رحم الله الطفل ريان

رجع الصدى يكتبها عبد الكريم جبراوي

لكل حدث وقائعه وتجلياته، ولكل حدث تبعاته ونتائجه، كما لكل مستجد تحمله الأخبار من هنا أو هناك نسيج من الحديث يتردد، وعند هذا التردد يتولد صدى الخبر، فيكون رجع الصدى نتيجة لخبر الحدث…

عاش المغرب في الأسبوع المنصرم مأساة حقيقية على إثر سقوط طفل صغير لا يتجاوز عمره الخمس سنوات في بئر بقطر لا يتجاوز 30 سنتمترا يضيق لينحصر فقط في 20 سنتمترا وبعمق 32 مترا في إحدى قرى إقليم شفشاون الجبلية، وتمددت المأساة لخمسة أيام كانت كلها انتظار بلهفة لخروج الطفل ريان حيا يرزق، وكانت كلها جهود مكثفة من عدد من المتدخلين في صراع مع الزمن ومع طبيعة التربة الجبلية الهشة التي عاقت عمليات الحفر العمودي والأفقي بانهياراتها مرة تلو الأخرى، وكل ذلك تحت أعين المتتبعين عبر العالم من خلال وسائل الإعلام الوطنية والدولية التي كانت تنقل كل حركة على الهواء مباشرة ودون انقطاع..
كان الحدث فكان التفاعل والتجاوب والاستجابة التلقائية لمختلف فئات الشعب المغربي بالتآزر ومرابطة المئات بمكان الحادث، منهم من عرض خدماته للمشاركة في عمليات الإنقاذ ومنهم من تقدم للنزول إلى قاع البئر الذي تبينت استحالة ذلك بعد معاينته من لدن الجهات المختصة حيث تأكد لديها أن قطره في الأعلى 30 سنتمترا وكلما ازداد العمق ازداد معه ضيق القطر ليصل إلى 20 سنتمترا وبالتالي لا يمكن المغامرة بإنزال أي شخص قد يكون هو نفسه ضحية، ولم يكن من حل سوى الحفر العمودي لمسافة 150 مترا عرضية في اتجاه نقطة عمق 32 مترا، وبعدها الحفر الأفقي في اتجاه أسفل المكان الذي يقبع فيه الطفل، وأوكل الأمر لعدد من الجرافات الضخمة التي أوصلت الليل بالنهار أملا في سرعة الوصول إلى الهدف رغم أنها لاقت هذه العملية صعوبات كثيرة كان أبرزها الانهيارات الأرضية التي كانت ترغم على التوقف لحين إزالة مخلفات الانهيار، وتجشم رجال السلطة والدرك الملكي والقوات المساعدة عناء السهر على التنظيم وتأمين المحيط، كما سعى رجال الوقاية المدنية إلى توفير الأوكسجين إلى الطفل وتتبع وضعيته لحظة بلحظة..
ثم كان أول ليل يوم السبت خبر إخراج الطفل من قاع البئر بفرح وتكبير على نجاح عملية الإنقاذ ومعها التساؤلات حول حالته الصحية لا سيما بعدما تم نقله بواسطة سيارة إسعاف للإنعاش صوب طائرة هليكوبتر طبية كانت رابضة غير بعيد عن موقع البئر المشؤوم في انتظار حمله على وجه السرعة نحو أحد مستشفيات المملكة، غير أن الأمر ما لبث أن تحول إلى حزن شديد عقب الإعلان الرسمي عن وفاة الطفل ريان قبل أن يستقل جسده الطائرة.
وانهالت على أسرة الطفل التعازي من كل حدب وصوب، ابتدأها جلالة الملك محمد السادس، ومثلما كان التضامن مع الأسرة ومع المغاربة في هذه المأساة عالميا، كان العزاء كذلك عالميا مما أبان عن الجانب الإنساني الذي تحرر من كل القيود حتى السياسي منها، وحلق في سماوات التواصل مع المغرب حاملا برقيات وعبارات التعازي والتآزر.
وبحجم النظر إلى مأساة فقدان طفل في ريعان طفولته، وباستحضار الجهود الكبيرة التي بذلها كل المتدخلين في عمليات إنقاذه من اللحظة التي وصل فيها خبر سقوطه في البئر وحتى انتشاله منها، تنبري الملحمة التي يمكن استخلاصها، فالشعب المغربي أبان عن مدى التلاحم بين كل فئاته وبكل مكوناته وقد هرع المئات إلى عين المكان ما بين مساهم ومساند وداعم، وارتفع منسوب التضامن العربي والدولي ليجسد سمو الحس الإنساني الرفيع لدى كل من عبر بمختلف الوسائل والطرق عن حزنه العميق لما حدث ومساندته لأسرة الطفل.
رحم الله الطفل ريان، وكل التنويه بكافة المتدخلين في عمليات الإنقاذ، ورفع الله درجات من كانوا دعما وسندا لأسرة الطفل وللمغاربة.
عبد الكريم جبراوي
[email protected]

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *