هل هي معارضة بطعم المساندة، أم مساندة تحت رداء المعارضة؟

سياسة بلا منطق، ومعارضة بلا رؤية
حزب العدالة والتنمية وحزب التجمع الوطني للأحرار
هل هي معارضة بطعم المساندة، أم مساندة تحت رداء المعارضة؟
بقلم: عبد المولى المروري

هل سمع أحدكم أن نائب رئيس الحزب الجمهوري المعارض بالولايات المتحدة الأمريكية يشغل منصب “مكلف بمهمة” في حكومة يرأسها الديمقراطيون؟ وهل يمكن أن يقبل المنطق السياسي والعقل الحزبي هذا النوع من القرارات والمهمات؟
قبل أن أتوسع في هذا الموضوع، أحب أن أوضح أنه ما سأسجله من ملاحظات حول تكليف السيد جامع المعتصم، نائب الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، بمهمة “مكلف بمهمة” في ديوان السيد عزيز أخنوش رئيس الحكومة ورئيس حزب التجمع الوطني للأحرار، لا يستهدف الأخ جامع المعتصم المعروف بزهده وتجرده وكفاءته الإدارية والتنظيمية، فالأخ العزيز تربطني به علاقة طيبة جدا، ويكفي أنني حظيت بشرف الدفاع عنه خلال محنته عند اعتقاله ظلما وعدوانا، بل كان لي شرف كتابة ملتمس السراح إلى السيد قاضي التحقيق بسلا، والتوجه فورا إلى السجن المحلي بسلا والدخول شخصيا إلى السجن من أجل وضع قرار الإفراج عنه، وكذا الإشراف المباشر على خروجه ومغادرته السجن، لقد خرجنا سويا – أنا والأخ جامع المعتصم – من السجن، ووجدنا في استقبالنا العشرات من أنصار ومحبي الأخ جامع، وما زلت أحتفظ بربطة عنقه كذكرى بأيام النضال تلك، وذكرى خروجه من السجن.. فاحترامي وتقديري للأخ العزيز ليس موضع شك أو موضوع مزايدة، ولكن طبيعة ما وقع من إسناد مهمة سياسية أكثر منها إدارية من رئيس حكومة إلى نائب رئيس حزب يعتبر المعارض الأول لها يطرح أكثر من سؤال، وأكثر من علامة استفهام ينبغي فك شفراتها طلاسمها..
إن ما وقع هو من عجائب السياسة المغربية، وأحد أبرز أوجه الاستثناء المغربي العصي عن الفهم والاستيعاب.. وما زاد من منسوب العجب وتركيز الاستثناء هو البلاغ المنسوب إلى السيد عبد الإله ابن كيران الأمين العام لحزب العدالة والتنمية الذي يبرر فيه هذه التركيبة العجيبة..
فمن المسلمات المعروفة في الساحة السياسية المغربية هو ذلك الصراع المحموم بين الحزبين الغريمين، فالأمين العام لحزب العدالة والتنمية لا يفوت فرصة أو اجتماعا لانتقاد الحكومة والتهكم أحيانا على رئيسها، كما لا يفوت رئيس الحكومة ورئيس حزب الأحرار من أجل تبخيس دور حزب العدالة والتنمية وتحميله مسؤولية ما آل إليه الوضع الاقتصادي والاجتماعي بكثير من السخرية والتهكم.. فهذا الصراع لا يختلف فيه اثنان، ولا ينكره متتبع موضوعي ونزيه..
فحسب بلاغ السيد عبد الإله ابن كيران الأمين العام فإن السيد جامع المعتصم سيقوم بما يلي :
⁃ مكلف بمهمة في رئاسة الحكومة التي يرأسها الخصم الأول لحزب العدالة والتنمية
⁃ نائب الأمين العام لحزب العدالة والتنمية المعارض للحكومة
⁃ المساهمة في معارضة الحكومة التي يشغل في ديوان رئيسها مهمة معينة وغير معلنة وغير معروفة
لا أدري كيف سيجمع الأخ جامع المعتصم هذه المهام المتعارضة في أهدافها والمتناقضة في وسائلها؟
غياب المنطق السياسي والحزبي فيما ذهب إليه رئيس الحكومة في الاحتفاظ أو إعادة تعيين جامع المعتصم في ديوانه يطرح عدة أسئلة، لماذا اتخذ عزيز أخنوش هذا القرار الغريب؟ هل نظرا لكفاءة جامع المعتصم؟ إذا كان هذا هو السبب، فأين فلول كفاءاته التي كان يتباهى بها خلال الحملة وما بعدها؟ هل وجد السراب داخل حزبه؟
كل عارفي ومتتبعي العمل السياسي يعلمون أن ديوان رئيس الحكومة ليس مقرا للتكنوقراطيين والإداريين، بل هو خلية محكمة، داخلها تتم صناعة التوجهات الحكومية، وهو معمل لإنتاج الأفكار التي توجه وتؤطر وتساعد رئيس الحكومة على العمل، كما تساعده إلى إنتاج الخطاب السياسي والجواب على أسئلة البرلمان والصحافة والشعب، بل هو (ديوان رئيس الحكومة) علبة مغلقة ومجال خاص ومشمول بالخصوصية والسرية، ومحفوظ لرئيس الحكومة والمقربين المخلصين له؟ فكيف يأمن رئيس الحكومة على أسراره وخصوصياته أمام وفي حضور شخص يمثل أحد الخصوم السياسيين الشرسين؟
وفي الجهة المقابلة، جهة حزب العدالة والتنمية، ما هي الرسالة التي يريد الحزب أن يقدمها بالترخيص لنائب الأمين العام ليكون عضوا ضمن ديوان خصم سياسي خاض معه الحزب حروبا سياسية وإعلامية وانتخابية طاحنة؟ وماذا سيستفيد الحزب من هذه المهمة التي سيكلف بها نائب الأمين العام؟
إن هذا الوضع الشاذ سياسيا وحزبيا أدخلنا مرة أخرى في منطقة رمادية حزبيا، ومنطقة ضبابية سياسيا.. أين تبدأ المعارضة السياسية؟ وأين تنتهي؟
إن المواقف السياسية والمواقع، سواء كانت تمثيلية أو انتدابية أو حزبية، تتأسس على مرتكزات وأعمدة فكرية وثقافية، ورؤية سياسية تؤطر التوجهات والاختيارات والمواقف، ترسم لها معالم الطريق، وتحصنها من الارتباك والعشوائية والارتجال.. وبطبيعة الحال المرجعية الفكرية والخلفية الثقافية والرؤية السياسية التي يتبناه حزب العدالة والتنمية تختلف، بل تتناقض مع تلك التي يتبناها حزب التجمع الوطني للأحرار..
فإذا كانت العضوية داخل ديوان رئيس الحكومة تستلزم الولاء للرئيس، وتشترط العمل وفق تصور حزب رئيس الحكومة وتوجيهاته من أجل تنزيل برنامج الحزب أو برنامج الحكومة، فأين هو موقع تصورات الحزب وأفكاره وهويته وثقافته ونضالية الحزب التي تربى عليها الأخ جامع لعقود من الزمن داخل هذا الديوان؟ وهل سيشتغل وفق تواجهان رئيس الحكومة وحزب التجمع الوطني للأحرار، أم وفق توجهات حزب العدالة والتنمية؟
وإذا كان موقع نائب الأمين العام، وهو موقع حساس جدا ببعد سياسي، يستند على الإيمان بمرجعية الحزب والدفاع عن قيمه ومبادئه ونشر ثقافته وأفكاره وثمثل أطروحته السياسية في كل حركات وسكنات وخطابات شخص في ذلك الموقع، فكيف سيتعامل حينها مع الأسرار التي يحملها معه داخل الأمانة العامة للحزب والتي تهم حكومة يتعامل معها الحزب من موقع المعارضة؟ هل سيفشي أسرار ديوان رئيس الحكومة داخل اجتماع الأمانة العامة؟ طبعا وبصدق فأنا أنزه الأخ جامع المعتصم من الوقوع في ذلك، فهو أشرف وأكبر من ذلك بكثير.
إن الأخ جامع المعتصم يجمع الآن بين موقعين على طرفي نقيض، لا يجمعها لا فكر ولا ثقافة ولا هوية ولا مرجعية ولا خط نضالي، فهل يعيش الآن بين ولائين متناقضين ومرجعيتين متنافرتين، وتوجهين مختلفين؟ هل يشتغل الآن بعقلين مختلفين وقلبين مختلفين ولسانين مختلفين؟
إننا نسمع في مجال الأجهزة الاستخباراتية بما يسمى “العميل المزدوج”، أي إن هذا العميل يعمل لصالح جهازين مختلفين، ويقوم بدور مزدوج، تارة لفائدة هؤلاء، وتارة لفائدة أولائك !! فهل ما يقع الآن شبيه بذلك، السياسي المزدوج؟ أو يمكن تشبيه هذا الوضع بما يسمى الثنائية القطبية، حيث إن الشخص المصاب بها يعيش بين حالتين نفسيتين متناقضتين، بين الكلام المستمر ودون توقف، والتوقف النهائي عن الكلام. فالآن الأخ جامع بين وضعين متناقضين، وضع المعارضة داخل حزبه الذي يشغل فيه نائب الأمين العام، ووضع التأييد للحكومة التي يشغل في ديوان رئيسها مهمة ما !!
بطبيعة الحال، ودون تردد، فإني أنزه الأخ العزيز جامع المعتصم من لعب هذا الدور المزدوج، فأنا أشهد على نزاهته وتجرده وصدقه (ولا أزكي على الله أحدًا)، أو أنه يعيش حالة الثنائية القطبية، فأنا مؤمن برجاحة عقله واستقامة فكره ودماثة أخلاقه.. ولكن من الناحية الواقعية هذا الذي وقع بالضبط، إزدواجية سياسية، لأن كلا الموقعين سياسيين بكل ما تحمل الكلمة من معنى، ويحملان كل أسباب التناقض وأشكال التعارض، وهو ما سيركب عليه المغرضون وأعداء الحزب، وبعض أصحاب النوايا الحسنة الذين لا يعرفون حقيقة جامع المعتصم، الأخ النزيه والزاهد..
أتمنى يدرك الأخ جامع المعتصم الأبعاد السياسية لعضويته داخل ديوان رئيس الحكومة، الخصم الأول لحزب العدالة والتنمية، وأن هذا الموقع ما هو إلا لغم وضع بعناية تحت كرسي مكتبه بالديوان، قد ينفجر عليه وعلى الحزب في أي وقت، لذلك عليه أن يعتذر بسرعة وبأدب من هذا المنصب الملغوم..
وإذا كان الأخ جامع المعتصم قد أساء التقدير بقبوله لهذه المهمة غير المعروفة تدبيريا، وغير المفهومة سياسيا، فإن البلاغ الذي كتبه السيد الأمين العام بلغة (الأنا) قد زاد من تعقيد الوضع بتقديم مبررات هي أكبر من الزلة، فالسيد الأمين العام هو قائد أكبر حزب سياسي معارض لهذه الحكومة التي يشغل فيها نائبه العام عضوية بديوان رئيس الحكومة، وهي وضعية شاذة وعجيبة تعكس وضع الترهل السياسي الذي يطبع المشهد العام، هذا المشهد المغرق في السيريالية والعبثية.
إن التبرير الذي قدمه السيد الأمين العام لا يستقيم والمنطق السياسي والعقل الحزبي المتعارف عليهما، فإما أن تبريره ومنطقه فوق العقل الحزبي والمنطقي السياسي الذي لا ندرك أسراره وخفاياه (نحن الصغار)، ونتمنى أن نصل إليه فهما واستيعابا، أو أنه دون ذلك ونسأل الله أن يجنبنا السقوط فيه..

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *