ملاحظات بخصوص مشروع القانون الجديد المتعلق بالدعوة لجمع التبرعات من العموم وتوزيع المساعدات لأغراص خيرية.

*
بقلم: الحبيب الشوباني.
يظهر أن مشروع القانون الجديد المتعلق بالدعوة لجمع التبرعات وتوزيع المساعدات لأغراض خيرية جاء بالعديد من التراجعات في الإطار القانوني الخاص بالعمل الإحساني والتضامني على صعيد بلادنا وكل مطلع عليه يتضح له بجلاء المقدار الزائد للتشديد والتعقيد والتقييد الذي وسم هذا النص المعروض حاليا على مجلس النواب بعد مصادقة مجلس المستشارين عليه .
هذا النص الذي إن تمت المصادقة النهائية عليه بهذه الصيغة سيضر لا محالة بما راكمه المغرب و المجتمع المغربي ومؤسساته المدنية في مجال العمل التضامني والإحساني بل سيتضرر منه المواطنون المستفيدون من تدخلات المحسنين والمتبرعين عن طريق الجمعيات المنظمة للمبادرات الاجتماعية والتي لايمكن الاستغناء عنها في مجالات حيوية جدا يسجل فيها ضعف وخصاص كبيران من حيث تدخلات القطاعات الرسمية والمجالس المنتخبة من مثل مجالات النقل المدرسي والنقل الصحي ودور الطالب والطالبة ومراكز تصفية الدم ومراكز ذوي الاعاقة ومجال توفير مياه الشرب ومياه السقي والمبادرات التضامنية مع الاشخاص في وضعية صعبة وخلال الاحداث والكوارث الطبيعية ومبادرات التشجيع التربوي والرياضي والثقافي واحداث وصيانة العديد من البنيات التحتية وغير ذلك مما تضطلع جمعيات المجتمع المدني بأدوار طلائعية فيه ولايمكن الاستغناء عنها قطعا في ظل الخصاص المذكور خصوصا في الدواوير والاحياء ذات الهشاشة وفي العالم القروي بالخصوص.
لسنا ابدا ضد التنظيم والضبط القانوني لهذا المجال ولكن لاينبغي ان يكون مدخلا للتقييد كما اننا دائما ضد مستغلي العمل الجمعوي والمسترزقين به ولكن لاينبغي ان يكون تواجد مثل هؤلاء وهم بمثلون اقلية مبررا للتشديد على كل المشهد وعلى باقي الفاعلين ، فبلادنا في الاصل تتوفر على ترسانة قانونية تمكن من ذلك منها قانون طلب الاحسان العمومي وظهير الحريات العامة ودوريات وزارية عديدة ومدونة المحاكم المالية واجهزة المراقبة والمحاسبة والافتحاص المالي . فمثلا فقد كان بالامكان التدخل خلال الانتخابات الاخيرة وفق هذه الاليات لايقاف عمليات توزيع ما قيمته الملايير من الاموال على شكل قفف من جهات معلومة ومعروفة ولكن ذلك لم يتم لاسباب مجهولة ليست حتما بفعل قصور في الترسانة القانونية.
هذه الترسانة بالطبع يمكن دعمها وتقويتها في اتجاه التضييق على مستغلي الاحسان العمومي لاغراض اخرى ولإغلاق الباب على كل ما من شأنه الاضرار بأمن البلاد ومصالحه وبشكل صارم وحاسم وليس في اتجاه تعميم التقييد على كل الاحسان العمومي وعلى كل الفاعلين والمتدخلين وتعقيده الى هذه الدرجة .
وبعد الاطلاع على النص الجديد نسجل عشر ملاحظات رئيسية تبرر مؤاخذاتنا بشأنه :

– أولا : اعتماد منطق الترخيص في هذا القانون مما يتنافي مع ما تأسس عليه النظام الجمعوي المغربي منذ البداية في ظل ظهير الحريات العامة والذي اعتمد مقاربة التصريح بدل الترخيص ، حيث أن الالزام بالترخيص في انشطة المجتمع المدني يتنافي مع طبيعته وماهيته واستقلاليته في مقابل المجتمع الرسمي ويتنافى مع ماذهب اليه الدستور المغربي ترسيخا لحرية تأسيس الجمعيات ونشاطها وبشأن إقرار الديموقراطية التشاركية وجعل المجتمع المدني في صلب ذلك.
إن الالزام بالترخيص يفرغ كل ذلك من محتواه ويجعل المجتمع المدني في موقع طالب الإذن بالنشاط امام المجتمع الرسمي الذي ينبغي ان يكون مستقلا عنه .
وكان الاصل هو العمل بمبدأ التصريح الذي يعني إخبار السلطات لتكون على علم بما تقوم به الجمعية وهل يتوافق مع اهدافها وانظمتها ام لا؟ وهل يتم فيه تطبيق القوانين الجاري بها العمل ام لا ؟ وان تم تسجيل ما يخالف فمن الممكن استصدار قرار المنع المعلل والا فإن الاصل هو ان تنشط الجمعيات تلقائيا وفق انظمتها ولوائحها .
– ثانيا : فهو قانون جاء بهندسة شمولية للضبط ترمي الى تقييد الكثير من مجالات تدخل العمل الجمعوي، حيث يستهدف كل الانشطة الاجتماعية التضامنية والانسانية والثقافية والبيئية كانت على شكل برامح او مشاريع يتم فيها تحريك وتعبئة موارد سواء كانت اموالا او موادا او منتجات وحتى لو كان المستفيد شخصا ذاتيا واحدا كما ان هذا القانون يستهدف كل اطوار العمل التضامني سواء تعلق بإصدار الدعوة لالتماس الاحسان العمومي او تعلق بجمع المساعدات او تعلق بتوزيع المساعدات.
-ثالثا : تعقيد المساطر :
فمثلا خلال مرحلة طلب الترخيص للدعوة لجمع تبرعات ضرورة طلب الإذن 30 يوما قبل اصدار تلك الدعوة والملف المتعلق بذلك يتضمن عشر وثائق بعضها وثائق مركبة او متعددة.
وان تم اصدار الترخيص مع ان عدم الترخيص وكيف ستتصرف الجمعية الداعية مع ذلك قد سكت عنه القانون .
وفي مرحلة جمع التبرعات فيتوجب توجيه إخبار ومعه ملف خاص ومركب ايضا للسلطات المحلية في اجل لايقل عن 48 ساعة وان كانت ضرورة الانتقال الى نفوذ سلطة محلية اخرى في نفس الاقليم فيتوجب ايداع ملف مماثل في نفس الاجل رغم ان الترخيص تم اصداره على مستوى العمالة المعنية.
ايضا تم الالزام بضرورة توفير شروط السلامة الصحية قي مراحل نقل وتخزين وتلفيف المواد ويعلم الجميع درجة التعقيدات التي ترافق تلك المساطر، وتقديم هذه الملاحظة لايعني التفريط ابدا في تلك الشروط ولكن للتنبيه الى حجم التعقيدات التي سترافقه.
هذا مع ضرورة تقديم التقارير والتصاريح في آجالات تظهر مقلصة وجد محددة مرفقة بكل الوثائق مع ضرورة الانضباط لمقتضيات مدونة المحاكم المالية.
في مرحلة التوزيع يتم من جديد ايداع تصريح لدى سلطات العمالة في ظرف 10 ايام .
نتصور مثلا مع طول وتعقيد هذه المساطر امام جمعية بسيطة تريد شراء حافلة للنقل المدرسي لتعويض القديمة الموقفة عن العمل او لشراء مضخة للماء الشروب لتبديل اخرى توقفت فجأة او او او …حتما لن يتم ذلك وان تم سيكون زمن انقاذ التلاميذ او العطشاء قد فات….
– رابعا : امكانية تدخل الادارة وتوقيف العملية من غير تعليل حقيقي الا فقط من باب ” انه تبين أنها تمس بالنظام العام” او كما ورد في النص.
– خامسا : يمكن ان تذهب المساعدات خلاف ارادة المتبرعين :
فحيث ان التطوع والتبرع يتحكم فيهما منطق وروح الارادة والرغبة والاختيار فإن احداث لجنة استشارية لدى عامل الاقليم تحدد نوع الاحتياجات بالاقليم والمناطق الهشة التي يمكن استهدافها ، يمكن ان يكون مبررا لتوجيه المساعدات الى وجهات اخرى خلاف التي يرغب فيها المتبرعون فمثلا حين يتضامن ابناء قبيلة المقيمين بالداخل او الخارج مع ابناء دوارهم ثم يطلب من الجمعية المكلفة بتحويل المساعدات الى دوار اخر حتى ولو كان اكثر استحقاقا فعلا فهذا سيقضي على روح التطوع والتضامن على الاقل عند العديد منهم ولن يعودوا لمثل ذلك التضامن أبدا.
– سادسا : المبالغة في التنصيص على الضبط والاجراءات :
ومن ذلك التنصيص على ضرورة الاستجابة لكل طلب توجهه الادارة للحصول على جميع المعلومات والوثائق علما ان هناك تقارير مفصلة اوجب القانون ايداعها في اجال محددة.
ايضا التنصيص على ان الادارة لها جميع الصلاحيات في جميع المراحل للحصول على جميع الوثائق ايا كانت الجهة التي كانت تتواجد في حوزتها …هكذا وبشكل مفتوح ومن غير حدود .
هذا اضافة الى امكانية استصدار امر قضائي بحجز التبرعات.
– سابعا : الفائض من الاموال يتم تحويله الى مؤسسة خيرية او غير ذات هدف ربحي تحددها الادارة وليس الجمعية ودون اعطاء الحق لهذه الاخيرة في اعادة برمجة ذلك تكميلا للمشروع او تمديدا له او في مبادرة مشابهة.
– ثامنا : تتحمل الجهة الموزعة كامل المسؤولية في اي ضرر يلحق بالغير نتيجة فعل منسوب اليها وهكذا فرغم كل هذا الكم الكبير من الاجراءات والتراخيص والتصاريح فلا تتحمل معها الادارة على الاقل جزءا من المسؤولية في ذلك.
– تاسعا : تمت الاحالة في النص الى قوانين اخرى عديدة يتوجب التقيد بها مما يزيد الامر تعقيدا وصعوبة.
*- عاشرا : تم ايضا التنصيص على صدور عدد من النصوص التطبيقية لن تمر أمام البرلمان مما يفترض معه المزيد من التقييد والتشديد في الاجراءات .

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *