العفاريت لا تخشى بعضها!

اسماعيل الحلوتي  

      بدوره وعلى نهج السلف ممن تناوبوا على تدبير الشأن العام ببلادنا من موقع قيادة الحكومة، لا يجيد عزيز أخنوش رئيس حزب التجمع الوطني للأحرار، الذي يقود التحالف الحكومي الثلاثي من خطاب عند الحديث، عدا إلقاء اللوم على من سبقوه واتهامهم بالتقصير وسوء التدبير. مما أدى في نظره إلى مراكمة المشاكل وتردي الأوضاع، في محاولة يائسة منه لتحويل الأنظار عما تتخبط فيه حكومته من أخطاء وقرارات عشوائية، وعجزها التام عن ترجمة وعودها والتزاماتها إلى حقائق ملموسة، ومواجهة الأزمات المطروحة بحدة مثل تفاقم غلاء الأسعار وتزايد معدلات الفقر والبطالة والفوارق الاجتماعية والمجالية.

      ففي تجمع لمنتخبي حزبه بجهة الدار البيضاء-سطات زوال يوم السبت 13 ماي 2023، أبى أخنوش إلا أن يحاول تصفية حساباته الضيقة مع رئيس الحكومة الأسبق والأمين العام الحالي لحزب العدالة والتنمية عبد الإله ابن كيران الذي كان ينعت خصومه ومعارضيه ب”العفاريت”، حيث قال وهو في قمة الاعتداد بالنفس موجها خطابه لمنتخبي الجماعات والغرف المهنية المنتمين إلى حزبه: “تعرفون الظروف الصعبة من جفاف وغيره، لكننا كحكومة لا نشتكي، لا أحد منكم كمنتخبين اشتكى من العفاريت” وأردف “نحن لا نختبئ وراء الإشكاليات، بل نواجهها لأننا مسؤولون” 

      وفي هذا الإطار، وإمعانا منه في تحميل مسؤولية تدهور الأوضاع للمجالس المنتخبة والحكومات في الولايات السابقة، لم يتردد في اتهام المسيرين السابقين على مستوى جهة الدار البيضاء بأزمة الماء مثلا، بدعوى تخاذلهم فيما كان يتعين عليهم القيام به لإخراج مشروع تحلية مياه البحر في الإبان المحدد، دون أن يخفي سعادته بما تحقق على أيدي منتخبي حزبه الذي عرف تحولا إيجابيا خلال سنة ونصف على مرور انتخابات شتنبر 2021 الأخيرة، بفضل اجتهادات كافة أطره وهياكله، خاصة من الشباب والنساء.

      وهو ما جر عليه سيلا عارما من السخرية والانتقادات اللاذعة على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث تساءل البعض عما إذا كان الرجل في كامل قواه العقلية أم أن كلامه مجرد هذيان بسبب موجة الحر التي تجتاز بلادنا هذه الأيام؟ فيما تساءل آخرون عن متى كانت العفاريت تخشى بعضها؟ وكيف له توجيه الاتهام لسابقيه بالفشل وسوء التقدير والتدبير، إذا كان حزبه يعد واحدا من أبرز الأحزاب التي شاركت ليس فقط في حكومة ابن كيران، بل وكذلك في حكومة خلفه سعد الدين العثماني وما قبلهما من حكومات؟

      فما يستغرب له حقا هو أن يبدي رئيس الحكومة اقتناعه واطمئنانه بما تحقق خلال عام ونصف العام من عمر حكومته، والحال أنها فشلت إلى الآن في مواجهة وتدبير عديد الأزمات، وعلى رأسها أزمة غلاء أسعار المحروقات التي أرخت بظلالها على أسعار باقي المواد الغذائية الأساسية، إلى الحد الذي بلغت فيه أثمان الخضر والفواكه واللحوم والأسماك ومنتجات الحليب وغيرها مستويات قياسية غير مسبوقة. 

      ثم أليس العفاريت الحقيقيون هم أولئك الذين يدعون في أكثر من مناسبة قدرتهم على التحكم في الأسعار، بينما السوق محررة منذ أزيد من عقدين، وهم أيضا من يصرون على رفض تأميم شركة “سامير” لتكرير النفط، وعدم تسقيف أسعار المحروقات، في الوقت الذي لم يترددوا في تسقيف سن ولوج مهن التربية والتكوين. علما أن المصلحة العامة للمغرب تقتضي ضمان التزويد المنتظم والآمن بالمواد الطاقية. وأن تنظيم أسعار المحروقات من شأنه حماية القدرة الشرائية للمواطنين والوقاية من الآثار السلبية لارتفاع أسعار المحروقات على مصاريف التنقل وعلى أثمان المواد الفلاحية والسلع والمعيش اليومي؟ وما جدوى منح الدعم لمهنيي النقل من المال العام، دون أن يساهم في تراجع الأسعار، أو يخلف آثارا إيجابية على القدرة الشرائية للطبقات الفقيرة والمتوسطة، التي تدهورت بشكل لافت؟

      فمن بين ما يؤكد ضعف الحكومة وعدم قدرتها على الارتقاء إلى مستوى تطلعات الشعب المغربي، هناك ما بات يرفع من شعارات تطالب برحيل رئيسها أخنوش، وكذا ما صار يتكرر من حديث عن الحاجة الملحة إلى إجراء تعديل حكومي واسع، ولاسيما خلال الأيام الأخيرة التي تروج فيها أخبار عن تشكل قناعة راسخة لدى زعماء أحزاب الائتلاف الحكومي بضرورة إجراء تعديلات أساسية على عدد من القطاعات الوزارية التي أخفقت في إنجاز الكثير من المهام، ويرجح أن يتم ذلك قبل افتتاح السنة التشريعية المقبلة برئاسة الملك محمد السادس، وقبيل انطلاق مناقشة القانون المالي لسنة 2024، حيث من المنتظر أن يطيح التعديل المرتقب بأكثر من ربع أعضاء الحكومة، ممن أثبتوا محدودية أدائهم منذ تعيينهم.

      إن المغاربة ليسوا معنيين بوجود عراقيل وصعوبات تحول دون تمكن مدبري الشأن العام من الاستجابة لانتظاراتهم وتحسين ظروف عيشهم، كما لا تهمهم لغة “العفاريت” وتبادل الاتهامات بين المسؤولين الحاليين والسابقين، بقدر ما يهمهم أن تترجم الأقوال إلى أفعال وأن يتم الوفاء بالوعود والالتزامات، لأنه لم يعد لديهم مثقال ذرة من الصبر في قلوبهم التي تكاد تتفجر من فرط الضجر.

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *