الدكتور عبد الكريم الخطيب مسار مجاهد
بقلم : عبد الرحيم مفكير
تقديم:
بصم الخطيب على حياة لم يعرف فيها الراحة إلا أن وافته المنية، كان الرجل مؤمنا بضرورة مجابهة الاحتلال العسكري والفكري والثقافي، رضع الثورة مع القطرات الأولى لحليب أمه، فآمن أن الهزيمة ليست قدرا، نهض إلى تحرير المغرب من الاستعمار الفرنسي والإسباني، وسخر لذلك كل ما يملك، ماله ونفسه، وحتى مهنته، تميز بإتقانه الجراحة في مجال الطب، والجراحة في مواجهة الاستعمار. عده الباحثون أحد أبرز الوجوه المغربية التي شغلت الساحة السياسية في عصرنا الحالي، لاسيما في الحقبة الاستعمارية، وأثناء بناء المؤسسات الدستورية.
الخطيب اسم مثير للجدل هو الفرد المتعدد، اجتمعت فيه أزمنة وأمكنة وشخوص مختلفة، شاهد على العصر، بين مؤيديه ومعارضيه، ونظرا لتحفظه عن ذكر بعض الحقائق بقيت مساحات بيضاء وفراغات تحتاج إلى تنقيب وبحث. ولاستقراء مساره النضالي لجأنا إلى الوثيقة المكتوبة والشاهدات كما اعتمدنا على حوارات أجريت معه ومع المقربين منه سواء داخل الوطن أو خارجه، ولم نهمل الذين انتقدوه ومنهم من حجب عنه صفة مقاوم بل وصل الأمر ببعضهم باتهامه بالخيانة والانبطاح للاستعمار وخدمة أجندات خفية، وفي مفارقة غريبة أشاد به الزعيم نيلسون مانديلا 1 ، وبمجهوداته في مساعدة جنوب إفريقيا على التحرر من الاستعباد ونظام الأبارتايد، كما أثنى عليه زعماء ومقاومون من دول الجوار. ومولاي عبد العزيز ومولاي يوسف. والده هو الحاج عمر الخطيب، الذي اشتغل ترجمانا إداريا، أما والدته ، فهي مريم الكباص والتي كانت حافظة لكتاب الله كما عرفت بشخصيتها القوية وثقافتها الواسعة. وينحدر الدكتور عبد الكريم الخطيب من أصول جزائرية، درس الطب في مدينة الجزائر العاصمة. حيث مكث فيها أربع سنوات، وكان ممثلا للطلبة المغاربة في شمال إفريقيا، كما كان أول رئيس لجمعية الطلبة المسلمين لشمال إفريقيا.
1 ــ حافظ مانديلا على علاقات متينة مع الخطيب، وقدم له كتابه: “مسار حياة”.
ثم انتقل بعد ذلك إلى كلية الطب بالسر بون، وعمل في مستشفى “فرانكو موزولمان” لمدة 6 سنوات. وأثناء مقامه هناك كان يسهر على جمعية مغربية تسمى دار السلطان، وفيها وشحه جلالة الملك الراحل محمد الخامس بوسام من درجة فارس، وكان الطالب الوحيد الذي حظي آنذاك بهذا الشرف تقديرا لجهوده وأنشطته لصالح بلاده. مؤسس الكشفية الحسنية :في بداية الأربعينيات، وفي سن لا يتجاوز 19 سنة، أسس الدكتور الخطيب رفقة بعض إخوانه الكشفية الحسنية. وتفرع نشاط الكشفية في جل مناطق المغرب مما دفع سلطات الحماية إلى منع الزي الكشفي لما كان يرمز له من قيم وطنية، ثم انخرط الدكتور عبد الكريم الخطيب سنة 1954 في التنظيم السرّي لجيش التحرير الذي شرع في مكافحة الاستعمار الفرنسي منذ 21 غشت 1953، وتولى العناية بالشؤون الطبية باعتباره كان طبيبا جرّاحاً، كما تكلف بمهمة جمع الأموال واستقدام السلاح. وفي سنه 1955 التقى لأول مرة علال الفاسي بالقاهرة.
الخطيب رجل المقاومة ورئيس جيش التحرير :
مهما يكن حجم الاختلاف مع الخطيب لا يمكننا نفي صفة الجهاد والمقاومة عن رجل يعتبر من مؤسسي جيش التحرير بالمغرب، وأحد الداعمين له وطنيا ولحركات التحرر في العالم.
فلقد ألهمت أحداث كريان سنطرال الدامية سنة 1952 الدكتور الخطيب حس المقاومة المسلحة ضد الاستعمار، في ذلك اليوم المشهود كان الخطيب يعالج المعطوبين والجرحى في مسجد صغير اتخذه مصحة لاستقبال الأعداد الكبيرة من المصابين المغاربة. و بعد هذه الأحداث الأليمة، بدأ الدكتور الخطيب في جمع الأموال وتسليمها للمقاومة كل أسبوع أو أسبوعين قبل أن يحضر أول لقائه بالشهيد محمد الزرقطوني ومحمد منصور وعبد الله الصنهاجي لمدارسة مسألة تنظيم المقاومة وجيش التحرير في الجبال. فانطلق العمل وساهم الخطيب في تأسيس قيادة جيش التحرير المعروفة بـ “لجنة تطوان” المكونة من خمسة أشخاص هم : الدكتور عبد الكريم الخطيب وحسن صفي الدين وسعيد بونعيلات والحسين برادة والغالي العراقي، وانضاف إليها الدكتور المهدي بنعبود بعد عودته من أمريكا. كما ساهم الخطيب في تشكيل مجلس للثورة في تلك الفترة والمكون من سبعة وعشرين عضوا وكان رئيسا له، ومن بين أهم أعضائه علال الفاسي، حسين برادة، عباس المسيعدي، عبد الرحمان اليوسفي، وغيرهم من قادة الحركة الوطنية وجيش التحرير. يقول الخطيب ” في لقاء جمعني مع الشهيد الزرقطوني، بحضور الإخوان محمد منصور وعبد الله الصنهاجي وسعيد بونعيلات، أخبرني أنه على علاقة بثلاث مجموعات من الجنود المغاربة، كانوا في ثكنة la jonkiere، وأنه يفكر في تحريضهم على الانتفاضة، نصحته بالعدول عن الفكرة، لأنها ستعرض مدينة الدار البيضاء للتطويق والحصار في نصف ساعة، وسيتم القضاء على تلك المجموعات، قلت له، انتظر حتى يبدأ العمل المسلح في الجبال، عند ذلك يمكن الاستفادة من خبرتهم، وأنا مستعد للاتصال ببعض الضباط المغاربة المتعاقدين لتطعيم الجيش …. ويضيف الخطيب أن جيش التحرير تأسس للضغط على الاستعمار من أجل إرجاع الملك من المنفى، ولما رافق مولاي علي العلوي ابن عمة محمد الخامس إلى مطار أورلي بباريس، طلبت منه أن يبلغ جلالة الملك بأننا شرعنا في تأسيس الجيش” 2
لقد انخرط الخطيب في صفوف المقاومة المغربية ضد الوجود الفرنسي منذ بداية الخمسينيات، وكان مكلفا في تنظيم المقاومة العلاقات الخارجية وتأمين الأسلحة.
2 ــ جهاد من أجل التحرير الدكتور عبد الكريم الخطيب الدكتور حافظ إبراهيم منشورات إفريقيا ص 11.
كما كان الدكتور الخطيب يدرك منذ تأسيس جيش التحرير أن التنسيق مع الإخوة الجزائريين مهم وضروري حتى يكتمل استقلال المغرب العربي كله، لذلك ساهم مبكرا في تأسيس لجنة عليا مغربية جزائرية تشكلت من الجانب الجزائري من أحمد بن بلة ومحمد بوضياف ومحمد خيضر وحسن آيت أحمد والعربي بلمهيدي، فيما مثلت فيها قيادات وطنية مغربية من قبيل عبد الرحمان اليوسفي والدكتور الخطيب وغالي العراقي3
ويؤكد الدكتور الخطيب في كتاب “مسار حياة ” أنه قد تم عقد اتفاق مكتوب مع جبهة التحرير الجزائرية على “أن نعمل على تحرير شمال إفريقيا وننصب عليه محمد الخامس خليفة” 4 لكن بعد الاستقلال حصل ما لم يكن في الحسبان حيث طغت النزعات القطرية الضيقة.
بعد أن حصل المغرب على الاستقلال رفض الخطيب حل جيش التحرير وكان يتمنى أن يستمر في مهمته، لأنه كان يرى أن مناطق كثيرة لم تحرر بعد، مثل الصحراء الغربية والصحراء الشرقية، وكانت أمنيته أن يستمر الكفاح من أجل التحرير ” وهكذا يقول الخطيب، بعد رجوعي في 20 مارس 1956، كان السياسيون يخافون من جيش التحرير، وحاولوا حله بإدماجه في الجيش الملكي، أرادوا أن تنضم الفرق الموجودة في الأطلس تحت قيادة عبد القادر بوزار، وكذلك الشبان الذين تكونوا بالمدرسة العسكرية بجنان الرهوني، وكان كل من حزب الاستقلال وحزب الشورى والاستقلال يدعي أن الجيش معه أو له، كان ذلك سببا في اغتيال العراقي عالم مدينة فاس، الذي زار أحد نواب بنعثمان اسمه الحطاط، وطلب منه الدخول إلى الرباط باسم حزب الشورى والاستقلال، فوقع اغتياله من طرف جماعة من المقاومين ..” 5
لقاء الخطيب مع المجاهد عبد الكريم الخطابي:
لم يسبق للخطيب اللقاء مع المجاهد عبد الكريم الخطابي قبل 1956 إلا في القاهرة، والقرابة بينهما عائلية حيث أن زوجته هي بنت المرحوم سي محمد بوجيبار، الذي كان مكلفا بشؤون المالية في حركة المجاهد عبد الكريم الخطابي، وعمتها هي زوجة الأمير، وعرفه من خلال جهاده وتاريخه، وكان له شوق للتعرف عليه وملاقاته، لأن بعض المجاهدين من قادة معركة الريف كانوا منفيين بمدينة الجديدة، منهم المجاهد سي محمد أزرقان الذي كان مكلفا بشؤون الخارجية في حركة الأمير، كما كانت تربطه مع عمه علاقات ودية منذ وصولهم إلى مدينة الجديدة ودخولهم إلى مدرسة الأوربيين… بالقاهرة زار الخطيب الأمير في بيته ب ” كوبا كاردن” وزار أخاه محمد بن عبد الكريم الخطابي، ولما اشتدت المقاومة كان الخطابي ينصح ابن الكباص ويتكلم على التطويق المباشر والتطويق غير المباشر وعلى استراتيجية الكفاح،
3 ــ نفسه ص 12/13
4 ــــ الدكتور عبد الكريم الخطيب مسار حياة
5 ـــ الدكتور عبد الكريم الخطيب مسار حياة ص 63
وكان جزء من جيش التحرير يتكون من مقاومين كانوا بصحبة الأمير عبد الكريم الخطابي منهم: محمد علال، القاضي حسن الزكريتي، الحاج عمرو الريفي وآخرون كانوا يقولون ” فاتتنا الشهادة أيام الأمير، فنطلب أن الله يكتبها لنا في هذه الأيام” 6
في خدمة الملكية وإمارة المؤمنين:
يعتبر الخطيب من أكبر المؤمنين بالملكية الدستورية وأحد المتشبثين بها والمدافعين عنها، ولا يميل إلى الملكية البرلمانية وكانت إحدى شروطه في قبول الوافدين عليه من أبناء الحركة الإسلامية، الخطيب لم يكن رجل مقاومة وسلاح فقط، بل رجل سياسة ودولة أيضا، في سنة1957 انفصل الدكتور الخطيب عن حزب الاستقلال بعد اتهامه بتمثيل “بورجوازية المدن”، ليؤسس مع المحجوبي أحرضان حزبا ريفيا (حزب الحركة الشعبية) . وقد ووُضع على رأسه بعض قادة جيش التحرير، وما لبث أن اتخذ صبغة “أمازيغية”، وقد وقف بحزم يُدافع عن الملكية وإمارة المؤمنين.
وقد عقد مؤتمره التأسيسي في 9 نوفمبر 1959، سنة 1960 عين وزيرا للشؤون الاجتماعية، كما عين سنة بعد ذلك وزيرا مكلفا بالشؤون الافريقية، كما انتخب أول رئيس للبرلمان المغربي في سنة 1963 حتى ,1965 سنة الإعلان عن حالة الاستثناء من قبل الملك الحسن الثاني، الذي شكل حكومة ترأسها بنفسه، واعتذر الخطيب عن المشاركة فيها بحجة المرض. يشهد للخطيب عندما كان عضوا في اللجنة التي عينت لوضع أول دستور سنة 1962 أنه أول من حرص على تضمين إمارة المؤمنين في بنود الدستور المغربي، والتنصيص على إسلامية الدولة، لما قدموا لنا أول دستور، وأنا عضو في اللجنة، كان دستورا علمانيا لا إشارة فيه إلى الإسلام ولا الإمارة، فطلبت من الملك آنذاك الحسن الثاني أن ينتبه، المغرب بلد مسلم، والعلاقة التي تربط بين العرش والشعب ملخصة في عقد البيعة، والبيعة هي لأمير المؤمنين، وذلك منذ العصر الموحدي يقول الخطيب. الوقوف ضد نظام الحزب الوحيد ثلاث سنوات بعد ذلك، شهد المغرب خلالها أحداثا تلو أخرى، هزت الاستقرار في المغرب، وبدا الصراع على السلطة قويا بين الحكم ومسانيده من جهة، واليسار المغربي يقوده حزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، ظن حينها الجميع أن العرش في خطر، ولذلك فإن الحاجة إلى حالة استثناء وتفعيل الفصل 35 من الدستور مسألة حيوية من أجل التحكم أكثر في عوامل اللاستقرار، لكن الخطيب رأى عكس ذلك تماما، وأعلن موقفه الرافض لحالة الاستثناء يقول الخطيب ” كنت أعتبر إعلان حالة الاستثناء بمثابة انقلاب أبيض، وكنت أخشى أن يؤدي ذلك إلى انقلابات أخرى حقيقية، ومع الأسف ذلك ما وقع” . كان أحرضان رئيس الحركة الشعبية وزيرا للدفاع حينها، بينما كان الخطيب الرجل الثاني في الحزب، وبسبب موقفه الرافض لحالة الاستثناء، انقسم الرجلان، وطرد أحرضان أعضاء كثر من اللجنة المركزية للحزب، كان ذلك المقدمة ليؤسس الخطيب برفقة بعبد الله الوكوتي، رفيقه في درب النضال، حزبا جديدا، أطلقوا عليه اسم الحركة الشعبية الدستورية الديمقراطية في سنة .1967 وفي 1970 سنة إنهاء حالة الاستثناء، أسس الخطيب نقابة حزبه التي أطلق عليها اسم الاتحاد الوطني للشغل المغرب.
بعد حادثتي الانقلاب في 1971 و,1972 وجه الخطيب رسالة إلى الملك الحسن الثاني، حول الوضع السياسي والاقتصادي والاجتماعي في المغرب، واعتبر من جهته أن المخرج الوحيد من هذا المأزق الكبير هو العودة إلى الإسلام وتطبيق الشريعة الإسلامية. كان الوضع السياسي في البلد حينها قد استشرى فيه الفساد وانتشر، وكان ذلك هو السبب وراء انسحاب الخطيب من الحياة السياسية احتجاجا على وضع لا يزداد إلا سوءا وترديا. بقي الخطيب كذلك حتى بداية التسعينات، حينما دق بابه قياديي حركة الإصلاح والتجديد، التي شكلت فيما بعد مع رابطة المستقبل الإسلامي حركة التوحيد والإصلاح، والذين اعتزموا الدخول إلى الميدان السياسي الحزبي عبر الاندماج في حزب قائم، وذلك بعدما رفضت السلطات الترخيص لهم بتأسيس حزب سياسي خاص بهم هو حزب التجديد الوطني وذلك في سنة ,1992 كانت شهور قليلة من التفاوض حول كيفية الالتحاق، كفيلة بعقد المؤتمر الاستثنائي للحركة الشعبية الدستورية الديمقراطية، في يونيو 1996 بعد أربع سنوات من العمل على اساس الإسلام والملكية ونبذ العنف، والعودة إلى الحياة السياسية من جديد.
قام بقيادة سفينة العدلة والتنمية وتسليم المشعل، ظل الخطيب أمينا عاما للحزب، وشارك في قيادة حملة الحزب في انتخابات نونبر 1997 ورعى مسار الحزب في الموقف من حكومة الاستاذ عبد الرحمن اليوسفي، ثم دعم مشروع تغيير اسم الحزب في سنة 1998 إلى اسم العدالة والتنمية وذلك انسجاما مع مقتضيات المرحلة السياسية بالبلاد، وانتخب في 1999 أمينا عاما للحزب بدعم كافة المؤتمرين، وحقق مع الحزب انتصار انتخابات شتنبر 2002 عندما احتل الحزب الموقع الثالث وضاعف وجوده البرلماني ثلاث مرات، وبقي إلى غاية 2004 قائدا للحزب في ظرفية صعبة بعد تفجيرات 16 من ماي وما تلاها من حملة استئصالية شرسة الذي تحمل مسؤولية أمانته العامة حتى 2004م، حيث أصبح الرئيس المؤسس للحزب في مؤتمر أبريل من نفس السنة، ورغم ذلك بقي متابعا لمسيرة الحزب وداعما لها منشغلا بقضاياها حتى وفاته ليلة السبت 27 شتنبر 2008
مذكرة الخطيب الإصلاحية للراحل الحسن الثاني :
تعتبر المذكرة التي أرسلها الخطيب للحسن الثاني، يوم الاثنين سابع رمضان 1392 هجرية، الموافق للسادس عشر من أكتوبر 1972 ميلادية إحدى أهم المذكرات التي عرفها المغرب، وإن لم ينتبه إليها بقدر ما شاع بين الناس مذكرة الراحل عبد السلام ياسين التي حملت اسم ” الإسلام أو الطوفان” ، وتكتسي أهميتها من خلال السياق الذي جاءت فيه، لا سيما أن المغرب عرف إبانها تحولات سياسية، بعد حالة الاستثناء ومحاولات الانقلاب على الملكية. جاء في مقدماتها “والإصلاح لا يمكن أن يتحقق إلا إذا استنبطنا سبله وطرقه من البعث الإسلامي الذي نترقبه ونتعطش إليه، وننتظره بفارغ الصبر، ويضيف ” فالإسلام في حقيقته الثابتة نظام حياة كاملة ولا غرو في مقام العمل الصادق أن نستمد مبادئ إصلاحنا وهداية نهضتنا من مبادئه وعقائده التي بنت حضارته الفذة بالأمس، واستعصت على حملات المحو والإبادة المتكررة حتى اليوم. وبعد أن استعرض الخطيب في مذكرته ما آل إليه الحال شعبيا وحكوميا، بسبب الابتعاد عن شريعة الاسلام، وتفريط الحكومات المتعاقبة، قال للملك الراحل «وإذا كنا نعتبر أنفسنا دولة إسلامية أصبح من الواجب توطيد دعائم الإسلام في البلاد في أساليب الحكم ووسائله وفي تفكيرنا وسلوكنا وقوانيننا وتعليمنا وإدارتنا وقضائنا.
================================================================
6 ـ المرجع نفسه ص 104،105،106
وعند جولة شاملة حول القضاء والدفاع والداخلية والخارجية والتعليم والإدارة والفلاحة والتجارة والسياحة، يصر الخطيب على استحضار الإسلام في كل مجال من هذه المجالات، يقول مثلا عن السياحة «إننا نريدها سياحة تراعي مقوماتنا الوطنية والدينية وتربيتنا وأخلاقنا الإسلامية وتراثنا الحضاري، ولسنا في حاجة إلى سواح يزرعون بذور الإلحاد وسموم اللاأخلاقية، وأفكار التخريب، وشتى أنواع الأمراض وسلوك الخلاعة في وطننا المسلم المؤمن”
الخطيب والكفاح المسلح :
آمن الدكتور الخطيب بقوة بالكفاح المسلح ضد المحتل كسبيل لتحقيق الاستقلال. وهناك في كتابه “مسار حياة” تحمل عنوان ” حين قال بونعيلات للمهدي بنبركة :”سير فحالك القرطاس ايجيب الاستقلال “، مما جاء فيها: “(…) زارنا في تطوان ليلا المهدي بنبركة ليطلب منّا وقف عمليات المقاومة وجيش التحرير وقضى معنا ليلة كاملة يحاول إقناعنا برأيه مرددا أنه “لا يمكننا أن نتفاوض مع الحكومة الفرنسية إلّا إذا أوقفتم أعمالكم الفدائية”، وكان هذا شرطا أساسيا قدمه الفرنسيون لبعثات الأحزاب السياسية المغربية. وبعد ساعات طويلة من النقاش قال له أحد الإخوان، وهو بونعيلات سائلا: “المهدي، من أٍرجعك من المنفى؟” أجابه المهدي بنبركة: “القرطاس”، فقال له بونعيلات: “سير فحالك القرطاس ايجيب الاستقلال”. 7 ================================================================
7 ــــ جهاد من أجل التحرير، وكتاب جيش التحرير المغربي، ومسار حياة
الخطيب يفسد مخطط المصريين:
كانت علاقة عبد الكريم الخطيب بالمصريين وطيدة، وحسب عبد الله رشد، 8 وقبل تأسيس جيش التحرير أبلغ عبد المنعم- الملحق العسكري في السفارة المصرية بمدريد – كلا من عبد الكبير الفاسي وعبد الرحمن اليوسفي بأن الدكتور الخطيب سيتولى مسؤولية جيش التحرير، وفي حالة عدم الموافقة عليه فإن مصر ستوقف مساعدتها. وهذا ما أكده الدكتور الخطيب نفسه في استجواب أعده محمد خليدي وحميد خباش 9 ولما علم علال الفاسي بالقرار لم يجد خيارا آخر غير الإذعان. وعند مجيئه إلى تطوان سأله أصدقاؤه عن السبب في تعيين الخطيب على رأس جيش التحرير، أجابهم بأنه كان يظنه عضوا في حزب الاستقلال، و هذا ما أكده كذلك الدكتور عبد اللطيف بن جلون، في كتابه “الديمقراطية” أقرّ علال الفاسي أن المخابرات العربية في مصر كانت لشجاعة عبد الكريم الخطيب وبعض رفاقه على التحاق جيش التحرير بصفوف الجيش الملكي، وكانت لجهلها بالحقيقة المغربية تعتقد أن في إدخال مقاتلي جيش التحرير للجيش الملكي إيجاد نواة لضباط أحرار يستطيعون القيام بما يطلب نتهم”. وقد أكد الخطيب أن المصريين وقتئذ كانوا يعملون على استمالة المغاربة إلى الاتجاه الجمهوري، وفي هذا المضمار استدعى المصريون عباس المسعدي إلى مصر، إلا أن الدكتور ورفاق دربه أفشلوا هذا المخطط
رأي في بيعة أمير المؤمنين :
شارك الدكتور الخطيب في المناقشات التي جرت داخل قبّة النصر في القصر الملكي بالرباط، والتي تداولت أراء مختلفة حول الطريقة التي وجب بها إعلان سمو الأمير ولي العهد وقتئذ ملكا على البلاد. وقد شهد الجميع لنباهة الدكتور عندما أردف على ردّ المستشار الملكي في الشؤون الاقتصادية، أندري أزولاي – حين قال إن الدستور واضح، وكل ما يجب فعله هو تطبيقه وإعلان ولي العهد ملكا- إذ قال الخطيب: “إن الدستور يتحدث عن الملك، أما بصفته أميرا للمؤمنين فإنه لابد أن تُعقد له البيعة”.
8 ــ صاحب مؤلف “كفاح المغاربة في سبيل الاستقلال والديمقراطية 1953 – 1973″،
9 ـــ كتاب “جهاد من أجل التحرير” مرجع سابق .
وبعد ذلك التمس الدكتور من كلّ من الجنرال حسني بنسليمان ووزير الداخلية آنذاك، إدريس البصري، والجنرال عبد الحق القادري بالتباحث مع جلالة الملك في هذا الشأن. وبعد القيام بالمطلوب وافق جلالته على البيعة المكتوبة
التصدي لنظام الحزب الواحد ورفض حالة الاستثناء :
بعد الاستقلال خاض الدكتور الخطيب معركة أخرى في سبيل منع قيام نظام الحزب الوحيد في المغرب، لذلك سعى رفقة أصدقائه إلى تأسيس حزب الحركة الشعبية في أكتوبر 1957، وكانت المعارك السياسية التي خاضتها هذه الحركة قد أثمرت بصدور ظهير الحريات العامة. وفي سنة 1965 رفض حصلت خلافات عميقة مع رفيقه أحرضان أدت بالخطيب إلى تأسيس حزب جديد أطلق (الحركة الشعبية الدستورية الديمقراطية)، والذي لم يلبث أن جمد عمله احتجاجا على ممارسة السلطة، وكان يرغب في تأسيس حزب إسلامي سنة 1973 يحمل اسم ” النهضة الإسلامية” لكن جوبه بالرفض من طرف النظام وأعضاء للحزب فعدل عن الأمر واحتضن جزءا من التيار الإسلامي المغربي 10
الخطيب مؤسس الاتحاد الوطني للشغل بالمغرب:
لعل أهم ما يميز أول تجربة نقابية للعمال المغاربة في عهد الحماية والتي عاشوها في إطار ” الاتحاد العام للنقابات المتحدة بالمغرب” هيمنة النقابية السياسية. ولقد أطر” الاتحاد العام” من طرف الشيوعيين، وبالتالي فإن ما كان سائدا هو التصور الماركسي للعمل النقابي. هذا التصور الذي يقوم على فكرة مركزية: تبعية النقابة للحزب، إذ الحزب هو ” البوصلة” التي تحدد مواقف النقابة وتوجه نضالاته، هذا التصور الفكري الذي استند إليه ” الحزب الشيوعي المغربي” ستقتبسه منه الأحزاب المغربية الأخرى ابتداء من حزب الاستقلال سنة 1955م بإنشائه للاتحاد المغربي للشغل ثم بخلقه بتاريخ 20 مارس 1960م للاتحاد العام للشغالين بالمغرب، ومرورا بالاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية بتأسيسه للكونفدرالية الديموقراطية للشغل يوم 26 نونبر 1978م وأخيرا وليس آخرا حزب الحركة الوطنية الشعبية بإقامته للنقابة الوطنية للشغل… واللائحة مرشحة للمزيد لا سيما بعد “التفريخات” الحزبية الأخيرة. هكذا أضحى لكل حزب سياسي في المغرب يتوفر على تنظيمه النقابي، وأصبح القادة الحزبيون على مستوى العمل النقابي ” ماركسيين” بدون ” ماركسية” فهل جاء تأسيس الاتحاد الوطني للشغل بالمغرب في هذا السياق، أم كانت هناك رغبة في زعامة نقابة، وإضافة رقم للأرقام السابقة، أم لاختلاف الجذور الفكرية؟ يجيب الدكتور المجاهد عبد الكريم الخطيب: ” لما رأينا أن فكر النقابات المغربية سواء الاتحاد المغربي أو الإتحاد العام للشغالين يطبعه المنهج الماركسي، وتابع لأفكار وسلوكيات النقابة الفرنسي ” س، ج، ت” فكرنا كمسلمين أن نكون منظمة نقابية إسلامية نابعة من تقاليدنا العريقة ومن مبادئنا الدينية. فقد عرف مجتمعنا في الماضي نظام ” الحناطي” الذي كان بمثابة قطاعات مهنية، على رأس كل واحدة منها أمين مسؤول عن الجودة والإخلاص في العمل وقمع الغش والدفاع عن حقوق الصناع، فلا حاجة لاستيراد الأفكار الأجنبية. وهكذا أسسنا الاتحاد الوطني للشغل بالمغرب. وقد استطعنا تأصيل هذا الإنجاز بإصدار كثير من الأدبيات والدراسات بينا فيها مجموعة من الحقائق منها أن أول من دافع عن العمال، ونظم ما يسمى الآن بالسلم المتحرك والترقية في العمل هو عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه. وفي إطار الأنشطة التي قمنا بها، شارك ممثلو النقابة في لقاءات مع المنظمات النقابية العربية، ولكن مع الأسف لم نستطع نشر أفكارنا كما كنا نأمل بسبب مضايقات ومناورات
10 ــ مسار حياة ص 138 وما بعدها.
خصومنا الذين كانوا يقارنونا ب” س، ف، ت، د” على عادتهم في التبعية لكل ما يجري في فرنسا… وأخيرا أؤكد بخصوص هذا السؤال أننا عندما فكرنا في تأسيس الاتحاد الوطني للشغل بالمغرب لم نكن نتمثل أية منظمة أجنبية بل كنا نهتدي بإسلامنا ، كان هدفنا هو تربية العامل المغربي على احترام الآلة التي يعمل بها والمعمل الذي يشتغل فيه وحقوق رب المعمل، لأن الله ربط رزقه بهم.وقد اخترنا لهذا العمل النقابي شعارا إسلاميا بديلا عن الماركسية هو الآية الكريمة” واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا”. لقد كنا نرى أن المطالبة بالزيادة في الأجور هو نوع من الربا. 11 وبناء على هذا التعريف نستنتج أن تأسيس الاتحاد الوطني للشغل بالمغرب ،منذ اليوم الأول، جاء انطلاقا من وعي عميق بحاجتنا في بلادنا وفي المجتمعات الإسلامية عامة إلى تجديد الوعي والممارسة النقابيين، تجديدا يأخذ بعين الاعتبار مقومات شخصيتنا وخصائص هوتنا باعتبارنا أمة إسلامية ذات حضارة عريقة ورسالة إصلاحية متجددة. ( الرؤية النقابية)
مناصرة قضايا التحرر :
نشط الدكتور الخطيب من أجل مساندة قضايا التحرر خاصة على امتداد العام العربي والإسلامي، مقدما تأييده لحركات التحرر في المغرب العربي، وخاصة الجزائر، حيث أسس لجنة عليا مغربية جزائرية للتنسيق بين المقاومتين المغربية والجزائرية. كما ساند حركات التحرر في إفريقيا خاصة حزب المؤتمر الوطني الإفريقي بجنوب إفريقيا بقيادة زعيمه نيلسون مانديلا، الذي حافظ على علاقات متينة معه، إذ قدم له كتابه: “مسار حياة” 12 . كما ساند القضية الفلسطينية، وعمل على تأسيس الجمعية المغربية لمساندة الكفاح الفلسطيني في منزله ، كما ساهم في تشكيل منظمة مساندة للجهاد الأفغاني بعد الغزو السوفييتي، وخلال الحرب في البوسنة والهرسك أسس سنة 1992، الجمعية المغربية لمساندة البوسنة والهرسك، وترأسها.
الخطيب بين مؤيديه ومعارضيه:
إن منتقدي الخطيب أغلبهم من اليسار تحكمهم خلفية فكرانية مختلفة، كان بعضهم يعتقدون أن الخطيب وأمثاله يقفون أمام مشروع استكمال التحرير من التخلف والظلامية والملكية، وجاء ذلك في سياق الصراع بين قوى الرأسمالية والاشتراكية، وسنحيل إلى شخص واحد كان من أشد المنتقدين للخطيب، إنه الصحفي عبد اللطيف جبرو والذي عنون كتابه ب ” عبد الكريم الخطيب؟” 13 ووضع علامة الاستفهام بادية، وفي غلاف الكتاب الصفحة الأخيرة صورة لمقتل عمر بن جلون وتعليق يتحدث عن آخر حلقات ” الشاهد” وإنكار عبد الكريم الخطيب أن يكون له دور في اغتياله، والاكتفاء بكونه استقدم محاميا مصريا من الإخوان المسلمين للدفاع عن ” الشباب المسلمين” الذين اغتالوا عمر بن جلون، وفي الأمر إيحاء بالمسؤولية المعنوية إن لم تكن المادية للخطيب عن هذا الاغتيال بالرغم من غياب أي دليل يعتمده الكاتب. حاول جبرو نقض المسار النضالي للخطيب، وأكد أن مسعاه من الكتاب تصحيح إفادات ؤجل يعتبره لغزا من الألغاز التي يجب فك أسرارها،
11 ــ الرؤية النقابية للاتحاد الوطني للشغل بالمغرب، وأيضا ” الحركة النقابية في مواجهة التحديات المعاصرة” عبد الرحيم مفكير
12 ــ مسار حياة ص 3.
13ـــ عبد الكريم الخطيب ؟ تأليف عبد اللطيف جبرو مطبعة الأحداث المغربية 2009.
كما ينتقد جبرو في الخطيب، مبالغته في إضفاء البطولة على الأدوار التي قام بها في صفوف الحركة الوطنية، ويأخذ عليه في أكثر من موقع في الكتاب، انتقاصه أو تشكيكه في مواقف وأدوار من اختلف معهم سياسيا أيام الكفاح من أجل الاستقلال مثل علال الفاسي والمهدي بن بركة وعبد الرحيم بوعبيد، وهذا مخالف لما جاء في حوارات مع الخطيب، وكلهم قادة بارزون في حزب الاستقلال الذي لم يكن الخطيب على وفاق معه ومع قادته وبعد الاستقلال، ما قاده لتأسيس رفقة المحجوب أحرضان لحزب الحركة الشعبية، ويتهم هذا الحزب بأنه أداة في يد النظام، لتدبير مؤامرات إبعاد حزب الاستقلال من السلطة وبالتالي تأجيل الديمقراطية، بل إن جبرو يتساءل عن الدوافع التي جعلت الخطيب ينساق وراء الراحل أحمد كديرة، ليكون جزءا من الديكور السياسي لحزب الجبهة الدفاع عن المؤسسات الدستورية، ذي السمعة السية عام 1963 حسب تعبيره، وحاول تأكيد أن حقيقة الخطيب، ليس بمثل الهالة الوطنية التي أسبغت عليه، بل يعده في واقع الأمر ركيزة من ركائز النظام السياسي اللاديمقراطي ال1ي أقامه الحسن الثاني، الخطيب في نظر، جبرو، نتاج أصوله العائلية وارتباطاته وتحالفاته وتراثه المادي. وجبرو وإن كان يؤكد أنه ليس بالمؤرخ أو الشاهد أو الطرف في هذا السجال، فهو لا يجرد الخطيب من الوطنية، بقدر ما يحاول وضعه في الموضع الذي يستحقه من وجهة نظره، ما نستنتجه من قراءة كتاب جبرو أن الرجل قارب الموضوع من رؤية إيديولوجية فقد كان منحازا سياسيا للعائلة الاتحادية، مما أفقد الكتاب موضوعية التناول العلمي، ويعتقد صاحبنا أن الخطيب لم يكن خصما نزيها في معاركه الخفية والعلنية مع الاتحاديين. اعتبر جبرو أن الخطيب قام بمهام سياسية طلب منه أن يقوم بها، وأثار جبرو الهالة المفتعلة التي أرادوا أن يحيطوا بها الراحل، حسب قوله، وما ساعده في التعريف بالراحل أو بالأحرى الإجهاز على مساره، اطلاعه على كتابه ” مسار حياة” واقتنع بالتناقضات بخصوص المعلومات المغلوطة التي يقدمها الخطيب باعتباره شاهدا على مراحل مهمة من تاريخ المغرب. كما أن أغلب الشهادات جاء ذكرها في كتاب “مسار حياة ” 14 ونورد هنا بعض هذه الشهادات مختارة نطقت بها فعاليات سياسية وتاريخية في حق الدكتور عبد الكريم الخطيب، نبدأ فيها بالزعيم الإفريقي المعروف نيلسون مانديلا، يقول عن الخطيب: «خشية أن تنسى الجذور الحقيقية لتحررنا، أود دائما أن أتحدث عن الزعماء الذين دون مساندتهم، لم يكن بإمكاننا أن نخوض الكفاح المسلح (…) وإن من بين هؤلاء الزعماء من رحل عنا مثل نكروما وعبد الناصر وهيلا سلاسي، ومنهم من لا يزال على قيد الحياة، وأخص بالذكر جليوس نيريري وكينيث كواندا، والرجل الذي نتحدث عنه اليوم، هذا الرجل الذي مارس الكفاح المسلح في وطنه ضد الاستعمار، وأصبح عضوا في حكومة بلاده بعد الاستقلال، وتقلد منصب وزير الشؤون الإفريقية (…) إن هذا الرجل هو الدكتور عبد الكريم الخطيب من المملكة المغربية، إننا مدينون لكل الزعماء الذين ذكرناهم، وتشكراتنا الحارة لهذا المومن الشجاع الذي يعتبر من مهندسي كفاحنا المسلح. ويقول المفكر الراحل الدكتور المهدي بنعبود رحمه الله: «وبعد معاشرته كل هذه السنوات الطويلة، أقول إنه إنسان شغيل ونشيط شجاع. مقدام لا يهاب شيئا. زاهد في الدنيا. تخلى عن عيادته في وقت عز فيه الطب والأطباء في المغرب. كريم سخي يساعد الناس، أسعده الله وعافاه من كل مكروه
14 ــ وهي شهادات ل : أحمد بن بلة، مولاي العربي الشابي المعروف بالشتوكي، المختار الزنفاري، المصطفى الصنهاجي المعروف ببنعثمان، المهدي بنعبود، الحاج الهادي الديوري، بنعبد الله الوكوتي، الدكتور حافظ إبراهيم، حسن اليعقوبي، حسين برادة، المستشار صالح أبو رقيق، عبد الرحمان الكوهن، عبد السلام الحراقي، عبد الله الحريزي، لويس خوصي، محمد الداحوس، محمد الشرقاوي، محمد بنسودة، محمد المختار بودة، محمد خليدي. من الصفحة 149 إلى 233.
».وكذلك يقول رفيقه في الدرب والكفاح والسياسة إلى يوم الناس هذا، المقاوم وعضو جيش التحرير ، ورئيس المجلس الوطني لحزب العدالة والتنمية، بنعبد الله الوكوتي :»شخصيا لم أفترق معه منذ معركة الاستقلال، رغم خلافنا في الرأي في بعض الأحيان، ومن خلال هاته العلاقة الطويلة معه، أقول إنه رجل شهم، وفي لأصدقائه، يتحمل كل المحن في سبيل كرامته ولا يتنازل عن مبادئه». ويقول المستشار صالح أبو رقيق عضو مكتب الإرشاد لجماعة الإخوان المسلمين بمصر رحمه الله عن الرجل إنه «يتميز بالإيمان العميق، والنظرة السياسية الواسعة، وله تاريخ كبير (…) وهو في نظري قطب من أقطاب الحركة الإسلامية المعاصرة (…) وأذكر هنا أنه كان لي الشرف العظيم في عقد الصلة بينه وبين حركة الإصلاح والتجديد ، فلما جاءني مسؤولو الحركة يطلبون مني ترتيب لقاء لهم مع الدكتور عبد الكريم الخطيب، قلت لهم منبها «إنه رجل عظيم وله تاريخ مجيد حافل بالبطولات وأنتم شباب متحمس، وقد لا تستوعبون كلامه وتصرفاته». فاتصلت بالدكتور عبد الكريم الخطيب، وعرضت عليه فكرة التحاق الإخوان بحركته إذ أنهم في حاجة إلى قيادة حكيمة، فتم اللقاء وحصل الانسجام بتوفيق من الله“. ، فإن الدكتور عبد الكريم الخطيب من الإسلاميين الأوائل بالمغرب، فقد تعرف على زعماء الحركات الإسلامية المشرقية ورموزها منذ شبابه طالبا للطب بباريس. يتحدث الرجل عن ذلك فيقول «كان لي اتصال وثيق بالإسلاميين منذ زمن بعيد، إذ تعرفت على الأخ المصري توفيق الشاوي عضو جماعة الإخوان المسلمين في أثناء دراستي بباريس، كانت بيننا صداقة متينة». وهي صداقة بقيت على متانتها بعد الاستقلال حيث استقر توفيق الشاوي بالمغرب هربا من اضطهاد نظام جمال عبد الناصر للإخوان المسلمين. وإلى جانب توفيق الشاوي تعرف الدكتور عبد الكريم الخطيب على أعضاء آخرين وبارزين في جماعة الإخوان المسلمين، مثل محمود أبو السعود عالم الاقتصاد المعروف، والشاعر الإسلامي عمر بهاء الدين الأميري، والدكتور سعيد رمضان رحم الله الجميع. وفي رابطة العالم الإسلامي تعرف الخطيب إلى علماء كثيرين مثل حسن الترابي، وأبي الأعلى المودودي وأبي الحسن الندوي، ومفتي الديار الفلسطينية الشيخ أمين الحسيني.
شهادة سعد الدين العثماني يقول عن الخطيب 15 ” عاش الصمود أيام المحن الدكتور الخطيب سجل وطني وسياسي حافل لا تكفي الحديث عنه مجلدات، رجل شهم، عاش الصمود أيام المحن، قاوم في سبيل استقلال المغرب، وما توانى في مقاومة مختلف أشكال الاستبداد بعد الاستقلال، ودافع عن الحريات العامة بقوة، وعن مؤسسات البلاد، وقال لا حيث يجب أن يقولها، قال لا ضد الحزب الواحد، وقال لا ضد خنق الحريات، وقال لا ضد حالة الاستثناء، وقاوم الإفساد الانتخابي ووقف ضد صانعيه. ونظرا لإسلامية الرجل الواضحة، ولعلاقاته ومعارفه، فكر في تأسيس حزب إسلامي منذ السبعينات، يقول الخطيب «في سنة 1973 استقبلني صاحب الجلالة الحسن الثاني (رحمه الله) في قصر دار السلام، طلبت منه الإذن لي بإنشاء حزب إسلامي، لأن جميع الايديولوجيات فشلت في تحقيق سعادة الإنسان، والبديل الوحيد لكل ذلك هو الإسلام.»، مضى الخطيب لتحقيق الفكرة في تجمعات حزب الحركة الشعبية الدستورية (سابقا، العدالة والتنمية لاحقا)، خلال سنوات 1973 و1974 ، وفكر في تغيير اسم الحزب باسم إسلامي واضح هو حزب النهضة الإسلامية، ولكن المشروع اصطدم بإدارة مغربية لا تريد حصول ذلك، وبمناضلين حزبيين رافضين. وبقي الدكتور عبد الكريم الخطيب كالغريب في حزبه وبلده، إلى أن تبدلت الأحوال غير الأحوال، وظهرت الطلائع الأولى من الحركة الإسلامية الراغبة في العمل السياسي،
15 ـــ يمكن الرجوع إلى كتاب ” شخصيات مغربية مسارات وذكريات” لسعد الدين العثماني، الشخصية النادرة المثال الدكتور عبد الكريم الخطيب ص 125 وما بعدها.
فالتحمت حركة الإصلاح والتجديد وحركة المستقبل الإسلامي (حركة التوحيد والإصلاح فيها بعد) وحزب الحركة الشعبية الدستورية الديمقراطية، وظهر حزب العدالة والتنمية، ثم شارك في الانتخابات البرلمانية لسنة 1997، واستطاع الحصول على مقاعد خولت له تكوين فريق برلماني، يعتبر إضافة نوعية، وحيوية في الحياة السياسية المغربية دون منازع .
وفي جواب عن سؤال ما يجمع أحرضان بالخطيب قال أحرضان ” جمع بيننا الوفاء لشعار بلدنا الخالد الله ، الوطن، الملك، التقينا وكافحنا من أجل الاستقلال والحرية سويا حتى أصبحنا روحا واحدة تسري في جسدين. 16
مؤسسة الخطيب :
وفاء واعترافا بعمل الرجل وجهاده تم تأسيس مؤسسة حملت اسمه ” مؤسسة عبد الكريم الخطيب للفكر والدراسات”، حيث بادر ثلة من رفاقه من رجال المقاومة وقادة جيش التحرير، وبعض من رفاقه في العمل السياسي القدامى منذ خمسينيات وستينيات القرن الماضي، والجدد منذ الثمانينيات، وكذا بعض من النقابيين والمثقفين والفنانين وسابقي المعتقلين السياسيين الإسلاميين، بادروا إلى عقد اجتماعات تحضيرية من أجل مشروع تأسيسي لتكريم الرجل وتخليد آثاره ووصل الأجيال بعطاءاته، في ما أسموه بمؤسسة عبد الكريم الخطيب للثقافة والعلوم، وقد ناهزت هذه الاجتماعات ما يفوق الثلاثين، ما بين جموع موسعة ولجان تحضيرية، أسفرت عن وثائق وأوراق حافلة وأعمال غنية، كان أسماها كوثيقة تاريخية، الرسالة التي وجهها المؤسسون إلى الديوان الملكي، شهر يونيو 2014، توسما للعناية الملكية، واعتبارا للروابط القوية بين الراحل والمؤسسة الملكية، منذ بدء كفاحه التحريري قيادة، من أجل استعادة الاستقلال والسيادة وعودة الملك والشرعية، وقد اختار المؤسسون لتوقيع الرسالة، عن المقاومة: الرمز الحسين برادة؛ وعن جيش التحرير: العقيد المختار زنفاري؛ وعن الوسط السياسي: الأمناء العامون، محمد خليدي، وعبدالرحمان الكوهن، ومحمود عرشان؛ وعن سابقي الاعتقال السياسي: عبد الله لعماري. وانتقد أحد المساهمين في التأسيس، عبد الله لعماري، انفراد حزب العدالة والتنمية بتأسيس مؤسسة أخرى، أسموها: مؤسسة عبد الكريم الخطيب للدراسات، في خطوة حزبية صرفة منفصلة عن سياق وتراكم مساعي المبادرة الأولى، التي عمرت خمس سنوات، والتي انفتحت في وجه كل الحساسيات السياسية والثقافية بكل تلاوينها، بعيدا عن الإقصاء أو التلوين الأحادي أو التوظيف السياسي، انفتاحا شمل أيضا إشراك بعض الشخصيات التاريخية المؤسسة لحزب العدالة والتنمية، والرائدة للحركة الإسلامية في بداياتها، والتي حضرت الأعمال وأثرت المناقشات.وقد تفاجأ رواد المبادرة الأولى، بالخرجة المتفردة حزبيا لحزب العدالة والتنمية، دون ربط الجسور، أو نسج الأواصر، تواصلا أو امتدادا أو إغناء لما أنجزته تلك المبادرة السباقة، والتي كانت تتثاقل في خطوها عن قصد وروية، توخيا لأن تنضج يوما، للالتحاق بها وتعزيزها، إرادة الحزب الذي نشأ ونما تحت ظلال منجزات الدكتور الخطيب، وتورث مكاسبه وآثاره، وانسجاما مع سمو القيمة التاريخية والروح الوطنية الوحدوية التي كانت تنضح بها أعمال الراحل، ويغشى بها المحافل دولية كانت أم وطنية، دون حسابات ضيقة أو نعرات منغلقة.
وتلقت المؤسسة بمناسبة إحداث “مؤسسة عبد الكريم الخطيب للفكر والدراسات” رسالة ملكية خلال شهر شتنبر 2019المشاركين في أشغال الجمع العام التأسيسي لإحداث “مؤسسة عبد الكريم الخطيب للفكر والدراسات”، الذي اعتبرها جلالته مبادرة محمودة، أبينا إلا أن نزكيها،
16 ــ الزايغ المحجوبي أحرضان ص 39
وأن نشملها برعايتنا السامية، تقديرا منا لهذا الوطني المجاهد، والمقاوم الفذ الذي تحمل اسمه.فالمرحوم عبد الكريم الخطيب تؤكد الرسالة، يعتبر أحد القادة التاريخيين للمقاومة وجيش التحرير، المشهود لهم بخصال الوطنية الصادقة، والنضال المستميت من أجل استقلال المغرب وحريته، والدفاع عن مقدسات الأمة وثوابتها، كما أن عمله النضالي لم يقتصر على وطنه المغرب فحسب، وإنما تجاوزه ليشمل بلدانا شقيقة، حيث ذاع صيته خارج الوطن، بما كان يوفره، رحمه الله، من دعم ومساندة لفائدة المقاومين في الدول المغاربية وفي إفريقيا، من أجل مواجهة الاستعمار والتمييز والاستغلال، وسعيا لاسترجاع الحرية والكرامة.وإننا نحتفظ للدكتور عبد الكريم الخطيب، بما كان يتحلى به من خصال إنسانية رفيعة، ومن تعلق ووفاء وإخلاص للعرش العلوي المجيد، وما كان يحظى به من مكانة خاصة لدى جدنا المقدس، جلالة الملك محمد الخامس، ووالدنا المنعم جلالة الملك الحسن الثاني، طيب الله ثراهما. وهي المكانة ذاتها التي ظل يحظى بها لدينا.وقد ساهم هذا الرصيد النضالي التاريخي المتميز، في جعل الدكتور الخطيب أحد القادة السياسيين المتميزين ؛ إذ أبان، رحمه الله، عن كفاءة مهنية مشهود له بها، وحنكة سياسية عالية، والتزام وطني راسخ، في سعيه الدؤوب والصادق لخدمة بلده وملكه، بكل تفان ونكران ذات، في مختلف المناصب السامية، التي تقلدها طيلة حياته الحافلة بالعطاء. إننا ونحن نستحضر مسار ومناقب هذا المقاوم الوطني الكبير، لنشيد بهذه المبادرة البناءة، التي تندرج في صلب اهتماماتنا ودعوتنا إلى ضرورة توفر الأحزاب السياسية على مؤسسات علمية وفكرية موازية، تساهم في “الرفع من مستوى الأداء الحزبي، ومن جودة التشريعات والسياسات العمومية”، كما سبق وأكدنا ذلك في خطابنا السامي بمناسبة افتتاح السنة التشريعية للبرلمان في 12 أكتوبر 2018م، وإننا نتطلع لأن تشكل “مؤسسة الدكتور عبد الكريم الخطيب للفكر والدراسات”، على غرار المؤسسات الفكرية التابعة للأحزاب الوطنية الجادة، فضاء لحفظ الذاكرة الوطنية، ولإشاعة القيم المغربية الأصيلة، دون تعصب أو مغالاة، وصلة وصل بين الأجيال المتعاقبة، ومنارة للفكر الرصين، والنقاش الجاد والمسؤول، في مختلف القضايا التي تهم الوطن والمواطنين، كما نحثكم على جعلها مركزا لتلاقح الأفكار البناءة، ولتأهيل الكفاءات والنخب السياسية، وإشاعة قيم الوطنية الحقة، التي ظل يجسدها المرحوم عبد الكريم الخطيب، والمتمثلة بالخصوص في الصدق والإخلاص والوفاء لثوابت الأمة ومقدساتها، والالتزام بخدمة المصالح العليا للبلاد، ووضعها فوق كل اعتبار.
خلاصة:
الخطيب قد يبدو عصيا عن التصنيف، لكن الرجل يكفيه أنه كان منحازا إلى الوطن، وفي خدمة الشعب المغربي منذ أن وطأت قدماه كاريان سنطرال، وبدأ في تمريض الفدائيين، وسخر نفسه فداء للوطن وللعرش، كان شرسا في الدفاع عن مؤسسات الدولة الوطنية، وحرص على الانتصار للبيعة الشرعية، وحلم بالمغرب العربي الكبير، وكان يأمل في أن يتده المغرب نحو إفريقيا، رجل آمن بالعربية باعتبارها لغة المغاربة، ودافع عن حرف تيفيناغ، واحتضن المغضوب عليهم من أبناء الحركة الإسلامية، وأمنهم على مشروعه الفكري والحضاري، واشترط عليهم الحفاظ على توابث الأمة، وغادر السفينة، كان واضحا في خياراته الفكرانية، ومنافحا عن الإسلام، واصطف إلى تيار الممانعة، ودافع بكل جرأة عن القضية الفلسطينية، والبوسنية، والأفغانية وغيرها من قضايا الأمة الإسلامية… إنه المجاهد الفلسطيني الذي جعل المغرب ظهرا حاميا للكفاح الفلسطيني، ومأوى واقيا لقياداته وزعمائه، وفي مقدمتهم الرئيس الشهيد ياسر عرفات، والذي كان له الفضل بمساعيه في أن يتبوأ لدى المغرب المكانة الرفيعة اللائقة بمستوى قادة العالم الكبار، وفي بيته تأسست اللبنات الأولى لدعم ومناصرة الكفاح الفلسطيني، إنه المكافح العربي والإسلامي، الذي ساهم تحت رعاية الحسن الثاني في التمهيد لتأسيس “مؤتمر القمة الإسلامي”، بعد جريمة الإحراق الصهيوني للمسجد الأقصى بالقدس، وهو الذي ناصر بقوة قضايا الأقليات المسلمة في العالم، وعمل على إسماع صوتها في أروقة الأمم المتحدة، من خلال نشاطه كعضو مؤسس لرابطة العالم الإسلامي
تعرف في مساره على العديد من العلماء والمفكرين، رجل آمن بالتعددية وواجه فكرة خيار الحزب الوحيد، ووطئت قدماه رمال الصحراء المغربية يوم تنظيم المسيرة الخضراء، وهو من رفض مخرجات اتفاقية آيكس ليبان، لإيمانه بضرورة تحرير جل التراب المغربي، وتكوين جبهة لطرد الاستعمار من الغرب الإسلامي. إنه رجل حماية التراث الحضاري والإسلامي، بإسهامه في مشروع الدفاع عن تراث الحضارة الإسلامية في الأندلس، وتأسيسه من أجل ذلك للجامعة الإسلامية في قرطبة، رفقة نخبة من رجال العلم والسياسة والنضال في العالم العربي والإسلامي، وابتعاثه للدكتور الشهيد علي الكتاني راعيا لهذا المشروع ورئيسا للجامعة. وهو الرجل الذي حرص على التوازن في البلاد، إن من حيث التعدد على مستوى التركيبة السياسية أو من حيث التفاعل بين المقومات الحضارية للهوية المغربية، إذ كان من المتنبهين باكرا، ومن المنبهين إلى ضرورة تصالح المغرب مع رافديه الأمازيغي والعروبي تحت رابطة الإسلام وعلى هديه المنير، إلى غير ذلك مما لا يضطلع على تجليته وإبرازه سوى عمل مؤسسي حافل وحدوي ومتنوع.