هكذا جنت الكونتيسا على نفسها

بقلم ابو ايوب


اسبانيا اليوم تعيش اسوء كابوس و هي على مفترق طرق ، لا هي براضية على عودة العلاقات مع المغرب ، و هذا ما تثبثه تصريحات المسؤولين الاسبان نفسهم من خلال اتهام المغرب بعدم الالتزام بما اتفق بشأنه ( تفكيك مزرعة الاسماك التي اقامها المغرب بالابيض المتوسط قرب حدودها البحرية مثال
و لا هي بمقدروها وضع حد لتأزيم علاقاتها مع الجزائر ، لا سيما بعد الغاء الجزائر لمعاهدة الصداقة و حسن الجوار و التعاون المبرمة مع اسبانيا منذ 20 سنة ، و قد ازدادت الازمة تعقيدا على ضوء تصريحات جانبت الصواب لوزير الخارجية الاسبانية خوصي مانويل الباريس ، من بينها ما تفوه به كرد على خطاب الرئيس الجزائري عندما اعلن انه لن ينخرط في مهاترات عقيمة ، فيما الاكثر غباءا و بلادة ….اتهامه المباشر للجزائر بخدمة المصالح الروسية و الائتمار باوامرها بمعنى من المعاني .
لجوئها للاتحاد الاوروبي لم يثمر بنتيجة تذكر ، سعيها هذا كانت ترمي من وراءه الى تأييد اوروبي بالاجماع مؤيد ضاغط و صريح على الجزائر ، لا شيئ من هذا القبيل نتج بل العكس الذي حدث ، حيث امتنعت عدة دول اوروبية من بينها ايطاليا و المانيا عن دعم المساعي الاسبانية ، متهمة حكومة سانشيز بمسؤولية ما آلت اليه الاوضاع ، و في نفس الوقت سارعت هذه الدول في عز الازمة الاسبانية الجزائرية ، الى ابرام عدة اتفاقيات شراكة شملت كل المجالات مع الجزائر و على رأسها اتفاقيات غازية و طاقية من نفط و كهرباء…..فمن الخاسر و من الرابح من هذه الازمة بين البلدين ؟ سؤال يطرح .
للاجابة عليه لا بد من استحضار حجم المبادلات التجارية بين البلدين و عدد الشركات العاملة او المستثمرة او المتعاملة مع الجزائر ( حوالي 500 شركة اسبانية تنشط في تصدير المنتوجات الغذائية و تصدير اللحوم و المواشي و الابقار ، حيث يقدر اجمالي الارباح باكثر من ملياري يورو/ الجزائر تصدر نفس المبلغ لاسبانيا من مختلف السلع من بينها الحديد كمثال/ شركة ناتورجي الموردة للغاز الجزائري و شركة ريبصول المستثمرة في قطاع المحروقات ، حيث بلغ اجمالي هذا التعاون تصديرا و استكشافا اكثر من ثمانية ملايير يورو” الغاز وحده يدر ستة ملايير يورو على خزينة الجزائر ).
بالتالي توضحت الرؤيا اكثر قياسا بمنطق الربح و الخسارة و لكن ليس بما فيه الكفاية ، اذ علينا التطرق لجوانب اخرى من الاشكالية ، كيف ذلك ؟ صحيفة البيبليكو الاسبانية سربت فحوى ما دار من حديث بين وزير الخارجية الاسبانية مع نظيره الايطالي عبر مكالمة جمعت بينهما ، بخصوص مشاركة ايطاليا في مناورات الاسد الافريقي المزمع عقدها بالمغرب ، حيث اعلنت ايطاليا عن عدم مشاركتها ، لكن الاكثر لفتا للانتباه الموقف الاسباني ذاته الذي اعلن للمرة الثانية على التوالي عن عدم مشاركته في المناورات التي تقودها قوات افريكوم ؟ فهل يعتبر هذا الموقف رضوخا للضغوط الجزائرية كما يعتقد بعض الملاحظين الاجانب؟
كما علينا ايضا الاشارة الى الخطوات الاحقة التي ستقدم عليها الجزائر ، من بينها مراجعة اسعار الغاز الذي تصدره لاسبانيا مع استثناء باقي الدول الاوروبية كايطاليا و المانيا مثال ، و هذا كفيل بمزيد من تازيم ازمة الغاز التي تمر منها اسبانيا ، و ما تمثله هذه المراجعة من اعباء اضافية على خزينة الدولة الاسبانية ، كما انه كفيل بزيادة توتر العقالات و ما يترتب عنها من تأليب الشارع الاسباني على حكومة سانشيز ….و قد بدأت بالفعل الاصوات تتعالى داخل الاوساط السياسية.الحكومية.الحزبية…..منادية باستقالة سانشيز و وزير الخارجية ، مع توجيه اتهامات لهما بانعدام الحنكة و اللباقة السياسية في تدبير الازمة مع الجزائر .
واهم من يعتقد بان اوروبا بوارد وضع حد لتبعيتها للغاز الروسي و الجزائري ، لا اليوم و لا غدا و لا في المستقبل المنظور ، و هذا لعدة اعتبارات اذكر منها مثالا لا حصرا ، قطر و امريكا ليس باستطاعتهما ملئ الفراغ و تعويض نقص الامدادات ، الاولى لن تستطيع من زاوية ارتفاع تكاليف الشحن و التامين و عامل الوقت فضلا عن ندرة سفن الشحن على ضوء تداعيات الحرب بأوكرانيا ، فيما الثانية هي نفسها تعاني من تداعيات حريق اكبر مصفاة لمعالجة الغاز ، و من المؤكد عودة الحياة الطبيعة للمصفاة قبل نهاية السنة الجارية ، فضلا عن ارتفاع اسعار البنزين المهول في السوق الداخلي ، و هذا ما تسبب في اتعاب اضافية اصبح يئن تحت وقعها المواطن الامريكي .
و حالم من لا يزال يؤمن بان الحرب باوكرانيا و ما تولد عنها من ازمة غذاء و طاقة ستنتهي قريبا ، لا سيما و نحن على مشارف صيف حار كمقدمة لشتاء بارد قاس ، فمن اين ستؤمن اوروبا احتياجاتها الغازية بالاساس ( الغاز عماد الصناعات الاوروبية الغربية ، سواء ما تعلق منها بالتدفئة او الاستعمال المنزلي او تشغيل المصانع …) ؟ و ما العمل على ضوء الاسوء القادم ؟.
بتقديري بكل موضوعية و عقلانية ، اوروبا و معها امريكا مقبلان على ازمة غذاء و طاقة لم تشهداها منذ نهاية الحرب العالمية الثانية ، و قد تؤدي بتقييمي الى تفكك المنظومة الغربية ( اقتصاديا.عسكريا.جيوستراتيجيا….) ، في الوقت الذي تضع روسيا عينها على ما بعد قضم جزيرة القرم و دونيسك و دومباس و ماريوبول و بحر ازوف و البحر الاسود ….( بولونيا المرشحة الأولى لتوسع القيصر مثال) ، تزامنا مع النبرة العسكرية التصعيدية للصين اتجاه امريكا و اليابان و تايوان ( الصين تمتلك قرابة 3 تريليون دولار من سندات الخزينة الامريكية ، و في حال ما اقدمت الصين على سحب ودائها او بيع سندات الخزينة ، فتلك نهاية الدولار و انهيار القوة الامريكية و بداية انعزاليتها و تقوقعها على المسرح الدولي ) .
هذا ما خلصت اليه بالضبط استنتاجات ثعلب السياسات الامريكية هنري كيسنجر و نعوم تشومسكي و مجمع الجنيرالات و استخبارات البنتاغون و وكالة الاستخبارات الامريكية ….، حدوث هذا مسألة وقت وفق كل المعطيات و تحليلات كبريات مراكز التحليل و التيكتوك ، بالتالي يعتبر هذا تعزيزا للدور المحوري الذي لعبته حركة دول عدم الانحياز اولا ، و ثانيا بقدر ما هو تعزيز لدور الصين و روسيا و محورهما ، ايذانا ببداية عهد جديد قوامه قوة القانون بدل قانون القوة ، كما يمكن اعتباره بمثابة ميلاد الزمن العربي الثالث بزعامة جزائرية عراقية سورية على انقاض الزمن العربي الاول بزعامة مصرية و الثاني بزعامة سعودية خلفا دمارا و خرابا ، دليلي في هذا الزيارة المرتقبة للآمر الناهي بالسعودية الامير محمد بن سلمان للجزائر ، فضلا عن احتضان الاخيرة للقمة العربية يوم 1/2 من شهر نونبر القادم تزامنا مع احتفالات الجزائر بعيد استقلالها ، و ما سيصاحب المناسبة من مناورات عسكرية جزائرية روسية قد تنظم لها مصر و رسائلها للجانب المقابل( تصفح مقالات ثلاث خصصت للازمنة العربية الثلاث نشرت تباعا على صدر موقع الجديدة نيوز ) .
اليوم اجزم بأن اسبانيا مقبلة على استقالات بالجملة توطئة لانتخابات مبكرة لا مكان فيها للمبتذئ البشوش و لا لفاقد الكاريزما ، صعود الحزب الشعبي اصبح ضرورة لوقف نزيف الازمة ، كما ابشركم بعودة العلاقات الاسبانية الجزائرية الى سابق عهدها ان لم يكن اكثر ما بعد سقوط البشوش و الفاقد للكاريزما . و من به ريب و شك الايام القادمة كفيلة باثباث صدقية التحليل و مصداقية الموضوعية و العقلانية و براغماتية الرؤى …..على اي حال انعمتم مساءا او صباحا كل بحسب تموقعه الجغرافي ضاربا لكم موعدا اخر ، استودعكم في حفظ من لا تضيع ودائعه ……

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *