المرجعية الإسلامية والبناء التنموي -1-    

            بقلم : ذ  نورالدين قربال

نهدف من خلال هذا البحث تأصيل البعد التنموي اعتمادا على مرجعية إسلامية بناء على منظومة علمية مقاصدية. قد يبدو هذا غريبا، لكن ما أكثر الاجتهادات التنموية عالميا، لكنها في غالبها لا تراعي جوانب مما يؤزم أحيانا العدالة الإنسانية التي يريدها الله سبحانه وتعالى لخلقه. والتفاوتات السائدة اليوم مؤشر على ما نقول. ومن تم لابد من توظيف الرأسمال غير المادي الذي نملكه من أجل توفير السعادة للآدمية وإنقاذها من الأذى. فكيف يتم ذلك؟

إن المرجعية الإسلامية تساهم في بناء الإرادة من أجل توفير الحكامة التنموية. ومن شروطها الاجتهاد المطرد. وتحديد المفهوم العلمي للمرجعية. والتي عنوانها الأكبر الربانية المؤطرة للأبعاد الحقوقية، لأن أي قراءة في هذا المضمار تكون بباسم ربك. والعنوان الثاني الواقعية، حتى نحدث التناغم بين قيم السماء وتجاوب الأرض. والعنوان الثالث الانفتاح على المحيط العالمي في إطار العالمية والرحمة للعالمين، ومفهوم الترابية التي خلقت منه الآدمية. والعنوان الرابع المدنية على مستوى المقاربة والمعالجة، تجنبا للنزعة الاكليروسية التي تفصل السماء عن الأرض من حيث الاستخلاف والعمارة. والعنوان الخامس المقاصدية، المرتبطة بالعلل، لأن المرجعية الإسلامية ضد العبثية والارتجالية، وشعارها المؤسساتية والمهنية. وعناوين المرجعية متعددة ومتشعبة من أجل التكاملية نحو: الكرامة، النهضة، المواطنة، الإرادة، الثقة، الشورى، الديمقراطية، الاستقلالية، العدل، الحق، الفضل والإحسان وغيرها من القيم الربانية.

إن من دواعي الفطرة، أن الإنسانية لا يمكن أن تتحرر من المعتقد الديني، لأنه جبلي ومن النواميس الكونية. ومن مقومات هذا الطرح، حرية الاختيار لأنه لا إكراه في الدين. ولمناقشة البعد التنموي من زاوية المرجعية الإسلامية يستلزم توفر شروط أهمها: العلم والمعرفة والخبرة، والقدرة، والتواصل، وبالتالي فالمرجعية ضرورة وحاجة.

وتبقى الأخلاق مكونا أساسيا من مكونات البعد التنموي. لذلك نجد الإنسان المشبع بالثقافة الإسلامية التي تغترف من المرجعية أكثر عطاء والتزاما ومردودية. لأن التنمية المجتمعية والإنسانية مرتبطة بالتنمية الذاتية.

إن الأهداف المتوخاة من البناء التنموي، هو عمارة الأرض، وحسن الاستخلاف والترقي في سلم التطور، سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وبيئيا وثقافيا وحضاريا في أفق تحقيق التنمية المستدامة والمندمجة. والسياسة الشرعية قاعدة أساسية للتداول الحقيقي على السلطة. والسلطة هي التوزيع العادل للاختيار الديمقراطي. بناء على مبدأ الشورى.

إن الانحراف عن قيم العدل والكرامة والحق مؤشرات لاختلالات تنموية، والإشكال مرجعي وسلوكي، لأن الأزمة فكرية ابتداء. لأن مسؤولية البناء التنموي له امتداد أفقي في التعامل مع الناس، وعمودي في الاستشعار بالمسؤولية أمام الرب الخالق. ومن الإنصاف والعدل الاهتمام بالإنسان لأنه التيمة المركزية في كل بناء تنموي.

إن البناء التنموي انطلاقا من المرجعية الإسلامية يحتم على المهتمين تبني البعدين السيكولوجي والسوسيولوجي. والأنثروبولوجية التنموية التي تتيح لنا الاستفادة من التجارب الكونية باعتبارها ضالة المومن حيث ما وجدها أخذ بها ووظفها من أجل نفع الآدمية. إن التنمية والحضارة غير منفصلين عن الدين. بطريقة مباشرة أو العكس.

إن فهم مضامين المرجعية الإسلامية بنية تحتية تؤهل لخوض غمار البنيات الفوقية المتعددة الأطراف. والعلة أن هذا الإدراك المرجعي يستنهض الهمم، والاجتهاد في التجديد، وإحداث تجاوب طبيعي بين فقه الدين وفقه التدين. ومن أهم معالمه السعي نحو البناء التنموي اعتمادا على التأصيل وتوسيع دائرة العمل، وتهيئ مناخ التنزيل وشروطه الموضوعية، والحكامة الجيدة، والدعم المستمر.

إن المرجعية الإسلامية بنية صلبة روحيا وعلميا، مما يجعل البناء التنموي الذي يراعي هذا المعطى معطاء ومنتجا وعادلا ومنصفا. ويعمل حاملوه بكل تفان من أجل الإنسانية جمعاء. باعتبار التنمية مرتبطة برؤية كونية وإنسانية. خاصة إذا تم استثمار مقاصد السكوت، ومنطقة الفراغ. والحرية في إطار منظومة التوحيد التي تؤهل الإنسان إلى التواضع، وحسن التربية، ولا تجتمع الحرية المسؤولة مع الظلم. هذه الحرية تولد الطاقة البشرية والإبداع التنموي لأنه حسم الاعتقاد بقدرة الله وعظمته.

إن المرجعية الإسلامية علم، ومن أجل ممارستها تحتاج إلى فن. فن مرتبط بكفاءة لسانية، ودراية شرعية، وملكة عقلية. فن يتطلب الترقي في مقامات الفهم. إنها أصل وفرع، فالأصل ما بني عليه غيره، والفرع ما يبنى على غيره. كل هذا يبسط مضامين البناء التنموي من حيث الفهم، وتقريب المسالك المنهجية، انطلاقا من: الإيجاز والاختصار والتفسير والتقويم.

إن المرجعية الإسلامية علم وعمل، واعتماد المقاصد في هذا المقام واجب شرعي ومنهجي. لأنه يهيئ للمرونة في التنزيل، لأن الواقع هو المنتج للبناء التنموي وليس العكس. فالمقاصدية في البناء التنموي تمتح مشروعيتها من أصول الفقه الذي يغترف من أصول الدين، ضمانا لضبط إطار البحث التنموي بين التوقيفي والتوفيقي، على مستوى التصنيف والخطاب والنظر العميق.

إن استحضار المرجعية الإسلامية أثناء البناء التنموي، روح تسري من أجل مضاعفة الجهود لضبط عملية التوظيف انطلاقا من مبدأ التكاملية بين كل العلوم. وعندما نربط البناء التنموي بمبدأ المقاصدية يصبح لزاما علينا ملامسة القضايا التالية: العام والخاص، الكلية والبعضية، الأصلية والتابعة، حفظ الدين والنفس والعقل والنسل والمال، جلب المصالح ودرء المفاسد، الكمون والكمال، التعليل والاستصلاح والمآل، التأصيل والتفصيل وغيرها من العناوين المساعدة في البناء علميا ومنهجيا. –يتبع-

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *