مراسل مدينة سلا، مصطفى الهويري يعاني في صمت
نورس البريجة: خالد الخضري
1 – حيوية، مهنية وحس إنساني
هناك بعدد من المدن المغربية مراسلون صحفيون ترتبط أسماؤهم بأسمائها ارتباطا قويا حيث لا تُذكر هذه المدينة أو تلك إلا ويُذكر معها مراسلها.. هذا شأن الزميل والصديق السيد مصطفى الهويري الذي جمعتني به علاقة زمالة أثيرة بجريدة (العَلَم) تحولت إلى صداقة راسخة قوامها المحبة والاحترام المتبادلين، حيث كان لا يفتأ – بحكم أقدميته وتجربته الراسخة في المجال الإعلامي – يزوِّدني بنصائحه الثمينة حين كنت متعاونا مع الجريدة منذ منتصف ثمانينيات القرن الماضي حتى متم تسعينياته، لا سيما إبان إعدادي لصفحته السينمائية “العلم السينمائي”.
ولد السيد مصطفى الهويري سنة 1946 بسلا.. وفور حصوله على الشهادة الابتدائية في مستهل ستينيات القرن الماضي، والتي كانت تعتبر شهادة عالية توظف بموجبها كثير من أطر الدولة في قطاعات شتى، تم إلحاقه مباشرة بجريدة (العَلَم) التابعة لحزب الاستقلال حين كان يوجد مقرها برقم 11 شارع علال بن عبد الله في الرباط وذلك قبل أن تنتقل إلى المقر الحالي في شارع الحسن الثاني رقم 141 بطريق الدار البيضاء. وقد كان عمر السيد الهويري حين التحاقه بالجريدة سنة 1964 ثمانية عشر عاما، ليقضي فيها 42 سنة لحظة إحالته على التقاعد سنة 2006.
خلال فترة اشتغاله بجريدة (العَلَم) تقلد السيد مصطفى الهويري عدة مهام كما شغل عدة مناصب من بينها: رئيس قسم التوزيع – رئيس قسم الموظفين – مراسل رياضي للجريدة خاصة بمدينة بسلا حيث كان يوفده رئيس القسم الرياضي بالجريدة السيد محمد بنيس لتغطية جميع مباريات الجمعية السلوية في كرة القدم.. كما سائر مقابلات الفتح الرياضي، إلى جانب زميله السيد عبد الله الوزاني. وكان يرافقه لالتقاط الصور مصور جريدة (العَلَم) الشهير المرحوم حمَّادي العوفير.
ورغم تقاعده لا زال مصطفى الهويري إلى الآن مراسلا لمدينة سلا يتابع مهمته أو بالأحرى “واجبه الانتمائي” الذي يمارسه عن حب من خلال رصده وكشفه مكامن الخلل والداء التي تطال هذه المدينة في مختلف القطاعات الاجتماعية، السياسية والاقتصادية كما الثقافية والفنية، كما الكشف عن بعض بؤر الضوء متى وجدت طبعا.. فلا يمكن أن يطرأ طارئ بمدينة سلا مهما صغر أو كبر شأنه، إلا وتجد مصطفى الهويري سبّاقا إلى الكتابة عنه وتغطيته.. فكان يجري الحوارات واللقاءات الصحفية الرياضية بنفس الحيوية والمنهجية الحرفية اللتين كان يعتمدهما حين إقباله على إجراء حوار أو مقابلة فنية أو ثقافية حيث حاور عددا من الفنانين المغاربة والعرب في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي مثلما فعل مع الفنانة نعيمة سميح في عز أوجها الفني.. هذا ودون أن يتخلى عن طيبوبته وحسه الإنساني، إذ كان يتواصل مع محاوريه ومن مختلف الحقول سائلا عنهم، متفقدا أحوالهم الصحية وزائرا المرضى منهم، كما يبدو في الصورتين المرفقتين وهو يعود كلا من الفنانة نعيمة سميح والبطل المغربي هشام الگروج حين كانا طريحيْ الفراش ببعض العيادات الطبية بالرباط.
2 – معاناة، تسامح وكبرياء
يتذكر السي مصطفى الهويري بحنين عارم تشوبه حسرة دفينة، جريدة (العَلَم) التي كان يعتبرها “أم الجرائد” حسب تعبيره في الأيام والسنوات الخوالي و”مدرسة تَكَوَّن فيها وتخرج منها العديد من الإعلاميين الأكفاء” والذين كانت تربطهم به جميعا علاقات محبة، تعاون وتقدير بدءا من مديريها كما رؤساء تحريرها وصحافييها ومصححيها وتقنييها… ضمنهم المرحومون الثلاثة الذين تعاقبوا على منصب إدارتها: عبد الكريم غلاب، محمد العربي المساري، وعبد الجبار السحيمي – ثم حسن عبد الخالق (سفير المملكة حاليا بالجزائر) – فعبد الله البقالي (المدير الحالي) – عمر الدركولي (رئيس التحرير) – نجيب ورشيد خدّاري – المرحوم المحجوب الصفريوي (المصحح اللَّسِن والمرشد في اللغة العربية) – المرحوم ميمون الأزماني – المرحوم عبد النبي الكراري.. السيد كارو – علي الطليكي – سعيد – فيصل قراف – فاطمة العلمي – العربي الشرقي – زهور لعميرات – نعيمة حرار – عبد الله الشرقاوي – نجيب كومينة – مصطفى الرزوزي – مصطفى اليزناسني (أصبح مديرا لجريدة “الميثاق الوطني” فيما بعد) – العربي الصبان (الكاريكاتوريست) – المرحوم البشير الزياني- حسن الياسميني – حمادي الغاري.. المرحومان عبد الحميد بنداوود وعبد الفتاح الفاكهاني – المرحومة الحاجة مليكة (كاتبة المدير) – فاطمة (الكاتبة الحالية) – عبد الله السهبي – عبد النبي زروال – محمد بشكار – أحمد عفاش – عمر ماغوش…. والقائمة طويلة لهؤلاء وغيرهم ممن كان ولازال بعضهم يمثل الدعائم القوية الثابتة لجريدة (العَلَم) إدارة، تحريرا وتسييرا…
لكن مالم يفصح عنه السيد مصطفى الهويري وبالكاد انتزعته منه هو: حسرته لنسيان جريدة (العَلَم) له “رسميا وإنسانيا” منذ مغادرته لها لما يقارب 14 سنة خلت!! حيث لم يكلف واحد من الأحياء المعافون ممن لا زالوا يشتغلون بها، نفسه عناء زيارته والاطمئنان عليه لمجرد رفع معنوياته ليس إلا؟ وتتضاعف الحسرة حين يصاب السي مصطفى الهويري بمرض مزمن وفتاك تم على إثره إجراء عملية جراحية مكث بسببها في المستشفى ما يقارب الشهرين في متم سنة 2018. كما أن هذا المرض يتطلب إمكانيات مادية باهظة وهو الذي خرج – وبعد 42 سنة من العمل – بمبلغ ألفَيْ (2000) درهما فقط كأجرة تقاعد تلهف الأدوية – ولا مبالغة – أكثر من نصفه شهريا؟!! وخلال تواجده بالمستشفى ذكر أن الوحيد الذي زاره، هو السيد عزيز الهلالي عضو اللجنة التنفيذية لحزب الاستقلال.. كما سأل عنه بالتلفون رئيس التحرير السيد عمر الدركولي! فباستثناء هذين الشخصين لا أحد عاده أو تذكره.
باح السي مصطفى بهذا وابتسامة خفيفة لم تخف مرارة وضعه وشعوره، داعبت شفتيه وهو يرنو إلى فوق بكبرياء مرددا بهدوء:
– “الحمد لله والعوض عليه خاي خالد.. ”
ثم أضاف بعد لحظة صمت وجيزة صعَّد على إثرها زفرة حرَّى وقد اتسعت ابتسامته:
– “ربي كبير أخاي.. والمسامح كريم” وعاد للصمت.
وكأنه كان يريد أن يضيف عبارة شهيرة أو بالأحرى صفة طالما تُدُوولت عن جريدة (العَلَم) دون أن يفصح عنها يعرفها هو، كما أعرفها أنا وجميع من اشتغل “في” أو “مع” هذه الجريدة / المدرسة الصحفية العتيدة وهي أنها: “القطة التي تأكل أبناءها”.
هذا ولم تكن مدينة سلا بمنتخبيها.. مثقفيها.. وإعلامييها.. وبسائر مكوناتها وجميع ما ومن ذكر فيها ومنها أو لم يذكر.. كما جمعياتها سواء الرياضية التي طالما قام بتغطية أنشطتها وحتى الفنية والاجتماعية بصفة عامة وضمنها الجمعية السلوية وجمعية أبي رقراق، أقل إجحافا في حق هذا الرجل الذي لا زال يعاني المرض.. الألم.. والتجاهل كما الضائقة المالية الخانقة دون أن يفقد كبرياءه ونبله الإنساني أو يحقد على زميل، أو يخاصم إطارا شخصيا كان أم معنويا، داعيا للجميع بالهداية وطالبا منهم “السماحة”.. ليبقى دائما كما كان مراسل مدينة سلا المخلص لها ولمهنته: مصطفى الهويري.