بالخيال العلمي.. كيف ستكون فلسطين بعد مئة عام على النكبة؟

عن موقع: بالعربية 
بقلم إيفون سينغ
ترجمة وتحرير نجاح خاطر
تناقش الكاتبة بسمة غلاييني في مقدمة كتاب “فلسطين +100: حكايات من قرن مضى على النكبة“، سبب تجنب الكتاب الفلسطينيين عمومًا تناول الخيال العلمي في كتاباتهم.
وتعبّر في تقديمها للكتاب، وهو مجموعة من القصص القصيرة يتخيل فيها 12 كاتبًا فلسطينيًا الحياة عام 2048، عن اعتقادها بأن “الحاضر القاسي والماضي المؤلم يحولان دون السماح لخيال الكتّاب الفلسطينيين بالإبحار في مغامرات خيالية محتملة”.
يحوي الكتاب مجموعة قصصية مستوحاة من النكبة: الطرد القسري لـ 700 ألف عربي فلسطيني عام 1948 لإنشاء دولة إسرائيل التي تسببت في أزمة لاجئين يتردد صداها حتى اليوم الحاضر.
و تقول الغلاييني:” بعد أربعة أجيال متتالية، لا يزال بمقدور أي طفل فلسطيني أن يخبرك بكل شيء عن الحديقة الخلفية لجده في حيفا أو يافا أو المجدل، بل يمكن لأطفال اليوم أن يخبروك عن مطابخ جداتهم وأصناف الطعام على أطباقهن وألوان التطريز على وسائدهن”.
وتمضي قائلة:” هذا الطفل لم يزر أبدًا أيًا من هذه الأماكن بالطبع، ولكن طالما أنهم يحتفظون بذكرياتهم حية، فسيكون الأمر إذا عادوا كما لو أنهم لم يغادروا أبدًا”.
وأضافت الكاتبة:” في الواقع، أينما كان اللاجئون الفلسطينيون في العالم، هناك شيء واحد يوحدهم هو إيمانهم المؤكد بحقهم في العودة”.
هذه الذكريات هي التي تخبرنا بافتتاحية أغنية الطيور لسليم حداد، كيف فقدت البطلة آية البالغة من العمر 14 عامًا صوابها بعد انتحار أخيها الأكبر زياد. 
يزور زياد آية في أحلامها، ويخبرها ملمحًا إلى ما سيأتي: “أنت تعرفين كيف نكون نحن العرب، نعيش محاصرين في الذكريات الوردية عن أسلافنا، هذه الذكريات المستترة تغلف حياتنا مثل طبقة جلد ثانية”.
تخبرنا قصة أخرى كيف يحوّل المد يومًا ساحليًا مثاليًا في غزة عام 2048، حيث الشاطئ الملون والسماء الصافية والبحر الأزرق الهادئ وأصوات الموسيقى والأطفال السعداء، إلى أرض قاحلة مليئة بمياه الصرف الصحي ومكتظة بالأهوال.
أما قصة حداد فهي أكثر إثارة للمشاعر لأنها مكتوبة في ذكرى الكاتب الشاب مهند يونس الذي انتحر عام 2017، حيث لا يلاحق شبح الماضي المهترئ حاضر غزة فحسب، بل يلوح في مستقبلها أيضاً. 
وفي رواية أنور حامد المفتاح، التي ترجمها أندرو ليبر، تعذب الأشباح الفلسطينية إسرائيليي المستقبل، الذين حاولوا استبعاد جرائم التاريخ، فهنا لا يمكن لأي قدر من التكنولوجيا شراء راحة البال في أرض مسروقة أساسًا.
تقوم إسرائيل، التي يغذيها جنون العظمة، ببناء درع شفاف لمنافسة نجم الموت، “جدار الجاذبية” الذي يهدف إلى إبعاد غير المرغوب فيهم. 
يوضح حامد مفهوم التكنولوجيا بالقول أنه فقط باستخدام “الكود” الصحيح يمكن لأي شخص أن يمر عبر البوابات، ستكون هذه أجزاء معقدة من التعليمات البرمجية التي يمكن للدولة تنظيمها وتحديثها والتحكم فيها، حيث يسمح بدخول من تريدهم الدولة فقط، ويبعد أولئك الذين لا تريدهم “.
يخشى منشئ الجدار، لسبب وجيه، “صور الذين يحملون مفاتيح أكثر من خشيته لأي صفقة أسلحة توقعها البلدان المجاورة”، إنها قصة رمزية فعالة، ذات تأثير في الوعي الجمعي للنازحين.
يظهر الإحساس القوي بالهوية إلى حد ما في التطبيق 39 الهزلي لأحمد مسعود، عندما قام اثنان من فنيي تكنولوجيا المعلومات باختراق نظام الكمبيوتر الخاص باللجنة الأولمبية الدولية، وتقديم عرض لاستضافة دورة ألعاب 2048 في غزة.
تم قبول طلب المخادعين وبدأت أعمال البناء في مدينة يبلغ عرضها 6 كيلومترات فقط.
 وجاء في القصة أن “ما بدأ كمزحة أصبح واقعًا جديدًا لديه القدرة على تغيير مستقبل المدينة بأكملها”.
وأنه “بعد قرن من الانقطاع عن العالم، سيأتي العالم الآن فجأة إليهم، سيقوم بزيارة هذا السجن”. 
لم تنته النكبة عام 1948
إذا كان الكتّاب الفلسطينيون، كما كتبت الغلاييني، غير معتادين على نوع الخيال العلمي، فإن هذا الكتاب لا يحمل أخطاء، حيث تعيد هذه المجموعة الجديرة بالتنقيب والاستكشاف تذكير الغرب بأهوال الوجود الفلسطيني في الوقت الحالي.
إنها، في بعض الأحيان، قراءة غير مريحة كما تشير الغلاييني، حين تصبح إعادة صياغة الحاضر من أجل التحقيق فيه أمرًا ضروريًا للكتاب العرب المبتلين بالرقابة والاتهامات بمعاداة السامية.
في نظرها، لم تنته النكبة عام 1948، بل تطورت بكل بساطة مع كل اقتحام إسرائيلي وحاجز توقيف وتفتيش واستيلاء على الأراضي منذ ذلك التاريخ، مما يؤكد الواقع اليومي للفلسطينيين. 
تستنتج الغلاييني أن “حياة الفلسطينيين اليومية هي نوع من الواقع المرير، فكل ما يحتاجه الفلسطيني في الضفة الغربية لمعرفة ما هو الاحتلال الاستبدادي الحديث، هو تسجيل رحلته إلى العمل، أو التحدث مرة أخرى إلى جندي من الجيش الإسرائيلي عند نقطة تفتيش، أو نسيان حمل بطاقة هويته، وهو شيء لا يمكن للناس في الغرب أن يبدأوا في فهمه إلا من خلال لغة ديستوبيا “.

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *