سامي العريان: الاعتداءات الإسرائيلية والتواطؤ الغربي والثمن الباهظ لحرية الفلسطينيين.

منقول عن موقع : أواصر للثقافة والفكر والحوار.

في صباح يوم الجمعة، 5 أغسطس/ آب، استيقظت آلاء قدوم البالغة من العمر خمس سنوات في منزلها في الشجاعية وسط غزة وهي متحمسة لأن جدها سيأتي ليأخذها لشراء زي مدرسي جديد وحقيبة ظهر.
كانت تحلم بذلك اليوم طوال الصيف، قبل أول يوم لها في الحضانة، في غضون أسابيع قليلة. لكن قبل أن تنطلق آلاء في رحلة التسوق، أصيب منزلها بغارة جوية إسرائيلية، وقُتلت على الفور.
في رفح، جنوب غزة، ذهبت عبير حرب، الطالبة التي تبلغ من العمر 24 عامًا والتي تدرس تكنولوجيا المعلومات، لزيارة خطيبها إسماعيل دويك (30 عامًا)، للاطلاع على خطط الزفاف. كان إسماعيل، الذي يعتني بأمه المسنة، يمتلك شركة صغيرة يأمل نموها من أجل إعالة أسرته المتزايدة. كانت عبير سعيدة جدًا في ذلك اليوم لأن إسماعيل اتصل بوالدها للحصول على إذن بتحديد موعد للزفاف. لكن هذا اللقاء لم يحدث قط. فبعد يوم واحد، تم انتشال جثة إسماعيل من تحت أنقاض منزله. وتم العثور عليه وهو يحتضن والدته بشدة حيث دمر صاروخ إسرائيلي منزلهم.
في نفس اليوم، في مخيم جباليا للاجئين شمال غزة، لم تكن نجوى أبو حمدة مستعدة للأخبار المؤلمة التي كانت على وشك تلقيها. ابنها خليل البالغ من العمر 19 عامًا قُتل في غارة جوية. في ذلك الصباح بالتحديد، أخبرت نجوى- التي كافحت لمدة 15 عامًا قبل أن تنجب طفلها الوحيد من خلال الإخصاب في المختبر-الجيران أنها وزوجها يأملان أن يتزوج خليل قريبًا وأن يُرزقوا بأحفاد. لقد دمرت هذه الخسارة التي لا يمكن تصورها آمالهما في المستقبل.
في مخيم البريج شرقي غزة، حاول الشيخ ياسر النباهين البالغ من العمر 45 عامًا تهدئة أطفاله الثلاثة بينما كانت أصوات الطائرات الإسرائيلية تحلق فوقهم. لكن في غضون دقائق قليلة، احترق الموظف القضائي (ومعلم الدين غير المتفرغ)، وابنيه التوأمين محمد وداليا البالغان من العمر 13 عامًا، وابنه أحمد البالغ من العمر تسع سنوات، بصاروخ إسرائيلي. ونجت والدة ياسر وزوجته فقط. وزعم الإسرائيليون أنهم ضربوا مقاتلين مسلحين.
في اليوم التالي، 6 أغسطس\ آب، في مخيم جباليا للاجئين، خرجت رهف سليمان البالغة من العمر 11 عامًا من منزلها عند غروب الشمس تقريبًا لتنادي شقيقها للعودة إلى المنزل لتناول العشاء. دون سابق إنذار، أصيبت رهف بصاروخ إسرائيلي، مما تسبب في فقدان الفتاة الصغيرة ليدها اليمنى وقدميها.
وبغض النظر عن الجزء الذي يعيش فيه المرء في غزة، فقد قُتل 45 فلسطينيًا – نصفهم من النساء والأطفال في تلك الـ 55 ساعة من الجحيم، وأصيب أكثر من 360 آخرين بجروح وتشوهات، بسبب شهية إسرائيل النهمة لمعاقبة الفلسطينيين واستهدافهم وإخضاعهم في غزة.
بدأ العدوان العسكري الإسرائيلي صباح ذلك اليوم باغتيال مستهدف غير مبرر لقيادي في حركة الجهاد الإسلامي، إحدى الفصائل الرئيسية للمقاومة الفلسطينية.
لطالما كان استخدام العنف تكتيكًا من قبل القادة الإسرائيليين في خضم حملاتهم الانتخابية لتحقيق مكاسب سياسية. وقد جرب ذلك شمعون بيريز خلال حملته السياسية في نيسان 1996، عندما ارتكبت إسرائيل مجزرة قانا، وقتلت أكثر من 100 طفل.
أثناء إطلاقه حملته الانتخابية، شن إيهود أولمرت حربًا مدمرة استمرت ثلاثة أسابيع على غزة في ديسمبر / كانون الأول 2008، أودت بحياة 1400 فلسطيني، من بينهم ما يقرب من 500 امرأة وطفل، وإصابة آلاف آخرين.
في مايو\ أيار 2021، بينما كان بنيامين نتنياهو يستعد لمحاولة إعادة انتخابه بعد عدة انتخابات غير حاسمة، أطلق نتنياهو العنان للقوة الكاملة لآلة القتل الإسرائيلية لمدة 12 يومًا على غزة، مما أدى إلى مقتل أكثر من 260 فلسطينيًا وإصابة آلاف آخرين، ودمرت آلاف المنازل والمباني والشركات.
وبالمثل، كانت الحرب هذا الشهر محاولة من قبل الزعيمين الإسرائيليين الحاليين، يائير لابيد وبيني غانتس، لكسب أرضية سياسية ضد نتنياهو زعيم المعارضة اليمينية قبل التوجه إلى صناديق الاقتراع في نوفمبر\ تشرين الثاني.
ومن المثير للاهتمام أن جميع القادة الإسرائيليين الذين ذكرواـ قد خسروا محاولاتهم لإعادة انتخابهم، بعد أن لم تنجح أي من تلك الحملات العسكرية في تحقيق هدفهم المتمثل في هزيمة العدو وتحقيق نصر حاسم.
في هجومها الأخير على غزة، كان لإسرائيل خمسة أهداف: أولاً، أرادت إبقاء غزة معزولة عن الانتفاضات الأخرى في فلسطين، لا سيما في الضفة الغربية المحتلة والقدس. ثانياً، أرادت دق إسفين بين فصائل المقاومة الفلسطينية، وفي مقدمتها حركة حماس، الحزب الرئيسي الذي يحكم غزة، وشقيقتها الصغرى حركة الجهاد الإسلامي.
ثالثًا، سعت إلى تقليص الخطر الذي تشكله حركة الجهاد الإسلامي على الاحتلال الإسرائيلي؛ حيث بدأ أعضاء جدد من الشباب الفلسطيني المحروم من حقوقه مؤخرًا في تحدي قوات الأمن الإسرائيلية بقوة أكبر في الضفة الغربية، مما تسبب في زيادة شعبية هذه المنظمة، لاسيما في مخيمات اللاجئين في جنين ونابلس وطولكرم.
رابعًا، أرادت إسرائيل أن يصل الفلسطينيون عمومًا، وخاصة في غزة، إلى أدنى مستوى من اليأس والاستسلام من أجل التخلي عن أي فكرة لمقاومة احتلالها والرضوخ في النهاية للإملاءات الإسرائيلية.
لكن، ما كان ثابتًا بشكل مقزز طوال حروب إسرائيل الشرسة، هو شعار القادة الغربيين القاسي بأن “إسرائيل لها الحق في الدفاع عن نفسها” – الذي يمنح إسرائيل ترخيصًا لقتل أي فلسطيني تعتبره تهديدًا أو عقبة أمام مخططاتها بلا رحمة.
من خلال التواطؤ مع إسرائيل، ترسل الحكومات الغربية رسالة لا لبس فيها مفادها أن أرواح الفلسطينيين ذات أهمية قليلة. الحرية وحقوق الإنسان لا تهم؛ سيادة القانون والقيم الديمقراطية والعدالة والمساواة انتقائية؛ والأمن والسلام ليسا ضمن الضمانات العالمية.
ومع ذلك، فإن الفلسطينيين ليسوا غافلين عن التضحيات الهائلة التي تكبدوها ضد هجوم الدولة الصهيونية على مدى عقود.
الفلسطينيون يحزنون على كل ضحية ويبكون على كل طفل. لا يوجد منزل فلسطيني لا تشوبه مأساة قتل أحد أفراد أسرته أو تشويهه أو جرحه أو اعتقاله أو سجنه أو هدم منزل أو قصفه أو مصادرة أرض أو اقتلاع شجر. 
في كل مرة تشن فيها إسرائيل هجوماً على الفلسطينيين، فإنها تهدف إلى إخماد روح المقاومة لديهم والضغط عليهم للتنازل عن حقوقهم. ولكن في مواجهة هذه الوحشية والاستخفاف بالحياة البشرية، يصبح الناس أكثر تصميماً وثباتاً في كفاحهم من أجل العدالة والحرية.
عاجلاً أم آجلاً، سيدرك العالم أن تجاهل محنة ملايين الناس من خلال دعم مشروع استعماري استيطاني وتسليحه بقوة عسكرية متفوقة ضد الأطفال والأمهات والعرائس والعرسان والناس العاديين هو طريق غير أخلاقي وغير دائم.
يعرف الأشخاص الواعون في جميع أنحاء العالم ذلك أيضًا، وأدرك نيلسون مانديلا ذلك من قبل، حين قال: “نحن نعلم جيدًا أن حريتنا غير مكتملة بدون حرية الفلسطينيين”.

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *