في تحولٍ مشهود في مسيرتها: المرأة السعودية تقتحم مجالات عمل جديدة.

عبد الرحيم لعماري

أحرزت المرأة السعوديّة تقدمًا غير مسبوق بالانضمام إلى سوق العمل في بلدها بفضل العديد من الإصلاحات الجديدة التي نفّذتها الحكومة منذ عام 2019. وظهرت فرص عمل جديدة للمرأة في صناعاتٍ لطالما كانت حكرًّا على الرجال فيما سبق.
ووفقاً لما أورده “تقرير المرأة وأنشطة الأعمال والقانون” الصادر عن البنك الدولي فإن المرأة السعوديّة تشكل عنصرًا حيويًّا لنجاح رؤية عام 2030 حيث تمّ تنفيذ إصلاحات عدّة من أجل تحفيز المرأة لدخول سوق العمل وحمايتها. وشملت هذه الإصلاحات إدراج حق المرأة المتساوي في اختيار مكان إقامتها. وحظرت التمييز على أساس الجنس في الوظيفة، وفصل  النساء الحوامل من العمل، والتمييز على أساس الجنس في الحصول على الائتمان. وطبقت المراسيم الملكية المساواة بين الرجل والمرأة في سن المعاش التقاعدي وألزمت أصحاب الأعمال بمنح المرأة أجازة وضع بأجر كامل وأن تحسب ضمن مدة خدمتها لأغراض التقاعد.
وتُفيد هذه الاصلاحات بالفعل حوالي ستة ملايين امرأة سعودية تجاوز عمرهنّ 21 عامًا وستؤثّر أيضاً على العديد من الأجيال القادمة. وارتفعت نسبة عمالة المرأة في القطاعات التي لطالما سيطر الرجال عليها. ففي عام 2020 وحده، دخلت 7782 امرأة إلى قطاع البناء – بينما كانت عمالة المرأة في هذا القطاع محظورةً في السابق بموجب القانون – وتبوّأت 6662 امرأة مناصب جديدة في قطاع التصنيع.
ولتسليط الضوء على هذه الفرص الجديدة للمرأة والتغيّرات في الوظائف التي تعمل فيها، تحدّثنا إلى ثلاث نساء سعوديّات مختلفات تبوأن مناصبَ في صناعات لطالما كانت حكرًا على الرجال فيما مضي:
“كريمان الغامدي”، أم عزباء في العقد الرابع من عمرها، قرّرت كسر الحواجز والعمل كسائقة (كابتن) توصيل لصالح شركة “كريم”، وهي إحدى شركات النقل.
وقد عملت “كريمان” في وظائف أخرى، أكثر روتينيّة ومكتبيّة في مجال الموارد البشريّة، لكن، متى سُمح للمرأة السعوديّة بالقيادة، قرّرت “كريمان” أن تقدم طلبًا لشغل وظيفة سائقة بما أنها كانت تعرف أنها ستنجح في مثل هذه الوظيفة.
وقالت في هذا الصدد: “يترافق هذا النوع من العمل مع عدد كبير من الصعوبات. لكن، إذا ما فكرّنا في هذه الصعوبات وحدها، فلن نغادر منزلنا ولن نقوم بعمل أي شيء. فالآخرون يتجاهلونني عندما يرون إمرأة تقود سيارة. ويعتبر البعض بما أنّني سائقة توصيل، يُمكنهم إساءة معاملتي. كما أن ساعات العمل الطويلة تُبعدني عن إبنتي. لكن، أسعى كأم أن أحقّق أهدافي وأسلّم البضائع في الوقت المُحدّد.”
وأضافت أنّها استفادت الكثير من عملها، فاكتسبت خبرة أكبر كسائقة، وتعلّمت الصبر، والتقت أشخاصًا من خلفيّات مختلفة، وتعلّمت أن العالم ليس بالضرورة مكانًا ودودًا. تقول “كريمان”: “كنت شخصًا طيبًا، وأنهزم بسهولة، ولا أعرف كيفية التعامل مع الناس. لكن، بفضل هذه الوظيفة الجديدة، اكتسبت القوّة والحزم وتعلّمت كيفيّة مواجهة المواقف الصعبة.”
وترى “كريمان” أن المرأة السعودية اليوم في موقف تنافسي وقوي جدًا لتبوؤ المناصب بفضل دعم الحكومة ورؤية عام 2030 التي تمكّنها.
وقالت، في هذا الصدد: “أخيرًا حلمي أن أرى المرأة السعودية نموذجًا للعالم ومثلاً يُحتذى، وأن ينظر العالم إليها وأن يقول: هذا ما يجب أن نتوق إليه.”
“إبتهاج البُخاري”، في العقد الثالث من عمرها، قضت مسيرتها المهنيّة في مجال العلوم. إنها عالمة أبحاث تعمل في المختبر المركزي للتصوير والتوصيف في جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية. و”إبتهاج” حائزة على شهادة البكالوريوس في العلوم من جامعة الملك عبد العزيز حيث تخصّصت في علم الأحياء الدقيقة “الميكروبيلوجي” وشهادة ماجستير من جامعة ماكجيل في مونتريال، كندا، في علم الوراثة البشري.
وبعد تخرّجها من الجامعة، عملت “إبتهاج” كموظفة متخصصة في التقنيات الطبية بأحد المستشفيات الخاصة، ثم عملت كأخصائية أولى بمختبر الأمراض المعدية بمستشفى الملك فيصل التخصصي ومركز الأبحاث.
وقالت، في هذه الصدد: “العلوم شغفي. ساعدتني على دراسة المشاكل، وتحليلها، وحلّها! ولأنني لا أحب العمل في وظيفة نمطية حيث الأعمال متكرّرة وروتينيّة، فقد سعيت إلى العمل في وظيفة بحثيّة. وجامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية هي أفضل مكان للقاء الخبراء والعلماء المهنيّين والتعاون معهم.”
وأوضحت “إبتهاج” أن جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية يتوافر لديها مجموعة من الأساتذة والطلاب والموظّفين ممن يتّسمون بالتنوّع الثقافي والدولي. وقد مكّنها هذا التجمع، وهو مصدر وحي وإلهام، من تطوير ذاتها وإثبات نفسها كامرأة سعودية في صفوف زملائها ونظرائها. ودعمتها الجامعة للمنافسة في وظيفتها على مستوى رفيع من خلال إعطائها الفرص لاكتساب المزيد من الأدوات والمهارات للنمو، مثل إرسالها للمشاركة في ورش عمل في المملكة المتحدة، وألمانيا، والولايات المتحدة الأميركيّة، حيث التقت خبراء عالميّين وتعلّمت تقنيات التصوير المتطورة.
وعلى مدى أكثر من خمسة أعوام تقوم “إبتهاج” بتعليم طلاب المعهد السعودي للعلوم البحثية أحدث التطبيقات الطبية الحيويّة وتدعمهم وتشكل مصدر وحي للجيل المقبل من العلماء السعوديّين، لا سيّما النساء العاملات في مجالٍ غالبًا ما يسيطر عليه الرجال.
وتقول “إبتهاج” في هذا السياق: “هدفي أن ألعب دورًا مهمًّا في فريقي وتدريب الطلاب والعلماء من الجامعات السعوديّة وأن أكون نموذجاً يُحتذى به ومؤثرة في أعين العالمات الشابات.”
بالإضافة إلى ما سبق فإن “إبتهاج” تؤمن بأن رؤية السعوديّة لعام 2030 وضعت تمكين المرأة من بين أوجب أولويّاتها. تقول إبتهاج: “المرأة اليوم أكثر انخراطاً من أي وقتٍ مضى في المجتمع، والحكومة، وقطاعات الأعمال”. وأشارت إلى أنّه في عام 2019، تمّ تعيين الأميرة ريما أول امرأة سفيرة للمملكة العربية السعوديّة في الولايات المتحدة الأميركيّة.” وتضيف: “إنني أؤمن بشدّة بأن المرأة السعوديّة سترسم مستقبل المملكة من خلال طموحاتها، وتفانيها في العمل، ومساهماتها العديدة.”
“ولاء سنبل” أم عزباء في العقد الثالث من عمرها وتعمل رئيسة طهاة معجنات وحصلت على شهادتها في فنون الطهي من مدرسة لو كوردون بلو بلندن.
تقول “ولاء”: “بدأت مسيرتي المهنيّة عندما اكتشفت شغفي وأنا خارج المملكة العربية السعوديّة. عشت خارج المملكة لمدة ـ15 عامًا وعملت في مطاعم عديدة عبر العالم حيث سنحت لي الفرصة لأحسّن مهاراتي وأكتسب الخبرة من خلال التتلمذ على يد أفضل الطهاة من الطراز العالمي الذين لم يساعدوني للاستمتاع بعملي فحسب، وإنّما لكسب عيشي أيضًا.”
ومن بين أبرز التحديات المهنيّة التي قابلتها “ولاء” هو التوفيق بين دورها كأم عزباء وإدارة فريق عمل كبير في الوقت نفسه. وتُضيف، في هذا الصدد: “وضع جديد تمامًا للمرأة السعوديّة أن تكون في مناصب قياديّة وإتاحة الفرص لها لتكون في صفوف المديرين. لذا، أنا فخورة لأنّني تمكّنت من القيام بهذا الدور الجديد بكل ثقة، وتجاوزت حتى توقّعاتي وحقّقت العديد من أهداف شركتي.”
المرأة السعودية تقتحم مجالات عمل جديدة: قصة ولاء:
وتركّز “ولاء” على المطاعم الناشئة، والعلاقات العامة، وتطوير المؤسسات في الوقت الحاضر. وهدفها المساهمة في إدارة مطاعم دولية في المملكة العربية السعوديّة.
وقالت في هذا الصدد: “المرأة السعودية يتم تمكينها اليوم بشكل لم يسبق له مثيل وأكثر من أي وقتٍ مضى. والفرصة التي لطالما انتظرناها سانحة الآن وتأخذ أشكالاً لفرص مختلفة ومتعددة. ويسرّني أن أكون جزءًا من الحركة الحالية للمرأة السعودية ولدي النية الكاملة أن أبذل قصارى جهدي لتحويل أحلامي إلى حقيقة.”

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *