مالي: الانسحاب العسكري الفرنسي “لا يعني خروج القوات الفرنسية من منطقة الساحل”

بقلم:عمر التيس

بعد أشهر من توتر العلاقات بين باريس وباماكو على خلفية رغبة المجلس العسكري الحاكم في مالي الاحتفاظ بالسلطة وانتشار مرتزقة مجموعة “فاغنر” الروسية بالبلاد، أعلنت فرنسا وشركاؤها الأوروبيون الخميس رسميا عن إنهاء وجودهم العسكري بالبلاد وهو الذي كان قد ساهم في مكافحة الجماعات الجهادية على مدى التسع السنوات المنقضية. يرى وسيم نصر، صحفي فرانس24 المختص في الحركات الجهادية، أن الانسحاب الفرنسي من مالي سيفسح مجالا أكبر لتحرك الجهاديين في البلاد وقد يعيد فتح باب المفاوضات بينهم وبين سلطات باماكو.

بعد تسع سنوات من وجودها العسكري في البلاد لمكافحة الجهاديين، أعلنت فرنسا وشركاؤها الأوروبيون رسميا الخميس انسحاب قواتها من مالي وإنهاء العمليتين العسكريتين “برخان” و”تاكوبا”.

ويعد هذا الانسحاب نتيجة مباشرة لتدهور العلاقات بين باريس وباماكو على مدى الأشهر الماضية منذ تراجع المجلس العسكري الذي وصل للحكم في أعقاب انقلابين عسكريين عن اتفاق لتنظيم الانتخابات في شباط/ فبراير ورغبته الاحتفاظ بالسلطة حتى عام 2025. كما انتشر مقاتلون ينتمون لمجموعة “فاغنر” الروسية في البلاد في خطوة تشير إلى تنامي مشاعر العداء ضد فرنسا في مالي.

للمزيد – مالي: إنهاء فرنسا لمهمة “برخان” العسكرية يعيد طرح خيار تفاوض باماكو مع الجهاديين

وقالت باريس وشركاؤها في بيان مشترك الخميس “نظرا للعقبات المتعددة التي تضعها السلطات الانتقالية المالية، ترى كندا والدول الأوروبية المشاركة في عملية برخان (الفرنسية) وداخل مجموعة تاكوبا الخاصة، أن الشروط لم تعد متوافرة لمواصلة مشاركتها العسكرية بصورة فعالة في مكافحة الإرهاب في مالي، وقررت بالتالي بدء انسحاب منسق من الأراضي المالية لوسائلها العسكرية المخصصة لهذه العمليات”.

من جانبه، أكد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أن فرنسا وشركاءها الأوروبيين لا يشاطرون المجموعة العسكرية الحاكمة في مالي “إستراتيجيتها ولا أهدافها الخفية”، مبررا بذلك هذا الانسحاب.

الصحفي في فرانس24 وسيم نصر يعود على خلفيات الانسحاب الفرنسي وتداعياته على الوضع الأمني والسياسي في منطقة الساحل.

هل يعد الانسحاب الفرنسي من مالي اليوم فشلا لفرنسا في حربها ضد الجهاديين؟

المفارقة في الانسحاب الفرنسي من مالي أنه يعتبر فشلا سياسيا بالنظرللقرارات المالية والفرنسية التي تلت العمليات العسكرية. فإن كانت هذه العمليات قد نجحت في مراحلها الأولى عام 2013 وفي مراحلها التالية من جهة احتواء الحركات الجهادية في منطقة الحدود الثلاثية بين مالي والنيجر وبوركينا فاسو؛ إلا أن القرارات السياسية لكلا البلدين لم تتلُ تلك العملية العسكرية. حيث لم تسيطر الدولة المالية بشكل فعال على المناطق التي من الجهاديين  حيث اكتفت بنشر الجيش ولم توفر عبر العدالة والخدمات. الجيش الفرنسي قام بمهامه لكن نجاحه لم يكن متبوعا باستراتيجية واضحة لتحقيق الاستقرار. القوات الفرنسية لم تكن تعلم أفق نجاح الحرب بغض النظر عن عمليات احتواء الجهاديين والقضاء على عدد من قياداتهم.

هل سيفتح هذا الانسحاب الباب على مصراعيه للجهاديين في المنطقة؟

من المؤكد أن الانسحاب الفرنسي سيوفر منطقة يمكن أن تتحرك فيها جماعة “نصرة الإسلام والمسلمين” وتنظيم “الدولة الإسلامية” في مالي دون أن يخشى الجهاديون تدخل القوات الجوية الفرنسية، في حال اتخاذ قرار بمنع تحليق الطيران الفرنسي في الأجواء المالية. لكن ذلك يبقى غير معروف حتى الساعة.

بالمحصلة، انسحاب الجيش الفرنسي سيكون له تأثير على الأرض بما أن أكثر عملياته في منطقة الساحل تتم في مالي. ولكن من ناحية ثانية، قد يعيد الانسحاب الفرنسي فتح باب المفاوضات بين جماعة “نصرة الإسلام والمسلمين” وباماكو باعتبار أن هذه الجماعات كانت تطلب انسحاب القوات الفرنسية والأممية من البلاد للدخول في مفاوضات مع السلطة. وقد زرت العاصمة الموريتانية نواكشوط الأسبوع الماضي على هامش “ملتقى أفريقيا للسلام” والذي حصلت خلاله عدة لقاءات بين مسؤولين ماليين ووسطاء بين الطرفين مما يشير إلى وجود تواصل بين جماعة “نصرة الإسلام والمسلمين” وباماكو على هامش الملتقى. ولكننا لا نعلم ما إن كان سيؤدي ذلك إلى هدنة أو مفاوضات علنية. الواقع اليوم هو أن باماكو والجهاديين وروسيا كانوا يريدون خروج فرنسا وها قد تحقق مبتغاهم. وقد تستغل هذه الأطراف ذلك سياسيا ودبلوماسيا من خلال إعادة إحياء النقاشات مع الحركات الجهادية وتوظيفها كمكسب سياسي علما أن باريس كانت تقف عائقا أمام هذه المفاوضات.

كيف سيكون تأثير الانسحاب العسكري الفرنسي من مالي على بلدان الجوار؟

 لن يكون هناك تأثير فعلي لانسحاب الجيش الفرنسي على دول الجوار. فالقوات الفرنسية انسحبت فقط من مالي وليس من منطقة الساحل حيث لا تزال منتشرة في النيجر ولها قواعد في المنطقة وتعمل مع سلطات بوركينا فاسو. صحيح أن الجيش الفرنسي انسحب من مالي لكنه لم ينسحب بتاتا من دول المنطقة وأفريقيا ككل.

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *