القيمة الجيوستراتيجية للغاز في نسج العلاقات الدولية حاضرا و مستقبلا

بقلم ابو ايوب


عن سؤال حول العلاقات الاسبانية مع الجزائر وجهه صحافي لبيدرو سانشير اثناء مشاركته كضيف في اجتماع حكومي الماني ، و بحضور المستشار الألماني شولتز اولف رد سانشيز ( يسعدني ان أكون انا من ذهب للجزائر ، في اشارة لزيارة ماكرون و بالأخص دراغي رئيس الوزراء الايطالي ، اشارة ذات بعد جيوستراتيجي عنوانها الابز طاقة و الغاز عصبها ، ثم تحسر عن حلم اضاعه سانشيز حلم جعل اسبانيا منصة محورية لتوريد الغاز نحو باقي الدول الاوروبية ، كما يمكن اعتبار رده هذا تكفيرا ضمنيا عن ذنب ارتكبه و تودد و استعطاف كمشروع زيارة رسمية للجزائر في المستقبل المنظور ، و قد تحصل الزيارة قبل بداية فصل الشتاء .
تنصل النرويج ثاني مصدر للغاز لأوروبا من التعهدات التي قطعتها على نفسها بالاخص مع المانيا ، قطع بوتين لصنابير الغاز عن فرنسا.المانيا.بولونيا.هنغاريا……، و كلنا نعلم مدى ارتهان القطاع الصناعي الاوروبي للغاز ، علاوة على ما يمثله من ركيزة اساسية لا غنى لأوروبا عنها في انتاج الكهرباء …..
الحجيج الى الجزائر و عناوينه الكبرى مسألة غاز و مدى استعداد البلد على الرفع من صادراته نحو اوروبا ، كتعويض او كبديل عن الغاز الروسي ، كلها مؤشرات عن فشل الاقتصاديات الاوروبية و ضعف دولها في مواجهة تداعيات ما بعد كورونا ، فضلا عن التبعية العمياء لهذه الدول في علاقاتها مع امريكا و لسياساتها الدولية .
بالتالي أو ليست امريكا هي التي ورطتهم في ازمة اوكرانيا و في مواجهة روسيا و الاشتراك في فرض العقوبات ؟ بالتالي اوروبا اليوم تؤدي الثمن و تبحث عن بديل و لو بتقديم تنازلات قد تكون اما مزعجة او خادشة للكبرياء ( زيارة ماكرون الاخيرة خير مثال) ، و عودته بخفي حنين في مسألة الغاز بحسب الاعلام الفرنسي.
بتقديري للاوضاع الطاقية الراهنة و على ضوء القرار الروسي ، أول مورد للغاز لاوروبا ( 16% من الانتاج العالمي) ، بقطع الصنابير عن اوروبا ، و دون الخوض في مسألة الجفاف الذي ضرب معظم دولها و تداعياته على الاقتصاد ، او ازمة الكهرباء التي تئن تحت وطئتها اكثر من دولة و ارتفاع الاسعار بما يفوق 30% , اسوة بأسعار خشب التدفئة كبديل عن الغاز ، لم يبقى من بديل عملياتي عقلاني السعر قياسا بتكلفة الغاز الامريكي و القطري ، سوى التوسل او التسول لجنوب الابيض المتوسط ( الجزائر.ليبيا بعدما تستقر الاوضاع. نيجيريا. الاكتشافات الاخيرة بكل من النيجر.مالي.موريتانيا.جنوب غرب الجزائر..).
بوابة عبور الغاز نحو اوروبا هي ايطاليا بعدما استحودت على حلم اسبانيا التي اضاعته الاخيرة ، و كان هذا يوم تنصلها مما يترتب عنها من مسؤوليات اخلاقية و تاريخية بما له علاقة بالصحراء…..، الثقل الايطالي اليوم تعزز و تقوى اكثر من المتوقع بل اصبح دورا محوريا و قطب الرحى في قطاع الطاقة و ما تمثله مو اولوية لعموم دول اوروبا ، الانبوب الرابط مع ليبيا. الانبوب الجزائري العابر لتونس في اتجاه ايطاليا، التفكير في احياء مشروع الخط المباشر بين الجزائر و ايطاليا عبر المتوسط .
و على ضوء تقليص الامدادات الغازية و رفع الاسعار نحو اسبانيا و ما واكبه من قبل من قبيل الاستغناء عن او اغلاق الانبوب العابر نحو اوروبا عبر المغرب ، تكون ايطاليا قد احسنت التموقع و التموضع في الخريطة الطاقية لدول شمال جنوب المتوسط .
ما يعزز الطرح هذا ، و بعيدا عن الغوغائية العاطفية التي يثقنها فطاحلتنا من مخللين ، عفوا محللين و رؤساء مراكز و دكاترة جامعيين و باحثين …..، مشروع خط انابيب الغاز النيجيري عبر النيجر ربطا بالانبوب الجزائري نحو ايطاليا ، هو الانبوب الاكثر ترجيحا و عملياتية بحسب الخبراء الطاقيين و اقل تكلفة من المشروع المغربي النيجيري الذي لا زال قيد دراسة الجدوى و البحث عن التمويلات….فضلا عن انه يمر عبر تراب حوالي 14 دولة افريقية ، اي بمعنى الطاقة الانتاجية لنيجيريا( 30 مليار م.م سنويا) + حصة كل دولة+ العوائد المالية المترتبة عن مرور الغاز+ مدة انجاز المشروع التي حددت في حوالي 25 سنة ، فكم تبقى من كميات الغاز المصدر نحو اوروبا و هل ستنتظر الاخيرة كل هذه المدة؟ .
و رغم العلاقات المتميزة التي تجمع المانيا مع الجزائر ، سواء تلك التي شملت عدة قطاعات متعددة من ضمنها التصنيع العسكري ، او التي من زاوية الجانب الانساني الذي جسدته رحلة علاج تبون بعد اصابته بكورونا ، آثرت الجزائر تفضيل مشروع ميدكات الذي يربطها مباشرة مع ايطاليا ، بدل المشروع الالماني الذي نادى بالتركيز على الانبوب الاوروبي الذي يربط المانيا بفرنسا في اتجاه اسبانيا و البرتغال ، تعزيزا للموقف الاسباني من زاوية بناها التحتية ذات العلاقة بالمعالجة ( محطات معالجة الغاز التي تتوفر عليها و هو الحلم الذي انفقت عليه اسبانيا ملايير الدولارات ، و في رمشة عين تهاوى الحلم بعدما احسنت ايطاليا التموضع و التموقع .
جدوائية انبوب ميدكات الذي يربط الجزائر بايطاليا ، يستمدها من جدوى تكاملية مرتكزها الاساس انبوب غاز ليبيا ، و كقيمة مضافة الانبوب النيجيري عبر النيجر نحو الجزائر فايطاليا ، و ما يعزز الطرح ، الانتهاء من مد خط الانبوب النيجيري نحو الحدود الشمالية مع النيجر ، في انتظار استكمال اشغال انبوب دولة النيجر ، كمحطة اخيرة من عملية ربطه بالانبوب الجزائري ( من المرتقب الشروع في ضخ الغاز النيجيري نحو ايطاليا في غضون سنتين او ثلاث على ابعد تقدير ).
بالتالي تصبح كمية غاز انابيب جنوب حوض المتوسط تتعدى 110 مليار متر مكعب سنويا ( +50% من كميات الغاز الروسي ) ، و هذا ما يعطي للدول المنتجة للغاز اهميتها الجيوستراتيجية في المعادلات الدولية و علاقات الدول فيما بينها من منطلق نظرة برغماتية ( التودد للقوي و استهجان الضعيف ) ، و في نفس الوقت يطمئن اوروبا و لو بنسبة معينة من احتياجاتها الطاقية .
بتقديري هذا ما يعني في حد ذاته شبه استسلام اوروبي لمواقف الدول المنتجة قياسا باحتياطاتها الغازية ، او لنسميه رضوخ و انصياع عنوانه تودد و استلطاف ان لم اقل باستعطاف ( تصريحات سانشيز بمناسبة مشاركته …..من قلب المانيا ، حفاظا على ماء الوجه ، و ما يتبعه من مواقف معلنة بخصوص المشاكل ذات الاهتمام المشترك ، و لا بديل امامه سوى الارتداد عن المغرب و الارتماء في حضن المصالح الغازية التي لا يتوفر عليها المغرب( ترقبوا زيارته للجزائر قريبا و ما سيترتب عنها من عودة توتر العلاقات المغربية الاسبانية و قد تصل حد القطيعة ، اي ازمة اخرى تنضاف لما يجري من تحولات على الصعيدين الاقليمي و الجهوي .
و قد سبق ان راينا هذا في مناسبات عدة و تصريحات رسمية على لسان اكثر من مسؤول امريكي ( فلودومير زيلينسكي اوكرانيا مثال)، خدمة للمصالح ، اذ لا عداوات دائمة و لا صداقات ، و لا صوت يعلو على صوت معركة المصالح ، و هذا ما استنتجه عراب السياسات الخارجية الامريكية هنري كيسنجر.
و لا ادل على ذالك ، سعيه الى التقرب من الصين رغم الاختلافات الاديولوجية ، لما كان وزيرا للخارجية بحيث اثمر التقرب عن زيارة الرئيس الامريكي جونسون الى الصين و ما واكب الزيارة من اتفاقيات ….رغم يقين الرئيس و المرؤوس بان الصين من بين ألد اعداء امريكا ، و هذا ما يمثل قمة البرغماتية و الموضوعية و ما يمليه المنطق في نسج العلاقات الدولية ، اي بما معناه نسج العلاقات بلغة المصالح و ان لا مكان للعاطفة او الصداقة التي تعود لغابر الازمان في المجال السياسي ، سعيه هذا مجرد مثال من امثلة متعددة .
فلا غرو اذا ما شهدنا على تمثل سانشيز و باقي الزعماء الاوروبيين بنهج غولدفادر او عراب (GODFATHER) السياسات الخارجية الامريكية ( اسدل الستار على 100 سنة من عمره و لا زال يفتي و يحذر و يوجه …..الى يومنا هذا ) ، في الوقت الذي يتغنى فيه فطاحلتنا من المحيط الى الخليج و يشدون بما يطرب الاذن مع استثناءات عدة ، بذكريات التاريخ التليد الذي اضاعوه و لم يحافظوا عليه و هم رجال ، فجاء بكائهم كبكاء النساء او كغراميات عنتر و عبلة و قيس و ليلى …..بكاءهم كالنساء على مجد اضاعوه ……بكاء على الاطلال و حسرة كحسرة سانشيز و ما اضاعه من فرصة و امجاد و هو اليوم ينبطح ، عفوا يتودد و يستلطف…
فهل في الوارد استلطاف و تودد و اعادة علاقات بين اخ و اخوه رغم الاختلاف ، و قطع مع تطبيع مع من وصفونا بدواب موسى ان كنتم تذكرون ، أم ان المنطق و التفكير البرغماتي IS NOT MADE IN ARABIC WORLD ، على الرغم من أننا امة اقرأ فبئس القوم نحن بعدما هجرنا القراءة؟ و الى لقاء اخر استودعكم في حفظ من لا تضيع ودائعه …انعمتم ……

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *