نقاش هادئ حول قضية جامع المعتصم:

بقلم : علي فاضلي
تثير قضية “اكتشاف” اشتغال جامع المعتصم مكلفا بمهمة لدى رئيس الحكومة أخنوش الكثير من النقاش والجدل، وهو طبيعي بحكم موقع العدالة والتنمية وبحكم موقع جامع المعتصم كنائب أول للأمين العام للحزب.
– هل هي سابقة دولية؟
زعم بعض من يصنفون أنفسهم كباحثين في علم السياسة -فضلا عن من يحملون زورا صفة صحفيين- بأن تعيين جامع المعتصم كمكلف بمهمة لدى أخنوش هو حالة غير مسبوقة وشاذة في العالم، فتواجد حزب في المعارضة يعني عدم الاشتغال إلى جانب الحزب الذي يقود الدولة/الحكومة.
وهو رأي يعبر عن جهل فادح وفاضح، ويكفي هنا الاستشهاد بالتجربة الأمريكية التي يصنفها أولئك الباحثون وأشباه الصحفيين برائدة العالم الديمقراطي، وبالنموذج القدوة في الفصل الجامد مؤسساتيا وحزبيا. فعلى سبيل المثال استمر “روبرت غيتس” الجمهوري الذي عينه بوش الإبن وزيرا للدفاع سنة 2006 كوزير للدفاع خلال عهد الرئيس الديمقراطي أوباما، كما قام أوباما بتعيين الجمهوري “تشاك هاغل” وزيرا للدفاع سنة 2013.
وقد اخترنا هاذين المثالين لحساسية المنصب وأهميته أمريكيا، أما تواجد أعضاء الحزب المعارض ضمن إدارة الرئيس المنتمي للحزب الآخر فأمر عادي وطبيعي أمريكيا.
ولإنعاش ذاكرة أشباه الصحفيين والباحثين فقد كان أخشيشن وزيرا للتعليم في حكومة عباس الفاسي وهو قيادي –بل ومؤسس- بحزب الأصالة والمعاصرة المعارض، وفي سنة 2013 فقد استمر المرحوم الوفا وزيرا في حكومة بنكيران الثانية بالرغم من قرار حزب الاستقلال الانسحاب من الحكومة، وحينها فقد اعتبر قرار الوفا صائبا وهوجم حزب الاستقلال لانسحابه من الحكومة، لأن الهدف من الانسحاب كان معروف الخلفيات ويقع على نقيض المسار الديمقراطي في المغرب، فالسياق إذن هو الذي جعل قرار الوفا صائبا بل وبطوليا.
– استهداف بنكيران:
الحقيقة أن المستهدف الأول بقضية جامع المعتصم هو عبد الإله بنكيران، وهو استهداف لا يقتصر على خصوم الحزب، بل يتم من داخل الحزب، وبالضبط من القيادة السابقة الفاقدة للبوصلة. فاللافت أن الانتقادات وجهت لبنكيران أكثر من المعتصم نفسه، وأنا على يقين انه لو كان شخص آخر من “المحسوبين” على بنكيران مكان المعتصم لكان الانتقاد أكثر وأكبر، لكن من علامات البؤس جعل المعتصم مجرد “قنطرة” لاستهداف بنكيران.
ومن علامات البؤس أن تقرأ أن عضوا في الأمانة العامة الحالية –رفض كشف اسمه- يصرح لموقع اليوم24 بأنه سيجمد عضويته بعد البيان التوضيحي لبنكيران حول الأمر، وقد كانت الشجاعة تقتضي من هذا القيادي الإعلان عن موقفه علانية بكل شجاعة عوض الاختباء وراء تصريح صحفي.
كما أن من علامات البؤس أن تقرأ لقيادات سابقة انتقادهم لبنكيران بسبب خطأ في التقدير السياسي.
ومنهم من ذهب حد القول –مثل أفتاتي- بأنه “لن يجد نفسه داخل الحزب إذا لم يستقل المعتصم ولم يتخذ الحزب ما ينبغي من إجراءات”، في حين لم يكن لهم صوت من أخطاء كارثية مورست خلال الفترة السابقة التي كانوا يشرفون فيها على تدبير شؤون الحزب، وهي أخطاء لا تهم الحزب لوحده –كما هو شأن نازلة المعتصم- بل أخطاء تهم الوطن والمغاربة جميعا، وعلى رأسها فرنسة التعليم وقانون الكيف والإسهام في تعطيل المسار الديمقراطي، بل والغريب ان تجد من يستمر جحودا في الدفاع عن قانون الفرنسة !!!
– منهج بنكيران وشرط الانتقال الديمقرطي:
كتبت قبل مدة تدوينة جاء فيها “الخطأ الثاني الذي يقع فيه أمحجور وغيره هو الإنطلاق من شرط الديمقراطية في التحليل، عوض الإنطلاق من شرط الانتقال الديمقراطي، والفرق بين الأمرين فرق شاسع، وعدم إدراك هذا الفرق يسقط المرء في قراءة سطحية للواقع المغربي، وللفهم أكثر نرجع قليلا للوراء ونتذكر مرحلة 2008-2011، فخلال هذه المرحلة كان الحزب في المعارضة، وقد كان المفروض -وفقا لشرط الديمقراطية- أن تكون المعارضة الحقيقية منصبة على الحكومة التي يقودها حزب الاستقلال، لكن الذي وقع بحكم الواقع هو أن الحزب كان في معارضة حزب آخر يوجد ظاهريا في المعارضة وهو حزب الأصالة والمعاصرة، فالصراع الحقيقي في تلك الفترة لم يكن بين الحكومة والعدالة والتنمية بل بين حزبين يتواجدان معا في المعارضة.
وخلال الفترة 2011-2016 كان الحزب يقود الحكومة، وقد كان المفروض -وفقا لشرط الديمقراطية- أن لا يستعير الحزب خطاب المعارضة وهو يقود الحكومة، لكن الواقع ليس واقع ديمقراطية بل هو واقع انتقال ديمقراطي”.
إن التقسيم الذي يروج له بعض من أعضاء الحزب وقيادته السابقة حول الأغلبية والمعارضة في السياق المغربي هو تقسيم تضليلي وتحريفي وتزيفي للوعي، فهو تقسيم ينظر للشكل دون المضمون والعلاقة الجدلية بينهما. بل إنه تقسيم كان له دور في أزمة الديمقراطية الليبرالية التي تمر منها حاليا ومعها أزمة الأحزاب التاريخية، لأنها أحزاب انطلقت من ذلك التقسيم الشكلي بمعزل من المضمون، وبالتالي تحولت لأحزاب بيسارها ويمينها لمجرد خادم للرأسمال دون تمايز في الأيدولوجيات والسياسات.
لقد كان بنكيران واضحا في منهجه منذ سنوات طويلة –وهذا سر قوته-، وغريب أن قيادة الحزب السابقة التي كانت على يمين الرجل وتصفق له عندما كان يصنف المعارض الأول في المغرب بالرغم من رئاسته للحكومة ما زالت لم تفهم منهج الرجل –ربما تفهمه لكنها الحسابات الضيقة-، فأين كان حينها الحديث عن التمايز بين موقعي الحكومة والمعارضة؟
وقد كان بنكيران واضحا وأعلن غير ما مرة وبالوضوح اللازم منذ انتخابه أمينا عاما للحزب موقفه من حكومة أخنوش، وأعلن عن معارضة تتفق ومنهج الحزب، لا معارضة تحول الحزب لحزب وظيفي في خدمة خصوم الديمقراطية الذين يهاجمون الحكومة خدمة لمصالحهم المناقضة للديمقراطية.
لذلك فالمشكلة هي محاولة محاسبة شخص من خارج منهجه، عوض الانطلاق من ذلك المنهج، وهنا فحتى المنهج قابل للنقاش والانتقاد، لكن شرط استيعابه واستيعاب حامله، لا أن ينطلق المرء من خربشات “منهاجية”.
– هل أخطأ المعتصم والحزب؟
بداية نقول بأن توضيح وبنكيران وتحمله للمسؤولية هو شجاعة سياسية بغض النظر عن الاتفاق أو الاختلاف مع المضامين، بل إنه يحمل معاني “الرجلة” في مفهومها المغربي، في وقت كان يمكنه الاكتفاء بالصمت وترك المعتصم في وجه العاصفة والنار، وفي وقت تنتشر فيه ثقافة عدم الوضوح وانعدام الشجاعة السياسية، بل والتخلي عن المناضلين.
نعم، وبكل وضوح، لقد اخطأ المعتصم والحزب التقدير السياسي في هذه القضية، وهو تقدير وقراءة تنطلق من داخل المنهج:
1. ما كان ينبغي أصلا مشاركة جامع المعتصم في اللقاء مع أخنوش، فقد كان المطلوب مشاركة النائب الثاني للأمين العام. وهنا نشير لقضية مهمة، وهي أن الحدث في لقاء أخنوش مع أحزاب المعارضة كان هو غياب بنكيران وليس حدث الاجتماع، فالحديث تحول عن سبب غياب بنكيران لا عن مخرجات الاجتماع، ولهذا فقد كانت الصحافة الأخنوشية هي من تحدثت عن قضية جامع المعتصم، وهو أمر لا ينبغي أن يسقط في أي قراءة للواقعة.
2. استمرار احتفاظ أخنوش بالمعتصم لا علاقة له بخطاب الكفاءة، بل هو قرار سياسي في المقام الأول، فآخر ما يهم أخنوش هم الكفاءات الحقيقية، ولكن الهدف كان هو توظيف هذه الورقة سياسيا عندما تحين الفرصة، وعندما حانت الفرصة –وإن كانوا تسرعوا- تم اللعب بهذه الورقة، تغطية على حدث عدم مشاركة بنكيران في اللقاء مع أخنوش و “عقابا” له لرفضه الحضور، والتغطية على ما ينتظر المغاربة من قرارات صعبة، والتغطية على ما يتضمنه مشروع قانون المالية من سخاء حكومي مع الأغنياء، ومن خبر شراء أخنوش لفرع شركة توتال في موريتانيا بغلاف يقارب 200 مليار سنتيم، وعن غيرها من القضايا.
3. قبول المعتصم للاشتغال مع أخنوش يشوش على خطاب الحزب وبنكيران حول الحكومة، ويعطيه معان سلبية لدى المتلقي العادي بل وحتى لدى جزء من مناضلي الحزب.
4. استمرار المعتصم في الاشتغال مع أخنوش لا يخدم شرط الانتقال الديمقراطي في المغرب، ولا يخدم معه منهج العدالة والتنمية في هذه اللحظة.
5. شكلت قضية المعتصم هدية مجانية لخصوم الحزب لإظهاره بمظهر سلبي لدى المواطن العادي، وإظهاره في صورة المتناقض في الخطاب والتصرف.
6. لقد عبر بنكيران عن شجاعة سياسية بالاعتذار عن أخطاء سابقة، لذلك فأرى ان يقدم الأستاذ جامع المعتصم استقالته من الأمانة العامة وليس فقط موقع نائب الأمين العام وهو بمثابة اعتذار عن هذا الخطأ السياسي.
ملاحظة أخيرة:
ليست المرة الأولى التي تثار فيها قضية جامع المعتصم، بل أثيرت قبل أشهر، وقيل حينها بأن أحد المستشارين السابقين لرئيس الحكومة سعد الدين العثماني هو من أثار القضية احتجاجا على اقصاءه من الاستمرار في الاشتغال في رئاسة الحكومة والابقاء على المعتصم.
لذلك فالنغمة التي تم ترويجها بكثافة حول عدم علم أعضاء الأمانة العامة بالأمر وتحميل كامل المسؤولية لبنكيران هي أمر غريب ومحير حقيقة، فإذا كان أعضاء غير قياديين يعلمون بالأمر، وإذا كان قيادي سابق أقر بأنه نقاش الأمر مع المعتصم قبل مدة، فكيف يعقل أن أعضاء الأمانة العامة لا يعلمون بالأمر !؟
-علي فاضلي-

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *