الشعب المغربي مواطن تعيس وزبون بئيس

 

بقلم: عبد المولى المروري

في موضوع سابق تحت عنوان : أزمة الإصلاح بالمغرب، إلى متى؟ أشرت إشارة خفيفة إلى أن أثرياء الدولة العميقة حولوا المغرب إلى مجموعة زبناء، فهل كان هذا الوصف خاطئا؟ أن يكون الشعب زبونا لحكامه، فهذا أبشع موقف يعيشه شعب ما في العالم، وهي حالة أخطر بكثير من كل انتهاكات حقوق الإنسان التي يعيشها أي شعب، أخطر من معظم صور التعذيب البدني، أخطر من المحاكمات الصورية والاعتقالات التعسفية… أن يصبح الوطن سوقا تجاريا للسلطة، ويصبح المواطن زبونا يضطر مكرها لشراء ما يبعه له حاكمه، حاكم يضع القانون، ينتج السلع والخدمات، يحدد السعر الذي يريد، ويفرض الجودة التي يريد، ومع كل هذا يحكمه، وإذا احتج يحاكمه.. وأينما ولى وجهه إلا ويجد بضاعة الحاكم أمامه وخلفه وعلى يمينه وعلى يساره، وتحت قدمه وفوق رأسه، لا خيار أمامه إلا بضاعة الحاكم.
عندما يكون الشعب زبونا لحكامه، المواطن هو الزبون المحكوم، والحاكم هو التاجر المحتكر الوحيد، فذلك شكل من أشكال العبودية الجماعية، عبودية مقنعة، ظاهرها حرية، حرية التنقل والسفر، حرية التعبير (ولو أنها أصبحت في أضيق صورها حاليا)، حرية التملك … ولكن باطنها عبودية واسترقاق، فالزبون (الشعب) لا يستهلك ولا يشتري في الغالب إلا بضاعة وسلع التاجر (الحاكم)..
الحكام حاليا يتاجرون في كل شيء تقريبا، في الفلاحة والصناعة والبحر والبر … يتاجرون في قطاع الخدمات والاتصالات والطاقة والصناعات الغذائية والمائية، يتاجرون في الحديد والإسمنت، ويحتكرون المقالع والصيد في أعالي البحار .. يتاجرون في الصحافة والإعلام، والصناعات الإلكترونية وقطاع الأبناك والتأمين … يحتكرون قطاع المحروقات والأوكسجين .. وقطاع البناء والعقارات …حكامنا يتاجرون فيما نعلم، وما لا نعلم، وأحيانا يتاجرون بالشعب وفي الشعب، ويحتكرون معظم المشاريع الاستراتيجية دون منافسة أو تكافئ الفرص.. وهذا يزيد من خطورة العبودية وقتامة الاسترقاق..والخطورة تكمن في العديد من الأمور :
أولها: أن الحكام التجار يتحكمون في وضع القوانين التي تسهل تجارتهم وتحمي نفوذهم وتغطي على فسادهم، مثل سحب مشروع قانون تجريم الإثراء غير المشروع، ووضع إعفاء ضريبي في قانون المالية كما وقع مع الشركة القابضة سهام التي تنشط في قطاع التأمين لفائدة الوزير مولاي حفيظ العلمي، ومنع الجمعيات لوضع شكايات ضد الفساد المالي … من طرف المحامي ووزير العدل عبد اللطيف وهبي .. والأمثلة كثيرة في هذا المجال …
وثاني الخطورة: أن الحكام التجار يحتكرون الأسواق التي تهم تجارتهم، ويأخذون صفقات بطرق ملتوية ضدا على الشفافية والنزاهة وتكافؤ الفرص، وبذلك يتحكمون في أثمنة وأسعار كل المواد وجودتها وطرق توزيعها.. وليس أمام الشعب الزبون إلى الاستسلام مكرها خاضعا من أجل شرائها بالثمن الذي يُفرض عليه .. أمام استخفاف وتجاهل الحكام التجار لمعاناة الشعب المسكين، فهل توجد عبودية أبشع من هذه؟ شعب يُفتَرَسٌ بالليل والنهار، شعب يُنهب في كل وقت وحين، شعب لا حظ له في ثروة بلده، هو يسمع عنها فقط.. ولا خيار له إلا أن يخضع لسعر بضاعة الحاكم إلى جانب الخضوع إلى سلطته وحكمه..
وثالث الخطورة: أن يرتفع منسوب الفساد ويزداد اتساعا وانتشارا، ويتركز منسوب الاستبداد ويزداد تضخما وتعاظما .. وتتوسع قاعدة الفقراء (تأكد خلال المراحل الأولى من جائحة كورونا أنها تتجاوز عشرين مليون فقير مغربي)، وتتقلص دائرة الطبقة الوسطى، وتتركز الثروة في أيدٍ قليلة (الأوليغارشيا والكومبرادورية)، فيزداد جشعها وتتضخم سلطتها .. فتشتري الذمم والمنابر الإعلامية والصحافية والمثقفين.. بفائض ثروتها، وتخنق الأصوات الحرة الرافضة، وتتحكم في الأمن والقضاء والأرض والسماء بكل سلطتها…
رابع الخطورة: أن يتحول الشعب إضافة إلى كونهم مجموع زبناء لدى الحكام التجار إلى وصوليين وانتهازيين ومتسولين بسبب ارتفاع الأسعار، بسبب الحاجة وقهر الظروف مع اغتيال الضمير وتدجين العقول من طرف الدولة طيلة ستين عاما .. المدرس يبحث عن مدخول يعوض به عجزه ويسد به حاجته في مشاكل التلاميذ التعليمية التي تسببت فيها المنظومة التعليمية الفاشلة، والطبيب يبحث – مثل المدرس – في صحة مرضى هذا الشعب في المصحات الخاصة، ويفعل مثل ذلك الموظف في الإدارات بتلقي رشاوى نظير خدمات هي حق للمواطن، ويفعل مثل ذلك القاضي في حرية الناس وقضاياهم، ويفعل مثل ذلك المحامي والأستاذ الجامعي (الجنس والمال مقابل النقط)، ونتيجة ذلك تنهار الأخلاق وتتحطم القيم وتختفي المثل .. وتبعا لذلك ينهار التعليم والصحة والأمن والعدالة، وتنتشر الفاحشة والميوعة (مجتمع المثليين، ومهرجان البيرا)، وتعم الفوضى، أمام استخفاف وتجاهل الحكام المنشغلين بجمع الثروة ومص دم المواطن التعيس (الشعب المغربي في أدنى مراتب مؤشر السعادة) الذي أضحى في ظل حكومته المفروضة زبونا بئيسا..
وأخطرُ كلِّ ذلك، ونتيجة كل ذلك، أن يسقط في الفخ الذي وضعه له الحكام التجار، وينشغل الشعب بالمهرجانات المائعة والتافهة (الجديدة وأكادير..)، ويبتعد عن قضاياه الحقيقية، وكأنه يعيش حالة من التخدير المركز، فهو يتألم ولا يتحرك، يصرخ ولا يغير، يبكي ولا يضغط..
تجد هذا الشعب يملأ الملاعب والمسارح ويتسابق إلى حضور المهرجانات، لاهيا عابثا.. يعيش التعاسة بأبشع صورها، وتراه يلهث وراء مغنية أو راقصة أو لاعب كرة، يعيش العبودية الاقتصادية بأفظع أشكالها وتمظهراتها، وتراه يشتري بِنهم وكأن تلك السلع أوشكت على النفاد، يعلم أن ذلك السياسي فاسد ووصولي وكاذب وهو سبب أزمته ومشاكله، ومع ذلك يصوت عليه مقابل دريهمات تافهة.. يقبضها في ذل ومهانة من أجل أن يزداد فقره وتستمر تعاسته.. إنها معضلة حقيقية، لذلك سبق أن كتبت: الثورة على الشعب أولا .. فإلى متى سيبقى الشعب زبونا لحكامه التجار؟ ومتى سيخرج الشعب من عبوديته وتعاسته؟
لقد قالها ابن كيران وآخرون، زواج المال والسلطة خطر على الدولة، عندما يجمع الحاكم بينهما يزداد جشعه واستبداده، ويتفاقم خطره.. فهل أخنوش وحده المعني بذلك؟

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *