الأخلاق مستمدة من الوحي الرباني، وهي جبلبة في الإنسان وداعمة لمكنون الخير المفطور عليه لأن كل مولود يولد على الفطرة.
وحتى نفهم التنمية الذاتية من منظور المرجعية الإسلامية لا بد من التوقف على مفهوم الفطرة.
تشكل الفطرة والوجدان منظومة فكرية راقية. وبهذه الروح نرقى إلى أن نمتح وجودنا التنموي من القدرة الربانية. لان النفس الإنسانية مجبولة على جاذبية للخالق. وإذا اجتمعت الفطرة والعلم حصل يقين اليقين. إن هذا الشعور الأولي يؤهل التنمية الذاتية للانطلاقة السليمة بدون دخن.
يجب أن تنطلق بدايات التنمية الذاتية من أن الإنسان أصلا مفطور على الاعتقاد وحب الخير. والاستعداد للصلاح والإصلاح. لأن الدين قيم، وهناك جدلية بين الفطرة والدين، ولكن لماذا تنحرف الفطرة؟ إنه المجتمع والنفس وملذات الدنيا، والشيطان فهؤلاء هم خصوم الفطرة النقية، التي تتناغم مع الدين، حيث كل المخلوقات تعبد الله، وتسبح الخالق، يتم هذا في دائرة العبودية، ومنطق التسخير، وهذا هو عمق التنمية الذاتية من منظور فطري وديني.
إن من مقتضيات الفطرة الإنسانية كرامة الإنسان، والخير والحق، كل هذا يساعد على تطور الذات في إطار مناهج التنمية الذاتية. في أفق تحقيق نجاحات ذاتية و مجتمعية، وهذا يتطلب تنمية المواهب لدى الذات الآدمية. إذن التنمية الذاتية منظومة فكرية تتفرع عنها مواهب وكفاءات ومفاهيم متنورة. وترتبط التنمية الذاتية بالتربية لأن المنطلق واحد هو الفطرة الإنسانية. أنذاك تحصل الثقة في النفس، وينمو التواصل بين الذات والآخر، وتترقى المهارات، والأهم هو تنمية التفكير. إن ربط التنمية الذاتية بالمرجعية الإسلامية يحقق الجمال والجلال.
إن جدلية الجمال والجلال تقي الإنسان التطرف والجفاء والفتنة والغفلة والمسخ الحضاري، والقبح المدني، ويضعه في سكة التوازن، وحب الناس. خاصة عندما يدعم الاختيار التنموي الذاتي بالزاد الثقافي. إن هذا المسلك يهيئ الأجيال إلى المستقبل. ويضمن نقاء البيئة، لأن الإنسان طبيعيا وفطريا يولد نقيا، والمجتمع إما أن يدنسه أو يدعم نقاءه. وهذا ما اصطلح عليه بالتنمية المستدامة. إذن يا أيها الإنسان “ارتق بنفسك” فإنك في حوض التنمية الذاتية وبحبوحتها. ويتم الرقي بالقراءة “اقرأ وارق ورتل، كما كنت ترتل في دار الدنيا، فإن منزلتك عند آخر آية كنت تقرِها. رواه أحمد من حديث عبد الله بن عمرو.
إذن اختر أيها الإنسان نمط حياتك. وطهر قلبك ونفسك، حتى تعلم حقيقة رسالتك في عالم العمران، والاستخلاف. واعلم أن هذا المقام يحتاج إلى مهارات فائقة، وبذلك ستطور ذاتك.
2/ البعد المعنوي والتنمية الذاتية
لا يمكن ربط البعد المعنوي بالتنمية الذاتية إلا عندما يتحول هذا الاعتقاد إلى ثقافة. وهذا مرتبط بالتعلم والتربية. لأن ممارسة البعد المعنوي مرتبط بتأطير فكري يؤصل للفعل المعنوي وللرأسمال غير المادي. وقد يتخذ هذا الاختيار بعدا عالميا. ومن تم لابد من تشكيل مراكز عالمية تعزز هذا الاختيار، وتفنن في تنزيل مقتضياته على حسب الزمان والمكان والأحوال والمأل. ونحن على يقين من تعميم هذا التصور إلا إذا كان يمارس بمهنية وإخلاص وحب. انطلاقا من مبدأ خدمة الإنسانية من جانب مهمل من قبل كثير من الناس. نحو حسن الضيافة والاستقبال، والتسامح، ولن تحقق هذا إلا بمعرفة مقتضيات الوجود من خلال الغوص في الإجابة على الأسئلة التالية: من أوجدك ولماذا وجدت؟ وما بعد مغادرة مكان الوجود؟ وماذا أعددت من أجل حسن المرور وترك بصمات مؤثرة في الحياة البشرية؟
إن هذا التصور الذي يربط البعد المعنوي بالتنمية الذاتية متعدد ومتنوع، ويتكيف حسب الزمكان، لكن العمق واحد، والهدف كذلك. هو تعميم السلام والأمن والحب، بين أطراف العالم، كل هذا مشتق من منظومة الرحمة للعالمين. ومن الأمور المساعدة للوصول إلى هذه الغاية، هو التوافق بين الجميع على المشترك بدل الانطلاق من الأمور الاجتهادية. وهذا المنهج الثقافي هو الذي يعقلن الأمور ويحدث التوازن، ويرسم معالم الطريق. لذلك جدلية المعنوي والتنموي ضرورة حضارية، ومنهجية، واجتماعية، وثقافية.
إن من المبادئ المهمة في هذا المجال الحرية والمسؤولية والتعاون والتضامن. ما أكثر الاحتفالات في العالم وما أقل البانية منها لأنها أخطأت المنهج الذي يربط بين الأرض والسماء عن طريق الحب وفعل الخير والرحمة للعالمين. إن الأغلبية تفكر في التأمين الغذائي، ولكن يفكر في التأمين الروحي؟ إنها معادلة صعبة لا يدرك كنهها إلا أولي النهى أي العقل السديد وصفاء الروح. والذي يحب لأخيه الإنسان ما يحبه لغيره.

3/ المرجعية الإسلامية تساؤلات وإجابات
قد يتساءل البعض ما علاقة التنمية الذاتية بالمرجعية الإسلامية؟ هذا تساؤل يحتاج إلى علم والتحرر من الثقافات الأحادية، مع الإشارة أن ما وضحناه سابقا يؤكد أن الفطرة الإنسانية في علاقة جدلية مع الدين، لذلك لا يمكن أن نصدر أحكاما من خلال تصرفات معينة، لأن أصول الدين هي كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم. لذلك لا بد من تجنب الفصل بين السماء والأرض، النقل والعقل، الشرع والوضع. إن المرجعية الإسلامية تساعد المشاريع التنموية من حيث المنهج والقيم وغيرها من المضامين المساعدة على الحضور الإنساني ذاتيا ومجتمعيا.
إن منظومة القيم تحتاج إلى فن التنزيل، وبذلك يتكامل العلم والعمل. أمام هذا التنوع المنهجي يلزم وضع برنامج يحدد المشترك بين كل الاجتهادات، ثم ترتيب الأولويات والعمل سويا من أجل تحقيق الغايات من التنمية الذاتية. ويمكن أن نؤكد على القضايا التالية بالنسبة لامتدادات المرجعية الإسلامية في علاقتها بالتنمية الذاتية وهي كالتالي: ربانية المرجع ومدنية التنزيل-بين فقه الدين وفقه التدين وفقه الواقع والمستقبل-بين المطلق «السيادة الربانية” والنسبية “عمل الإنسان”-كرامة الإنسان والحقوق الذاتية والجماعية-حرية الاختيار في تحقيق مصالح العباد والبلاد-ربط مبدآ الشورى بالترجيح والتنزيل والتقويم-بين الإقليمية والكونية في أفق منظومة الرحمة للعالمين-الغاية شريفة والمنهج عادل لبلوغ المآل من التنمية الذاتية-
1.3 التنمية الذاتية والبعد التعليمي
لا يمكن فصل عملية التعليم والتعلم عن التنمية الذاتية، وذلك من أجل ضمان الاستدامة، والاستعانة به في بناء القدرات لدى الإنسان، المساعدة على التطور والرقي والتفاعل مع المستجدات. وبالتالي فالتنمية الذاتية منظومة تربوية عالمة. تصبو إلى كسب مهارات، اعتمادا على الوصف والتحليل. والنداء الرباني في القرآن الكريم “اقرأ” مؤشر على ما نقول. الذي دعا إلى توظيف العقل في فهم الوحي. والاستثناءات رفع القلم عنها. ومن تم هناك جدلية بين العلم والتعلم، بين الفقه والتفقه، بين الدين والتدين. كما يقال دائما في علاقة الدين بالسياسة “تمييز لا فصل”.
إن ربط التنمية الذاتية بالتعلم مؤشر على تنمية الاجتهاد، والتجاوب مع المتغيرات، واستخراج المسكوت عنه بطريقة تربوية. وقد يكون الاجتهاد صائبا أو خاطئا، لكن من الأخطاء يتعلم الناس. لأنه حاجة مجتمعية وحضارية. فكن نافعا للناس يحبك الله ويكتب لك القبول في الأرض. ومن أجل إنجاح هذا النمط من التفكير، وجعل المصلحة العامة فوق كل اعتبار. مما يتطلب المراجعات المتتالية لأن العيب ليس هو الخطأ وإنما هو التمادي في الخطأ.
كل ما ذكرنا ينتقل بالإنسان إلى مرحلة المهنية والحرفية، والتعاون مع الغير على الخير. وتحررنا من تضخم الذات. إن إبعاد البعد التعليمي من منظور المرجعية الإسلامية يحدث عطبا واضحا، لأنه بقدر ما ننفتح على المستجدات باعتبارها منتوجا كونيا فلابد من استحضار قيم المرجعية الإسلامية في التنمية الذاتية. لأنها قيم تمتح مشروعيتها من الوحي الإلاهي، الذي يتيح الاجتهاد في جميع المجالات انطلاقا الأحكام الظنية ومنطقة الفراغ التشريعي. فكيف نؤكد على هذا الكلام؟
إن منظومة التربية والتكوين في إطار التنمية الذاتية مرتبط بالتوازن بين الرأسمال المادي وغير المادي. لأن القيم مرجعية أساسية ومساعدة على عملية التعليم والتعلم. والملاحظ اليوم أن الميل إلى القضايا الدينية أصبح مطلبا حضاريا للبناء التنموي الذاتي، المساهم في البناء العالمي. وما نراه اليوم من تطاحنات مؤشر على الفراغ العقدي والخواء الروحي. فالانفتاح على الثقافة الكونية واجب إنساني في تنمية التنمية عامة والذاتية خاصة. لكن بمرجعية معنوية باعتبارها النور الذي يحرك كل شيء، ويصنع القوة وهي قلب الحياة.
وهذا فن معنوي راق يحتاج إلى ثقافة راقية وناضجة. فالذي يتقرب إلى الله بحب لا يمكن إلى أن ينشر الحب، ويعمر الكون بالحب، ويتعامل مع القضايا المطروحة بالحب، إضافة إلى الإمكانات المادية المعروضة. هذا التوجه يؤسس لقبول التعدد والتنوع، والتسامح الديني، وتقاسم التجارب الناجعة عالميا. والحكم من خلال المظاهر محظور إنسانيا، ولا يوفر احترام الذات والموضوع على المستوى التنموي.
افة ومن تم لابد من تدعيم منظومة الفضل والعدل والإحسان، والاحترام، والثقافة البانية، والتحصيل المتوازن بين حاجيات العقل والروح والجسم، وبذلك سنواجه التطرف والعنف والاقصاء. وإلا ستظل دار لقمان على حالها.
2.3 التنمية الذاتية ومبدأ المقاصدية
عندما نتحدث عن المقصد من التنمية الذاتية فإننا نهدف إلى استحضار الذات البشرية والإنسانية وشروط تأهيلها إلى الفاعلية والانجاز والعطاء وركوب سكة الإيجابية. إن هو إنتاج من صنف آخر يبدع فيه بنو آدم تجاوزا للأذى. إنه العيش الكريم من خلال التنمية الإيجابية. وللمرجعية الإسلامية مساهمات نوعية في تثبيت هذا التوجه انطلاقا من روح مقاصدية. إن المصطلحات حديثة ولكن هناك نماذج لها جدور في التاريخ ولابد من النبش فيها والاستفادة منها خاصة في المجال الصحي والتعليمي والعملي. ومن أجل الاستفادة مما ذكر يلزم اعتماد لغة الوصف والاستقراء والاستنباط والأهم هو القراءة المقاصدية نفخا للروح في النصوص المؤطرة.
الخلاصة أن هناك نظريات تتوق وتؤصل إلى جدلية بين المرجعية الإسلامية والبناء الذاتي. في إطار الواجب والفرض والمباح والمستحب والمكروه ولكل أدلته ومنطقه.
أ. الدلالة المقاصدية للبناء الذاتي
عندما يتحدثون عن المقاصد الضروري وهي حفظ الدين والعقل والمال والنسب أو العرض والنفس فهذه مقاصد تستهدف من قبل البناء التنموي. إضافة إلى المقاصد الضرورية والتحسينية. والنموذج العملي هو السيرة النبوية ومن اقتدى بها عبر العصور ومازال إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها. والتنمية الذاتية سيرورة وصيرورة تهدف النماء والازدهار. طبق نواميس كونية واجتماعية وشرعية بناء على قاعدة موافقة صحيح المنقول لصريح المعقول. وبهذا تبنى الحضارات على التوازن والتعاون.
إن الدفع بتحقيق المقصد من التنمية الذاتية متعلق بشعار الأمل والعمل. ومن أهم مبادئها الحرية هرمية أجيال حقوقية المتجلية في: المدني والسياسي والاجتماعي والاقتصادي والثقافي والبيئي والتنموي. كل هذا يحدث توازنا بين الاستهلاكية والإنتاجية، ونبذ العنف وبسط السلام فنحن مأمورون بالدخول في السلم كافة. وبين المعيارية والحركية على المستوى الأخلاقي، تفاديا للإفلاس القيمي. وتشجيع للترقي في سلم التزكية. وعمارة الأرض وحكامة الاستخلاف انطلاقا من منظومة التسخير، وترشيد استثمار الموارد البشرية والمالية. إن الاهتمام بالثروة البشرية يساعد على حسن تدبير التنمية بكل امتداداتها. إن هناك جدلية بين بين التنمية والعدالة. ويبقى الإنسان هو التيمة المركزية للتنمية. المفضية إلى الحياة الطيبة. المرتبطة بالكرامة الآدمية. لأن الإنسان هو المكلف بعمارة الأرض ومستخلف فيها وهذا تكليف وليس تشريفا للإنسان من قبل الرب الكريم.
إن هذا التكليف مرتبط بتأهيل الإنسان لقطبي التحلية والتخلية، والطاعة والربوبية، وللوسطية والاعتدال على مستوى التماسك الاجتماعي. فالشرع يؤسس للانتشار في الأرض بعد أداء الصلاة لأن الكل في عبادة. فالتنمية الذاتية من منظور إسلامي تطمح إلى إنسان معافى من الابتلاءات الصحية، وأن يظل في أحسن تقويم، ومكرما بالعقل والحواس من أجل توظيفها في التحصيل المعرفي، من أجل بناء الحياة الفردية والجماعية. قراءة في المجتمع والكون والإنسان بطرق حديثة والعمل بالمخرجات البانية.
إنها نهضة مهمة على جميع المستويات، إنها الخيرية، تلك المقصدية الشريفة للأمم الناضجة. وبذلك يقع التكيف بناء على مهمة التكليف. كل هذا يصنع السعادة الذي تعتمد على ثلاثة ركائز: الشكر والصبر والتوبة.
إذن الرؤية المقاصدية واضحة من خلال تدعيم الاختيارات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية والبيئية والحقوقية والاعتقادية والتعبيرية في إطار المرجعية التي أبرزنا بعض معالمها فيما سبق.
ب. التنمية الذاتية والسلوك الحكيم
السلوك الحكيم هو المؤشر الحقيقي لتقويم مقصدية التنمية الذاتية. لأن السلوك الحكيم عنوان المعنى الحقيقي للإنسانية. المتأثرة بدلالات التوازن بين المعنوي والمادي. وهذا الأخير شرف ووسام للآدمية. لأنه عمق العيش المشترك. وهذا مرتبط بالعلم والعمل والإحساس الرفيع. وهذا مهم اليوم على مستوى التقليص من الآفات التي تعرفها الإنسانية. لأنه الطريق المستقيم للترقي في سلم التنمية الذاتية. ويمكن استحضار دور النساء في هذا العلاج انطلاقا مقاربة النوع وأهميتها في المعالجة العادلة لقضايانا المعاصرة.
إن للمرأة مسؤولية كبيرة في هذا المسار التربوي المتميز، ما أحوج البشرية استيعابها رغم الإكراهات المتعددة. خاصة على المستوى التربوي والتعليمي أولا ثم الأبعاد الحضارية الأخرى. لأن رسالتها عالميا لا تقدر بثمن لو تم استيعابها من قبل الجميع. وعندما يقتنع الإنسان بمشروع إصلاحي، فإنه يمارسه بكل أريحية ومهنية لأن قلبه ونفسه مطمئنان لأنه يبتغون وجه الله، وخدمة منظومة الرحمة للعالمين.
ويمكن اعتبار درجات السن مهمة في هذه المسيرة الإصلاحية. وهذا ينعكس على الأجيال المتعاقبة خاصة إذا توفرت القدوة والأسوة لأن الحكماء هم الذين يربون المستهدفين بأفعالهم قبل أقوالهم. إنها مسؤولية روحية ومعنوية قبل أن تكون مادية. لأن التنمية الذاتية محتاجة إلى التنقية الذاتية. إن حركة الإصلاح تتسم بدينامية غير متوقفة، ومن سار على الدرب وصل. وهذا الاختيار مرتبط بثقافة فكرية ل
إن التواصل بين الأمم انطلاقا من منهج سليم ينعكس وجوبا على التنمية الذاتية والبشرية المندمجة والمستدامة. فما أحوج البشرية إلى تنمية ذاتية تجمع بين الديني والدنيوي، بين السماء والأرض، بين الهوية والتدبير. ومن تم لابد من تنظيم لقاءات متعددة تكرس هذا الاختيار الذي سينفع البشرية جمعاء. ويؤسس تلقائيا على العيش المشترك. والملاحظ أن هذا الاختيار الوسطي الاعتدالي بدأ يشق طريقه نحو هذا الاختيار. ومن الواجب أن يجتهد الإنسان في البحث عن هذا الخط المتوازن، الذي يجب أن يمأسس مدنيا وسياسيا ودوليا.
4/ البعد الثقافي والتنمية الذاتية
إن جدلية الفكر والثقافة والحضارة حاضرة في الاختيار المنهجي المتوازن للتنمية الذاتية. لأن هذه الجدلية تصنع الابتكار والإبداع. ويتلذذ المتتبع والممارس بهذه العبادة التي تتجاوز العادة وتعتمد مبدأ التطور في إطار الثابت، إنه الثابت والمتحول في السيرورة الفكرية والحضارية والثقافية. ويساهم العلماء والمفكرين والمثقفين في هذا البناء. إنها زاوية مفتوحة على الجميع من أجل خدمة الجميع. إنه اختيار فلسفي، يتطلب مجهودا فكريا كبيرا من أجل بسط المعالم الكبرى لهذا المنهج العميق.
إننا نرقى بالتنمية الذاتية إلى فضاء فاسح يبدع وينبض بالحيوية والسمو، والعيش المشترك والحياة الطيبة. وهذا الغنى يجب أن يتقاسمه الجميع. لأنه الحياة، والنمو، والتوقان إلى المستقبل الجميع. ومن تم نبني حضارة شاهدة على ما نقول. وهذا وليد بحث فلسفي لأنه لا تنمية ذاتية بدون خلفية فلسفية تتوحد فيه الثقافة والفكر والحضارة. فمزيدا من الاجتهاد والإبداع.
إن الخلفية الفلسفية تساعدنا على الإنتاج المعرفي خاصة على المستوى التنموي. هذا المستوى من المعرفة يؤهلنا إلى كسب أنماط منهجية للتحليل الموضوعي المتزن. خاصة إذا كانت المنهجية التقنية للضبط المرجعي الفلسفي. هذا الضبط المنهجي يؤدي إلى نجاحات ثقافية وإعلامية. مما يساعد البحث العلمي على مستوى الذات والموضوع، وإنتاج قيم جيدة في هذا الباب.
إن المنحى المشار إليه سابقا يؤسس لقيم تواجه الأفكار الوحشية التي تهدد التنمية الذاتية في الإنسان. تلك الظواهر التي تعتمد أفكارا مغلوطة مغلفة بادعاءات علمية وتلك هي الطامة الكبرى. وهذا نقيض لذة القراءة والكتابة البانية للاختيارات التنموية المستدامة والمندمجة. وبذلك يبقى هذا الاختيار حاضرا في تنمية مناخ تربية الذات والمجتمع من خلال مجموعة من المبادئ نوجزها فيما يلي: الحرية، والمنافسة الشريفة، والمصاحبة الإيجابية، والاستثمار الجيد في الموارد البشرية، واحترام ميثاق القيم والأخلاق، وتنشيط الكفاءات بناء على التحولات العالمية. كل هذا سيشجع النماء الذاتي والمجتمعي، واكتشاف أنماط متجددة من التنمية البشرية. مما يجعلنا نبدع خريطة طريق واضحة في مجال صناعة الإرادات المؤهلة لتقويم التجارب والاستفادة منها.
إن الاستفادة من التراكمات يؤدي حتما إلى تأهيل إدارة التنمية الذاتية والمجتمعية. ومن المحفزات لهذا التطور الوضوح، لأنه هو السر في بناء الثقة، وكسب كل الأطراف وغرس التضامن والتعاون بينهم. انداك تتدافع البدائل بدل الصراعات المدمرة. ومن أجل تعزيز هذا المنحى الإشعاعي، لابد من تأصيله تشريعيا يجد كل واحد في نفسه. والذي يخضع للتحيين كلما استجدت مستجدات مسايرة للتطورات الدولية. ومصاحبة لهذا التطور التشريعي، يجب تهيئ مناخا مساعدا على التطبيق وحسن التنزيل، عنوانه الأكبر الواقعية والتبسيط والتخفيف. حتى تسهل عملية التقويم الموضوعي لمدى تحقيق الأهداف المتوخاة من جهة والالتقائية بين المشاريع من جهة ثانية.
1.4 التنمية الذاتية وصناعة الكفاءات
إن الهدف الأسمى من التنمية الذاتية هو صناعة كفاءات تساهم في بناء النمو على جميع المستويات. وهذا يتطلب رؤية واستراتيجية عملية. من أجل وضع إطار للتأهيل. وفي تقدير لابد من استحضار الجهوية المتقدمة وحاجياتها من أجل الشروع في هذا العمل، لأن لكل جهة خصوصياتها تتطلب تأهيلا منسجما ومتناغما. لأن الواقع المعيش هو الذي يفرض طبيعة الكفاءات المطلوبة. والربط بينها بطرق علمية ومهنية. لذلك أتمنى من القطاعات التالية توظيف المشروع التنموي الذاتي ضمن برنامجه التكويني إضافة إلى الجانب العلمي في القطاعات التالية: الماء، الفلاحة، الطاقة، التعمير، ومجال السياسات العمومية والقطاعية والترابية عامة. إن فرص كل جهة يحتاج إلى إبداع في إفراز كفاءات مناسبة. وهذا يحتاج إلى الذكاء الترابي. من أجل تبني تصاميم ومقاربات في أفق تقوية الاستثمار المتعلق بالتنمية بأبعادها العمودية والأفقية. بناء على توجيهات ملكية داعية إلى الأخذ بعين الاعتبار الرأسمال المادي وغير المادي. والتمازج بين خطاب الهوية وخطاب التدبير. كل هذا يشكل رأسمالا مهما في التكوين والتأهيل. لمواجهة التحديات المطروحة نفسيا وعضويا.
إن مبدأي اللامركزية والاتمركز الإداري، عاملان أساسيان من أجل إنجاح كل مشروع تنموي. ذاتيا كان أم مجتمعيا. هذا الاختيار يتطلب تعبئة جماعية في إطار تنافسية شريفة، من أجل ضمان نسب التشغيل محترمة. والتقليص من هدر الفرص على المستوى الترابي. المهم تقديم المساعدة للمواطنين والمواطنات. في التنسيق الفعال بين المركز والجهة.
2.4 التنمية الذاتية والتنوع الثقافي
إن التنمية الذاتية مجموعة من الإجراءات العملية التي تنفذ إلى العقل البشري بكل تلقائية. هادفة إلى تنمية المعارف الذاتية. وتثمن الفرص والكفاءات، مما يؤشر على العيش المشترك وجودة العيش. وتحويل الأحلام إلى ممارسات واقعية. ومن أجل الوصول إلى هذه النتيجة يلزم التناغم بينما هو فلسفي وسيكولوجي والسسيولوجي والرياضي. وهناك اتجاهات تعتبر الدين عاملا يضاف إلى العوامل السابقة. المهم هو تجاوز الأفكار السلبية التي تعيق التنمية. ثم تيني الأمل والتفاؤل في إطار اجتهاد تطوعي من أجل بلوغ الهدف.
إن ما ذكرناه يعين على حسن تدبير الزمن، وحسن التواصل مع الآخر، ونسج علاقات تؤسس للعيش المشترك. والثقة في النفس، وتوسيع دائرة المعارف، وإعطاء معنى للحياة. وهذا يتطلب مقاربة تربوية محكمة. تعتمد على عنصري التوازن والتعاون. لأن التنمية الذاتية مرتبطة أصلا بالمحيط. وهذا عمل يدفعنا إلى تطوير البحث العلمي في التنمية الذاتية، وتصحيح ما يمكن تصحيحه في حالات الوقوع في الأخطاء. إذن التنمية الذاتية هي التفكير الإيجابي، لها علاقة بالبحث العلمي، وهي تجارب مطردة من أجل العيش الكريم، وذلك بالتحكم في القدر الإرادي بالروح والتضحية من أجل الترقي الذاتي. وتتخذ أبعادا أفقية وعمودية، من أجل صناعة التوازن والثقة، وطريقها غير مفروش بالورود بل تعتريها دوما أشواك.
إنها مهنة كل إنسان، لذلك يلزمنا احترام الحب، والخطاب المجمع، والتقاسم الإيجابي بدون عجرفة ولا كيد ولا حسد ولا بغض. لأن التحصيل المعرفي يحضر المناخ الجيد للاستثمار الذي له عوائد إيجابية نفسيا وروحيا ومهنيا وعائليا وماليا واجتماعيا وفكريا وجسميا من أجل إعطاء معنى للحياة. كل هذا يساهم في توفير السعادة وفي نفي الوقت حصانة للتقليص من المتاعب والإكراهات. وهذا المقام يحتاج استحضار هندسة معرفية تخضع للتراتبية التالية: البنية النفسية والروحية-الثقة والسلام-الانتماء والهوية-بلوغ المصد والمثل الأعلى. هذه الهندسة يلزمها التناغم مع تحقيق الأهداف المنشودة وذلك بملء الحاجيات الضرورية والتحسينية. وهذا هو الغنى الحقيقي الذي يسعد البشرية.
إن المقام السابق يؤشر على النضج المساعد على ترشيد القرارات والمقررات بالاحتكاك اجتماعيا. وغالبا ما يكون اختيار هذه المضامين للتنمية الذاتية جبليا وطبيعيا وفطريا، أو ولبد صدمة ذاتية نبهت المتلقي إلى إعادة النظر في الاختيارات والاهتمامات. ورحم الله الظروف التي تنبئ الإنسان إلى عيوبه من أجل تصحيح المسار نحو الحسن والأحسن. وهذا الشعور يكون متبادلا ومتقاسما خاصة وأن البعد الرقمي أصبح مساعدا لهذا الاختيار. وهذا المستوى من العلم والتربية والتأهيل يحتاج إلى مربي ومؤهل، وهذا إرث قديم. وفي هذا السياق يمكن للإنسان أن يتأمل في مساره التربوي طارحا سؤالا جوهريا هل هناك نطور؟ فالإثبات يساعد على الاستمرارية، والنفي يحتم المراجعة التي تنطلق من الذات أولا. قبل التأثير الخارجي. وبذلك نشرعن للاكتشاف والإبداع.
إن للتنمية الذاتية مناهج واضحة ومساعدة للوصول إلى المبتغى المنشود. وهو مسلسل مطرد، يخضع لميكانزمات مضبوطة. نحو: البنية اللغوية والبعد السيميولوجي، والتحاليل الموضوعية، والتواصل الهادف، والمضامين الجيدة، والإعلام المنطقي، والرياضة البانية، والقراءة السننية، والحركية المستمرة. والمخالطة الإيجابية، والتكوين المستمر والذي يجب أن يستحضر ما يلي: البحث عن حقيقة الذات والكون والدورة الحضارية، تحرير أحلام الذات من القيود، المقاربة الشمولية، رؤية واضحة، الانطلاق بدون تردد وخوف، استثمار التراكمات، تقويم التطور في سلم الترقي ذاتيا، الاعتزاز بالتفوق والاحتفال به، عدم الاستسلام للإكراهات والمشاكل، تقاسم وتبادل التجارب مع الآخر.
إن ما يمكن اعتماده في هذا المقام هو حسن تدبير الوقت، لأنه مؤشر حقيقي على جودة تدبير الحياة الذاتية التي تنعكس على الحياة المجتمعية. ومن أهم معالم هذا التدبير أن تجعل جزءا من وقتك لقراءة القرآن الكريم، لأنه إذا أردت أن تسمع للخالق فعليك بقراءة القرآن، وإذا أردت أن يسمعك الله فادخل في الصلاة لأن أقرب ما يكون المرء إلى عبده فهو ساجد. وبذلك تشرع في استهلال رحلتك مع الخالق عز وجل. كل هذا يدفعك إلى العطاء والسخاء والبذل. ومن تم تصقل قلبك وكأنك أمام صدأ نتج عن هفوات الدنيا التي إذا حلت أوحلت. وبهذا الالتزام الزمني يصبح التوقيت التقني مرتبطا بقيمة ربانية تساعد على حصول الانضباط. وهذا يدخل في الدينونة الكاملة لله عز وجل وعبودته التي بمثابة الغاية المتوخاة من الخلق الرباني. وهذا يساعد على التركيز لأن معية الله حاضرة، والعمل يتم بأريحية وتشويق لأنه يجمع بين أجري الدنيا والآخرة.
ومن أهم معالم الثقافة هو الاستئناس بالتراث من أجل صياغة التنمية الذاتية، كيف ذلك؟ إن الربط بين التراث والتنمية الذاتية مرتبط بالعمران وطبيعة الاستخلاف في الأرض. والتي تخدم انتهاء الإنماء. والمرجعية الإسلامية تنفخ الروح في هذه المفاتيح اللغوية ذات الدلالات الاصطلاحية. وتلعب السياسة دورا أساسيا في تنمية هذه الجدلية. كما يساهم العدل في إنصاف هذه العلاقات. كل هذا يوفر للإنسان الاستقرار والتوازن، والأمن الذي هو حليف العمران والتنمية.
إن المرجعية الإسلامية توضح لنا الفلسفة والرؤية، مما يؤسس للوعي ويبرز لنا خريطة الطريق. وصلاح الدنيا مرتبط بصلاح الإنسان. وقد تحدث ابن خلدون على أهمية العمران في البناء التنموي والحضاري. ومن تم يبنى التاريخ. ولذلك جمع بين السلطة والمقاصد العمرانية. في إطار منهج سنني والنسل. وكلها من المكونات الأساسية للتنمية الذاتية والمجتمعية.
5/ التنمية الذاتية ومقاربة الحاجة
هل تستطيع التنمية الذاتية أن تساهم في التقليص من التفاوتات المجالية والترابية؟ هل نعتمد فقط علة المنظمات الدولية في هذا الباب؟ كيف نجعل من التنمية الذاتية مشروعا للإقلاع بدل الرهان فحسب على المساعدات الذاتية والإقليمية والدولية؟ في تقديري التنمية الذاتية مشروع كبير من أجل التقليص من الحاجة والفاقة. والمطلوب من كل مانح فردا أو مؤسسة أو دولة أن يدعم مشاريع التنمية الذاتية. وذلك بالتعاقد على أساس برامج، على المستوى الاقتصادي، والبشري من حيث التكوين والتدريب والتأهيل وتنمية القدرات، وعقلنة الاستثمار، وبسط الأمن على جميع المستويات. لأنه عامل مشجع. وينتج التنافس، ويعتمد على الذات بدل الهجرة التي تبني أهرامات من الغنى الفاحش. واستغلال لهذه الفئات على جميع المستويات. وفي هذا الإطار يجب التعاون مع المواطنات والمواطنين والجمعيات والمنظمات غير الحكومية في إطار إشراكهم وضع البرامج التنموية وتنزيلها وتتبعها وتقييمها.
ومن المشاريع التي يجب العمل عليها البعدين الصحي والتربوي التعليمي، وتبقى التنمية الذاتية إبداع لا يتوقف. لأن العرض أقل من الطلب. ولن يتأتى هذا إلا لذوي الخبرة والتجربة، والنفس الطويل. إذن التنمية الذاتية تتطلب وضع استراتيجية علمية وعملية ومهنية. إن الشعار الذي يجب أن يسود ما قاله المهاجرون عندما هاجروا من مكة إلى المدينة، وأرد الأنصار أن يقتسموا معهم كل شيء بناء على أخوة الإسلام لكن كان الواحد منهم يقول دلوني على السوق. إنها التنمية الذاتية في قمتها. التي بنت حضارة عالمية انطلاقا من منظومة الرحمة.
6. القيم التربوية للتنمية الذاتية
تبني القيم الإنسان. لأنه العمق الأساسي لكل بناء. وما أحوج العالم إلى التربية على القيم. مستثمرين التنمية الذاتية. والقيم قسمان: الثابت والمتحول. في إطار التدافع الحضاري والمرجعي. فالمواطن الصالح هو المؤهل للمساهمة في المجتمع الصالح الذاتي والإقليمي والدولي. ومن المميزات الأساسية للقيم البانية نستحضر الوسطية والاعتدال، الثابت والمتجدد، وللتربية دور أساسي في نشر القيم المؤهلة للتنمية البشرية والمعتمدة على التنمية الذاتية والمجتمعية.
إن التربية على القيم البانية تؤسس للتنمية البشرية، وتكوين الأفراد والمجتمعات بناء على التنمية الذاتية والمجتمعية. وتربط القيم من منظور إسلامي بعلم المقاصد، والذي يفرض علينا روح تجديدية مطردة. لأنها لها بعد إنساني ممتد عموديا وأفقيا. نظرا لأهميتها على المستوى العلائقي.
خلاصات عامة
التنمية الذاتية خريطة طريق بشرية تؤهل الذات الإنسانية من أجل التطوير والكسب. ومن أجل ضمان الاستمرارية في هذا الاختيار يلزمك التعليم والتربية والتدريب من أجل تنمية القدرات. التنمية البشرية دورة إنسانية تستهدف تطوير الذات، وتنمية مهارتها، في أفق ترشيد اتخاذ القرار السديد، الذي يعود على الذات بالخير والبركة والتوفيق والسداد. التنمية الذاتية سبيل قويم لتحقيق النجاح في الدورة الحضارية للحياة، مع الاستعانة بالبعد الرقمي الذي أصبح ضرورة مدنية. التنمية الذاتية ألية مساعدة على تطوير الجانب التواصلي خاصة أثناء تنشئة الأبناء في المدرسة والأسرة. وتبقى التنمية الذاتية من منظور إسلامي هو ما ذكر من قبل، إضافة إلى الارتقاء بالذات خاصة عندما يقرأ الإنسان آيات بينات من الذكر الحكيم في إطار التوازن بين الحاجيات العقلية والروحية والجسمية، إضافة إلى الاستفادة من سنة وحياة الرسول صلى الله عليه وسلم التي جمعت بين الكفاءة والكفاية، في افق مقاصدي واضح يحفظ العقل والدين والمال والنفس والنسل. التنمية البشرية في الإسلام آلية للبناء العقدي، والشرائعي والأخلاقي والسلوكي. إنها الترقي في سلم التزكية، والتكامل بين علمي الدين والتدين، الفقه والواقع، الهوية والتدبير. إنها بنية فكرية وسلوكية لمواجهات تحديات الحياة في إطار محورية ومركزية الإنسان في الاختيار التنموي. إنها مسؤولية في الدنيا نلقى بها الله يوم القيامة.

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *