الأداء النقابي للحركة الإسلامية بالمغرب …قراءة في بعض المسارات

عبد الرحيم بن بوشعيب مفكير
المتتبع للحركة الإسلامية بالمغرب لا يمكنه إلا أن يسجل تنامي هذه الحركة واتساعها خاصة بعد انضمام مجموعة من قيادي، وأطر حركة الإصلاح والتجديد سنة 1996م إلى حزب العدالة والتنمية، وخوض التجربة الانتخابية والفوز ب 14 مقعدا داخل قبة البرلمان، توسعت القاعدة لتصبح 42 برلمانيا ، وفي الزمن الحالي تجاوزت 120 مقعدا.كما أنه لا يمكن إلا أن نقر بأنها- الحركة الإسلامية- غير منسجمة من حيث ثقافتها السياسية ونظريتها في العمل السياسي الحركي الإسلامي، ويبقى ” جوهر الخلاف… هو في تقدير الظروف والإمكانات، أما الخط العام للسلوك السياسي عندها فهو خط المشاركة بمعنى أن الخلاف هو حول شروط المشاركة وتوقيتها” .
ويستأثر حاليا الملف النقابي بالاهتمام نظرا لتراكم التجربة الطلابية في هذا المجال إضافة إلى اختيار أعضاء من حركة ” التوحيد والإصلاح” الاتحاد الوطني للشغل بالمغرب إطارا للممارسة النقابية لقربه من قناعات وتوجهات الحركة. كما تم خوض تجربة الاستحقاقات الانتخابية المتعلقة بانتخاب اللجان الإدارية المتساوية الأعضاء، حقق فيها الاتحاد تقدما ملموسا بالرغم من ضعف الإمكانات وحداثة التجربة.
1 المسألة النقابية في أدبيات الحركة الإسلامية:
قبل رصد المسألة النقابية في أدبيات الحركة الإسلامية نرى لزاما تحديد بعض المفاهيم المرتبطة بالموضوع. وهذه الإشارات نعتبرها مفاتيح تبسط وتساعدنا على حل بعض إشكالا ته، وتقربنا منه أكثر، وذلك نظرا للاختلاف الحاصل في تسمية ظاهرة التغيير الإسلامي. هذه المفاهيم تطورت بتطور الحركة الإسلامية، وتم استعمال العديد منها للتعبير عن فكرها وتصورها. ومن هنا جاء الاختلاف في تسمية الظاهرة، فهناك من يطلق اسم الصحوة، ويقتصر عليه، وهناك من يجعل الصحوة شاملة للحركة الإسلامية. كما يوجد تباين في تحديد مفهوم الإسلام السياسي.
أ- تقريب المفاهيم: الحركة الإسلامية: الحركي يعني جانب الفعالية والتي تشير عموما إلى الفعل السياسي والاجتماعي ومدى القدرة على تغيير سلوك الأفراد والمجموعات، بل إن لفظ حركي كثيرا ما يحمل معنى يميز فعالية الأفراد عن بعضهم . والحركة الإسلامية المغربية هي التنظيمات الإسلامية التي تطرح رسميا ضمن أهدافها ما هو سياسي في علاقته المباشرة بالسلطة السياسية . وتعني عند عبد الرحمان اليعقوبي التيار الجديد النابع من الصحوة الإسلامية التي يعرفها المغرب كما تعرفها باقي الأقطار الإسلامية. ويتمثل هذا التيار في مجموعة من الجمعيات والتجمعات والمنظمات التي تشترك كلها في منطلق واحد وهو تبنيها للإسلام، وغايتها المتمثلة في إصلاح المجتمع وإقامة حياته على أسس الإسلام . والحركات الإسلامية التي تشتغل بالمجال السياسي لا تحصر عملها فيه بقدر ما تعبر عن اهتماماتها بكل المجالات في شموليته للأهداف والوسائل، ويطلق عليها البعض حركات الإسلام السياسي. وهذا ما حاول ” فرانسوا بورجا” تأكيده في كتابه ” الإسلام السياسي” فأنصار استخدام كلمة إسلاميislamiste يتبنون المصطلح لأنه يسمح بالتمييز بين الشخص الذي ينتمي إلى تيار الإسلام السياسي وبين أي شخص ينتمي إلى الدين الإسلامي. ويقصد راشد الغنوشي بحركة الإسلام السياسي العمل على تجديد فهم الإسلام.
الصحوة الإسلامية: تعتبر الصحوة الإسلامية عند عبد الهادي بوطالب تجديد في التدين لا في الدين” إن الصحوة الإسلامية في حقيقة الأمر وبتعبير أصح وأسلم، هي صحوة المسلمين في واقعهم الحاضر” . أما محي الدين عطية فإنه يركز على كونها ظاهرة اجتماعية يقول ” نحن نريد بالصحوة الإسلامية المعاصرة تلك الظاهرة الاجتماعية الجديدة التي تشير إلى تنبه الأمة الإسلامية وإفاقتها وإحرازها تقدما مطردا في إحساسها بذاتها واعتزازها بدينها وفي تحررها من التبعية الفكرية والحياتية” واعتمد مخلص السبتي الصحوة الإسلامية اسما لظاهرة التجديد الإسلامي المعاصر الذي قد يوصف باليقظة أو الإحياء أو البعث…. فهذه كلها أوصاف لمسمى واحد وهو الصحوة الإسلامية .
وعلى هذا الأساس يتضح أن مفهوم الصحوة أعم وأشمل من مفهوم الحركة. فالصحوة حالة من الوعي بالغفلة وشعور بضرورة النهوض للتعامل بالتنزيل واستيعاب علم الدعوة والتمكن من علم الواقع، والتعامل بمنهج المعاصرة الذي يقوم على العقل وقانون التعامل مع الأشياء على أساس التجديد والإعداد والترتيب والدراسة، وتحديد النتائج . إن ما يستوقفنا حقيقة هو تعدد الجماعات والجمعيات المتباينة في أساليب عملها، بجانبها مؤسسات أخرى رسمية لها نسقها الخاص بها. ولا يمكن بحال نفي صفة الصحوة على المؤسسات الرسمية التي نشأت على أيدي رجال الصحوة الإسلامية، وبفضل مجهوداتهم فقياديو الجماعات الإسلامية بالمغرب تتلمذوا على أيدي هؤلاء الفقهاء ولقد عبرت إحدى الجماعات المغربية عن رشدها وتوجهها المعتدل حينما غيرت اسمها ” الجماعة الإسلامية” كي لا يفهم من هذا الاسم أنه إقصاء أو نفي لإسلامية غيرها وتخلت عنه لفائدة اسم جديد هو ” الإصلاح والتجديد” واتحدت فيما بعد مع تيار الرابطة ليؤسس لتجربة وحدوية جديدة تحت مسمى “التوحيد والإصلاح”. ويعتبر الدكتور الريسوني مفهوم الصحوة الإسلامية أعم من الجماعة الإسلامية… الصحوة الإسلامية تمتد إلى عموم الناس ممن لا يقومون بجهود تذكر من أجل الدعوة، لكن انتقلت إليهم الصحوة الإسلامية فانعكست في سلوكهم، وفي تدينهم، في مظاهرهم، في لباسهم، في سلوكهم الاجتماعي، في تعبيراتهم الاجتماعية .
ب- التصورات والرؤى المذهبية في المجال النقابي:
في تشخيصه لمشاكل الأمة يرى الأستاذ عبد السلام ياسين أنها متشعبة، كما أن مهمات البناء ثقيلة وحددها في مشكلات سياسية واجتماعية وأخرى مرتبطة بالفساد السياسي والاجتماعي… أما مهمات إصلاح هذه الأوضاع فيكون بعد ” القومة” مثل الجبال، ويقترح ضرورة إشراك الشعب المستضعف والتائبون من كل الطبقات. يقول عبد السلام ياسين” وعندما يستفحل وباء الرأسمالية ويطوق عنق العامل والفلاح والشعوب المستضعفة بطوق هيمنته ليمص الدماء نقوم إن شاء الله القومة الكبرى ومن ضمنها القومة الاقتصادية” .
وهذه القومة في حاجة إلى جهاد سياسي وجهاد التنفيذ. والمقصود بالتنفيذ نهوض الجماعة القطرية لتعلن نفسها أو تسر وجودها ثم لتزحف إلى الحكم وتستولي عليه وتعيد ترتيب البيت وتوجه المسار وتعرف المعروف وتأمر به بعد أن تنكر المنكر وتطيح به . وتم تحديد إمكانات العمل التنفيذي في ثلاثة خطوط أساسية: 1- الدخول في تعددية الأحزاب والترشيح للانتخابات وما يقتضي هذا من علنية العمل والمرونة الدائمة وطول النفس 2- الخط المتميز والقوة والتمرد والرفض 3- خط التنفيذ بالقوة بعد أن يتم الإعداد . تنهيج الدعوة عند الجماعة كما يعبر عنه محمد ضريف يستوجب أمرين ” تفعيل” الممارسة و” تحيين الخطاب”، وتفعيل الممارسة يفيد توسيع مجال الدعوة، وتراهن الجماعة على ” جماهيرية” الدعوة وتحرص على توسيع مجالها كي ” تصل إلى المدارس والجامعات والنقابات والتعاونيات، والجمعيات المهنية، والثقافية والنسوية، واتحاد الرياضة والشباب، وما إلى ذلك من المنظمات والتجمعات الموجودة فعلا” وتتحقق هذه الجماهيرية عبر التغلغل في أوساط الشعب، فمكان المؤمن في مجالس الناس ونواديهم وكلمته ” لكل من لقي عضوا في تنقلاته في الحافلة، وفي مدرسته، ومكتبته، ومعمله، وجواره، وشارعه …. ولا يترك الفرص تأتي عفوا بل يهيئها بقصد الناس”.
ولا بد من مراعاة طبيعة الجماهير التي تفترض ضرورة تحيين الخطاب مما يستلزم منح الأولوية للمسألة الاجتماعية. ومحورية المسألة الاجتماعية تأتي من ضرورة إبراز شمولية الإسلام: إسلام يهتم بالدين، والدنيا، بالسماء والأرض، وإظهار فاعلية الإسلام. جاء في المنهاج” فالعمال تحت الفتنة ينتظرون أن يوفر الإسلام عملا، الجائعون يريدون خبزا، المحرومون يريدون إنصافا، الشباب يريدون تعليما ومستقبلا…. الفلاحون يريدون أرضا، الكل يطالب” . كما تستوجب محورية المسألة الاجتماعية تبيان واقعية الإسلام. وعلى جند الله إبرازا لواقعية الإسلام أن يميزوا بين خطاب الإحسان والإيمان، وخطاب الإسلام، واستحضار الحقيقة الثابتة ” أنه في أذن الجائع لا يسلك إلا صوت يبشر بالخبز، في وعي المقهور المحقور لا يتضح إلا برهان الحرية… فمن كان شغل يومه ونهاره هم القوت، والمأوى، والكسب، والشغل، والدين، ومرض الأطفال ومصير الأسرة ، لن يستمع لعرض المبادئ العليا ولو كانت دينا يؤمن به، لا وقت له، لا استعداد، لا مناسبة” .
السؤال الذي يطرح بإلحاح ما منهاج الإسلام في السياسة والاقتصاد، والاجتماع، والتربية، والتعليم، والصناعة، والتجارة، يجيبنا ذ عبد السلام ياسين” نحن بحاجة لخطاب يبلغ الأسماع ويخرق الحصار الإعلامي. أقصد نظرة اجتهادية إسلامية شاملة شمولية تبين للمثقف والعامل، والفلاح، والرجل، والمرأة، والصديق، والعدو كيف يصبح القرآن وهو طلبة المسلمين المستضعفين قانونا عمليا يوجه الحياة اليومية ويقسم الأرزاق وينظم الاقتصاد ويصنع البلاد وينصر دين الله في الأرض” .
اهتمام حركة التوحيد والإصلاح بالمجال السياسي يأتي إيمانا بأن الإسلام حكمه في كل شأن من شؤون الحياة علمه من علمه ، وجهله من جهله، ونابع من كون السياسة تتداخل مع حياة الناس اليومية وتوجه أفكارهم واهتماماتهم وتشجعهم ضد أشياء أو لصالح أخرى. ولا يجوز إبعاد الإسلام عن الشأن العام. وقد أنزله الله تعالى شاملا وكاملا ليحكم الإنسان عامة . والحركة ترى أن الأزمة التي تعيشها الأمة اليوم أزمة حضارية شاملة تحرص على العمل في إطار الشرعية الدستورية تأكيدا منها على رفض التوجه الانقلابي الذي يقوم على منازعة الحكام، وهذا لا ينفي أن للحركة مطالب تتعلق بإصلاح الأوضاع الدستورية للمملكة وإصلاحها في أفق يحقق توازنا في السلطات، وفي الواجبات، والحقوق التي هي ملك للحاكمين والمحكومين عليهم… .
فالتغيير الحضاري في مقابل التغيير السياسي الانقلابي يتطلب اتخاذ كافة الأساليب المتاحة شريطة 1- أن تكون الوسيلة جائزة شرعا مع مراعاة أن بعض الوسائل هي محل اختلاف علمي في جوازها وعدمه. كما أن بعض الوسائل يختلف جوازها وعدمها باختلاف الأحوال. فإذا كانت الوسيلة من هذا القبيل أو ذاك وجب عرضها على أهل العلم بالدين والواقع 2- أن يمر العمل بها عبر التشاور والإقرار الجماعي وذلك حرصا على ما يزيد من ضمان المشروعية، وعلى ضمان الرشد والصواب والسلامة في الاستعمال الظرفي .
ولا اختلاف بين اجتهادات الحركة الإسلامية بالمغرب حول أهمية العمل النقابي بصفته وسيلة ناجحة من وسائل إحقاق الحق ورد المظالم لأصحابها. لأنها من أمر صلب الدين، فهذا المجال يجب تأصيله في مبادئ الإسلام الداعية إلى العدل والمساواة والمحرمة لكل أنواع الظلم والاستبداد، والغش، والاحتكار. ولقد حدد ميثاق حركة التوحيد والإصلاح المقصود بالمجال النقابي في ” مختلف الجهود التي ترمي إلى إنصاف العمال والمستخدمين والطلاب والحرفيين وغيرهم، وتحسين أوضاعهم والدفاع عن حقوقهم، ورفع الظلم عنهم. كما ترمي إلى ترشيد العمل المهني ليتسم أكثر فأكثر بالإخلاص والإتقان والأمانة في العمل، ويتم بروح التفاهم والإنصاف بين أطرافه” .
والحركة برؤيتها الشمولية للعمل ينبغي ألا تهمل العمل النقابي” ليس غيرنا بأولى منا في التحدث عن حقوق العمال والطلاب والنساء وسائر فئات المجتمع المحرومة والمظلومة لأن الإسلام دين العدل” ولقد حددت لهذه الغاية وسائل منها:
*- إجراء الأبحاث ونشر الدراسات التي تؤصل للعمل النقابي وتصفي مفرداته وشعاراته وخطابه مما يخالف آداب الإسلام ومقاصده.
*- اتخاذ إطار قانوني يتبنى التوجه الإسلامي في هذا النوع من العمل .
ذ.عبد السلام ياسين بعد أن أصل لمفهوم العمل وأهميته في الإسلام أكد على حقوق العمال ” يجب أن تعطى للعمال حقوقهم الفردية فيما يخص الأجرة العادلة، وظروف العمل، ومؤونة الأسرة، وصيانة الصحة، وتربية المهارة، وترقية المرتبة، وتوقيت الشغل…. إلى أن يقول إن اقتصر القانون على تسمية الحقوق الفردية وترك التطبيق لإرادة المشغلين فستؤول النزاعات الفردية بين العامل ومشغله إلى الحل التعسفي الذي يأكل القوي بمقتضاه الضعيف. كان العامل عسيفا، ويكون تحت نظام جاهلي، وتقاس إسلامية الدولة برفعها العسف عن العامل ” . وفي نفس الفصل عرف بالنقابة وحدد مهامها يقول ” يجب أن تقوم النقابة تحت ظل دولة القرآن بغير المهام التي تقوم بها نقابات الشيوعيين من كونها أداة من أدوات الدولة. ويجب أن تسلك أسلوبا غير أسلوب الإضراب والعنف الذي تسلكه نقابات الرأسمالية وأصحاب الشغل… نقابات تفاوض، وتضغط معنويا وقانونيا، لا نقابات رفض وتخريب. وعلى الدولة أن تقدر المصلحة وتحمي العسيف لتلتقي بواجبها في الجمع بين مصلحة الأمة كلا ومصلحة المستضعفين عضوا حيويا في الأمة، تضيع الأمة بضياعه، وظلم العسيف خراب” .
مشروع طلبة الميثاق نص بدوره على المطالبة بحرية العمل النقابي والسياسي ” فالميثاق عبارة عن مجموعة من القواعد والضوابط التي نريدها أن تضبط واقعا وتنظمه… إنه بمثابة عقد أدبي ينظم واقع التعددية بمعايير أخلاقية وإنسانية وديمقراطية” . والميثاق لا يعتبر نفسه بديلا عن مبادئ المنظمة ولا تجاوز لتقاليد وأعراف الاتحاد ( أ– و- ط-م ) بل هو إغناء وإضافة لهذه المبادئ وتلك الأعراف. وأكد على عدم الفصل بين السياسي والنقابي ” إن مهمة العمل النقابي تستهدف من بين ما تستهدفه إدماج الطالب في ديناميكية النضال من أجل حقه في العيش الكريم والتعليم، وحرية الاختيار، والانتماء السياسي. والغاية من هذه المبادرة التعبير عن حركية المجتمع الطلابي في الانبثاق السياسي والاختيار الحضاري الداعي إلى حركة نضالية تداولية لمفردات العمل النقابي على أساس ترتيب مقولات الصراع التي تنطلق لتؤسس لإجماع طلابي فصائلي كحد أدنى يسمح للمنظمة بإقلاع تنتظم فيه كل الاجتهادات على قاعدة الحوار والمنافسة الديمقراطية، والمطارحة البرنامجية من موقع وحدة الاستضعاف ووحدة الانتماء للإطار العتيد والولاء للتراث الكفاحي للمنظمة وخطها الجماهيري…. وطلبة الميثاق كخط مناضل في الجامعة المغربية نتمثل أنفسا خطا نقابيا جماهيريا لا يرسم حدوده بإيديولوجيته ورهاناته، بل نسعى على الدوام أن نكون خط كل المستضعفين الذين ينشدون الأفضل” .
حاول ميثاق العدل والإحسان أن يحدد موقعه من الحركة الطلابية ، وأبرز الهدف والإرادة وراء تبني شعار” العدل والإحسان ” فالعدل والإحسان” ليس اسما يميز الفصيل عن غيره وإنما شعار يلخص البرنامج الواضح والمتمثل في العدل الاجتماعي والاقتصادي والقضائي… وأن تكون الإرادة والقضاء في خدمة العجوز المسكينة البدوية كما يكون في خدمة المتعلم والغني والحاكم… وعدل الشريعة بعدل القاضي والحاكم. أما بخصوص المرجعية الفكرية لهذا الفصيل فهي المنهاج النبوي الذي يقترحه عبد السلام ياسين المتسم بخصائص الوضوح والشمولية والأصالة والإجرائية والمستقبلية. وبعد تحديد الهوية والمرجعية الفكرية والمبادئ نجد المطالب ومن أهمها وحدة الحركة الطلابية التي اعتبرها الفصيل مسألة حياة أو موت. أما الأهداف النضالية فهي الحرية، الكرامة، والعدل. عبارة جامعة ومطالب نقابية أساسية: “حرية العمل النقابي كرامة الطالب وحرية الجامعة. حقوق الطالب المادية والمعنوية”. فما هو الخط النضالي لهذا الفصيل وسط تناقضات الواقع النقابي؟ جاء في الميثاق ” لا يتسع المجال هنا لبسط الحديث بتفصيل عن ” النقابية الجديدة” البديل النظري والعملي للاختيارات المفلسة والعاجزة، لذلك نكتفي هنا بذكر محددات هذا الخط النقابي الجديد: المسؤولية، ورفض العنف، عدم الرضى بأنصاف الحلول، الثبات في الميدان تحملا ومرافعة” .
الطلبة التجديديون الذين أعلنوا عن أنفسهم كفصيل بتاريخ 26 فبراير 1992م يرون أن وضع ” البرنامج” ينبغي أن يسبق ” الميثاق” بخلاف العدل والإحسان. وبناء على ذلك أصدروا برنامجا نقابيا يتكون من مدخلين وأرضيتين الأولى سياسية والثانية نقابية. ومساهمة منه في تجاوز الأزمة سجل الفصيل حضوره المباشر في رسم معالم التاريخ الراهن للحركة الطلابية المغربية وحمل شعار تجديد الفهم والممارسة النقابيين من أجل تصحيح المسار النضالي. هذا التحديد الذي لا يمكن أن يؤتي أكله إلا على أساس الوضوح والمسؤولية. وأكد الفصيل على احترامه لتوجهات كل الأطراف مع احتفاظه بحق انتقاد الآراء والمواقف واستعداده المبدئي للتعاون معها- الأطراف الطلابية- على أساس النقاط البرنامجية المشتركة… ومطلبيا الدفاع عن حرمة الجامعة وتثبيت الحق النقابي، ومواجهة حالة التردي وكل خطوات الإجهاز على المكتسبات الطلابية… تصفية الملفات المطلبية المحلية والوطنية… . ولقد تمت الوحدة بينه وبين فصيل ” رابطة المستقبل الإسلامي” أعلن عن هذه الوحدة في صيف 1996م. فأصدر الفصيلان وثيقة الإعلان عن تأسيس الفصيل” واستشعارا لمسؤوليتها واستحضارا لرصيد التجربة المشتركة والأعمال والمجهودات الوحدوية بين طلبة الحركتين سابقا لأزيد من عقد من التفاعل والتي توجت بالوحدة الاندماجية العامة ” فإننا عن طلبة الحركة الجديدة” حركة التوحيد والإصلاح” نعلن عن تأسيس فصيل طلبة ” الوحدة والتواصل”.واعتبرت وثيقة الإعلان عن تأسيس الفصيل أن الانخراط في هذا المشروع يفتح مرحلة جديدة في العمل النقابي الطلابي على قاعدة مرتكزي الوحدة والحوار. وأكد الفصيل عن المهام النضالية المرحلية التالية نركز على أهمها: على المستوى المطلبي حيث اعتبر أن النضال المطلبي هو جوهر الممارسة النقابية الرامية إلى توفير شروط التحصيل والبحث العلمي. أما على المستوى التنظيمي فالفصيل يؤكد على العمل على بناء هياكل المنظمة وفق مقررات المؤتمر السادس عشر. والعمل على تأمين الشروط الديمقراطية والجماهيرية لنزاهة ومصداقية الانتخابات، ونبذ أشكال العنف والإقصاء والتشهير ومواجهتها باعتماد آليات الحوار الديمقراطي والمحاسبة الجماهيرية. كما أكد الفصيل على المستوى السياسي على مطلب الانتقال الديمقراطي في إطار المرجعية الإسلامية وذلك بتجسيد دولة الحق والقانون، ودعم مؤسسات المجتمع المدني، وتوفير الشروط القانونية والسياسية لممارسة الحريات العامة والكف على تزييف الإرادة الشعبية وتزوير الاختيارات الجماهيرية .
وعرفت الساحة المغربية ميلاد منظمة التجديد الطلابي والتي تقر بأن التجربة الطلابية الإسلامية بالجامعة المغربية منذ أواسط الثمانينات، حققت إنجازات مقدرة لمصلحة الطلاب والجامعة والصحوة الإسلامية، خصوصا في السنوات الأولى لتبلورها وتشكلها التنظيمي داخل الاتحاد الوطني لطلبة المغرب…. إلى أنها وصلت إلى وضعية الأزمة الحادة في الظرف الراهن وهو ما تشهد عليه عدة مؤشرات من أهمها العجز الراهن عن صيانة الرصيد الجماهيري وتأهيل الجسم الطلابي الملتف حول الصحوة الإسلامية بالجامعة. الفشل في تدبير إيجابي للعلاقات بين الأطراف الإسلامية وإخفاق مبادرات العمل المشترك على إرساء عمل وحدوي جامع… القصور البين في تحقيق مشروع جماعي لبناء المنظمة النقابية الطلابية. وأمام الفشل في إنجاز مهمة بناء حركة طلابية قوية فاعلة في معركة الإصلاح الوطني والتغيير الاجتماعي والانتقال الديموقراطي، فضلا عن الاصطفاف لصالح جهود الدفاع عن الهوية الإسلامية والحضارية للمغرب… وأمام انسداد خيار حل الوضعية القانونية للمنظمة الطلابية أ. و. ط. م بفعل السقوط في المبادرات الانفرادية والإقصائية والفوقية تأتي هذه المبادرة ويتم التأسيس لمنظمة مدنية شبابية تعنى بشؤون الشباب الجامعي وتسعى للمساهمة في تأهيله للقيام برسالته في المجتمع عبر الإشعاع الدعوي والتأطير الثقافي، ودعم التكوين والبحث العلمي، والنضال المدني لصالح قضايا الطلاب والجامعة، والتنشئة السياسية والتأهيل على قضايا الشأن العام. وتقوم المنظمة على مبادئ أربعة: الحوار، العلم، التجديد، والنهضة.وتعمل المنظمة حاليا في الساحة الجامعية، كما تقوم بتأطير الطلبة، وقد سجلت أهم أعمالها الصحافية الوطنية، وتعد هذه التجربة نوعية بالمغرب.( للمزيد من الاطلاع يمكن متابعة والرجوع إلى البيان العام للمؤتمر التأسيسي، وكذا الأرضية التأسيسية للمنظمة).
2 الحركة النقابية الإسلامية بين الخطاب والممارسة
تكتسي النقابة في عصرنا الحالي أهمية كبرى لما تقوم به من دور في توطيد ركائز المجتمع المدني، وضمان الاستقرار الاجتماعي وما تقوم به من مبادرات في حل مشاكل العمال ودراسة أوضاعهم والدفاع عن حقوقهم. وتعتبر النقابات إحدى المؤسسات التي تساهم في ضمان الاستقرار الاجتماعي، وخلق التوازن، والتوافق، والإصلاح في الحياة الاجتماعية. وإذا ما تتبعنا الممارسة النقابية للحركة الإسلامية فإننا نجد مفارقة كبيرة بين خطابها وفعلها اليومي في الساحة، وذلك لمحدودية تجذرها الشعبي، وضعف أطرها المجتمعية ووجودها القليل في المؤسسات الاجتماعية( النقابات- الجمعيات) ويمكن الحديث عن تواجد متصاعد في العديد من القطاعات في الآونة الأخيرة. فما السر في ضعف العمل النقابي داخل بعض القطاعات( القطاع الخاص، القطاع المهني، القطاع العمالي..)؟ وكيف يمكن تنزيل الخطاب للواقع والتفاعل معه وتوضيح الرؤية للشغيلة؟ وما هي الآليات لتجاوز الأخطاء والوقوف في توجيه التحديات المعاصرة والتنظيمية؟ وهل بالإمكان التطلع لعمل نقابي موحد بين الفصائل الإسلامية؟
أ- الحركة النقابية بين منطق الرفض ومنطق المشاركة
نكاد نجزم أن الخط العام للسلوك النقابي عند الحركة الإسلامية هو خط المشاركة والخلاف يبقى حول شروط المشاركة وتوقيتها وصيغتها. فتجسيدا لمبدأ السرية تقبل جماعة العدل والإحسان بمبدأ المشاركة السياسية. ويندرج هذا القبول ضمن ما ينبغي أن تتسم به الجماعة من مرونة سياسية إضافة إلى أن هذا القبول له ما يؤصله في التجربة النبوية، وفي العمل الإسلامي المعاصر والقبول بالمشاركة السياسية ليس غاية في حد ذاته، بل هو وسيلة لتحقيق مجموعة من الأهداف منها: دفع السلطة ونخبتها إلى الافتضاح أمام الشعب، ومحاولة لاختراق الحصار الإرهابي القانوني بالدخول في المعمعة التعددية والانتخابية، ومزاحمة الآخرين على كسب الرأي العام، والاستفادة من التسهيلات الرسمية في التحرك هي مزية التضييق على الإسلام الرسمي وإسلام الأحزاب السياسية .
وبالرغم من أهمية العمل النقابي فما زالت المواقف متباينة تجاه الانتماء للعمل النقابي، وهذا ما يسبب في ضعفه، فإلى جانب افتقاره للمعيار الموضوعي والقيم المعنوية. فإن ضعف الإيمان بالنقابية لا يزال مهيمنا على أغلب الشغيلة بدول العالم الثالث وفئة كثيرة من أبناء الحركة الإسلامية. والخطاب الإسلامي يحكمه منطقان يلازم كل واحد منهما إحدى الرؤيتين التغيريتين: الرؤية الحضارية والرؤية الانقلابية، وذلك فيما يتعلق بأسلوب التعامل مع المجتمع الذي من حول الداعين بأفراده ومؤسساته.
الأول: منطق رافض لأي شكل من أشكال التعامل مع المؤسسات الاجتماعية والسياسية القائمة بما فيها النقابات على اعتبار أن في ذلك
إقرار بمفاسدها، وهذا ما يبرر عجز وضعف تواجد أبناء الحركة الإسلامية داخل المنظمات النقابية.
المنطق الثاني: قائم على المشاركة والمدافعة على الإقرار بنصيب الخير الذي يوجد في المجتمع، والعمل على توسيع دائرته ما أمكن. فالعمل النقابي لا يسعى إلا لخدمة الصالح العام، والدفاع عن مصالح الأمة، وتحقيق إنسانية الإنسان.
وإذا كان المنطقان يستندان إلى أدلة من الشرع الحنيف، فإن تغليب جانب المشاركة بضوابطها الشرعية في وقتنا الحاضر ضرورة لازمة لكل أبناء هذا الوطن. إن المعارضة الإسلامية كما بينها ذ: محمد يتيم لا تتحول إلى معارضة آلية ولا إلى مساندة غير مشروطة، ويصعب على من يزن الحركة الإسلامية التي تنطلق من هذا التصور أن يفهم مواقفها التي قد تتراوح أحيانا بين المشاركة والمساندة على الخير وبين النقد والمعارضة في مواقف أخرى .
لقد تجسدت المشاركة النقابية بشكل ملموس في القطاع الطلابي( كل الفصائل) والقطاع المهني داخل الاتحاد الوطني للشغل بالمغرب( التوحيد والإصلاح)، في حين ما زالت الفصائل الأخرى متحفظة أو تعمل داخل إطارات نقابية.
تواجد أبناء الحركة الإسلامية ( أعني بالخصوص حركة التوحيد والإصلاح) داخل الإطارات جاء بتلقائية وكان القصد منه المشاركة والتفاعل مع المؤسسات النقابية والاجتماعية والاستفادة منها. لكن عقلية الإقصاء والتهميش، وغياب الديمقراطية أدت إلى انسحابات جماعية احتجاجا على تصرفات تنعدم فيها أبسط القواعد الشورية، فهناك سقف تنظيمي لا يمكن تجاوزه إلا بشرط الانتماء للحزب أو العمل في إطار الإستراتيجية الانتخابية الحزبية الضيقة، يضاف إلى كل هذا الحساسية الإيديولوجية المفرطة ضد “الإسلاميين”. وهنا نتساءل عن سر استمرار مجموعة من الفاعلين الإسلاميين داخل هذه الهيئات، وعدم التحاقهم بإطار قريب من قناعا تهم ويتبنى المذهبية الإسلامية لهذه المكونات. كما لا نخفي حقيقة عدم وجود رؤية نقابية واضحة المعالم عند أغلب الجماعات الإسلامية. فخطاب هذه الجماعات باستثناء المواثيق المتعلقة بالطلبة مفقود ولا وجود له. وهكذا تأتي الممارسة النقابية عشوائية ولا نعرف مسارها ولا معالمها.
إن الممارسة النقابية للفاعلين الإسلاميين تحتاج إلى وقفة للتأمل، والذي يمكن اعتماده لإبداء ملاحظات أو إثارة قضايا تتعلق بالعمل النقابي ينحصر في تجربتين، تجربة العمل الطلابي، والعمل داخل الاتحاد الوطني للشغل بالمغرب باعتباره اختيارا جديدا لأبناء حركة التوحيد والإصلاح. أما تجربة الأفراد الشخصية داخل النقابات الأخرى( ك- د- ش) أو الاتحاد العام للشغالين – الاتحاد المغربي للشغل… فلا يمكن حصرها ولا معرفة إيجابياتها أو سلبياتها بشكل موضوعي لأنها تجربة أشخاص فقط، وتبقى مع ذلك تجربة رائدة ومفيدة وغنية.
وسنحاول جهد المستطاع رصد بعض سلبيات العمل النقابي الطلابي مؤكدين بدءا أن هذا العمل ينبئ عن نضج فكري ونضالية رائدة في الحقل الحقوقي، كما أنه خلق تدافعا حضاريا تتفاوت أشكال التعاطي معه بحسب الموقع والقدرة على الريادة للحركة الاحتجاجية، والسير بالحركة الطلابية إلى بر الأمان. ولا ندعي لأنفسنا القدرة على الإلمام بالموضوع ومناقشة كل جوانبه بقدر ما نثير العديد من التساؤلات، وإثارة بعض القضايا المرتبطة بالشأن النقابي.
فالكل يعرف حق المعرفة أن الممارسة النقابية الطلابية تعوقها أسباب موضوعية تتمثل في عملية القمع اليومي والانتهاكات المفضوحة للحريات داخل الحرم الجامعي، مما يتطلب الدفاع عن حرمة واستقلالية الجامعة وعن شرعية العمل النقابي داخلها، وتوفير شروط التحصيل العلمي مع إيقاف ظاهرة الميوعة والانحلال الأخلاقي التي تنخر الجسم الطلابي مشكلة تهديدا للقيم النضالية للحرم الجامعي ولأعراف وتقاليد الحياة الجماعية القائمة على المسؤولية والجدية والاحترام، والحرية والوعي. وهناك أسباب ذاتية وجب على الطلبة تجاوزها بإحداث روح جماعية للحوار وتقديم المصلحة العامة على الفردية. فالحركة الطلابية تتجاذبها ثلاث مسارات الأول يطرح خيار الهيكلة ويمثله فصيل طلبة العدل والإحسان، والثاني: يعمل في تجاه خيار التوحيد ويمثله فصيل الوحدة والتواصل سابقا منظمة التجديد الطلابي حاليا، وطلبة الميثاق، وطلبة الديمقراطيون، والثالث: يتجه إلى التأطير الميداني للطلاب وتقوية الذات الفصائلية يمثله الطلبة القاعديون، والطلبة الاتحاديون، وطلبة الحركة الأمازيغية .
إن الفصائل الإسلامية لم تستطع رغم هيمنتها على أغلب الجامعات بالمغرب وتواجدها فيها منذ مدة ليست باليسيرة أن تمثل البديل الفعلي والواقعي أو تحقق فكرة ” جماهيرية الدعوة” بقدر ما أحدثت بعض فصائلها نفورا من العمل النقابي عموما بسبب المشادات الكلامية والاتهامات، والاتهامات المضادة التي كانت الغاية منها في غالب الأحيان احتلال مواقع أو التسابق إليها. وهكذا عجزت الفصائل الإسلامية عن تطبيق مشاريعها، فلم يتحقق ما سمي بالتربية النضالية للجماهيرية الطلابية. كما أن الفصائل لم تطبع العلاقة بينها. وإن كانت هناك بوادر التنسيق، إلا أنه سرعان ما تبخرت بإقدام فصيل” العدل والإحسان” السير قدما من أجل عقد مؤتمر الاتحاد الوطني لطلبة المغرب، وهذا ما أسفرت عنه أعمال اللجنة التحضيرية للجنة التنسيق الوطني. وقد صدر بيان لفصيل ” الوحدة والتواصل” لم يعترف بنتائج أي خطوة انفرادية، كما اعتبر خطوة تأسيس لجنة التنسيق الوطني مجانبة للصواب ولا تحقق المقاصد الكبرى للعمل النقابي. وتضر بقيم التعاون والتعايش بين مكونات الحركة الطلابية وتهدد وحدتها وتماسك إطارها النقابي.
واعتبر القطاع الطلابي لمنظمة العمل الديمقراطي الشعبي ،هذه المبادرة في إبانها، ميتة وتدخل ضمن المزايدة السياسية. أما قطاع الاتحاديين فرأى أن ما يجري الإعداد له هو مؤتمر طلبة العدل والإحسان. وذهب طلبة حزب التقدم والاشتراكية إلى اعتبار الخطوة قرصنة لترا ث”أ-و- ط- م”. وذهب فصيل الوحدة والتواصل أبعد حينما اعتبر هذا الفعل سرقة موصوفة ل أ- و- ط- م . وأن الإجراءات المتخذة ستنقل الصراع حول أ- و- ط-م- من باحة الجامعة إلى أروقة المحاكم ومن الصراع الدموي والتقاطب السياسي إلى النزاع القانوني والقضائي. وفي كل الأحوال سوف لن ينتهي النزاع بإقرار ملكية هذا الطرف أو ذاك ل أ- و- ط- م- بل سوف يكون قرارا موضوعيا بدخول الحركة الطلابية دوامة العنف والتشتت وعندها يكون الرابح هو الفوضى والعنف والإجهاز على مكتسبات الجامعة. في حين يرى فصيل العدل والإحسان أنه أعطى الفرصة الكافية للفصائل للالتحاق بالمبادرة، وأن المنظمة مفتوحة في وجه الجميع وتنظم سنويا انتخابات نزيهة وحرة وشفافة، … والصندوق حكم. الرد جاء من مسؤول الوحدة والتواصل الذي اكتوى بنار التزوير والفساد الانتخابي، وعندما لم يعد الأمر يطاق بادر الفصيل إلى المقاومة العلنية من داخل المبادرة، فكانت تحليلات اليسار بقصر نظره مجرد صراع بين الإسلاميين، ولم يدركوا أن المسألة إنما هي صراع حضاري بين الفساد الانتخابي والإصلاح الديمقراطي، صراع بين التزوير وبين الديمقراطية، بين النضال من أجل تثبيت استقلالية الجامعة، ومنع ارتهانها لأي توجيه خارجي رسمي أو حزبي، وبين جنوح محموم لإخضاع الجامعة للجماعة ورهنها باختيار سياسي .
ومهما تكن وجهات النظر فإن هذه المبادرة تبقى مقترحا عمليا بالرغم من المجازفة الانفرادية، والمغامرة السياسية التي تفتقر إلى الشروط السياسية الضرورية، والسند الجماهيري لإنجاح المبادرة. لقد بقي العمل النقابي للفصائل الإسلامية مرتهنا بنفس التقاليد والأدبيات والممارسات التي ترعرعت داخل الفضاء الجامعي، ودخل في متاهات لن يخرج منها إلا باستهلاك لمواضيع يصعب الحسم فيها. وهكذا حسب وجهة نظرنا المتواضعة أعادت الفصائل الإسلامية تجربة اليسار، ونفرت من التعاطي للعمل النقابي، الشيء الذي أفاد أعداء الديمقراطية.
إن الساحة النقابية في حاجة إلى أساليب جديدة، ورؤية جديدة، وخطوات جريئة لمواجهة التحديات بعيدا عن الممارسات المستهلكة تاريخيا والتي لن تفيد الطالب، ولن تساهم في تكوينه، ولا تشكل وعيه، بل تدفعه إلى الانطواء والعزلة القاتلة فيفقد الثقة في كل شيء، وتعتبر هذه الحالة النفسية قمة الاستهتار. وسيعيد التاريخ نفسه مرة أخرى مخلفات فشل المؤتمر 17 حيث غرقت المنظمة الطلابية في الفوضى التنظيمية، مما فتح المجال للسلطة لكي تواصل تضييقها على الجامعة من خلال ترسيخ الحرس الجامعي منذ 15 شتنبر 1981ومواصلة قمع نضالات الطلبة، وإنزال مشاريع دون استشارة المعنيين بها… الشيء الذي خلف نقاشات سفسطائية لن تنتهي إلا بإقرار طاحونة الكلام المكرر والاستماع لنفس الأسطوانة المشروخة. وأصبح أكيدا عند كل ذي لب أن الفصائل الإسلامية أعادت نفس المعزوفة بإيقاعات جديدة، لا تقل خطورة عن مثيلاتها السابقة أيام هيمنة اليسار. ومما يزيد الطين بلة الممارسات اللامسؤولة لتيارات العنف في حق الطلبة الإسلاميين التي أربكت أداءهم، وساهمت في طغيان عقلية التوجس والخوف من العمل النقابي عند الطلبة عموما. هذه التيارات التي لا يهمها مصلحة الطلبة خلقت معارك هامشية حاولت من خلالها إخفاء عمل التيار الإسلامي الذي يحتاج إلى المرونة والتعقل وإذكاء روح المسؤولية، والعمل الجماعي الوحدوي عوض الفصائلي. يومها تجد الفصائل الإقصائية نفسها خارج دائرة التاريخ. أما الذين يحاولون إخفاء حقيقة الصراع الداخلي بين الفصائل الإسلامية فهم كمن يريد أن يخفي الشمس بالغربال. والتجربة الحالية لمنظمة التجديد الطلابي عند أغلب المتتبعين تعتبر مبادرة بدورها إيجابية وفعل حضاري وواقعي سيساهم بلا شك في تجاوز أزمة الهيكلة التي لن تحل إلا بالتوافق، والاعتراف المبدئي بكل الفاعلين في الحقل الجامعي بمختلف توجهاتهم وتصوراتهم، توافق يراهن على التوعية، وتحمل المسؤولية كاملة عوض الإنتظارية، أما الحلم بالماضي المجيد الذي لن يتكرر، فشروطه لن تتوفر إلا في مخيلة بعض الحالمين. و تقييم تجربة المنظمة الجديدة يحتاج إلا وقت وترو قبل إصدار أحكام مجانية.
ملحوظة: تمت صياغة هذا المقال ما بين سنوات 1997 م وسنة 2004 م
المراجع :
1ـ مصطفى الخلفي: السلوك السياسي للحركة الإسلامية بالمغرب الفرقان عدد 41.
2 ــ عبد الرحمان اليعقوبي: مساهمة في التأريخ للحركة الإسلامية بالمغرب الفرقان عدد 41.
3 ــ الخلفي مرجع سابق.
4 ــ اليعقوبي مرجع سابق.
5 ــ بورجا: الإسلام السياسي صوت الجنوب ص 2.
6 ــ عبد الهادي بوطالب: الصحوة الإسلامية ص 56/57 للوقوف على مصطلح الإسلام السياسي الحركي ” المناضل” ” الصحوة” ” الأصولية” انظر ضريف محمد الإسلام السياسي.
7 ــ محي الدين عطية: أمراض الصحوة الإسلامية ص 6.
8 ــ مخلص السبتي: الصحوة الإسلامية بالمغرب الأسس المعرفية وتحليل الخطاب.
9 ــ أحمد العماري: معالم في منهج التغيير ص 93/94 بتصرف.
10 ــ د خالص السبتي ص 77 مرجع سابق,
11 ـــ انظر الحركة الإسلامية المغربية صعود أم أفول سلسلة حوارات 1 منشورات ألوان مغربية.
12 ــ ذ: عبد السلام ياسين: مجلة الجماعة ع 11 ص 39/40/41 بتصرف.
13 ــ نفسه ص 44.
14 ــــ نفسه ص: 45/46/47/50 بتصرف.
15 ـــ المنهاج النبوي ص 53 / 137.
16 ــــ نفسه.
17 ــــ نفسه ص 273.
18 ـــ الإسلام وتحدي الماركسية اللينينية ص 12.
19 ــــ مجلة الجماعة مرجع سابق ص 28/31 بتصرف.
20 ـــ ميثاق حركة التوحيد والإصلاح ص 84.
21 ـــ ذ: محمد يتيم: الفرقان ص 32 وكذلك البيان التأسيسي لحركة التوحيد والإصلاح.
22 ــــ د: أحمد العماري مرجع سابق ص 140/141.
23 ــــ نفسه ص 86.
24 ـــ ميثاق حركة التوحيد والإصلاح ص 84/85.
25 ــــ نفسه.
26 ــــ ذ: عبد السلام ياسين: في الاقتصاد البواعث الإيمانية والضوابط الشرعية ص 177/184 بتصرف.
27 ــــ نفسه ص 184/ 185.
28 ـــ منشور لطلبة الميثاق: انظر أيضا الحركة الطلابية المغربية امحمد ضريف.
29 ــــ نفس المنشور/ طلبة الميثاق ص 2/3/4/5/6.
30 ـــ محمد ضريف: الحركة الطلابية المغربية.
31 ــــ الطلبة التجديديون: البرنامج النقابي الأرضية النقابية.
32 ــــ وثيقة الإعلان عن تأسيس الفصيل.
33 ــــ ذ: عبد السلام ياسين: المنهاج النبوي ص 412/413 وأيضا محمد ضريف: جماعة العدل والإحسان قراءة في المسارات ص 27.
34 ــــ ذ: محمد يتيم: أوراق في منهج التغيير الحضاري الراية عدد 68/69.
35 ــــ انظر الراية عدد 327.
36 ـــ انظر العصر ع: 197

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *