تفاقم هيجان كابرانات الجزائر!

لم يكن بالحدث العادي الذي يمكن تجاهله أو القفز عليه بيسر، بل كان حدثا تاريخيا وذا أهمية بالغة، ذاك الذي أعلن عنه الديوان الملكي عبر بلاغ صادر يوم الإثنين 17 يوليوز 2023، تناولته باهتمام شديد مختلف وسائل الإعلام الوطنية والدولية، وهو الحدث المتمثل في قرار إسرائيل الاعتراف رسميا بسيادة المغرب على صحرائه الغربية، وفق ما ورد في رسالة رفعها الوزير الأول الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى العلم السامي لصاحب الجلالة الملك محمد السادس.
وهو اعتراف أثار تفاعلا واسعا على وسائل التواصل الاجتماعي، وخلف ارتياحا كبيرا في أوساط المغاربة وعديد الفعاليات السياسية والاقتصادية في المغرب وخارجه. إذ نوه به وزير الخارجية الإسرائيلي “إيلي كوهين”، معتبرا أنه يوطد العلاقات بين الدولتين والشعبين، والتعاون المستمر من أجل تعزيز السلام والاستقرار في المنطقة. فيما رحب به رئيس حزب الجمهوريين الفرنسي “إريك سيوتي”، ودعا فرنسا إلى السير على خطى إسرائيل، والمساهمة في تسوية هذه القضية الاستراتيجية. كما قال السفير السابق للولايات المتحدة الأمريكية بالمغرب ديفيد فيشر: “عندما وقعت في عام 2020 على الخارطة، كنت أعلم أن هذا اليوم آت.. اليوم الذي سأحتفل فيه بتلقي صاحب الجلالة الملك محمد السادس رسالة من رئيس الوزراء نتنياهو تعترف فيها بلاده إسرائيل بسيادة المغرب على أراضي الصحراء الغربية.. إنه اليوم”
ويرى بعض الخبراء أنه رغم تأخر قرار إسرائيل لأزيد من سنتين على الاتفاق الثلاثي بينها والمغرب والولايات المتحدة الأمريكية، ولاسيما أن دولا وازنة في المجتمع الدولي سبقتها إلى الاعتراف بمغربية الصحراء كالولايات المتحدة الأمريكية وألمانيا وإسبانيا، فإن للقرار أبعادا في السياسة الدولية بشمال إفريقيا والشرق الأوسط، لما يمكن أن يقدمه من دعم كبير لاتفاقيات أبراهام المنعقدة تحت الرعاية الأمريكية على عهد الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، حيث ينتظر أن تعرف هذه الاتفاقية دينامية جديدة…
وعلاوة على ذلك، سارع مهتمون بالشأن السياسي إلى التنويه بقرار إسرائيل واستعدادها لفتح قنصليتها بمدينة الداخلة. حيث هناك من اعتبره خطوة هامة نحو المزيد من الدعم للمغرب في قضيته الوطنية الأولى، خاصة بعدما تم إلى الآن فتح 28 قنصلية أجنبية بمدينتي العيون والداخلة. وهو ثمرة جهود دبلوماسية بقيادة الملك محمد السادس وتكريس لأحد أهم المحددات التي وضعها كركيزة أساسية للسياسة الخارجية، ويشكل تجسيدا لما يحظى به المغرب ووحدته الترابية من دعم عالمي، ودفعا قويا بمبادرة الحكم الذاتي كحل وحيد لتسوية النزاع الإقليمي المفتعل حول الصحراء، وسينعكس لا محالة بالإيجاب على علاقات الرباط وتل أبيب، فضلا عن تقوية روابط التعاون بينهما لتشمل جميع المجالات إن على مستوى التنسيق السياسي للمواقف أو على المستوى الاقتصادي أو التجاري أو الاستثمار والثقافة وغيرها…
فالاعتراف الإسرائيلي بسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية، كشف عن اعتماد المغرب في تدبير علاقاته الدولية على دبلوماسية ترتهن إلى الواقعية والبراغماتية والرؤية العقلانية، وتدرك جيدا أن هدفها الأسمى والاستراتيجي يتمثل في بحث السبل الكفيلة بتحقيق المصالح العليا للوطن. وقد اعتبر أحد المواقع الإيطالية أن اعتراف دولة من حجم إسرائيل لها ثقل على الساحة الدولية بمغربية الصحراء، من شأنه تعزيز الدعم المتنامي للمغرب في قضية وطنية عادلة وشرعية، مشيرا إلى أن عدة دول عربية وإفريقية وأوروبية قررت الدفاع عن وحدة أراضيه والاستقرار الإقليمي، فيما باتت مناورات الجزائر الرامية إلى زعزعة الاستقرار مكشوفة لدى الجميع…
والمثير للاستغراب هو أنه كلما حقق المغرب انتصارا دبلوماسيا إلا وتفاقم هيجان كابرانات الجزائر واشتد لهيب عدوانيتهم تجاهه، لأنهم يرفضون هذا الزخم الإيجابي من الاعتراف بمغربية الصحراء وما تشهده مبادرة الحكم الذاتي في الصحراء من إشادة دولية، باعتبارها الخيار الواقعي الوحيد الذي يسمح بتسوية الخلاف الإقليمي المفتعل حول الصحراء، ويحظى بتأييد واسع ودعم مستمر من المجتمع الدولي، بالإضافة إلى الدول الأعضاء الأكثر تأثيرا في قرارات الأمم المتحدة.
فبعد صيام عن الكلام دام ثلاثة أيام، وبعد أن قللت ميليشيات البوليساريو من شأن الاعتراف الإسرائيلي بمغربية الصحراء، جاء أول رد للكابرانات من خلال بيان صادر عن وزارة الخارجية يوم الخميس 20 يوليوز 2023 ينتقدون فيه القرار بشدة، ويصفونه ب”الخرق الفاضح للقانون الدولي ولقرارات مجلس الأمن ولوائح الجمعية العامة للأمم المتحدة. وذكر ذات البيان أن اعتراف سلطة الاحتلال الإسرائيلي ذي السجل الأسود في انتهاك القوانين الدولية بالسيادة المزعومة للمغرب على أراضي الصحراء الغربية، ليس سوى حلقة جديدة في سلسلة المناورات وسياسة الهروب إلى الأمام التي ينتهجها الاحتلال المغربي، معتبرين أنه مجرد صفقة مفضوحة لا يمكنها إضفاء الشرعية على احتلال الأراضي الصحراوية، والمساس بحق الشعب الصحراوي غير القابل للتصرف ولا السقوط بالتقادم في تقرير مصيره، طبقا لقرارات مجلس الأمن ولوائح الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي…”
إننا وبعيدا عن محاولة الكابرانات التلاعب بالرأي العام عبر التوظيف السياسوي للاعتراف الإسرائيلي، والتشويش على النجاح الذي حققه المغرب، بانتزاعه اعتراف إسرائيل بمغربية الصحراء، نثمن عاليا خروجها من دائرة التردد والإعلان عن قرارها الواضح تجاه قضية وحدتنا الترابية، ونؤكد أن هذا الانتصار الدبلوماسي الجديد، يعد بمثابة ركيزة أساسية لتكريس الدور التاريخي والاستراتيجي لبلادنا في إطار دعم الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني والدفاع عنها، وانطلاقة جديدة نحو توطيد مواقفها ومساهمتها المؤثرة قصد إقرار السلم في الشرق الأوسط عبر حل الدولتين تعيشان جوار بعضهما في أمن وسلام.
اسماعيل الحلوتي

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *