اسماعيل الحلوتي
بتزامن مع فعاليات القمة العربية الواحدة والثلاثين الملتئمة بالجزائر العاصمة يومي الثلاثاء والأربعاء 1 و2 نونبر، وفي خضم انشغال “العصابة” الحاكمة في قصر المرادية بأطوارها، كشفت فجأة عديد المواقع الإعلامية الفرنسية في قصاصة إخبارية عن إجراء الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يوم الثلاثاء فاتح نونبر 2022 مكالمة هاتفية مع العاهل المغربي محمد السادس استغرقت حوالي نصف ساعة، تطرقا خلالها إلى “سوء الفهم” الحاصل بين البلدين الصديقين في الشهور الأخيرة، بالإضافة إلى بقاء سفارتي البلدين بدون سفير منذ شهر أكتوبر المنصرم.
وهي المكالمة التي نزلت كالصاعقة على رؤوس كابرانات عسكر الجزائر وأخرست أفواه أزلامهم وأبواق إعلامهم المهترئة، حيث أنها أثارت حالة من الارتباك والهلع داخل أسوار قصر المرادية، وسارعت “العصابة” إلى عقد اجتماعات طارئة في محاولة استيعاب الوضع وفهم ما يجري على الساحة الدولية، وخاصة ما يرتبط بإمكانية عودة الدفء للعلاقات الفرنسية/المغربية، واحتمال اصطفاف فرنسا مع الولايات المتحدة الأمريكية وألمانيا وإسبانيا واعترافها هي كذلك بمغربية الصحراء…
فكيف لا تكون الصدمة قوية والعصابة مازالت تضمد جراحها التي تعمقت بفعل ما تحقق للمغرب من انتصار كبير فوق أرضها إبان القمة العربية؟ إذ استطاع بما يتميز به قائده الملهم من حنكة وتبصر، وبشهادة عدد من الباحثين والمهتمين بالشأن العربي عامة والعلاقات الجزائرية/المغربية بشكل خاص، أن يفشل جميع مخططاتها وإجهاض أحلامها، من خلال التصدي لجميع المواقف التي كانت تمني النفس بإقحامها حول جبهة البوليساريو الانفصالية، بالرغم من كل ما بذلته دبلوماسيتها البئيسة من جهود مالية واستخباراتية، وفرض مواقفه التي ما انفك ينادي بها منذ أمد بعيد. ذلك أن ما سمي ب”إعلان الجزائر” في النص الختامي للقمة، تضمن جميع النقط التي ظل المغرب حريصا على تمريرها…
وبالعودة إلى المحادثة الهاتفية بين الرئيس الفرنسي ماكرون وملك المغرب محمد السادس التي كشف عنها موقع “أفريكا إنتيليجينس” الموجود مقره بالعاصمة الفرنسية باريس، يتضح أن حالة من الرعب عمت حكام الجزائر، إلى الحد الذي رفضوا فيه أن يصدقوا ما تناقلته وسائل الإعلام الفرنسية في بادئ الأمر. بيد أنهم سرعان ما تأكدوا من صحة الخبر المتداول على نطاق واسع، حتى وإن لم يعلن عنه في القنوات الرسمية بالمغرب وفرنسا. ومن ثم أعطوا إشارة الضوء الأخضر لزبانيتهم من أجل إفراغ غلهم وتفجير حقدهم الدفين، عبر حملات إعلامية هوجاء ضد رموز ومسؤولي المملكة المغربية الشريفة…
وهكذا سارعت جريدة “الشروق” الناطقة باسم كابرانات العسكر الجزائري أو ما بات يطلق عليها اسم “جريدة الشرور” لما تحمله في صفحاتها من أحقاد وضغائن ضد المغاربة ونظامهم الملكي، إلى التعبير عن صدمتها القوية وخيبة أملها الكبرى من موقف فرنسا الداعم للمغرب حول قضيته الوطنية الأولى المتعلقة بالوحدة الترابية والتصويت لصالح قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2554، في وقت كان فيه الرهان الجزائري كبيرا على تغيير موقفها، بعد زيارة الرئيس الفرنسي للجزائر أيام 25 و26 و27 غشت 2022 والتي تلتها زيارة أخرى لوفد حكومي فرنسي من 16 وزيرا تتزعمه رئيسة الوزراء إليزابيت بورن، حيث لبت الجزائر كل مطالب فرنسا وفي مقدمتها تزويدها بما تحتاجه من كميات الغاز وأكثر.
فقد أبت إلا أن تنشر مقالا حول تلك المكالمة الهاتفية التي هزت أركان قصر المرادية، يقول فيه صاحبه: “ماكرون يتواصل مع محمد السادس… لكن “في السر”. وكأنه بذلك أتى بفتح مبين أو ضبط “جاسوسين” في حالة تلبس يتآمران على بلاد “القوة الضاربة”. وفي مقال ثان بموقع آخر، تم الحديث عن ذات المكالمة الهاتفية بعد أسابيع من تأزم العلاقات بين البلدين، وأضاف بأن طرفيها تطرقا إلى ما وصفته إحدى المجلات المقربة من المخابرات الفرنسية ب”سوء الفهم”، وينتظر أن تبرمج زيارة رسمية للمغرب من قبل الرئيس ماكرون، قبل نهاية السنة الجارية 2022 أو في مطلع السنة القادمة 2023.
غير أن ما غاب عن شنقريحة وتبون، هو أنها ليست وحدها المحادثة التلفونية بين قائدي الجمهورية الفرنسية والمملكة المغربية، ما يوحي بقرب انقشاع الغيوم وعودة الحرارة إلى العلاقات الدبلوماسية المتجمدة بين البلدين الصديقين، بل هناك أيضا قيام وفد برلماني فرنسي رفيع المستوى بزيارة المغرب يوم الأحد 6 نونبر 2022 بتزامن مع تخليد المغرب الذكرى 47 على تنظيم المسيرة الخضراء المظفرة، ودعا إلى ضرورة تكثيف الجهود في اتجاه تجاوز الأزمة الصامتة، حيث قال رئيس مجلس الشيوخ الفرنسي فانسان دولاهاي: “ينبغي التعجيل بإيجاد حلول ملائمة للخروج من هذا الوضع غير المقبول”. ويشار في هذا الصدد إلى أن العلاقات الفرنسية/المغربية تأثرت بفعل اتخاذ باريس قرارا في شتنبر 2021 يقضي بخفض عدد التأشيرات الممنوحة للمغرب إلى النصف، قصد الضغط على المغرب لاستعادة مهاجريه من فرنسا، في وقت وصفته الحكومة المغربية بالقرار غير المبرر.
فسواء اعترفت فرنسا بمغربية الصحراء أم لم تعترف، فالمغرب فضلا عن إصراره على مواصلة الكفاح في اتجاه إنهاء حلم “جمهورية الوهم”، عازم على إرساء منظور متكامل للدفاع عن وحدته الترابية، والجمع بين العمل السياسي والدبلوماسي والنهوض بالتنمية الاقتصادية والاجتماعية والبشرية لأقاليمه الجنوبية. وأنه مهما تمادى النظام العسكري المتغطرس في استفزازاه ومحاولة ابتزازه واستنزاف جهوده، فإنه سيظل أبد الدهر في صحرائه والصحراء في مغربها، ولاسيما أن المغاربة أقسموا على عدم التفريط ولو في حبة رمل من رمالها.