ملأ الفراغ في ظل الحنين الى الماضي ( اوكرانيا. تايوان مثال ) 

بقلم ابو ايوب 
       العالم اليوم يشهد تغيرات في موازين القوى بين شرقه و غربه حمالة رسائل ذات بعد جيوستراتيجي ، الهدف الاساس من الحرب الروسية الاوكرانية  خلق سويسرا جديدة محايدة جوار الصين و روسيا ، و ما يتطلبه هذا من حياد بضمانات دولية تمنع اوكرانيا من الانظمام الى الحلف الاطلسي عسكريا. 
   سويسرا كسبت موقعها الدولي ماليا. اقتصاديا. سياسيا من خلال حيادها و عدم مشاركتها في كل الحروب التي دارت رحاها بين الشرق و الغرب ، بالتالي نالت ثقة دول العالم كفاعل مالي مؤثر و كحام حارس للمسيحية و مختلف تفرعاتها ( الكاثوليك. البروتيستانت. الارتودوكس …) ، و هي من تسهر على حماية و امن دولة الفاتيكان بايطاليا، فهل تنجح في هذا اوكرانيا ( سويسرا اوروا الشرقية ) ، و اكثرية الشرق الاوروبي ارتوكوكس و بروتيستانت ! . 
   كما تسعى روسيا من خلال حربها مع اوكرانيا الى حياد هذه  الاخيرة اتقاءا لارتماءها في حضن الحلف الاطلسي ، توسعه الهدف منه محاصرة روسيا و عزلها فيما العين الغربية تتوخى كبح جماح الثنين الصيني اقتصاديا و سياسيا ، هنا اود استذكار كتاب صدر ثمانينيات القرن الماضي تحت عنوان ( عندما تستيقظ الصين ترتعد فرائص العالم/  Quand la Chine s’éveillera le monde tremblera ) . 
   روسيا كما الصين حسمتا موقفيهما من النوايا الغربية  منذ ما يزيد عن عشرين سنة خلت ، اي ما بعد الحرب على العراق و ما تبعها من حرب لبنان 2006 وصولا الى بداية خريف الجمهوريات في الوطن العربي ( ليبيا مثال ) ، و ما استماتتهما في الدفاع عن سوريا سواء عبر ارسال السلاح او من خلال توفير الحماية القانونية لشرعية النظام القائم عبر استخدام حق الفيتو بمجلس الامن الدولي الذي تسيطر عليه القوى الغربية، قلت استماتتهما في الدفاع عن سوريا كان الغرض منه دفاعا عن النفس و تأمينا للمصالح بعد خداع الغرب و خيانته لهما بكل من العراق و ليبيا. 
    صراع المنظومة الغربية مع الشرق هو صراع وجود و ليس نزاع على الحدود ، عصب الصراع فيه الاستحواذ على  مصادر الطاقة رغم التباين البين بين روسيا المنتجة  و الصين المستهلكة و كلتى الدولتين مستهدفتين و معهما كل المنظومة الممانعة ( ايران فنزويلا مثال) ، و ما الحرب على سوريا الا خير مثال . حرب سوريا كانت باسم الديموقراطية و  بذريعة اجثتاث نظام ديكتاتوري يقمع شعبه و رأس الحربة في الحرب كانت قطر التي استثمرت في الاسلام السياسوي ( الاخوان المسلمون) . 
   اليوم تأكد بالملموس ان تلك الحرب كانت بدواعي طاقية بهدف التموقع و احكام التموضع ( بندان اساسيين في اي استراتيجية كيف ما كانت ميولاتها السياسية و اهدافها المالية الاقتصادية العسكرية ). الحرب على سوريا اندلعت من اجل الغاز و روسيا اول المنتجين و ثانيهما قطر و الجزائر ثالثتهما ، حرب شنت بعدما امتنعت سوريا عن الترخيص لمد انبوب غاز قطري نحو تركيا و اوروبا في سبيل انهاء تبعية اوروبا للغاز الروسي ( قرابة 40% من الاحتياجات الغازية الاوروبية / 25% من احتياجات فرنسا/ 40 % المانيا) ، و لما امتنعت سوريا ….كان يا ما كان من خراب و دمار و اقتتات على معاناة اللاجئين بذرائع حقوق الانسان و نشر الديموقراطية ……فمتى كانت الديموقراطية عنوان خليجي قطري سعودي او اماراتي بحريني ….؟ 
   يذكرني السؤال هذا و يعود بي الى بداية خريف الجمهوريات في الوطن العربي ، يومها و بعد ما وقع بكل من تونس و ليبيا و مصر و ما نتج عنها من تحولات و قلب الموازين لصالح المنظومة الغربية ( اغتيال القذافي و قلب نظام الحكم و نشر الفوضى الخلاقة وفق رؤية كوندوليزا رايس/ بيرنار ليفي/ ساركوزي …) ، زار وزير خارجية الجزائر وقتذاك مراد مدلسي دولة قطر الشقيقة و لقاءه بنظيره الامير حمد بن جاسم و رئيس الحكومة ، لقاء تولد عنه تحذير قطري  بان الدور القادم سيكون على الجزائر ، و هذا ما يحيلنا بالضرورة على حرب الطاقة ( غاز و نفط) . 
    صراع الطاقة هذا يتجلى من منظور زاويتين ، امريكا تستحود  على منابع النفط عبر دول وظيفية تابعة كالسعودية و الامارات بعدما سيطرت على منابعه في كل من ليبيا و العراق على اثر نشر الفوضى الخلاقة ،  فيما روسيا تتربع على عرش منابع الغاز صحيح حلفاء محورها ، كايران و الجزائر المستهدفتين غربيا و مصر بدرجة اقل من خلال محاولات الحصار المتكررة و على اكثر من صعيد ، تارة باسم حقوق الانسان و تارة تحت عنوان الحراك الشعبي و نشر الفوضى دفاعا عن حق الشعوب في تقرير مصيرها و انهاء حكم الطغم الحاكمة ( فنزويلا مثال ) . 
    قلت بتنبه  كل من الصين و روسيا للمخططات الغربية منذ الحرب على العراق، و الهجمة الغربية الشرسة للسيطرة على منابع النفط ( الخليج مثال) ، سارعت الدولتان الى تبني خطة مضادة لكبح جماح الاندفاعة الغربية و الحد من تأثيراتها ، خطة ارتكزت بالاساس على قوة ردع عسكرية ضاربة و بأقل تكلفة مالية ، اي بما معناه ، ارتكاز الغرب على حاملات الطائرات ( نيوجيرزي/ شارل دوغول/ الملكة اليزابيت 2 مثالا لا حصرا) ، قابلته منظومة صاروخية دقيقة و غواصات بأقل تكلفة ، أي عدم السقوط في الاستنزاف المالي لموارد الدولة تفاديا للانكماش و العجز الاقتصادي  تفاديا للانهيار ، من منظور ان الحرب هي حرب اقتصادية بامتياز و كسر عضام و قص اجنحة و أظافر لاركاع الخصم . 
    لذا سارعت روسيا لتأمين احتياطي ذهب ( الاولى عالميا) و احتياطي عملة باكثر من تريليون من العملة الصعبة ، فضلا عن تأمين امنها الغذائي و امن حلفاءها ( اول مصدر للقمح على الصعيد العالمي) ، كما شرعت في تدشين  انابيب لنقل الغاز لتأمين احتياجات الحليف الصيني ، في حالة ما اذا قام الغرب بقطع انبوب نورد ستريم المتجه نحو تركيا.المانيا. فرنسا…..، في محاولة للضغط عليها في المسألة الاوكرانية و الحد من اندفاعة القيصر .
  كما تجدر الاشارة كذلك الى نجاح  الثنين حليف الدب في تكبيل الأيادي الامريكية و تقليم اظافر العم سام ، تقليم اقتصادي عنوانه الابرز طريق الحرير لوضع امريكا في حجمها الحقيقي  و الاستحواذ على اكثر من 90% من سندات الخزينة المركزية الامريكية ، اما عسكريا و هذا بكل المقاييس لا يعتبر صدفة او مصادفة ، المبادرة الصينية من خلال التحرش العسكري  بتايوان  سواء بانتهاك مياهها الاقليمية او عبر خرق أجواءها بطائرات حربية…كما يحدث الآن ، او كما حدث بالامس من مناوشات عسكرية امريكية صينية ببحر الصين الجنوبي . 
    و في ظل العجز الغربي عن حماية دوله الوظيفية ( ETATS VASALS )  تتضح الرؤيا اكثر فأكثر ، اي توريط و استعمال  و استغلال فخيانة و غدر ، يتبعها تراجع و تضحية و قرابين على مذبح الهيكل وفق برغماتية غربية شمولية تؤمن بان لا صوت يعلو فوق رنين المصالح ، و ان المصالح هي ما يحدد الهدف و ليس صوت المدافع بعدما راكمه الغرب بزعامة اليانكي من تجارب و خبرات في الفيتنام و افغانستان و اليمن مثال، بالتالي تصبح التضحية باوكرانيا ضرورة حتمية حفاظا على ما تبقى من مصالح و ماء وجه و كبرياء . 
    من هذه الزاوية بالضبط و  وفق تقديري لمجريات الاحداث على الصعيد الدولي ، و تحليلي للمتغيرات على ارض الميدان يمكنني الجزم بتقسيم اوكرانيا الى شطرين شرقي و غربي مع تسجيل حياد الشطرين معا ضمانا لامن و استقرار عالم جديد متعدد الاقطاب شاءت ان ابت امريكا ، غير هذا تفكك المنظومة الغربية في شموليتها   على رأسها امريكا و زمنها في طريق الاندثار ان لم اقل الى مزبلة التاريخ ، سجلوا هذا بالبنط العريض و الايام بيننا و ما هي الا مسألة وقت . قانون الطبيعة و منطق الاشياء يتغنى بما قاله الشاعر : لكل شيئ اذا ما تم نقصان …، و زمن امريكا الى زوال ( بداية التفكك من تيكساس مثال).

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *