هل ينتصر المغرب على نفسه؟

بقلم: عبد الرحيم مفكير.

أمام الفرحة الكبيرة التي عمت أرجاء المعمور وانخرطت فيها الشعوب المقهورة تعبيرا منها على تثمين المنجزات أمام كل الخيبات التي تشهدها في العديد من الميادين، لا بد من ضبط البوصلة وترتيب الأولويات وفهم طبيعة النفس المقهورة والمهدورة الحقوق. فمنذ استعمارها تعيش الدول الثالثية الاستبداد والقهر بكل تجلياته ، استغلال الإنسان والأرض ما فوقها وما تحتها، سواء من طرف المستعمر المستبد أو من جاء بعدهم. وقد صدحت الأصوات عبر مسار طويل تطالب بالحرية والديمقراطية والعدالة والمساواة والانعتاق والتحرر من التبعية. المرحلة لا تقتضي نقاشا حول أحقية الشعوب في الفرح من عدمه، لا شيء يمنع من الفرح، وإن كان أصعب ما في الوجود إدخال الفرحة إلى النفوس بعد سنوات عجاف من الضيم والغم. المستديرة المحيرة للعقول جاذبة للنفس تستهويها، تأسرها تفقد العقل، حالة وجدانية عند الكثيرين يفقدون معها التعقل، تصاحبها هيستيرية غير مفهومة تسمى جنون كرة القدم، من أبدع هذه اللعبة ولأية غاية، للمتعة والتسلية ربما هذه بداياتها، وبالإمكان أن الذين خططوا لها جعلوها وسيلة إلهاء على القضايا الكبرى، وأصبحت بذلك لعبة الكبار ليست جالبة للحظ ولا نيل كأس قارية فحسب وإنما لتحقيق مٱرب عدة. لقد قام النظام المستبد بالأرجنتين في نهاية السبعينات من القرن الماضي بشراء بطولة العالم، وأغلبنا انبهر بأداء اللاعبين لا سيما رأس الحرب وانهزمت فرق بأكثر من 6 أهداف لتأمين الطريق للذي تم اختياره بطلا للعالم، وبعد مرور سنوات تتجلى الحقيقة الصادمة. ما قام به نظام العسكر الأرجتيني هو لإخفاء تفرده بالحكم والقضاء على أي بصيص من الأمل في بناء دولة الحق والقانون. وتٱمر الكبار على بلدان كي لا تمر للدور الموالي. وقد رفع سقراط اللاعب البرازيلي المحبوب شعار ” أفوز أو اخسر، ولكن دائما مع الديمقراطية” ” في مارس 1964 استولى النظام العسكري على السلطة في البرازيل في انقلاب عسكري ، ودخلت البلاد في دوامة من الفوضى والعنف ، كانت أكثر ثلاث سنوات دموية هي الممتدة من 1967 إلى 1970 ، وهي السنوات التي شهدت فيها البلاد ممارسات قمعية ( الاعتقال ..التعذيب والاختطاف )
في ظل الدكتاتورية العسكرية بقيادة الرئيس الجنرال جواو فيغيريدو ، حَوَّل شخص واحد فريقاً كاملا بكل جماهيره إلى حزب ثوري مناهض لسياسة رئيس البلاد ، وقام بثورة غيرت الكثير من الأمور. لم تصبح مع النجم البرازيلي كرة القدم لعبة الشهرة ، والفوز بالبطولة، وإدخال الفرحة، اتخدت مسارا ٱخر، وأصبحت سيلة نحو الحرية والديمقراطية، وتم ترسيخ قيم جديدة، الأخلاق والوفاء ، المواقف الرجولية،… وغيرها، اللاعب اللامع سقراط صاحب اللحية المبعثرة، والفنان المبدع، يداعب المستديرة بفنية تفرد بها. تشبع بالفكر اليساري، وواجه الرأسمالية المتوحشة.
وقد تجاوز إبداعه قدميه إلى أنامله التي استعملهما في تخصصه المفضل الطب، قال : ” جئت لإيطاليا لألعب مع انتونيوني أحد أكثر اللاعبين الذين عشقتهم ولأقرأ تاريخ الفيلسوف والمناضل أنطونيو غرامشي صاحب حركة التحرر “. سقراط اشتهر ايضا بـ “Democracia Corinthiana” ( كورينتانا الديمقراطية ) المقولة الشهيرة ، وهو نوع من التعبير الذاتي للاعب ، والتي نجح “الطبيب” في فرضها في الفترة التي لعب فيها مع كورينثيانز ، خلال سنوات الديكتاتورية البرازيلية.
أصبح النادي رمزا للديمقراطية والحرية و الفريق المناهض للقمع والدكتاتورية في البرازيل وأصبح سقراط يستخدم كرة القدم وسيلة لتثقيف الشعب فقال ذات يوم :
” انا لا ألعب من أجل المال ولا من أجل الشهرة ولا من أجل الألقاب ، كل ما أردته هو أن يفهم الفقراء أن انتظار نتيجة مباراة كرة قدم هو ليس أهم شيء في هذه الحياة ” كان يرتدي عادةً باندانا على رأسه ليعبر عن رأيه ضد الفيفا ، التي منعته من إكمال الثورة بوضوح …بعدها فضل ترك الكرة و ارتداء مئزر وسروال أبيض .
وبخلاف سقراط، اعتبرها بعضهم وسيلة للتعارف والتنافس الشريف بين الشعوب، وتحطيم الفوارق بين الدول، وفضاء للتعارف الحضاري والتسامح، وبناء قيم التنافس الشريف، وليس للاستحواذ كما كانت البدايات. هذا الذي تجسد بتمثيل بلدان دون أخرى. اليوم تأخذ المستديرة أدوارا جديدة في مجال التسويق لحضارة وقيم الشعوب والأمم، وكان التدافع على أشده بين من يرفعون لواء الانتصار للمثلية والإباحية والتفسخ… ومن جسد قيم مخالفة ومختلفة منعت كل ما يخالف الفطرة حتى الأعلام ارتفعت شامخة تدافع عن أرض هي مسرى نبي الأمة، وحملها أبناء الغرب الإسلامي في كل مباراة، وتعززت باحتفال متفرد وعجيب من طرف الغزاويين، وعبر اللاعبون والمشجعون عن حبهم لأرض الإسراء والمعراج، وبدأت تتبدد صورة تفوق الإنسان الغربي عن العربي والإفريقي والمسلم، وظهرت فرق جل لاعبيها من القارة الإفريقية. بلغ مغربنا مستوى فاق فيه كل الدول العربية كرويا، وحقق ما عجز عنه غيره، وقد يذهب بعيدا في هذه التظاهرة، ويتسلق سلالم الرقي في لعبة الكبار. بقي عليه اليوم أن ينتصر على نفسه حضاريا باسترجاع أمجاده، وتحقيق انتصارات في محاربة الأمية والفساد والرشوة وغلاء الأسعار وفتح ورش التنمية بالقضاء على الفوارق الطبقية، والتمكين من العدالة الأجرية، وإطلاق سراح المعتقلين، وخلق فرص العمل، وربط المسؤولية بالمحاسبة، وإعادة الثقة لدى المواطنين كي ينخرطوا في الدفاع عن قيمهم الحضارية. فما تحقق في المستديرة يمكن الوصول إليه في كل المجالات. أن تحضر في التظاهرة قيم دينية ووطنية مثل السجود للشكر وتقبيل رأس الأم، وبث روح المواطنة في اللاعبين والحديث عن النية، والحلم بالانتصار، وأن تشتعل مواقع التواصل الاجتماعي باستحضار معارك من التاريخ وتوظيفها في لعبة الكبار، هي وغيرها وسائل للتعبئة الجماهيرية لتحقيق المستحيل. فكلما كان هناك قائد محنك وله رؤية واستراتيجية، وفريق منسجم وتخطيط سنخرج من عنق زجاجة التخلف نحو إعادة أمجاد الأمة المغربية الحضارية.

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *