حديث الساعة….الحيط لقصير بالعامية

بقلم ابو ايوب
لا حديث اليوم بمناسبة ختم احتفالات اعياد الميلاد مطلع السنة الجارية ، الا حديث الزيادات التي عرفتها بعض المواد الاستهلاكية في انتظار طبعا زيادات اخرى مرتقبة تطال اسعار مواد اخرى اكثر استهلاكا ، لكن لا احد تسائل عن مسوغاتها و تبريراتها لتمريرها ، لماذا هذا الارتفاع المهول في الاسعار؟و بم يمكن تبرير الأمر؟ و كيف يمكن تقبلها طوعا او غصبا ؟ علما بأن الجميع يجمع على تدني القدرة الشرائية لفئات عريضة من مجتمع استهلاكي تعداده يقارب 40 مليون نسمة ، +60% يتضورون في صمت بعدما لحقت الطبقة الوسطى بنظيرتها الاقل حظا و الاكثر عوزا..!
قد يرجع البعض الامر الى ارتفاع الاسعار في الاسواق الدولية ، و منهم من يذهب حد القاء اللائمة على الحرب باوكرانيا و التداعيات الناجمة عنها ، كما قد يقول قائل بان الدولة تعاني ضغوطا و اكراهات و ترسبات الوضع العالمي ، و ما ترتب عنه من عجز في الميزان التجاري و المبادرات التجارية الدولية ، في ظل العقوبات الاقتصادية الغربية في حق روسيا …عقوبات اسهمت في رفع الاحتياطي الروسي من الذهب و العملات ثلاثة اضعاف ما كان عليه الوضع قبل فرضها ، بالتالي اتسائل عن غباء الغرب الذي لم يتعلم الدروس من تجارب كوبا و ايران و الصين و كوريا الشمالية و فينزويلا……بدل الاضعاف ازدادت قوة؟
لكن في المقابل علينا ان نتسائل عن الاجراءات التي اتخذتها مختلف الدول عبر العالم للتقليل من ثقل الازمة ، اخذا بعين الاعتبار ان الازمة طالت جميع الدول …و ان الكثير من الحكومات بادرت الى احتواءها و التخفيف من اضرارها ، فاسبانيا مثلا ، قامت بالغاء الضريبة على القيمة المضافة بما قيمته 200 اورو لفائدة كل اسرة ، اي 2100 درهم مغربي ، و كذلك باقي الدول الاوروبية اتخذت اجراءات لمساعدة المتضررين و الرفع من الأجور… ،مع تخصيص مبالغ مهمة لدعم المواد الغذائية و غيرها من المواد الطاقية من غاز و كهرباء….
فبدل الاقتداء بما قامت به هذه الدول التي لطالما تغنينا بتجاربها …و كم انسقنى في مناسبات و ازمنة عدة وراء الثمثل بنمادجها و خططها الاقتصادية و مقارباتها السياسية ….أهتدت الحكومة اليوم الى نهج مغاير معاكس لانسانية الانسان المغربي ، نفض اليد بشكل كلي عن دعم الشريحة الواسعة من المجتمع المغربي ، مجتمع يغلي و يفور ، فلم تجد بدا سوى الحائط القصير لتصريف سياسة لا اجتماعية خضوعا لاملاءات صندوق النقد الدولي ، و فرض المزيد من الزيادات لمواجهة اكراهات الازمة ما بعد كورونا و تداعيات الحرب باوكرانيا ، و كأني بها حكومة تصريف الاعمال لا اقل و لا أكثر .
و حتى لا نحرص على التمثل الحصري بما قامت به اسبانيا و غيرها من الدول في العالم ، انطلاقا من كونها دولة متقدمة اقتصاديا…و اكثر اهمية و نفوذا منا في العالم ، لا بأس ان نلقي نظرة على تجربة دولة جارة نتناصب و اياها العداء ، نشترك معها الانتساب الى العالمثالثي او الدول النامية و السائرة في طريق النمو ، و هي الدولة التي تجمعنا بها قواسم مشتركة ( الدين و اللغة و الجغرافيا التاريخ ) .
فرغم الازمة السياسية و الاقتصادية التي عصفت بها قبل و ما بعد كورونا مباشرة ، الا انها لم تبادر الى رفع الدعم عن المواد الغذائية رغم غياب البعض منها في الاسواق ، بل قامت في سابقة من نوعها في العالم العربي ، بتخصيص منحة العطالة لكل عاطل او معطل عن العمل ، و الأمر بتقديري لا علاقة له بتاتا بالبحبوحة الطاقية و عائداتها و مداخيلها بالعملة الصعبة ، فالمغرب ايضا غني بالثروات المعدنية و المنتجات البحرية ….، و في ظل الوفرة و انعدام القدرة تحدث اشياء و اشياء …
تفتق عبقرية الجار في ادارة الازمات راجع بالاساس ،الى نهج تبصري تدبيري كسياسة اعتمدت ما بعد الحراك ، و الا بماذا نفسر امر الدول العربية البترولية كالسعودية مثلا ، و التي لم تنحى نفس النحو بتخصيص منحة للعاطلين و الفقراء ؟ ثم اتسائل ، أليس هناك فقراء معدومون يعيشون في شبه غيتوهات ، محرومون حتى من الواد الحار في غيتوهات تشبه الى حد بعيد مخيمات الفلسطينيين بلبنان، وهي الدولة الغنية طاقييا و اول مصدر للنفط عالميا ؟ بالتالي وحدها مداخيل الحج ( + 20 مليار دولار) كافية لحل اشكالية الفقر بالسعودية ، بالتالي و على ما يبدو ، فان الامر غير متعلق بالثروة بقدر ما يتعلق بالحكامة الجيدة و حسن التدبير مع مراعاة انسانية الانسان .
سياسة الارتكاز و الاتكاء على الحائط القصير ، هي سياسة بدون بعد نظر او افق استشرافي للمستقبل المنظور ، سياسة حمالة كوابيس و قلاقل اجتماعية وجب الاحتراس منها ، بالتالي هي سياسة اسقاطية معتمدة و متعمدة لتبرير الفشل في ادارة الأزمات ( الاسقاط و القاء المسؤولية على الغير بدل تحملها ) ، فيما يبقى تحمل النتائج الكارثية من حظ السواد الصبورالمؤمن بقضاء الله ، و هو المشجب الوحيد لتبرير تمرير الزيادات دون وجل او خوف ، في الوقت الذي يرى فيه هذا السواد الاعظم ان وفرة المنتجات و البضائع مردها الاساس ، غياب القدرة على اقتنائها و استهلاكها و ليست عربون بحبوحة عيش و نعمة …

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *