رسالة إلى الإخوة التونسيين: احذروا عدوى الغباء الجزائري
محمد إنفي
بدافع الغيرة على ماضي تونس والتي كانت إلى وقت ليس ببعيد تمثل بالنسبة لشباب البلدان المغاربية مثالا للديمقراطية الفتية ونموذجا ناجحا في التعليم والصحة وْالسياحة والبنى التحتية وغيرها؛ واعتبارا لما آلت إليه الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والحقوقية خلال ولاية الرئيس التونسي الحالي السيد قيس سعيد، تحت تأثير العلاقات بينه وبين الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، فكرت، أنا المواطن المغربي محمد إنفي، في أن أبعث إليكم هذه الرسالة ناصحا ومحذرا من عدوى الغباء الجزائري.
وهذا الغباء الذي حذرت منه المغاربة وأحذر منه اليوم التونسيين، لا ينكره الجزائريون الذين حفظهم الله من هذه الآفة ونجوا من آثارها الخطيرة؛ وخطورتها لا تقل عن خطورة كورونا وجذري القردة وغيره الأمراض المعدية. وقد تجذَّر الغباء في الجزائر وأصبح شائعا ومستحكما في مفاصل المجتمع الجزائري، بدءا من نخب النظام من أعلى هرم السلطة إلى أسفله مرورا بالطبقات الشعبية بمختلف أوضاعها ومستوياتها الاجتماعية والسياسية والثقافية…الخ.
وما دفعني إلى القيام بهذه الخطوة (بعث رسالة تحذيرية إلى الإخوة التونسيين)، هو ما لاحظته، في وسائل التواصل الاجتماعي، من تأثير للغباء الجزائري على بعض النشطاء التونسيين وحتى على بعض المحسوبين على مجال التحليل السياسي أو الإعلامي. وهنا، تأكدت أن الغباء الجزائري قد تسرب إلى تونس وبدأ ينتشر بين بعض الفئات التي تعلن ولاءها، على الطريقة الجزائرية، للسيد قيس سعيد.
ويتميز الجزائريون بأسلوبهم المنحط في النقاش حيث يكون السب والشتم بألفاظ ساقطة سلاحهم المفضل، وتكون العنتريات الفارغة عملتهم المفضلة. ثم إنهم يقحمون الجمهورية الصحراوية الوهمية بمناسبة وبدونها في أي حديث كيفما كان موضوعه؛ ناهيك عن وصف المغرب وتعييره بلائحة طويلة وعريضة من الأمراض والآفات الاجتماعية التي تنخر المجتمع الجزائري، ويرمون بها المغاربة (وكذا التونسيين) في محاولة يائسة لإبعاد التهمة عنهم، لكنهم يفشلون في ذلك لكون الوضع في الجزائر أصبح معلوما وأشهر من نار على علم.
وقد لاحظت أن بعض النشطاء التونسيين (وكذا بعض المغاربة من أصحاب شعار خاوة خاوة) في وسائل التواصل الاجتماعي قد تكرغلوا (من الكراغلة) وتبرْدعوا (من البْردْعَة) وتضبَّعوا (من الضَّبُع)، فتأكد لي بأن الغباء الجزائري قد استوطن أدمغة وعقول بعض التونسيين، كما هو الأمر بالسبة لبعض المغاربة. وقد تسربت هذه الكارثة إلى تونس منذ أن وضع الرئيس التونسي قيس سعيد يده في يد الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، رمز الغباء والعبط السياسي. ويبدو أن السيد قيس سعيد قد أصيب بفيروس الغباء الجزائري منذ اللقاء الأول مع تبون. فمنذ ذلك الحين وتونس ترجع القهقرى إلى أن أصبحت صورة لجزائر عبد المجيد تبون: تدهور في الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية، تراجع عن المكتسبات الدستورية والديمقراطية والحقوقية والقانونية حتى أصبحت تونس تشبه الجزائر التي يحكمها العسكر، اللجوء إلى النهج الديكتاتوري في الحكم لدرجة أن الجهة المكلفة بتنظيم الانتخابات الرئاسية وصل بها الأمر إلى حد رفض قرار المحكمة الإدارية في شأن ثلاثة مرشحين للرئاسيات التونسية حتى يضمن قيس سعيد عهدته الثانية كما تبون، العجز في مواجهة الخصاص الذي تعاني منه البلاد، وخاصة في المواد الغذائية…
وحديثي عن الغباء الجزائري ليس وليد اللحظة، أيها الإخوة. فقد سبق لي أن تناولت الموضوع في أكثر من مقال ومن مختلف أوجهه ومنه قضية العدوى؛ ففي واحد من هذه المقالات، تساءلت إن كان الغباء في الجزائر وراثيا أو مكتسبا (انظر “الغباء في الجزائر وراثي أم مكتسب؟”، نشر في جريدة “الاتحاد الاشتراكي” بتاريخ 4 أبريل 2023). وقد تأكد لي، من خلال تتبعي للظاهرة بمختلف تمظهراتها وتجلياتها، بأن نوع الغباء الموجود في الجزائر معدي؛ وقد حذرت منه المغاربة الذين يستضيفون الجزائريين في “لايفاتهم” (مباشراتهم) على منصات التواصل الاجتماعي أو الذين يتدخلون في “لايفات” لجزائريين على نفس المنصات.
ومما يؤكد هذا الواقع، هو الانتشار الواسع للغباء بمختلف درجاته بين فئات واسعة من المجتمع. فالمغيبون في الجزائر كثر، والعديد منهم دماغهم ممسوح لا يستوعب الكلام المنطقي ولا يميز بين المعقول وغير المعقول. وحتى بين النخب، تجد أشخاصا حاصلين على ديبلومات عليا من قبيل الدكتوراه، لكن أدمغتهم مقفلة وغير قادرة على إدراك الورطة التي وقع فيها نظامهم بإيواء دولة وهمية على أراضيه منذ خمسة عقود. وقد استنزف هذه الدولة الوهمية خزينة الدولة الجزائرية التي أصبحت عاجزة عن توفير أبسط المواد الغذائية الضرورية. فالجزائري المغبون يقضي سواد يومه في الطوابير لعله يحصل على شكارة حليب أو قنينة زيت أو كيلو عدس أو لوبيا أو بطاطا أو غيرها؛ أما اللحوم بأنواعها فالجزائري العادي وحتى المنتمي للطبقة المتوسطة محروم منها؛ ناهيك عن البنان (الموز) والفواكه بأنواعها. ومع ذلك، تجدهم يدافعون عن البوليساريو الذي سيكون بدون شك سببا في خراب الجزائر.
خلاصة القول، ما كنت لأخاطب الإخوة التونسيين بصيغة التعميم لو لم ألاحظ تبني الخطاب الجزائري من قبل بعض التونسيين الذين أبانوا عن تكَرْغُلِهم وسقوطهم في حبال الغباء الجزائري. وبما أن هذا الغباء معدي، فلم يسمح لي ضميري بأن أغض الطرف عن التحذير أو على الأقل التنبيه لتفادي الأسوأ.
وإن كنت اليوم أخاطب الإخوة التونسيين تحذيرا من الغباء الجزائري، فإني قد خاطبت سابقا السيد قيس سعيد، رئيس الجمهورية التونسية، متهكما. ففي رسالة مفتوحة، هنأته على سقطته الديبلوماسية بمناسبة انعقاد “تيكاد 8″ في تونس خلال غشت 2022. وكانت الرسالة على الشكل التالي: ” رسالة مفتوحة من مواطن مغربي إلى السيد قيس سعيد رئيس الجمهورية التونسية: أهنئكم على الإنجاز الديبلوماسي غير المسبوق الذي تحقق في عهدكم لتونس الشقيقة” (نشرت بموقع “العمق المغربي” بتاريخ 30 غشت 2022).