لماذا تتزايد الانقلابات العسكرية في إفريقيا؟

لماذا تتزايد الانقلابات العسكرية في إفريقيا جنوب الصحراء؟
بقلم: شيماء محمود

انتشرت ظاهرة الانقلابات العسكرية في القارة الإفريقية، التي بدأت منذ العقود الأولى التي أعقبت الاستقلال؛ حيث سجلت القارة الإفريقية منذ عام 1950 نحو (222) محاولة انقلابية من إجمالي (494) محاولة في العالم، لعل آخرها الانقلاب الناجح في بوركينا فاسو بقيادة “بول هنري سانداوجو داميبا” الذي أدى إلى تغيير هيكل السلطة في 24 يناير الماضي؛ وذلك بعد الإطاحة بالرئيس “روش مارك كابوري”، بالإضافة إلى المحاولة الانقلابية في غينيا بيساو التي جرت مطلع فبراير الجاري. وتتعدد العوامل المحفزة على الانقلابات العسكرية في إفريقيا جنوب الصحراء؛ لعل من أهمها تراجع اعتبارات المصداقية والشفافية بشأن العمليات الانتخابية، والافتقار إلى الحكم الرشيد، وتنامي معدلات الفساد، وتدهور الأوضاع الاقتصادية والأمنية. وتتمثل أهم التداعيات المباشرة لهذه الظاهرة في احتمالات تنامي الانقلابات العسكرية، وتدهور الأوضاع الاقتصادية من جراء العقوبات المفروضة بفعل الانقلابات العسكرية، والتعثر المحتمل بشأن إتمام المراحل الانتقالية، فضلاً عن تنامي حالة الفراغ الأمني في ظل انهيار مؤسسات الدولة.
ظاهرة متكررة:
أصبحت ظاهرة الانقلابات العسكرية في إفريقيا، التي بدأت في المرحلة التالية على الاستقلال، أمراً معتاداً، وهو ما أثار العديد من المخاوف بشأن ارتفاع وتيرة تكرارها في الآونة الأخيرة؛ حيث سجلت القارة الإفريقية منذ عام 1950 نحو (222) محاولة انقلابية من إجمالي (494) محاولة في العالم، كما سُجلت نحو (21) محاولة انقلابية من قِبل الجيش للإطاحة بالحكومات منذ عام 2015، وتمكن نحو (38%) من هذه المحاولات من النجاح وتغيير رأس السلطة في الدولة، وقد حدث السواد الأعظم منها في إقليمي الغرب والوسط الإفريقيين.
وقد مثَّل عام 2020 بوجه عام مرحلة جديدة لعودة هذه الظاهرة إلى إفريقيا؛ وذلك بعد مرحلة من الغياب والانقطاع منذ عام 2017 الذي شهد بمفرده (12) محاولة انقلابية من أصل (13) محاولة على مستوى العالم، وقد كان آخرها الانقلاب الذي أطاح بالرئيس الأسبق “روبرت موجابي” في زيمبابوي في 21 نوفمبر من العام ذاته. ومنذ ذلك التاريخ، مرت الأنظمة السياسية الإفريقية بنوع من الاستقرار النسبي حتى بداية النصف الثاني من عام 2020، الذي شهد وقوع انقلاب عسكري في مالي في 18 أغسطس أدى إلى الإطاحة بالرئيس الأسبق “إبراهيم أبو بكر كيتا” بعد عدة أشهر من الأزمة السياسية القائمة في الدولة.
وقد شهد عام 2021 عدداً أكبر من المحاولات الانقلابية في إفريقيا؛ حيث بلغ عددها (6) محاولات، بيد أن الناجح منها بلغ (4) محاولات فحسب؛ تتمثل أولاها في الانقلاب العسكري في تشاد في 20 أبريل 2021؛ حيث قام المجلس العسكري الانتقالي برئاسة “محمد إدريس ديبي”، الذي كان آنذاك قائداً للحرس الرئاسي، بحل الحكومة والجمعية الوطنية بعد وفاة الرئيس الأسبق “إدريس ديبي”، ووعد بإقامة انتخابات “حرة وديمقراطية” في غضون سنة ونصف. كما شهدت مالي انقلاباً عسكرياً بقيادة “عاصمي غويتا” في 24 مايو2021.
يأتي هذا فيما شهدت غينيا كوناكري هي الأخرى انقلاباً بقيادة العقيد “مامادي دومبويا” في 5 سبتمبر 2021، الذي أطاح بالرئيس الأسبق “ألفا كوندي”. وأخيراً شهد السودان انقلاباً في 25 أكتوبر 2021 بقياده الفريق أول “عبد الفتاح البرهان” الذي يقود مجلس السيادة في إطار المرحلة الانتقالية؛ حيث قام بحل مجلس السيادة والحكومة برئاسة “عبد الله حمدوك”. وتعد السودان بوجه عام الدولة التي شهدت العدد الأكبر من الانقلابات ومحاولات الاستيلاء على السلطة، التي بلغت نحو (17) محاولة نجح (6) منها.
وعلى مستوى العام الجاري، شهدت القارة إلى الآن محاولتين انقلابيتين؛ وذلك في كل من بوركينا فاسو وغينيا بيساو؛ ففي بوركينا فاسو نجح “بول هنري سانداوجو داميبا” في تغيير هيكل السلطة في 24 يناير الماضي؛ وذلك بعد الإطاحة بالرئيس “روش مارك كابوري” الذي تولى السلطة منذ عام 2015. وتمتلك الدولة ميراثاً طويلاً من الانقلابات العسكرية البالغ عددها (8) محاولات ناجحة، ومحاولة واحدة غير ناجحة منذ استقلالها عن فرنسا في عام 1960. وعلى الجانب الآخر، لم ينجح الانقلاب العسكري الذي جرى في غينيا بيساو في تغيير رأس السلطة الحاكمة بقيادة الرئيس الحالي “عمر سيسكو إمبالو” في 1 فبراير الجاري. وتعتبر الدولة واحدة من أكثر البلدان عرضةً للانقلاب وعدم الاستقرار السياسي في العالم؛ حيث تم تسجيل أربع انقلابات ناجحة و(16) محاولة غير ناجحة منذ استقلالها عن البرتغال في عام 1974.
عوامل محفزة:
تتعدد العوامل المحفزة على وقوع الانقلابات العسكرية في إفريقيا جنوب الصحراء، ولعل من أبرزها ما يأتي:
1– تراجُع المصداقية والشفافية بشأن الانتخابات: يشوب العديد من الانتخابات في القارة الإفريقية قدر كبير من عدم المصداقية، ولا سيما في ضوء تراخي الاتحاد الإفريقي والتجمعات الاقتصادية الإقليمية بشأن إدانة واستنكار العمليات الانتخابية التي يشوبها قدر كبير من التجاوزات على مستويات عدة؛ فعلى الرغم من وجود دور لهما عبر إرسال بعثات المراقبة إلى الدول التي تشهد عمليات انتخابية، بيد أن التقارير المنبثقة عنها نادراً ما تُدين النتائج الرسمية المعلنة من قِبل اللجان الوطنية للانتخابات؛ وذلك على الرغم من تقارير المجتمع المدني والسلطات القضائية التي تُفيد بوجود تلاعب بشأن النتائج الانتخابية، كما كان الحال مع الانتخابات البرلمانية الأخيرة في مالي التي جرت في مارس 2020.
2– الافتقار إلى الحكم الرشيد وارتفاع معدلات الفساد: تُسجل منطقة إفريقيا جنوب الصحراء بوجه عام أقل عدد نقاط وفقاً لمؤشر مدركات الفساد لعام 2021 بمتوسط (33) درجة من أصل (100). ويأتي نحو (12) دولة إفريقية ضمن أكثر (20) دولة فساداً في العالم وفقاً لذات المؤشر. ولعل من أبرزها (جنوب السودان، والصومال، وغينيا الاستوائية، وغينيا بيساو، وتشاد، والكونغو الديموقراطية، والكونغو). ويضاف إلى ذلك محدودية فاعلية الدور الذي تقوم به آلية مراجعة النظراء الإفريقية التابعة للاتحاد الإفريقي على الرغم من وجودها على مدى عقدين من الزمن.

3– المعاناة من تدهور الظروف الاقتصادية والمعيشية: يعاني السواد الأعظم من سكان الدول الإفريقية من تدهور الأوضاع الاقتصادية وارتفاع معدلات الفقر؛ فعلى سبيل المثال، وفقاً للبنك الدولي يعيش نحو (40.1%) من السكان في بوركينا فاسو تحت خط الفقر، ويعتمد اقتصادها إلى حد كبير على الزراعة التي توظف (80%) من القوة العاملة، كما تواجه البلاد العديد من التحديات التنموية، لا سيما في مجال الصحة والتعليم؛ حيث تحتل المرتبة الـ(144) من أصل (157) دولة في مؤشر رأس المال البشري الصادر عن البنك الدولي. كما تعتبر غينيا بيساو واحدة من أفقر دول العالم وأكثرها هشاشة وفقاً لتقارير البنك الدولي مع ديون خارجية ضخمة واقتصاد يعتمد بدرجة كبيرة على المساعدات الخارجية، كما أصبحت بنسبة كبيرة نقطة عبور للمخدرات في أمريكا اللاتينية؛ ما أدى إلى وصفها من قبل البعض بأنها أول دولة مخدرات في إفريقيا.
4– تدهور الأحوال الأمنية وهشاشة الدول الإفريقية: شهدت نحو (20) دولة في إفريقيا جنوب الصحراء نزاعات مسلحة وفقاً لتقرير سيبري الصادر عام 2020. وتتمثل هذه الدول في كل من (بوركينا فاسو، والكاميرون، والنيجر، وجمهورية إفريقيا الوسطى، وموزمبيق، وأنجولا، والسودان، وجنوب السودان، ومدغشقر، وكينيا، وبوروندي، وتشاد، وإثيوبيا، ومالي، وكوت ديفوار، وجمهورية الكونغو الديموقراطية، وغينيا، ونيجيريا، والصومال، وأوغندا). ويأتي ذلك في ظل هشاشة العديد من الدول الإفريقية؛ حيث تأتي (11) دولة ضمن الدول الخمسة عشرة الأكثر هشاشةً في العالم وفقاً لمؤشر الدول الهشة لعام 2021. وقد شكَّلت الأحوال الأمنية المتفاقمة منذ عام 2015 دافعاً لانقلاب بوركينا فاسو في يناير الماضي؛ حيث عجز نظام “كابوري” عن الاستجابة لتلك التحديات الأمنية التي أودت بحياة ما يقدر بنحو (7569) شخصاً في ست سنوات، وأدت إلى تشريد ما يزيد عن (1.6) مليون نسمة، كما تراجعت بحدة ثقة الجمهور بإدارة الرئيس للأزمة الأمنية، عقب الهجوم على قرية “صلحان” بالقرب من حدود الدولة مع “النيجر” في يونيو 2021؛ الأمر الذي أدى إلى مقتل (132) شخصاً على الأقل؛ ما أجبر الرئيس على إجراء تعديل في تشكيل الحكومة وتعيين نفسه وزيراً للدفاع، وكذلك حادث الهجوم على قاعدة “إيناتا” العسكرية الشمالية في نوفمبر 2021 الذي نتج عنه مصرع نحو (53) ضابط شرطة.
تداعيات مختلفة
في ضوء تحديد واقع الظاهرة الانقلابية والعوامل المحفزة عليها في إفريقيا جنوب الصحراء، يمكن رصد أبرز التداعيات المترتبة عليها كالتالي:

 1– توقعات بحدوث المزيد من الانقلابات العسكرية: يُثير تنامي أعداد الانقلابات العسكرية في إفريقيا جنوب الصحراء مؤخراً مخاوف بشأن ظهور المزيد منها، خاصةً في ظل الشكوك المثارة حول تورط بعض الأطراف الدولية الراغبة في تشكيل نخب جديدة موالية لها، كما حدث في ظل الانقلاب الأخير في بوركينا فاسو، وكذلك الاتهامات الفرنسية الدائمة لروسيا من خلال قوات “فاجنر “بالوقوف خلف الانقلابين الأخيرين في مالي، التي يشارك عناصرها أيضاً في كل من ليبيا والسودان وموزمبيق، فضلاً عن حضورها بدرجة كبيرة في إفريقيا الوسطى؛ حيث تقدم الدعم للرئيس الحالي “فوستين أرشانج تواديرا” المنُتخب منذ عام 2016؛ وذلك في مواجهة المتمردين الذين لا يزالون يسيطرون على أجزاء كثيرة من البلاد منذ الإطاحة بالرئيس الأسبق “فرانسوا بوزيزيه” في عام 2013.
2– إعادة إنتاج الأزمات الاقتصادية بفعل العقوبات: يتم فرض عقوبات ذات طبيعة اقتصادية على الدول التي تشهد تغييرات غير دستورية؛ وذلك من قبل الاتحاد الإفريقي أو التجمعات الاقتصادية الإقليمية، وهو ما يضع قيوداً تُكبل الأداء الاقتصادي في هذه الدول؛ فعلى سبيل المثال، أعلنت الجماعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (إيكواس) فرض عقوبات إضافية على مالي في 9 يناير 2022، شملت إغلاق الحدود البرية والجوية مع الدولة، وتعليق المعاملات المالية غير الضرورية، وتجميد أصول الدولة في البنوك التجارية التابعة لإيكواس، واستدعاء سفراء الدول الأعضاء في إيكواس من باماكو، فضلاً عن إصدار تعليمات لجميع المؤسسات المالية الواقعة تحت مظلتها بتعليق عضوية مالي فوراً، وهو ما يعني تقييد قدرة الدولة على الوصول إلى الأسواق المالية الإقليمية. ويأتي فرض هذه العقوبات ردّاً على تأجيل إجراء الانتخابات من قبل السلطات المؤقتة في فبراير الجاري.
3– تعثُّر إتمام المراحل الانتقالية وإطالة أمدها: ثمة إشكاليات تتعلق بإتمام استحقاقات المرحلة الانتقالية للعودة إلى النظام الدستوري عقب حدوث الانقلابات العسكرية في بعض الحالات؛ ففي السودان تشهد المرحلة الانتقالية الكثير من الإشكاليات المتعلقة بإدارة العلاقات بين المكونين المدني والعسكري وفقاً لصيغة اتفاق جوبا للسلام الموقع في أكتوبر 2020؛ وذلك في إطار المرحلة التالية على القرارات الصادرة عن رئيس مجلس السيادة “عبد الفتاح البرهان” في أكتوبر الماضي. وفي السياق ذاته، تواجه مالي إشكاليات عقب حدوث الانقلاب العسكري في مايو من العام الماضي؛ حيث كان من المفترض أن تُجرى الانتخابات في الدولة في فبراير الجاري، وفقاً لخارطة الطريق المُحددة زمنياً بـ(18) شهراً في 13 يونيو 2021، بيد أن المجلس العسكري الحاكم أصدر جدولاً زمنياً جديداً للمرحلة الانتقالية لتصبح مدتها خمس سنوات للعودة إلى الحكم المدني.

4– تنامي حالة الفراغ الأمني وتقويض المؤسسات: تقود الانقلابات العسكرية إلى تقويض دور المؤسسات الأمنية المعنية بخلق بيئة مواتية لتحقيق السلم والأمن؛ وذلك في ظل وجود هياكل مؤقتة للسلطة، وهو ما يقود إلى تنامي التهديدات الأمنية، وعلى رأسها انتشار الأنشطة الإرهابية والجرائم المنظمة بمختلف أنماطها والهجرة غير الشرعية. ومن ثم، يُصبح هناك تحديات رئيسية متعلقة بالحفاظ على الكيان القانوني للدولة، ولا سيما في ضوء تزايد احتمالية التدخلات الخارجية لتحقيق بعض المصالح الذاتية؛ وذلك على نحو ما حدث في مالي وإفريقيا الوسطى.

وختاماً، في ظل استمرار الأسباب المُحفزة على حدوث الانقلابات العسكرية في إفريقيا جنوب الصحراء؛ فإنه من المرجح أن تشهد الفترة القادمة المزيد من المحاولات الانقلابية، خاصةً مع تزايد حدة الفراغ الأمني، والتي تزداد انتشاراً بفعل تصاعُد أنشطة الجماعات الإرهابية في بعض الدول الإفريقية، علاوة على استمرار حالة عدم الاستقرار السياسي الممتد داخل بعض النظم السياسية في القارة، وعجز المجتمع الدولي عن توفير الدعم اللازم لمواجهة تلك الظاهرة الآخذة في التصاعد خلال السنوات الأخيرة.

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *