تقرير
بدأ ساكنة الجديدة والنواحي في استهلاك أولى قطرات المياه المحلاة المنتجة من طرف المكتب الشريف للفوسفاط بعد أن جرى التسليم الفعلي لأولى الأمتار المكعبة منها إلى الجديدة خلال الأسبوع الماضي، والتي تعتبر ثاني مدينة مستفيدة من هكذا مشروع بعد مدينة أسفي. وهي مياه صالحة للشرب وموثوقة وستجنبنا خطر الانقطاع والعطش لعقود قادمة. لكن ماذا عن المشروع ككل؟ ما هي فوائده ومخاطره وآثاره المحتملة على الأوساط البيئية في البر والجو والبحر؟ وكيف سيتأثر الناس في عاصمة دكالة والنواحي من هذا المشروع؟
خروج هذا المشروع إلى حيز الوجود لم يكن سهلا نظرا للتحديات التقنية وضيق الحيز الزمني وصعوبة تأمين سلاسل الإمداد بالمواد الضرورية بالنظر لسياق صعب وعالم مضطرب. ورغم ذلك، يبدو أن نساء ورجال الفوسفاط مصممون على تحقيق هدف استخدام المياه غير الاعتيادية حصريا (مياه الصرف الصحي المعالجة ومياه البحر المحلاة) في العمليات الصناعية، والمساهمة في تغطية حاجات سكان المناطق التي يتواجد فيها OCP، وخصوصا الجديدة وآسفي واليوسفية وبنجرير ومراكش. ومن يعرف، قد يصل المكتب يوما إلى إيصال فائض المياه المحلاة إلى حقول الفلاحين كما تصلهم أسمدته.
خطر العطش: الحكومة تستعين بخبرة مكتب الفوسفاط
ومن أجل مواجهة أزمة نقص المياه، يبدو إنتاج المياه الصالحة للشرب عن طريق تحلية مياه البحر حلا مستداما. في هذا الإطار، وقعت ثلاث اتفاقيات جمعت بين الحكومة والمكتب الشريف للفوسفاط يوم 5 يوليوز في الرباط. وحسب بيان لرئاسة الحكومة، ثم إطلاق مخطط استعجالي لتزويد آسفي والجديدة بالمياه المحلاة، حيث سيتيح في مرحلة أولى، إنتاج 85 مليون متر مكعب سنويا خلال الفترة الممتدة من 2023 إلى 2025، وفي مرحلة ثانية بلوغ 110 ملايين متر مكعب سنويا ابتداء من سنة 2026.
وحسب نفس المصدر، تأتي هذه السياسة من أجل تعبئة طويلة الأمد ومستدامة للموارد المائية، من خلال تحلية مياه البحر، وذلك قصد مواجهة الوضع الحالي الذي يتسم بجفاف استثنائي، ومن أجل تخفيف الضغط على الحوض المائي لأم الربيع، وتجنب خطر انقطاع إمدادات مياه الشرب عن سكان المنطقة.
وكان السيد نزار بركة، وزير التجهيز والماء قد صرح لقناة دوزيم أن المغرب يتوفر على 14 محطة لتحلية المياه، ويطمح لإنجاز المزيد خصوصا محطة الدار البيضاء والتي ستكون أكبر محطة تحلية مياه بالمغرب وإفريقيا، بسعة تصل إلى 300 مليون متر مكعب في السنة. وحسب معطيات رسمية، فإن المغرب يتوفر حاليا على 14 محطة لتحلية مياه البحر بقدرة إنتاجية إجمالية تصل إلى 192 مليون متر مكعب في السنة، و 6 محطات في طور الإنجاز بقدرة انتاجية ستناهز 135 مليون متر مكعب في السنة، إضافة إلى برمجة 16 محطة أخرى بقدرة إنتاجية إجمالية ستصل إلى 1490 مليون متر مكعب في السنة، حيث تأتي هذه الاستراتيجية في إطار تبني المغرب لسياسة تعتمد على تعبئة الموارد المائية غير الاعتيادية لمواجهة حالتَيْ الجفاف والإجهاد المائي.
البنك الافريقي للتنمية يمول مشاريع تحلية البحر في الجديدة ومناطق أخرى
تحلية مياه البحر من طينة المشاريع الضخمة ذات الكلفة الغالية، وتحدي تمويل هذا المشروع مطروح بحدة. الإجابة الشافية عن هذا السؤال تحملها وثيقة رسمية للبنك الإفريقي للتنمية تتوفر الجريدة على نسخة منها، حيث يعبأ هذا الأخير 170 مليون دولار لتمويل برنامج الإستثمار الأخضر لحامله: المكتب الشريف للفوسفاط. يروم المشروع إنتاج ثلاث محطات لتحلية مياه المحيط الأطلسي بقدرة 110 مليون متر مكعب سنويا، تعمل بالكامل بالطاقات المتجددة.
فضلا عن ضمان استقلالية العمليات الصناعية في معامل الفوسفاط واعتمادها على المياه غير الاعتيادية، سيوفر مشروع تحلية مياه البحر الولوج للمياه العذبة الصالحة للشرب أو للزراعة لفائدة 1.5 مليون مغربي في مناطق الجديدة وآسفي. كما ينتظر أن يحقق المشروع أثرا تنمويا يهم رفع دخل الأسر عبر توفير مناصب شغل، ودعم القطاع الخاص عبر تحسين التكيف مع تحولات السوق ومتطلبات استدامته وتقوية قدرات الفاعلين، وتحسين النتائج الاجتماعية خاصة المساواة بين الجنسين وتحسين أوضاع الفئات الأكثر هشاشة والتمكين الاقتصادي للنساء.
الجفاف معطى هيكلي والاستجابة الحكومية متأخرة
وإذا كانت ساكنة إقليم الجديدة استبشرت خيرا بهذه الخطوة، خصوصا مع استشعارها لأهمية الثروة المائية وانعكاس ندرة المياه على المعيش اليومي للسكان حيث يروي الفلاحون بحسرة كيف تبخرت الوعود حين تحولت الأراضي السقوية إلى بورية مع نقص صبيب المياه وفرض مزروعات معينة للاستفادة مما تبقى من مياه السقي. وكيف حولت سنوات الجفاف المتتالية حياة الناس في البوادي إلى جحيم. هؤلاء البسطاء يدركون بفطرتهم أكثر من المسؤولين أن التغيرات المناخية حقيقة لا غبار عليها، وأن الجفاف معطى هيكلي وليس مجرد سنوات متوالية، ورغم أن الفلاح المغربي لا يشتكي، لكنه يستغرب تأخر الإستجابة الحكومية.
هذه الاستجابة لأزمة النقص في المياه ليس ضرورية فقط بل مستعجلة، لأن نقص المياه الذي يواجه المغرب يمثل مخاطر كبيرة للسكان الذين من المحتمل أن يؤثر على ظروفهم المعيشية. وحسب بعض التقارير، تشمل هذه المخاطر مشاكل الصحة العامة المتعلقة باستهلاك المياه غير الآمنة، والأمن الغذائي، والانكماش الاقتصادي، والنزاعات والهجرة الداخلية، وزيادة الأعباء على النساء والأطفال، و عدم المساواة الاجتماعية، والتدهور البيئي.
إن سياسة الماء تتطلب الثقة، ويبدو أن صبيب هذه الأخيرة قد يتراجع هو الآخر مع توارد أنباء عن استثمار رئيس الحكومة في الماء كذلك، حيث أفاد موقع الصحيفة أن عزيز أخنوش فاز بصفقة إنجاز أكبر محطة تحلية مياه في المغرب بـ 1.5 مليار دولار ستجعله وفق تفاصيل الصفقة يبيع المياه الصالحة للشرب لسكان جهة الدار البيضاء سطات لـ 27 سنة مقبلة.
الآثار البيئية والاجتماعية لمشروع تصفية مياه البحر بالجديدة: ما العمل؟
من جهة أخرى، تفيد بعض التقارير العلمية أن مشاريع تحلية مياه البحر تواجه كذلك تحديات مرتبطة بالاستهلاك الكبير للطاقة، ومتطلبات الصيانة، ومصير المخلفات كالملح و المحلول الملحي الناتج عن تصفية ماء البحر وكيفية التخلص منه. هذه المخلفات قد تؤثر على التنوع البيولوجي في الأوساط الطبيعية التي ستحتضنه، خاصة النباتات والحيوانات البحرية.
وحسب دراسة تقييم الأثر البيئي التي قامت بها شركة جيزا JEZZA المرتبطة بالمكتب الشريف للفوسفاط والتي تتوفر الجريدة على نسخة منها، وإلى جانب الأثار السابقة وغيرها من الآثار المتوقعة الأخرى، عمل المكتب الشريف للفوسفاط على برمجة ثلاثة استراتيجيات أساسية: تخفيف أو تعويض أو إزالة الآثار البيئية السلبية، وعلى وضع نظام صارم للتتبع والتقييم. وفي هذه المرحلة، لا يسع الساكنة إلا أن تطالب بتنفيذ صارم لهذه التعهدات كشكل من أشكال التعويض وجبر الضرر البيئي.
في الجانب الاجتماعي، يروم المشروع إحداث حوالي 740 مناصب شغل مباشرة وغير مباشرة خلال مرحلتي البناء والاستغلال، وسواء تعلق الأمر ببناء المحطة أو مد أنابيب الإمداد عبر الجماعات المستفيدة وهي الجديدة مولاي عبد الله الحوزية أزمور. وقد التزم المكتب الشريف للفوسفاط – في الدراسة السابقة الذكر بتشجيع توظيف العمال الدائمين أو عمال المناولة قدر الإمكان من مدينة الجديدة والتجمعات القروية المجاورة لها، وتشجيع شراء المستلزمات والسلع المادية قدر الإمكان من مقاولات الإقليم. وهو الأمر الذي يعول عليه كثيرا شباب مدينة الجديدة والمراكز المجاورة حيث تستشري البطالة بشكل مخيف.
وفي الأخير، إذا كانت ساكنة منطقة الجديدة ستشرب من البحر عن طواعية،فإنهم يعولون على التزام المكتب الشريف للفوسفاط لأستجابة أمثل للآثار البيئية والاجتماعية التي سيخلقها مشروع تصفية ماء البحر بالجديدة، و يعولون كذلك على الذكاء الفوسفاطي من أجل إنتاج مياه مأمونة بكلفة معقولة لا نحتاج معها إلى رفع الأسعار.