اسماعيل الحلوتي
في الوقت الذي مازال فيه الرأي العام الدولي قلقا بشأن ما تعرض إليه المغرب وليبيا من فاجعتين مروعتين خلال الأسبوع الأول من شهر شتنبر 2023، إثر “زلزال الحوز” الذي ضرب بعنف عدة مناطق في جبال الأطلس الكبير، و”إعصار دانيال” الذي جرف شرق ليبيا وأغرق أحياء بكاملها، حيث دمرت الكارثتان البنيات التحتية بشكل رهيب وخلفتا آلاف القتلى والمصابين والمشردين والمفقودين.
وفي الوقت الذي يواجه فيه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون موجة من الغضب الشديد بفعل توالي الأزمات مع بلدان إفريقيا، جراء عدم قدرته على التخلص من ذلك الاستعلاء الاستعماري وتلك الرؤية التقليدية، التي ظلت تحكم سلوكه وخاصة مع المغرب الحليف التقليدي للجمهورية الفرنسية، مما جعله يتعرض لانتقادات حادة من قبل أحزاب المعارضة وفئات واسعة من المجتمع حول عدة جوانب من سياسته الداخلية والخارجية، حيث ما انفكت الأصوات ترتفع مطالبة بإعادة النظر في سياسة فرنسا تجاه إفريقيا، التي أدت إلى تنامي الشعور المعادي لفرنسا، وبالأخص في كل من النيجر ومالي وجمهورية إفريقيا وبوركينا فاسو…
طفت على سطح الأحداث أزمة أخرى غريبة لم يكن حتى أشد المتشائمين يتكهن بحدوثها من قبل، وتتمثل هذه الأزمة الصحية في الاجتياح المفاجئ للمرافق العامة في العاصمة الفرنسية باريس من طرف حشرة البق أو ما يطلق عليها “بق الفراش” خلال الأيام الأخيرة من شهر شتنبر وبداية شهر أكتوبر 2023، حيث سيطرت حالة من القلق والهلع على الرأي العام الفرنسي، وهو ما جعل وزير النقل “كليمنت بون” يدخل على الخط، من خلال الإعلان عن اتخاذ الحكومة حزمة من الإجراءات الرامية إلى تهدئة روع الفرنسيين، السهر على حمايتهم والحيلولة دون تزايد أعداد الحشرة اللعينة.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن عودة هذه الحشرة التي كانت قد اختفت في خمسينيات القرن الماضي، تعد واحدة من أخطر الحشرات الصغيرة والأكثر صمودا أمام مبيدات الحشرات على اختلاف أنواعها. وهي حشرة بيضاوية الشكل وبدون أجنحة، يتراوح طولها ما بين 4 و7 مليمتر ويميل لونها إلى البني القاتم، ولها قدرة عالية على التكاثر، تتغذى على دماء البشر أثناء النوم ليلا أو نهارا في الأماكن المظلمة، مخلفة لضحاياها حكة شديدة يمكن أن تتفاقم إلى تهيج جلدي لدى البعض. وبالرغم من أن طولها لا يتجاوز السبعة ملمترات، فإنها تحدث مشاكل أكبر من حجمها، ليس فقط بالنسبة للأسر التي تعجز عن مقاومتها والتصدي لاجتياح منازلها، بل كذلك بالنسبة لبلديات المدن الفرنسية، لما تتميز به من سرعة في الانتشار والتوسع في بعض المرافق العامة، فضلا عن أن غذاءها لا يقتصر فقط على الدم البشري، وإنما تهاجم أيضا أنواعا أخرى من الحيوانات، بما فيها الدواجن ومختلف الطيور.
فبخلاف جل الآفات الأخرى، تعتبر الوكالة الأمريكية لحماية البيئة ومراكز السيطرة على الأمراض والأوبئة والوقاية منها ووزارة الزراعة الأمريكية أن حشرة البق “آفة صحية عامة”، لا تنقل الأمراض وتنشرها، غير أنها إلى جانب كونها تسبب الحكة والحساسية الجلدية الشديدة لدى فئة من الأشخاص بعينهم، لا تلبث أن تتحول عند تزايدها إلى مصدر قلق وإزعاج لعامة المواطنين، وتترتب عنها أحيانا عدة مشاكل نفسية واضطرابات في النوم وغيرها.
لذلك ساهم تداول عدد من النشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي صور ومقاطع فيديو حول انتشار “بق الفراش” بالعاصمة الفرنسية في المترو والحافلات المحلية ودور السينما وعلى متن القطارات فائقة السرعة بين المدن وفي مطار شارل ديغول، في ظهور نقاش عمومي واسع في فرنسا تقوده نخب سياسية، خاصة بعد أن دعت بلدية باريس إلى ضرورة التعجيل بالتصدي لهذه الآفة، التي خلفت موجة من الذعر والاشمئزاز حتى خارج الحدود فرنسا، عبر وضع خطة لمكافحتها، خاصة أن موعد انطلاق دورة الألعاب الأولمبية المرتقب أن تحتضنها المدينة بات وشيكا، وهو ما دفع بوزير النقل إلى الإسراع باستدعاء مشغلي القطارات والحافلات، وحثهم على مضاعفة الجهود قصد منع تزايدها في وسائل النقل العمومي…
وبالنظر إلى ما للمغرب من علاقات تجارية مع فرنسا، وتفاعلا مع خبر انتشار هذه الحشرة بداخلها، بادرت وزارة الصحة والحماية الاجتماعية بتنسيق مع مختلف السلطات العمومية المتدخلة في مجال المراقبة الصحية على الحدود، إلى تفعيل نظام اليقظة الصحية والرصد الاستباقي، لمواجهة أي احتمال ممكن لتسرب هذه الحشرة إلى التراب الوطني من مختلف الحدود البحرية والجوية والبرية، ولاسيما بعد تلقيها إشارة من ربان سفينة بميناء طنجة المتوسط قادمة من ميناء مرسيليا الفرنسي يوم 2 أكتوبر 2023، بعد الاشتباه في وجود “بق الفراش” في مقصورة الطاقم، والقيام بتفعيل الإجراءات المعمول بها في مثل هذه الحالات، حيث تم التفتيش الدقيق لجميع مكونات السفينة وحمولتها والفضاءات العامة على سطحها، دون العثور على أي نوع من الحشرات بما فيها هذا النوع الطفيلي…
إننا مهما اختلفنا مع الرئيس الفرنسي ماكرون الذي يحرص على ترجيح كفة الجزائر على المغرب، بعكس ما كان عليه الأمر في عهد رؤساء فرنسا السابقين، ومهما اختلفنا مع بعض النخب السياسية ووسائل الإعلام الفرنسية المعادية للمغرب، التي لا تتورع عن مهاجمته كلما سنحت لها الفرصة بذلك، فإننا نعلن عن دعمنا للشعب الفرنسي في محنته، متمنين له التوفيق في القضاء على “بق الفراش” في أقرب الآجال.