حديث رمضان :كيف نحيا بالقرآن (الحلقة الاخيرة)
عبد الرحيم مفكير
عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا حسد إلا في اثنتين : ” رجل آتاه الله القرآن فهو يقوم به آناء ا لليل وآناء النهار ورجل آتاه الله مالا فهو ينفقه آناء الليل وآناء النهار في حقه ” متفق عليه(رواه البخاري ومسلم )
عبد الله بن عمرو قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يقال لصاحب القرآن اقرأ وارتق ورتل كما كنت ترتل في الدنيا فإن منزلك عند آخر آية تقرؤها “، وعن عبدالله بن عمرو بن العاص ـ رضي الله عنهما ـ عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( يقال لصاحب القرآن: اقرأ، وارتق، ورتل كما كنت ترتل في الدنيا، فإن منزلتك عند آخر آية تقرؤها) رواه أبو داوود والترمذي، وقال: حديث حسن صحيح،
وقد شرف الله أمة محمد عليه السلام وجعل خيريتها في حفظ كتابه وصيانته وعدم هجره. فالقرآن الكريم رفع الأمة الإسلامية بالأمس إلى القمة في الخيرية بين كل أمم الأرض، فكانت كما وصفها القرآن الكريم بذلك )كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتومنون بالله ( آل عمران الآية 110. وشهد لها التاريخ المنصف بهذه المكانة العظيمة، كما أخبر بذلك من أنزل اللــُه عليه هذا القرآن صلى الله عليه وسلم حيث قال : ” إن الله تعالى يرفع بهذا القرآن أقواما ويضع به آخرين “.رواه مسلم
وهذا يدل على أن القرآن يرفع العاملين به، ويخفض الهاجرين له، وهو يوم القيامة حجة لأصحابه أو حجة عليهم كما هو معلوم في نصوص الشرع الحكيم. التعامل مع القرآن هو تغيير ما بالنفوس من كسل إلى نشاط، ومن هجر للقرآن إلى ملازمة دائمة له، ومن سوء تعامل إلى إحسان فيه، ومن إعراض عنه إلى إقبال عليه ، وهذا ما نتوخاه بإذن الله تعالى وتوفيقه من وراء هذا الملتقى القرآني الرائد.
إن الاعتناء بدراسة القرآن الكريم ومعرفة أسراره من أوجب الواجبات, فإن أية أمة تشرف بشرف كتابها المنزل.. ولكننا اليوم نشهد هجرا للقرآن العظيم في أنحاء شتى, فقد هجر القرآن الكريم تلاوة, وهجر تدبرا, وهجر عملا, وهجر تحاكما, وهجر استشفاء وتداويا. والعاقل من يدرك مزايا القرآن وحسن الثواب والمنزلة العالية لحامله وقارئه ، والمصاحب له قراءة وتدبرا وفهما ومدارسة وعناية، وتعريفا، وتحبيبا فكيف سنرتقي بكتاب الله لنرتقي في مقام القرب من أهل الله وخاصته، وما وسائل الارتقاء؟ ارتقاء في الحفظ، والضبط، والعناية والدراية والفهم والتدبر والتعليم، وارتقاء في المدارسة، والسلوك، فقد كان النبي عليه السلام قرآنا متحركا بين الصحابة وكان خلقه القرآن ، فكون جيلا من الصحابة قادوا العالم وبلغوا تاب الله للأمم فتشرفوا بالقرآن وارتقوا به، وحولوه إلى منهج حياة ، واعتنوا به رسما وتطبيقا
إن من مزايا حافظ القرآن في الدنيا والآخرة:
أولاً : إن حفظ القرآن عبادة يبتغي به صاحبه وجه الله والثواب في الآخرة ، وبغير هذه النية لن يكون له أجر بل وسيعذَّب على صرفه هذه العبادة لغير الله عز وجل .يجب على حافظ القرآن أن لا يقصد بحفظه تحصيل منافع دنيوية لأن حفظه ليس سلعة يتاجر بها في الدنيا، بل هي عبادة يقدمها بين يدي ربِّه تبارك وتعالى .
وقد اختصَّ الله تعالى حافظ القرآن بخصائص في الدنيا وفي الآخرة ، ومنها :
- أنه يُقدَّم على غيره في الصلاة إماماً .عن أبي مسعود الأنصاري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة فإن كانوا في السنة سواء فأقدمهم هجرة فإن كانوا في الهجرة سواء فأقدمهم سلما ولا يؤمن الرجل الرجل في سلطانه ولا يقعد في بيته على تكرمته إلا بإذنه ” . رواه مسلم ( 673 ) .وعن عبد الله بن عمر قال : لما قدم المهاجرون الأولون العصبة موضع بقباء قبل مقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يؤمهم سالم مولى أبي حذيفة وكان أكثرهم قرآنا . رواه البخاري ( 660 ) .
- أنه يقدَّم على غيره في القبر في جهة القبلة إذا اضطررنا لدفنه مع غيره .عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال : كان النَّبي صلى الله عليه وسلم يجمع بين الرجلين من قتلى ” أحد ” في ثوب واحد ثم يقول : أيهم أكثر أخذاً للقرآن ؟ فإذا أشير له إلى أحدهما قدَّمه في اللحد وقال : أنا شهيد على هؤلاء يوم القيامة وأمر بدفنهم في دمائهم ولم يغسلوا ولم يصل عليهم . رواه البخاري ( 1278 ) .
- يقدّم في الإمارة والرئاسة إذا أطاق حملها .عن عامر بن واثلة أن نافع بن عبد الحارث لقي عمر بعسفان وكان عمر يستعمله على مكة فقال : من استعملتَ على أهل الوادي ؟ فقال : ابن أبزى ! قال : ومن ابن أبزى ؟ قال : مولى من موالينا ! قال : فاستخلفتَ عليهم مولى ؟ قال : إنه قارئ لكتاب الله عز وجل ، وإنه عالم بالفرائض ، قال عمر : أما إن نبيكم صلى الله عليه وسلم قد قال : إن الله يرفع بهذا الكتاب أقواماً ويضع به آخرين . رواه مسلم ( 817 ) .
وأما في الآخرة :
- فإن منزلة الحافظ للقرآن عند آخر آية كان يحفظها .عن عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ” يقال لصاحب القرآن : اقرأ وارتق ورتل كما كنت ترتل في الدنيا فإن منزلتك عند آخر آية تقرأ بها “. رواه الترمذي ( 2914 ) وقال : هذا حديث حسن صحيح ، وقال الألباني في ” صحيح الترمذي ” برقم ( 2329 ) : حسن صحيح ، وأبو داود ( 1464 ) .ومعنى القراءة هنا : الحفظ .
- أنه يكون مع الملائكة رفيقاً لهم في منازلهم .عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ” مثل الذي يقرأ القرآن وهو حافظ له مع السفرة الكرام البررة ومثل الذي يقرأ وهو يتعاهده وهو عليه شديد فله أجران ” . رواه البخاري ( 4653 ) ومسلم ( 798 ) .
- أنه يُلبس تاج الكرامة وحلة الكرامة .عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ” يجيء القرآن يوم القيامة فيقول : يا رب حلِّه ، فيلبس تاج الكرامة ثم يقول : يا رب زِدْه ، فيلبس حلة الكرامة ، ثم يقول : يا رب ارض عنه فيرضى عنه ، فيقال له : اقرأ وارق وتزاد بكل آية حسنة ” . رواه الترمذي ( 2915 ) وقال : هذا حديث حسن صحيح ، وقال الألباني في ” صحيح الترمذي ” برقم ( 2328 ) : حسن .
- أنه يَشفع فيه القرآن عند ربِّه .عن أبي أمامة الباهلي قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول اقرءوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعا لأصحابه اقرءوا الزهراوين البقرة وسورة آل عمران فإنهما تأتيان يوم القيامة كأنهما غمامتان أو كأنهما غيايتان أو كأنهما فرقان من طير صواف تحاجان عن أصحابهما اقرءوا سورة البقرة فإن أخذها بركة وتركها حسرة ولا تستطيعها البطلة قال معاوية بلغني أن البطلة السحرة . رواه مسلم ( 804 ) ، والبخاري معلَّقاً .
ثانياً : وأما أقرباؤه وذريته فقد ورد الدليل في والديه أنهما يكسيان حلَّتين لا تقوم لهما الدنيا وما فيها ، وما ذلك إلا لرعايتهما وتعليمهما ولدهما ، وحتى لو كانا جاهليْن فإن الله يكرمهما بولدهما ، وأما من كان يصدُّ ولده عن القرآن ويمنعه منه فهذا من المحرومين .عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلم : ” يجيء القرآن يوم القيامة كالرجل الشاحب يقول لصاحبه : هل تعرفني ؟ أنا الذي كنتُ أُسهر ليلك وأظمئ هواجرك ، وإن كل تاجر من وراء تجارته وأنا لك اليوم من وراء كل تاجر فيعطى الملك بيمينه والخلد بشماله ويوضع على رأسه تاج الوقار ، ويُكسى والداه حلَّتين لا تقوم لهما الدنيا وما فيها ، فيقولان : يا رب أنى لنا هذا ؟ فيقال لهما : بتعليم ولدكما القرآن ” . رواه الطبراني في ” الأوسط ” ( 6 / 51 ) .وعن بريدة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” من قرأ القرآن وتعلَّم وعمل به أُلبس والداه يوم القيامة تاجاً من نور ضوؤه مثل ضوء الشمس ، ويكسى والداه حلتين لا تقوم لهما الدنيا فيقولان : بم كسينا هذا ؟ فيقال : بأخذ ولدكما القرآن ” . رواه الحاكم ( 1 / 756 ) .والحديثان يحسن أحدهما الآخر ، انظر ” السلسلة الصحيحة ” ( 2829 ) .
تدبر القرآن:
في معنى التدبر:
التدبر هو التأمل والتفكر والنظر في مآلات الآيات ودلالتها وآثارها، هو في الحقيقة استخدام للعقل والفكر أثناء القراءة يعني ليتواطأ اللسان مع القلب والعقل مع التفكير وبهذا نصل إلى الغايات التي من أجلها نزل القرآن.“
- ـ {وَإِذَا سَمِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُواْ مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ }
[(83) سورة المائدة]
- ـ {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ}
[ (2) سورة الأنفال ]
- ـ {وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُم مَّن يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ }
[ (124) سورة التوبة]
- ـ {قُلْ آمِنُواْ بِهِ أَوْ لاَ تُؤْمِنُواْ إِنَّ الَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ مِن قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ سُجَّدًا * وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِن كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولاً* وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا}
[107-109 :سورة الإسراء]
- ـ { إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَن خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا*}
[(58) سورة مريم]
- ـ {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاء وَمَن يُضْلِلْ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ}
[ (23) سورة الزمر]
عن ابن مسعود قال: “كان الرجلُ منا إذا تعلّم عشرَ آياتٍ لم يجاوزهن حتى يعرفَ معانيَهن والعمل بهن” رواه الطبري في تفسيره
قال الحسن البصري : إن هذا القرآن قد قرأه عبيد وصبيان لا علم لهم بتأويله ، لم يأتوا الأمر من قبل أوله ، قال الله عز وجل : { كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ } وما تدبر آياته إلا أتباعه ، أما والله ما هو بحفظ حروفه وإضاعة حدوده .
حتى إن أحدهم ليقول : قد قرأت القرآن كله فما أسقط منه حرفا واحدا ، وقد والله أسقطه كله ،ما ترى القرآن له في خلق ولا عمل .
حتى إن أحدهم ليقول : والله إني لأقرأ السورة في نفس ، لا والله ما هؤلاء بالقرآء ولا بالعلماء ولا الحكماء ولا الورعة ، ومتى كانت القراء تقول مثل هذا، لا أكثر الله في الناس مثل هؤلاء .
وقال أيضا رحمه الله تعالى: إن من كان قبلكم رأوا القرآن رسائل من ربهم، فكانوا يتدبرونها بالليل وينفذونها بالنهار
قال ابن القيم – رحمه الله – : ” فلا شيء أنفع للقلب من قراءة القرآن بالتدبر والتفكر ، فإنه جامع لجميع منازل السائرين وأحوال العاملين ، ومقامات العارفين ، وهو الذي يورث المحبة والشوق والخوف والرجاء والإنابة والتوكل والرضا والتفويض والشكر والصبر وسائر الأحوال التي بها حياة القلب وكماله ، وكذلك يزجر عن جميع الصفات والأفعال المذمومة التي بها فساد القلب وهلاكه ، فلو علم الناس ما في قراءة القرآن بالتدبر لاشتغلوا بها عن كل ما سواها ، فإذا قرأه بتفكر ومر بآية وهو محتاج إليها في شفاء قلبه كررها ولو مائة مرة ، ولو ليلة ، فقراءة آية بتفكر وتفهم خير من قراءة ختمة بغير تدبر وتفهم ”
كيف هو حالنا مع القرآن :
إن الاعتناء بدراسة القرآن الكريم ومعرفة أسراره من أوجب الواجبات, فإن أية أمة تشرف بشرف كتابها المنزل.. ولكننا اليوم نشهد هجرا للقرآن العظيم في أنحاء شتى, فقد هجر القرآن الكريم تلاوة, وهجر تدبرا, وهجر عملا, وهجر تحاكما, وهجر استشفاء وتداويا.
ومعنى هجر القرآن ترك الإيمان به وعدم الالتفات إليه كلية.
2ـ القول السيئ في القرآن, والزعم الباطل بأنه سحر أو شعر أو أساطير الأولين.
3ـ الاعراض والبعد عن القرآن وعدم سماعه ورفع الأصوات بالهذيان إذا قرئ لئلا يسمع.
4ـ ترك العمل به وعدم امتثال أوامره وعدم اجتناب زواجره.
5ـ ترك تحكيمه والاحتكام إليه.
6ـ ترك تلاوته وحفظه أو نسيانه بعد حفظه.
7ـ ترك تدبره وفهمه.
8ـ ترك الاستشفاء والتداوي به.
9ـ الحرج الذي في الصدور منه
قال ابن كثير رحمه الله في تفسير قول الله تعالى: {الَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ} [البقرة: 121]: قال ابن مسعود رضي الله عنه: (والذي نفسي بيده إن حق تلاوته أن يحل حلاله ويحرم حرامه ويقرأه كما أنزله الله ولا يحرف الكلم عن مواضعه ولا يتأوَّل منه شيئًا على غير تأويله)، وعن عمر رضي الله عنه: (هم الذين إذا مروا بآية رحمةٍ سألوها من الله، وإذا مروا بآية عذابٍ استعاذوا منها). ولم يفسرها أحد من الفقهاء في الدين بالتجويد أو الحفظ مجردًا عن التدبر. وقال ابن القيم رحمه الله في تفسير قول الله تعالى: {وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآَنَ مَهْجُورًا} [الفرقان: 30]: (وهذه المتابعة هي التلاوة التي أثنى الله على أهلها… فتلاوة اللفظ جزء مسمى التلاوة المطلقة وحقيقة اللفظ إنما هي الاتباع… والمقصود التلاوة الحقيقية وهي تلاوة المعنى واتباعه… وتلاوة المعنى أشرف من تلاوة اللفظ، وأهلها هم أهل القرآن الذين لهم الثناء في الدنيا والآخرة) مفتاح دار السعادة 1/42. وقال ابن القيم رحمه الله: (فقراءة آية بتفكر وتفهم خير من قراءة ختمة بغير تدبر وتفهم، وأنفع للقلب وأدعى إلى حصول الإيمان وحلاوة القرآن)، وروي عن أيوب عن أبي جمرة قال: قلت لابن عباس: إني سريع القراءة، إني أقرأ القرآن في ثلاث، قال: (لأن أقرأ سورة من القرآن في ليلة فأتدبرها وأرتلها أحب إلي من أن أقرأ القرآن كما تقرأ) 1/187. وقال ابن وهي الأماني) بدائع التفسير: 1/300. وذكر الشوكاني رحمه الله من تفسيرها: (لا علم لهم إلا مجرد التلاوة دون فهم وتدبر) فتح القدير 1/104.
ومالم نتدارك الاعتناء بالقرآن قراءة وتدبرا وتعليما وتحاكما غاب عنا النور والهدى ، وعشنا حالة التيه والضلال، والذل والهوان. لقد شرفنا الله سبحانه وتعالى بخير كتاب أنزل ، وأكرمنا بأفضل نبي أرسل رحمة للعالمين ، جاء بالبيان الشافي لكل سقيم، وأنقذ البشرية من الجهل والأمية، والتبعية والسخرية ، وعبادة الأوثان ، واتباع الشهوات والشيطان. كتاب محكم عزيز حفظ من التحريف والتبديل، برهان ونور، وسراج مبين أضاء الكون للعالمين.
” لقد أنزلنا إليكم كتابا فيه ذكركم أفلا تعقلون” الأنبياء 10 ، ” إنا نحن نزلنا الذكر وغنا له لحافظون” الحجر 9 ، ” كتاب أحكمت ءاياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير” هود الآية 1 ” وإنه لكتاب عزيز لا ياتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه” فصلت 41 ـ 42 ،
عَنْ عَائِشَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : ” مَثَلُ الَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ وَهُوَ حَافِظٌ لَهُ مَعَ السَّفَرَةِ الْكِرَامِ الْبَرَرَةِ ، وَمَثَلُ الَّذِي يَقْرَأُ وَهُوَ يَتَعَاهَدُهُ وَهُوَ عَلَيْهِ شَدِيدٌ فَلَهُ أَجْرَانِ ” عن عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : ” خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ وَعَلَّمَهُ ” ، قَالَ : وَأَقْرَأَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ فِي إِمْرَةِ عُثْمَانَ حَتَّى كَانَ الْحَجَّاجُ قَالَ : وَذَاكَ الَّذِي أَقْعَدَنِي مَقْعَدِي هَذَا .
عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : ” إِنَّ أَفْضَلَكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ وَعَلَّمَهُ ” . عَنْ جُنْدَبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : ” اقْرَءُ وا الْقُرْآنَ مَا ائْتَلَفَتْ قُلُوبُكُمْ فَإِذَا اخْتَلَفْتُمْ فَقُومُوا عَنْهُ ” .
عَنْ أَبِي مَالِكٍ الأَشْعَرِيِّ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : ” الطُّهُورُ شَطْرُ الإِيمَانِ ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ تَمْلأُ الْمِيزَانَ ، وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ تَمْلآَنِ أَوْ تَمْلأُ مَا بَيْنَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ ، وَالصَّلاَةُ نُورٌ ، وَالصَّدَقَةُ بُرْهَانٌ ، وَالصَّبْرُ ضِيَاءٌ ، وَالْقُرْآنُ حُجَّةٌ لَكَ أَوْ عَلَيْكَ ، كُلُّ النَّاسِ يَغْدُو فَبَايِعٌ نَفْسَهُ فَمُعْتِقُهَا أَوْ مُوبِقُهَا ” مسلم
وعن عَائِشَةَ قَالَتْ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : ” الْمَاهِرُ بِالْقُرْآنِ مَعَ السَّفَرَةِ الْكِرَامِ الْبَرَرَةِ ، وَالَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ وَيَتَتَعْتَعُ فِيهِ وَهُوَ عَلَيْهِ شَاقٌّ لَهُ أَجْرَانِ ” .
يُحَدِّثُ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَنَحْنُ فِي الصُّفَّةِ فَقَالَ : ” أَيُّكُمْ يُحِبُّ أَنْ يَغْدُوَ كُلَّ يَوْمٍ إِلَى بُطْحَانَ أَوْ إِلَى الْعَقِيقِ فَيَأْتِيَ مِنْهُ بِنَاقَتَيْنِ كَوْمَاوَيْنِ فِي غَيْرِ إِثْمٍ وَلاَ قَطْعِ رَحِمٍ ” ؟ فَقُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ نُحِبُّ ذَلِكَ . قَالَ : ” أَفَلاَ يَغْدُو أَحَدُكُمْ إِلَى الْمَسْجِدِ فَيَعْلَمُ أَوْ يَقْرَأُ آيَتَيْنِ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ خَيْرٌ لَهُ مِنْ نَاقَتَيْنِ ، وَثَلاَثٌ خَيْرٌ لَهُ مِنْ ثَلاَثٍ ، وَأَرْبَعٌ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَرْبَعٍ ، وَمِنْ أَعْدَادِهِنَّ مِنَ الإِبِلِ ” ..
إن أهل الله مقدمون على غيرهم في الدنيا والآخرة ، فهم مقدمون في الدنيا بحديث في عبادة من أشرف العبادات، وهي الصلاة، قال: « يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله » .
ومقدمون في البرزخ في الحديث الذي بعده قال: « كان يجمع بين الرجلين من قتلى أحد في ثوب واحد ثم يقول أيهم أكثر أخذاً للقرآن » “ وهذا الحديث ورد في سياق الحديث عن غزوة أحد التي قتل فيها أكثر من سبعين رجلا من الصحابة -رضوان الله تعالى عليهم- فهذا في البرزخ في القبر، وهذا من التقديم والكرامة.
ل الكرامة أنه مكرم ومقدم في الدنيا بالإمامة بإمامة الصلاة.
التقديم: لثانيةا من بين الشهداء فيبدأ به أولا في الدفن.
:الثالثة : الذي هو التقديم في الآخرة كما تقدم من الحديث السابق، حديث: « يقال لصاحب القرآن اقرأ وارق ورتل كما كنت ترتل في الدنيا فإن منزلتك عند آخر آية تقف عندها »7 هذا في الآخرة
فتبين بهذا أن قارئ القرآن مقدم في هذه الأحوال الثلاثة، وهذا ولا شك فضل ومزية، وكرم من الله تعالى، وهذا الحديث ذكره المؤلف في هذه الفضائل لبيان فضل أهل القرآن، وأنهم مقدمون، وإلا فإن الحديث يذكر في الغالب في أبواب الفقه وفي باب الصلاة كتاب الصلاة حينما قال -عليه الصلاة والسلام- « يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله » “.
إن الله كما أن أسلفنا شرف أمة محمد عليه السلام وجعل خيريتها في حفظ كتابه وصيانته وعدم هجره. فالقرآن الكريم رفع الأمة الإسلامية بالأمس إلى القمة في الخيرية بين كل أمم الأرض، فكانت كما وصفها القرآن الكريم بذلك )كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتومنون بالله ( آل عمران الآية 110. وشهد لها التاريخ المنصف بهذه المكانة العظيمة، كما أخبر بذلك من أنزل اللــُه عليه هذا القرآن صلى الله عليه وسلم حيث قال : ” إن الله تعالى يرفع بهذا القرآن أقواما ويضع به آخرين “.رواه مسلم .
وهذا يدل على أن القرآن يرفع العاملين به، ويخفض الهاجرين له، وهو يوم القيامة حجة لأصحابه أو حجة عليهم كما هو معلوم في نصوص الشرع الحكيم. التعامل مع القرآن هو تغيير ما بالنفوس من كسل إلى نشاط، ومن هجر للقرآن إلى ملازمة دائمة له، ومن سوء تعامل إلى إحسان فيه، ومن إعراض عنه إلى إقبال عليه ، وهذا ما نتوخاه بإذن الله تعالى وتوفيقه من وراء هذا الملتقى القرآني الرائد