حماية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة : من التدبير التكافلي إلى المقاربة الشمولية المندمجة
بقلم : عبد الرحيم مفكير
بمصادقته على الاتفاقية الدولية لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة والبرتوكول الملحق بها وفتحه نقاش لتفكير جماعي حول أمثل الطرق لإعمال مقتضيات تلك الاتفاقية، يتجه المغرب نحو اعتماد مقاربة شمولية لقضية الإعاقة تنتقل من المنظور التكافلي المحض إلى تعاطي شمولي تشاركي مندمج يخاطب مواطنة الشخص المعاق بما يسمح بضمان حقوقه في كليتها.
إذا كان المنتظم الدولي قد اعتمد منذ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان سنة 1948 سلسلة من الصكوك الاتفاقية التي تهتم بحماية حقوق الإنسان بصفة عامة أو بفئات معنية من الأشخاص كالمرأة والأطفال والمهاجرين والأسرى، فإن الأشخاص ذوي الإعاقة ظلوا يعانون من التمييز في شتى أنحاء العام ويتعرضون لألوان من التهميش والإقصاء داخل المجتمع، وهو ما دفع المجتمع الدولي إلى تبني صك دولي ملزم، وهو الاتفاقية الدولية لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة والبرتوكول الملحق بها والتي تنص بشكل واضع على أن حقوق الأشخاص المعاقين تعد جزء لا يتجزأ من حقوق الإنسان عامة كما تدعو إلى احترام المبادئ الأساسية المتمثلة في الكرامة والاستقلالية الفردية وعدم المييز والمشاركة التامة والكاملة واحترام مبدأ الاختلاف.
كما تجاوزت الاتفاقية حصر مشاكل الأشخاص المعاقين في الجانب الطبي المحض لتشمل القضايا المتعلقة بحقوق الإنسان ، فضلا عن ذلك، تعترف هذه الاتفاقية بأن الحواجز المجتمعية والاقتصادية والثقافية والأحكام المسبقة هي نفسها عوامل تشكل عقبة في مسار النهوض بحقوق هذه الفئة الاجتماعية.
هكذا، تهدف الاتفاقية الدولية لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة إلى “تعزيز وحماية وكفالة تمتع جميع الأشخاص ذوي الإعاقة تمتعا كاملا على قدم المساواة مع الآخرين بجميع حقوق الإنسان والحريات الأساسية وتعزيز احترام كرامتهم المتأصلة“.
وتقوم الاتفاقية على مبادئ:
– احترام كرامة الأشخاص المتأصلة واستقلالهم الذاتي بما في ذلك حرية تقرير خياراتهم بأنفسهم واستقلاليتهم؛
–عدم التمييز؛
–كفالة مشاركة وإشراك الأشخاص ذوي الإعاقة بصورة كاملة وفعالة في المجتمع؛
–احترام الفوارق وقبول الأشخاص ذوي الإعاقة بصورة كاملة وفعالة في المجتمع؛
–احترام الفوارق وقبول الأشخاص ذوي الإعاقة كجزء من التنوع البشري والطبيعة البشرية
–تكافؤ الفرص؛
–إمكانية الولوج؛
–المساواة بين الرجل والمرأة؛
–احترام القدرات المتطورة للأطفال ذوي الإعاقة واحترام حقهم في الحفاظ على هويتهم.
أما البروتوكول الاختياري الملحق بالاتفاقية في نص على اعتراف “الدول الأطراف في البرتوكول باختصاصات لجنة حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة بتقلي البلاغات من الأفراد أو مجموعات الأفراد أو مجموعات الأفراد أو باسم الأفراد المشمولين باختصاصاتها والذين يدعون أنهم ضحايا انتهاك دولة طرف لأحكام الاتفاقية“.
وقد كان المغرب من أوائل البلدان التي وقعت على هذه الاتفاقية بتاريخ 30 مـارس 2007، معبرا بذلـك عن التزامه بالنهوض بحقوق الأشخاص المعاقين وحمايتها. وصادقت المملكة على الاتفاقية في 8 أبريل 2009 في أعقاب قرار صاحب الجلالة الملك محمد السادس بالمصادقة على الاتفاقية في الرسالة الملكية الموجهة إلى المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان بتاريخ 10 دجنبر 2008 بمناسبة الذكرى الـ60 للإعلان العالمي لحقوق الإنسان.
وتندرج الندوة التي نظم المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان بشراكة مع المنظمة الدولية للمعاقين“Handicap International”، في 14 ماي 2009، حول “إعمال اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة والبروتوكول الملحق بها” في هذا المنظور، إذ سعت لتقييم المبادرات الوطنية المتخذة من أجل حماية حقوق الأشخاص المعاقين بالمغرب مقارنة مع المقتضيات المعيارية للاتفاقية، وكذا اقتراح التوصيات المناسبة في هذا المجال.
وشكل هذا النشاط فرصة لتسليط الضوء على الجانب المعياري للاتفاقية والبروتوكول الملحق بها: أصل الاتفاقية وقيمتها المضافة مقارنة مع الصكوك الاتفاقية الأخرى، والمبادئ والالتزامات العامة التي تنص عليها، والحقوق التي تضمنها، ودور منظمة الأمم المتحدة والهيئات التابعة لها والدول والمنظمات غير الحكومية والمؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان والأفراد إزاء الاتفاقية، ودور التعاون الدولي من أجل تحقيق غاياتها وأهدافها. كما تم التطرق إلى آليات تفعيل الاتفاقية والبروتوكول الملحق بها: أشكال تطبيقها على المستوى الوطني من خلال وضع مقتضيات ملموسة تسمح بالتمتع الفعلي بحقوق الإنسان، والإدماج الأفقي للبعد المتعلق بالشخص المعاق في إعداد السياسات الوطنية وتفعيلها، وآليات تتبع الاتفاقية والبروتوكول الملحق بها على المستوى الوطني وعلى المستوى الدولي.
وأشار السيد أحمد حرزني رئيس المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان، إلى أن هذه الندوة الدولية التي ترمي إلى التفكير في الوسائل والطرق الملائمة لإعمال هذه الاتفاقية الأممية تهدف إلى دعم المجهود الجماعي في اتجاه تحقيق نهوض فعلي لحقوق هذه الفئة من المواطنين، معبرا عن كامل استعداد المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان باعتباره مؤسسة وطنية تستمد اختصاصاتها بموجب القانون المؤسس لها ولمبادئ باريس، للعمل بشراكة مع جميع الأطراف الحكومية المعنية والمؤسسات المختصة والهيئات المنتخبة والقطاع الخاص وكافة جمعيات المجتمع المدني.
وانطلاقا من كون قضية الإعاقة تطرح نفسها بصفتها مسألة حقوقية مثلما تطرح بوصفها مسألة مرتبطة بالتنمية الاجتماعية فقد أكد أغلب المشاركين في هذا اللقاء على ضرورة معالجتها في شموليتها باستحضار البعد الصحي والنفسي والاجتماعي والمهني والحقوقي للمعاق.
وفي هذا السياق، اعتبروا أن الهشاشة ليست مصيرا حتميا للإعاقة، إذ لا يجب أن تتحول هذه الأخيرة من عاهة ذهنية أو حسية إلى سبب للإقصاء والتهميش، مما يؤكد أهمية التعاطي الشمولي المندمج مع أوضاع الأشخاص ذوي الإعاقة.
وقد أكدت السيدة نزهة الصقلي، وزيرة التنمية الاجتماعية والأسرة والتضامن أن المملكة المغربية تولي اهتماما خاصا لهذه الشريحة من المواطنين وتعمل منذ زمن بعيد على إصدار القوانين والمراسيم المؤسسة لضمان حقوق المعاق. ويقيم في 30 مارس من كل سنة يوما وطنيا للمعاق، وأشارت السيدة الوزيرة إلى أن الحكومة المغربية عن طريق وزارة التنمية الاجتماعية والتضامن أعدت مسودة مشروع قانون يهتم بالمعاقين جاء بتعاون بين مختلف أجهزة الحكومة وجميع الفعاليات الوطنية والمحلية وعن طريق إقامة حوارات وطنية وجهوية، ومؤكدة في هذا الصدد بأن مصادقة المغرب على هذه الاتفاقية تحمل الدولة التزامات وتعهدات التي ستعمل على تحقيقها غير أن الطريق لا زال طويلا لتحقيق الهدف الذي يجعل الاهتمام بالمعاقين لا ينبع من هذه الصفة وإنما من طاقاتهم ومدى استفادتهم في جميع مجالات التنمية البشرية.
كما ذكرت السيدة الوزيرة بجميع الجهود التي قامت بها الوزارة في مجال حقوق الأشخاص في وضعية إعاقة وخاصة :
– تعليم وتمدرس الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة من خلال إحداث وخلق الأقسام المندمجة أو في المراكز المتخصصة ؛
–إعمال وتنفيذ حصة 7% في مجال التكوين المهني والتشغيل سواء في القطاع العام أو في القطاع الخاص ؛
–تشجيع الأنشطة الرياضية من خلال الفيدراليات الرياضية والجمعيات العاملة في هذا المجال.
وبخصوص التعليم ذكرت السيدة الوزيرة بالاتفاقية الرباعية الموقعة بين وزارة الصحة والتربية الوطنية ومؤسسة محمد الخامس للتضامن ووزارة التنمية الاجتماعية والأسرة والتضامن من أجل إحداث وخلق 200 قسم مندمج كل سنة الأمر الذي تم تحقيقه سنة 2008 حيث تم خلق 217 قسم مندمج.
وأعلنت السيدة الوزيرة في الختام أن الوزارة ستعين لجنة وزارية لتتبع وإعمال الاتفاقية والبروتوكول الملحق بها وخصوصا المادة 33 منه المتعلقة بالتنفيذ والتتبع على المستوى الوطني باعتبارها هيئة حكومية داخلية لتنسيق وتتبع وتنفيذ وتطبيق مقتضيات هذه الاتفاقية.
من جانبه، قال السيد جان مارك بوفان ممثل المنظمة الدولية للمعاقين إنه إلى حدود الآن تكون 60 دولة قد صادقت على هذه الاتفاقية وابتدأ العمل بها على جميع الأصعدة.
وفي مجال إعمال مقتضيات الاتفاقية أشار إلى أهمية تشجيع جميع الجهات بما في ذلك الدولة بمكوناتها والبرلمان وخاصة الوزارات المعنية بصفة أساسية كالتعليم والداخلية والاتصال والشؤون الاجتماعية وغيرها على الانخراط في تنفيذ وتفعيل هذه الاتفاقية ، وكذا تحسيس المجتمع برمته بوجوب تقديم العون والاهتمام بهذه الفئة وجعلها قادرة على القيام بمهامها بإتقان وحنكة. كما أكد ضرورة “دفع الإعلام السمعي والبصري والمكتوب بجميع أنواعه إلى المساهمة في إشراك الأمة كلها في الموضوع“
وتناولت الندوة إعمال الاتفاقية الدولية لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة من عدد من زوايا همت على الخصوص “الحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة في المواثيق الدولية لحقوق الإنسان” و “عمل الأمم المتحدة والهيئات الدولية في مجال حقوق الأشخاص في وضعية إعاقة” و”دور الجمعيات غير الحكومية والمؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان في اعتماد وإعمال الاتفاقية” و “القوانين الوطنية المتعلقة بالأشخاص ذوي الإعاقة واتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة” و “آليات الإعمال بمقتضى اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة” بالإضافة إلى الوقوف عند التجربتين الإسبانية والتونسية في إعمال الاتفاقية.
وقد ركز المتدخلون في تدخلاتهم على النقاط التالية :
–التربية على حقوق الإنسان: إذ تم التأكيد أولا على ضرورة إحداث تغيير في النظرة إلى الشخص المعاق حيث ينبغي النظر إليه كإنسان كامل الإنسانية ليس غير. وهذا يدخل ضمن مسؤوليتنا جميعا كمواطنين، وضمن مسؤولية الحكومة فيما يتعلق بالبرامج التعليمية وإدماج مبادئ حقوق الإنسان بالنسبة للشخص المعاق بها، وبالنسبة للجمعيات الفاعلة في المجال وبالنسبة لوسائل الإعلام التي لديها دور مهم تقوم به بهذا الصدد.
–السياسات العمومية: حيث لاحظ المتدخلون أن هناك مجهودات وبرامج تم اعتمادها في السنوات الأخيرة للنهوض بحقوق
الشخص المعاق، لكنها تبقى غير مدمجة في إطار خطط عمل شمولية وموحدة من جهة، وتبقى من جهة ثانية في حاجة إلى تعزيزها حتى ترقى إلى مستوى التزامات بلادنا الدولية بموجب الاتفاقية، وهنا يمكن للمجلس الاستشاري لحقوق الإنسان أن يساهم من خلال اختصاصه المتعلق بإبداء الرأي بتقديم اقتراحات في هذا المجال.
–التشريعات الوطنية: على بلادنا أن تعمل على ملاءمة تشريعاتها مع المعايير الدولية ذات الصلة، ولاحظ المتدخلون أنه رغم وجود بعض التشريعات التي اعتمدت في السنوات الأخيرة إلا أن هناك خصاصا كبيرا في هذا المجال ويجدر بالبرلمان والحكومة، ويمكن للمجتمع المدني المتخصص والمجلس الاستشاري لحقوق الإنسان أن يساهموا جميعا في هذا المجال. وينبغي استثمار الأبحاث التي أجريت في هذا المجال.
–دور المجتمع المدني: ضرورة تعزيز قدراته في المجال. وتشجيع التشبيك بين جمعيات المجتمع المدني المتخصصة ورفع مستوى الوعي لديها بالموضوع على ضوء مستجد المصادقة على الاتفاقية.
–ضرورة مراعاة والعمل على إدماج مقاربة النوع في بعده المتعلق بالشخص المعاق في كافة الأوراش الكبرى المفتوحة ببلادنا ومن بينها ورش الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والورش المتعلق بإعداد الخطة الوطنية للنهوض بالديمقراطية وحقوق الإنسان والورش المتعلق بتفعيل مقتضيات الأرضية المواطنة للنهوض بثقافة حقوق الإنسان والعمل على اعتماد دلائل لتسهيل متابعة إعمال المعايير الدولية على المستويات المذكورة سابقا.
– وبالنسبة لآلية الإعمال والتنفيذ المنصوص على إحداثها في المادة 33 من الاتفاقية اقترح المشاركون ضرورة أن تتوفر الآلية مواصفات الاستقلالية و ضمان تمثيلية جميع الشركاء ولاسيما المجتمع المدني المعني والمهتم، وكذا الأشخاص في وضعية إعاقة وخبراء في الميدان، فضلا عن مراعاة مبادئ باريس الخاصة بالمؤسسات الوطنية، وأن تكون لهذه الآلية اختصاصات حقيقية. وأضافوا أنه لابد أن تشمل اهتمامات الآلية ومجالاتها جميع أنواع الإعاقة بمقاربة شمولية دون إقصاء أي فئة وأن تتم اعتماد أسلوب التشاور الواسع في إحداث هذه الآلية، مع التفكير في إحداث طريقة أو آلية للرصد والتتبع لها امتدادات جهوية ومحلية