قرأتُ لي ولكم: خرجنا من المونديال الأصغر إلى المونديال الأكبر..!

اعداد محمد انين

لا يلزم بعد الآن على المغرب أن يفكر في استضافة المونديال، فقد فهمنا خلال مونديال قطر أن منتخبا طموحا ومقاتلا يحقق مكاسب معنوية ومادية أكبر.

وحسب إحصائيات “غوغل” فإن نسبة البحث عن المغرب في الإنترنيت تضاهي نسبة البحث عن قطر، ثم إن قطر أنفقت فوق المائتي مليار دولار لتنظيم المونديال، وهذا ما لا يمكن أن يكون في مصلحة أي بلد يفكر من الآن فصاعدا في تنظيم كأس العالم.

في النهاية حقق المغرب إنجازا كبيرا، وفهمنا يقينا أن الوقت لم يحن لكي يفوز فريق إفريقي أو عربي أو مسلم بكأس العالم، ليس لأسباب كروية، بل لأسباب سياسية وإيديولوجية محضة، فكأس العالم يشبه ناديا مسيحيا أو مقهى يملكه عنصريون يكتبون على بابه “ممنوع على العرب والسود والكلاب”. لقد ابتكروا المونديال ويريدون أن يبقى لهم. أما “الفار” فهو مثل الفأر، يظهر متى يريد ويختفي متى يريد.

عموما، مع مرور الوقت ستختفي، شيئا فشيئا، حلاوة الإنجاز المغربي في مونديال قطر، فالأفراح الكروية لا تدوم إلى ما لا نهاية، وها نحن نعود إلى واقع مرير نكتشف من خلاله أن أحسن رتبة عالمية حققناها هي الرتبة 11 عالميا للمنتخب المغربي، أما باقي قطاعاتنا التنموية فكلها ترزح ما بعد رقم 100.

بعد أن نافسنا كبار الأمم في كرة القدم من أجل المراتب الأولى، نعود لننافس اليمن والعراق وليبيا وسوريا في مجال التنمية البشرية، ونعود لاكتشافاتنا المريرة بأن قطاعات مثل التعليم والصحة عندنا تشبه، أو هي أسوأ من بلدان تعاني من المجاعات والحروب.

نعود إلى واقع مر نكتشف فيه أن وصول المنتخب المغربي إلى نصف نهائي المونديال لا يمنع أمهات حوامل في القرى البعيدة من التوجه إلى المستشفيات ممددات فوق توابيت وكأنهن في طريقهن إلى القبر، ولا يمنع حوامل كثيرات من الولادة على الأرض في ردهات مستشفيات مقرفة.

سنكتشف أن النية الطيبة للركراكي ولاعبيه لا علاقة لها بالنية الخبيثة للطب الخصوصي والتعليم الخاص، وهي قطاعات تنهش جيوب المغاربة، إلى درجة احتجاز جثامين موتى في المستشفيات إلى حين أداء “مصاريف الاستشفاء”، رغم أن المريض ميت! ونرى كيف أن فراعنة التعليم الخصوصي حولوا هذا القطاع إلى وسيلة للاغتناء السريع بعد أن تخلت الدولة عن كل التزاماتها الاجتماعية.

وصولنا إلى حافة نهائي كأس العالم لن يمنعنا من اكتشاف أننا على حافة الهاوية فيما يخص استنزاف مواردنا المائية بفعل الزراعات المتوحشة، مثل الدلاح والآفوكا والفراولة وغيرها، وأغلبها مخصصة للتصدير، بينما الأمم الكبيرة التي نافسناها في كأس العالم، مثل إسبانيا والبرتغال وفرنسا تمنع هذه الزراعات أو تقننها بشكل صارم جدا.

سنكتشف، أيضا، أن لاعبينا الأشاوس الذين يعرقون ويقاتلون من أجل الوطن وسمعته لا يشبهون مهربي المخدرات الذين تحولوا إلى أعيان، ولصوص المال العام الذين صاروا علية القوم، والفاسدين الذين يعطون دروسا في الاستقامة والصلاح.

سنكتشف أن سجود لاعبينا بعد كل انتصار بقلوب نقية لا تشبه القلوب العفنة للمنافقين وتجار الدين الذين احترفوا الموعظة وجعلوا من أنفسهم قساوسة من القرون الوسطى يبيعون تذاكر الجنة لمن يدفع أكثر.

الإنجاز الكبير في المونديال يجعلنا نعيد اكتشاف أشياء كثيرة جدا، ويجعلنا نتذكر ما قاله السلطان محمد الخامس فجر الاستقلال.. خرجنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر..! ويقصد بالجهاد الأكبر معركة التشييد والبناء في مرحلة الاستقلال.

ونحن كذلك نقول.. خرجنا من المونديال الأصغر إلى المونديال الأكبر.. أي أن نبدأ صادقين في العمل الجاد من أجل البلاد والعباد، ولا نريد أن تتكرر معنا تجربة المقاومين الذين يحكون لأحفادهم تجربة الكفاح ضد الاستعمار فيجيبهم الأحفاد: هل قاتلتم لكي نصل إلى هذا الواقع..!؟

فهل نربح المونديال الأكبر..!؟

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *