منهج وخصائص كتاب “محاضرات في علم مقاصد الشريعة ” للدكتور أحمد الريسوني.

بقلم الدكتور عثمان كضوار*
الحمد لله رب العالمين وبه نستعين ولاحول ولاقوة إلا بالله العلي العظيم، لابد من كلمة شكر في حق إدارة المنتدى المنظمة، وفي حق السادة الدكاترة الأجلاء الذين ينتمون إلى منتدى الحوار العلمي الذي يرأسه فضيلة الدكتور سيدي أحمد الريسوني، حيث يرجع إليه الفضل بعد المولى عزوجل في إقامة هذا المشروع العلمي القيم، والذي أعتبره إضافة نوعية في تبادل الأفكار والخبرات العلمية وعلى الخصوص مدارسة مؤلفات سيدي أحمد الريسوني التي تحضى بالقبول، وما يضفي عليها طابع التميز قبول فضيلته كل نقد أو مرافعة علمية دون امتضاض أو استنفار، وهذا قل ما نلحظه في زمان علمائنا الحالي، فبارك الله في جهودكم وجهود مولانا الإمام سيدي أحمد الريسوني.
أما بخصوص الكتاب “محاضرات في مقاصد الشريعة” فكما هو عنوانه تضمن عشر محاضرات من أجود ما كتب عن علم المقاصد، بل أفضلها في تقديري وذلك لاعتبارات ميزت منهجه وخصائصه عن باقي الكتب المقاصدية، وقد سبق أن حرر في الموضوع الطاهر ابن عاشور وعلال الفاسي كتابيهما ” مقاصد الشريعة الإسلامية” ومقاصد الشريعة الإسلامية ومكارمها” وهما كذلك عبارة عن محاضرات في الأصل، فكتاب ابن عاشور بلغ ثمان محاضرات، وعلى النحو  تقريبا كان كتاب علال الفاسي رحمهما الله، لكن مايلاحظ أنهما لم يكونا وفيين بشكل كبير لمقاصد الشريعة من حيث معالجتهما للقضايا، فاعتبر البعض الكتابين لاسيما كتاب ابن عاشور أنه كتاب فكر أكثر منه كتاب مقاصد، لكن فضيلة الريسوني رغم موسوعيته العلمية والتاريخية لا يحيد عن ما يسطره كتابة وتأليفا، فكانت محاضراته التي أوردها في كتابه من الفكر المقاصدي إلى القضايا المقاصدية تصول وتجول حول مقاصد الشريعة.
وعليه أذكر مابدا لي من خصائص ميزت كتاب “محاضرات في مقاصد الشريعة” على النحو التالي:
الخاصية الأولى: الوضوح والبيان”  وهي خاصية إجمالية ترتبط بجميع محاور الكتاب تجلت في :
تيسير فضيلته  علم المقاصد من خلال تناوله الموضوع بحلة غاية في الدقة والبساطة، وهما خاصيتان قلما يستطيع المؤلف الجمع بينهما، فكثيرا ما يتحدث الريسوني حفظه الله في قضايا شائكة عالجها المتقدمون بمنهج معقد، وخاضوا القول فيها دون إطلاق سراحها من  حيث فحواها ومضمونها، ليقدمها من خلال كتابه هذا بأسلوب واضح المعنى سلس لا يشق له غبار، فكأنه يزيل اللثام ويكشف الحجب عن تصريحات القدماء لاسيما العالقة منها، أو تلك التي تحتاج إلى توضيحات وشروحات.
خاصية: -الإنصاف التاريخي. – المحاضرة الأولى والثانية والثالثة- وذلك من خلال:
التسلسل التاريخي الذي تميز به فضيلته في سرد علم المقاصد دون إغفال عن محطة من المحطات التي أنتجت أعلاما في الموضوع، مع إبراز الشخصيات وتفصيل القول فيها، وهم الأعلام الأربع: الجويني، العز بن عبد السلام، الشاطبي، الطاهر ابن عاشور.
فالريسوني بارك الله فيه حتى لا يبخس جهود الأعلام في مجال علم المقاصد كان منصفا في الأعلام الذين يرجع لهم الفضل في ظهور المقاصد (الحكيم الترمذي(285ه)، أبو الحسن العامري (381ه) ، ابن بابويه القمي (329ه): أبوبكر الشاشي (365ه))، لكن في الوقت نفسه صنفهم بحسب جهودهم وبصمتهم في الموضوع، فكان من الواجب الحديث عنهم بقدر ماخلفوه من ثروة علمية في الموضوع، فجاء التصنيف بحسب ماذكرت.
الخاصية الثالثة: المزاوجة بين التنظير والتطبيق. –المحاضرة الرابعة والخامسةوالسادسةوالسابعة والثامنة-
لقد جعل فضيلته من المحاضرات الثلاث سالفة الذكر مقدمات نظرية غايتها إعطاء نبذة حول تأليف وتصنيف مقاصد الشريعة من خلال أعلامها، وهو منهج قويم ومدخل سليم للجانب التطبيقي الذي أوضح من بعده مايرجى معالجته من قضايا تطبيقية، فكان حديث فضيلته عن المصالح والمفاسد، والمراتب الثلاث للمصالح والموازنة بينها، وكذلك تفصيله في قضية الذرائع والمآلات، كلها محاور احتاجت إلى تعميق التحليل بالأمثلة التطبيقية، وبما جادت به فطانة فضيلتنا وتميز تقليبه النظر في النصوص الشرعية فهما وتنزيلا وتطبيقا بنظرة مقاصدية سديدة.
ومن منهج كتاب “محاضرات في مقاصد الشريعة” أسلوب الاستطراد الذي استطاع من خلال فضيلته ربط خيوط المتقدمين بالمتأخرين عندما يتعلق الأمر بقضية من القضايا التي لاتزال في حاجة إلى وضوح من الناحية التطبيقية، وهذا ما نلحظه في المحاضرة التاسعة عندما تحدث عن مصلحة النص والمصلحة، وهي ثمار ما سلف ذكره من المحاور.
الخاصية الرابعة: الجمع والمنع – المحاضرة العاشرة-
فالمحاضرة العاشرة وإن وردت تحت عنوان “استدراكات واستفسارات” إلا أن الموضوع الرئيس كان بمثابتة جمع ماتفرق في المحاضرات سالفة الذكر عندما تطرق لأربع مسائل غاية في الأهمية: مسألة :مقاصد الشريعة الإسلامية ومقاصد الشريعة الاستعمارية.
مسألة: مقاصد الشريعة وعلاقتها بأصول الفقه، أهي علم مستقل أم جزء منه.
مسألة: القواعد المقاصدية.
مسألة: الاجتهاد الجماعي.
فضيلته ينبه في المسألة الأولى إلى خطورة توظيف المقاصد لأغراض غير نبيلة ومصالح ماأنزل الله بها من سلطان، وكأن لسان حال فضيلته يقول لا يحق لمن أراد أن يقتحم عالم المقاصد وعلمه من لم يضفر بما تقدم من المحاور السابقة، فعلم مقاصد الشريعة يدور أولا وأخيرا في فلك ما قصد الشارع تحقيقا لمصالح الأنام، ولا يتحقق ذلك إلا باستحضار المصالح والمفاسد من جهة الموازنة والترجيح واعتبار الذرائع والمآلات، فكان كلامه حفظه الله من خلال هذه المحاضرة جامعا مانعا، بين التنبيه لمن يسلك هذا العلم دون بضاعة علمية، وتحذير من يهرف بمالايعرف أو يقصد مآرب تضر ولا تنفع ممتطيا علم المقاصد ذريعة لذلك، كما يذكر باستقلالية علم المقاصد عن علم أصول الفقه من زاوية ما أضحى للمقاصد من قواعد ومنهج وقضايا تميزه عن علم أصول الفقه، ووكثيرا مايصرح به فضيلته أن العلوم ذرية بعضها من بعض، فلا يضر الاستقلال عن بعضها البعض بل ذلك مكمن القوة والتكامل، كل ذلك لأجل خدمة الاجتهاد الذي صارت دائرته بفضل علم المقاصد تتسع لتجيب عن القضايا العالقة في عصرنا.
والحقيقة أن هذا الكتاب من خلال منهجه التحليلي والوصفي والتطبيقي فتح بصيرة مولانا للتفطن إلى قضايا مقاصدية جديدة، وهذا مالاحظناه من خلال كتاباته ومؤلفاته التي تلته، فكان إضافة نوعية لعلم المقاصد جذيرة بأن تحضى بالعناية العلمية اللائقة، بارك الله في علم مولانا وبارك في عمره ، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
* الدكتور عثمان كضوار 06/12/2021. باحث في الفكر المقاصدي.

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *