إعادة تشغيل البوصلة

بقلم : خالد الصمدي 

بعد صدور تقرير والي بنك المغرب والذي حذر من انقطاع صيرورة بعض الأوراش الاستراتيجية مما يهدد بعدم تحقيق النتائج المرجوة متخذا من مجال إصلاح التربية والتعليم مثالا على ذلك ، تأتي المبادرة الملكية لتحريك عجلة الإصلاح بتعيين رئيس جديد للمجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي.
وأسند جلالة الملك محمد السادس هذه المهمة الجسيمة إلى الأستاذ الحبيب المالكي؛ الرجل الذي قاد البرلمان بعد مشاورات مارتونية مكثفة طبعتها رئاسته لمجلس النواب بالهدوء والتوافق الى المصادقة على أكثر القوانين إثارة للجدل بعد دستور 2011 . ويتعلق الأمر بالقانون الإطار 17-51 لاصلاح منظومة التربية والتكوين والبحث العلمي ، فجدد فيه جلالته الثقة وكلفه بتتبع وتقويم تنزيل مقتضيات هذا القانون طبقا للصلاحيات القانونية الموكولة إلى المجلس ، لينتقل من ميدان التشريع إلى ميدان التخطيط ومواكبة التنزيل بالتتبع والتقييم .
ومعلوم أن القانون 12-105 المتعلق بالمجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي، قد حدد مهامه في إنجاز تقييمات شمولية أو قطاعية أو موضوعاتية للسياسات والبرامج العمومية في مجالات التربية والتكوين والبحث العلمي ونشر نتائجها؛ كما كلفه بإعداد تقرير سنوي عن حالة المنظومة يكون موضوع مناقشة أمام البرلمان ( وهو ما لم يقع لحد الساعة ).
كما أسند القانون للمجلس مهمة إبداء الرأي في كل النصوص القانونية والتشريعية والتنظيمية ذات الصلة بالمنظومة التربوية قبل المصادقة عليها ودخولها حيز التنفيذ. وحيث أن المجلس أنهى ولايته الاولى سنة 2019 بعد تنصيبه في يوليوز 2014 دون أن يتم تجديد عضويته وتجديد هياكله ، مما جعل مهامه الدستورية شبه متوقفة وإن كانت بنيته الإدارية والتنظيمية لا تزال تقوم بمهامها في المواكبة والتتبع والخبرة.
وقد أثر ذلك على تسريع وتيرة تنزيل المخطط التشريعي، المرتبط بتنفيذ مقتضيات القانون الإطار ، بما في ذلك عدم تنصيب الحكومة للجن الحكامة التي ينص عليها القانون لحد الساعة ( المجلس الوطني للبحث العلمي – اللجنة الدائمة للبرامج والمناهج – اللجنة الوطنية الاشهاد ) رغم إبداء المجلس رأيه في نصوصها التنظيمية، مما أحدث خللا في تقييم مدى تقدم الإصلاحات بتعدد مصادر ومؤسسات التقويم وتقاريره ، وجعل القانون الإطار الذي حدد جلالة الملك طبيعته في الإلزامية للجميع، والقطع مع الإصلاح وإصلاح الإصلاح مثار تساؤل العديد من الفاعلين والمهتمين.
وجاء هذا التساؤل، بعد فتح مشاورات جديدة للإصلاح من طرف قطاعي التربية الوطنية والتعليم العالي والبحث العلمي والابتكار، كل على حدة مع غياب كلي لصوت قطاع التكوين المهني ، بعد أن تم توزيع المنظومة في التشكيلة الحكومية الحالية الى ثلاث قطاعات حكومية مستقلة؛ لا يوجد بينها تنسيق هيكلي بعد توقف انعقاد اجتماعات اللجنة الوطنية لتتبع تنزيل الاصلاح، التي أحدثت طبقا لمقتضيات القانون الإطار بموجب مرسوم أسند رآستها إلى رئيس الحكومة ، (لم تعقد أي اجتماع لحد الساعة منذ بداية الولاية الحكومية الحالية ).
بعد كل هذه التطورات المنذرة بعدم تحقيق أهداف الإصلاح كما جاء ذلك حرفيا في تقرير والي بنك المغرب، يأتي التدخل الملكي بإعادة تفعيل أدوار هذه المؤسسة الدستورية لتستأنف أدوارها في التخطيط الاستراتيجي المندمج للمنظومة، والمواكبة التشريعية لأوراش تنزيلها ، وتقويم صيرورتها وتطوراتها. ومدخل ذلك بعد تعيين الرئيس تعيين أعضاء المجلس وتجديد هياكله المتمثلة في الجمعية العامة واللجن الدائمة، ليقوم بمهامه التي تتجاوز الزمن الحكومي الى مواكبة مشاريع الإصلاح وتوجيهها رشيدها وتقويمها على المدى المتوسط والبعيد.
نتمنى أن تعيد هذه المبادرة بوصلة الإصلاح إلى الاشتغال ويعود القطار إلى سكته.
* الدكتور خالد الصمدي
أستاذ جامعي ووزير التعليم العالي الأسبق

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *