القيم بين الانضباط والتسيب

بقلم الدكتور عثمان كضوار.

ضرورة القيم. الحق باعتباره قيمة مطلقة العلم باعتباره منهجا لمعرفة الحق

 
الحديث عن القيم هو حديث ابتداء عن منظومة يتداخل فيها الفكري بالعملي، النظري بالتطبيقي، الذاتي بالموضوعي، الفردي بالمجتمعي، النقلي بالعقلي، العقدي بالتشريعي، لذلك لا يليق مدارسة هذا الموضوع ومعالجته من زاوية واحدة، فحتى يتحقق الانضباط العلمي ارتباطا بالقيم مفهوما وقضية؛ يلزم إحاطة ما سلف ذكره بالتأصيل والتحليل، فكل دراسة بمنأى عن المقاربة الشمولية تؤدي إلى تسيب واضطراب في تقديم وصفة علمية موضوعية للقيم، وهي قاعدة تفعل على أي كان من الموضوعات، فكرية، دينية، اجتماعية، سياسية، اقتصادية..
لايمكننا تحديد مفهوم القيم بعيدا عن المرجعية التي تحدد انتماءنا الإيديولوجي الديني، فلكل حضارة قيمها ولكل دين قيمه، والمستقرئ لكتابات المستشرقين يلحظ بكل وضوح سندهم وغاياتهم في بسط مفهوم القيم ، لذلك نبه الدكتور أحمد العبادي – رئيس الرابطة المحمدية- نقلا عن طه عبد الرحمن إلى خطورة الكتابات الاستشراقية في موضوع القيم، حيث تسعى من منطلق العولمة الفكرية إلى اختزال مختلف الثقافات في ثقافة واحدة، عن طريق خلخلة المنظومات القيمية للمجتمعات، والاستعاضة عنها بمنظومة قيم العولمة.
أحمد العبادي ينبه إلى الدور السلبي الذي تؤديه بعض الفعاليات والمؤسسات في محاربة القيم الإسلامية حتى صار جزء منها مغيبا ومستضمرا.
بات الفكر الإسلامي يواجه جراء فقدانه للبوصلة القيمية عدة إكراهات ومتاعب سواء من حيث المنهج أو من حيث التنزيل ، وقد وقفت عند كتاب أعتبره من أهم ماكتب في موضوع القيم للدكتور محمد الكتاب ” منظومة القيم المرجعية في الإسلام ” فالكتاب كما هو عنوانه ألف لغاية في نفس الكتاب كما ذكر” جوابا على إشكالات عدة ارتباطا بمفهوم القيم كما ينبغي لها أن تكون، حيث يقول : “إسهاما مني في هذا التوجه الذي يسعى إلى ملاءمة الخطاب الإسلامي مع هذا العصر وتقديم قيم الإسلام المرجعية في صياغة جديدة، قائمة على المقارنة والتحليل والإفادة من العلوم الإنسانية”.
وحتى أكون وفيا من الناحية العلمية لما ذكر فضيلته، سأعمد إلى تقديم قراءة وصفية للكتاب عبر محطات، حرصا مني على تقديم هذا الموضوع الخطير والبالغ الأهمية بكل عناية، وإسهاما في تبسيط معالم القيم من المرجعية الإسلامية دفعا للشبهات ودرءا للمغالطات في مرحلة اختلت فيها المفاهيم وأهدرت القيم، حتى طبعها التسيب والانزلاق والانحراف فصرنا بعيدين عن القيم التي أريد لها أن تكون.
ضرورة القيم:
استهل المؤلف الفصل الأول بالحديث عن المكانة التي تحتلها فكرة القيم ضمن الفلسفات المعاصرة، وذلك راجع في تقديره إلى ” التطور الحضاري الذي انطوى على تاريخية يطبعها التناقض بين الهدم والبناء والصراع بين الدين والعقل” وقد دفع ذلك إلى طرح أسئلة فلسفية جوهرية حول غاية وسر وجود الإنسان، أسئلة كان هدفها تغييب مقصودية الإنسان ، واستحضار البعد العبثي أكثر من تحقيق قيمه التي هي سر أفضليته، تلكم أسباب كانت دافعا في أن يحرر الكاتب هذا الكتاب دفاعا عن القيم المرجعية التي تميز الإنسان، أو بتعبيره ” إثبات ضرورة القيم للإنسان”.
تبرز مكانة القيم في كون المسؤولية الأخلاقية للإنسان تأخذ بعين الاعتبار كون سلوكه هادفا، منطويا على الرغبة في تحقيق قصد معين من سلوكه، وهو سلوك يراه المؤلف ينطلق من إرادة وحرية من منطلق تصور مبدئي يمكن اعتباره قيمة في حد ذاته، وبالتالي فنفيها هو نفي للمكاسب الحضارية والعلمية التي أنجزها الإنسان على مر التاريخ، والحكم على الشخص بأزمة نفسية بسبب أزمة حضارية يعانيها المجتمع الذي يأويه.
تساؤلي من خلال ما أشار إليه المؤلف ينطلق من العلاقة بين الفرد والمجتمع التي أسس لها وهو يظهر نتيجة الإقصاء لمسمى القيم، من المؤثر ومن المؤثر فيه؟ فإذا انطلقنا من كون المجتمع مؤثر في الفرد، قلنا وما المجتمع إلا مجموعة أفراد، وإذا انطلقنا من كون الفرد يؤثر سلبا أو إيجابا على المجتمع، نكون قد حملنا الفرد مسؤولية بناء المجتمع، وهي مقاربة تحتاج مزيدا من البيان والتوضيح.
انطلق المؤلف في تحديده لمعنى القيمة من خلال وصفها لا تعريفها على اعتبار أن مفهومها قد يضيق ويتسع بحسب الأوساط التي تتداولها، بقوله: ” القيمة إذن هي الوصف الذي يكتسيه الباعث على إنجاز فعل من الأفعال، بحيث يسد حاجة من حاجات الإنسان الضرورية أو الكمالية، أو من حي

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *