الحاجة إلى العمل النقابي

بسم الله الرحمن الرحيم
 على هامش الاحتفال باليوم العمالي وكي يصبح العيد عيدا.
بقلم : مفكير عبد الرحيم
الناظر في واقع الحال يبدو له أن هناك إجماعا على تراجع نسبة الانتماء للعمل النقابي ويتخذ المسيرات والوقفات والتجمهرات مؤشرات دالة ومؤكدة لمصداقية هذه الرؤية أو وجهة النظر. وترى جهات أخرى أن العمل النقابي بالرغم من ضعفه عالميا ووطنيا حيث لا يتجاوز نسبة 12% بالنسبة للمنتسبين إليه والمهتمين به ،ما زال رائدا وفاعلا حقيقيا في الساحة المغربية وآلة من آليات سن القوانين والمطالبة بالحقوق.
إن الموضوعية تقتضي النظر إلى الفعل والعمل النقابي بمستوى التراكم والإنجازات التي حققت على أرض الواقع، لاسيما الترسانة القانونية والمكاسب الاجتماعية والقدرة الإبداعية في اقتراح مشاريع قوانين وسنها، وباعتباره الضامن الحقيقي لمطالب الشغيلة العمالية.
ولا يخالف أحد في أن قوة أي حكومة لا تكون إلا بقدر وجود وحياة هذه الجسم الفاعل والحيوي. فإنه بدون نقابات لا مكان للباطرونا ولا للحوار ولا تأطير للعمال ولا مخاطب. وسنكون مرغمين وتائهين أمام جحافل من العمال بدون تمثيلية.
والمطلوب اليوم أن يقتنع الجميع بأن العمل النقابي هو صمام الأمان للجانب الاجتماعي والممثل الحقيقي للطبقة العاملة والحامل لمشعل التحرر والانعتاق من كل الأساليب البالية التي دأب عليها العديد من أعداء الحقوق والراغبين في الاغتناء بأقل تكلفة ، كما أنه بوصلة العمل السياسي والمجهر الكاشف للوبيات الفساد والمفسدين. وقوته من قوة المجتمع وضعفه من ضعفه، وإن كان بداخله فاسدون مفسدون عليه الكشف عنهم وطردهم والتنكر لهم والتبرؤ منهم.
إن الدفاع عن العمل النقابي دفاع عن شرفاء هذا الوطن باختلاف مشاربهم ورؤاهم وتصوراتهم فكثيرون منهم قضوا نحبهم ، وكثير حاولوا تدنيسهم والتقليل من شأنهم وما قاموا به من عمل، ولكن العظماء يكتبون بمداد الفخر وينحتون على الصخر وتعلوا في الآفاق راياتهم خفاقة تدل عليهم. ليس بمنطق ، الاختلاف الإيديولوجي ، التنكر لتضحيات المضحين ونضال المناضلين والمناضلات شهداء الطبقة العاملة وأصحاب المبادئ المنافحين عنها والمرابطين في زمن الرصاص حتى تحقق ما تحقق اليوم.
لكي نعيد الثقة للعمل النقابي:
المتتبع للعمل النقابي والمنخرط فيه يدرك أن سبب ضعف العمل النقابي يرجع إلى عدة أسباب نذكر من بينها : أولا :وجود بعض مرتزقة العمل النقابي أصحاب الريع والذين يغتنون منه ويحافظون على مناصبهم .
ثانيا: بطء الإصلاحات والتي جزء منها مرتبط بالمطالب العادلة والمشروعة للشغيلة.
ثالثا: استئساد بعض الباطرونا وعدم وجود مقاولة مواطنة تراعي حقوق العمل.
رابعا : وجود بعض العمال الغشاشين الذين لا يراعون حقوق رب العمل ولا يقومون بواجبهم.
خامسا: استفادة فئة عريضة من موظفين من الترقيات وانتهاء سلم الترقي بالنسبة لهم وانشغالهم بالساعات الخاصة والبحث عن موارد جديدة وعيش جديد بعقلية “برجوازية” وانتهازية والترقي في السلم الاجتماعي، فهؤلاء طلقوا العمل النقابي وارتاحوا منه بعد أن قضوا مآربهم.
سادسا : تشبث الزعامات الكارطونية، لاسيما بعض المركزيات النقابية التي تدعي وتطالب بالديمقراطية والعدالة الاجتماعية ، بالمناصب وعدم إعمال الآلية الديمقراطية في التداول على السلطة .
سابعا : وجود نقابات مركزية ذيلية تابعة لأحزاب أينما توجهها تتوجه، بل أكثر من ذلك فهي تخدم أجندتها بعد أن تعطلت الآلة الحزبية في القيام بواجب المعارضة .
ثامنا : وجود فئة عريضة من المنسحبين المتفرجين وهؤلاء آفة أخرى تأكل الغلة وتتفرج على الملة فإن جاءت الغنيمة فرحوا بها وإن تعثر المناضلون الشرفاء في تحقيق المطالب احتسوا كؤوس الشاي بالمقاهي و”تمشخروا” عليهم وكأن الأمر لا يعنيهم، ويتبجحون نحن لسنا مع أي فئة ولا أي نقابة ولا أي حزب نحن أحرار وهم لا يدركون أنهم يشكلون غالبية المتفرجين ونقابة المراقبين من بعيد، لا هم في العير ولا في النفير.
تاسعا :وجود حكومات تعاقبت على الحكم بالمغرب غير مسؤولة لا تؤمن بالحوار الاجتماعي ولا تحارب الفساد ولا لوبياته، وتتواطئ مع بعض النقابات والباطرونا وتقف في وجه الشغيلة لأنها تخالف رؤيتها وبرنامجها، وتكون رهينة إملاءات الصندوق الدولي ومراكز القرار الخارجية . وقد ساهمت هذه الحكومات المتتالية في تعميق الجرح العمالي وشرخ جسمه وتفتيته وطرد آلاف العمال وشردت أسر وجوعت جزءا كبيرا من أبناء المجتمع.
وهذا غيض من فيض ومن أراد الوقوف على الاختلالات فما اكثرها و”أمرها ” من المر .
إن إعادة الثقة للعمل النقابي تقتضي دمقرطة هذا العمل وتجاوز الاختلالات الآنفة الذكر. وهي مهمة ومسؤولية جماعية تحتاج إلى تضافر الجهود والقيام بعمل جبار ومتيز يضع نصب عينه المبادئ ويحافظ عل المكتسبات ويؤسس لميثاق جديد ينطلق من القيام بالواجبات والمطالبة بالحقوق ويحدد المسؤوليات ويقوم بالمحاسبة ، ويعلي من شأن المصلحة العامة.
عبد الرحيم مفكير
عضو المكتب الجهوي للجامعة الوطنية لموظفي التعليم جهة البيضاء. سطات.

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *