السيارة الجزائرية المثيرة للسخرية!

إسماعيل الحلوتي 

لم يعد يؤلمنا إصرار كابرانات قصر المرادية على توجيه الاتهامات الباطلة للمغرب وتحويله إلى عدو لدود يهدد أمن واستقرار الجزائر، في محاولة مكشوفة لصرف أنظار الشعب الجزائري الشقيق عن مشاكله وأزماته الداخلية التي لا تكاد تنتهي حتى تبدأ من جديد بشكل أكثر شدة وقسوة، ولا حتى هدر تلك الميزانيات الضخمة من عائدات النفط والغاز في دعم وتمويل ميليشيات البوليساريو الانفصالية والإرهابية وشراء ذمم ضعاف النفوس في الداخل والخارج، بهدف معاكسة المغرب في وحدته الترابية وتعطيل مساره الدبلوماسي والتنموي الناجحين.
بل إن ما يستفزنا أكثر هو أن يحاول النظام العسكري الفاسد مجاراة المغرب في كل كبيرة وصغيرة، إذ لا يتورع عن سرقة تراثنا وأسماء المؤسسات الدستورية المغربية، ولا يخجل من استنساخ تجاربنا والتقليد الأعمى لمنجزاتنا في كافة المجالات، اعتقادا منه أنه بهكذا سلوك يمكن تحقيق النماء والرخاء، بعد أن أوصلته عقيدة العداء للمغرب وسياساته الفاشلة إلى الحضيض وجعلت الشعب يصطف في طوابير للحصول على بعض المواد الأساسية مثل الحليب والخبز وغيره، علما أن الجزائر تملك من الثروات ما يمكن أن يجعلها في مصاف الدول المتقدمة على عدة مستويات. ناسيا أن ما حققته المملكة الشريفة من تقدم وتنمية لم يأت من فراغ، وإنما بالاستناد إلى مخططات مدروسة بدقة واستراتيجيات وطنية منسجمة ومتكاملة في سائر القطاعات، وأنها حريصة على تحيينها باستمرار في ضوء المستجدات الداخلية والخارجية، معتمدة في ذلك على الاستثمار في مواردها الذاتية.
ولأن الكابرانات يزعجهم استمرار المغرب في مراكمة الانتصارات السياسية والدبلوماسية والاقتصادية أمام تعدد هزائمهم وانكساراتهم، وتحوله إلى قبلة هامة لشركات السيارات الأوروبية والأسيوية من خلال إقامة شركات كبرى لتصنيع وتجميع المركبات، حيث أصبحت إنتاجيته تتجاوز 700 ألف سيارة سنويا، يصدر منها حوالي 90 في المائة إلى الدول الأوربية، ويتوفر على أكثر من 250 معملا لصناعة السيارات، توظف أزيد من 160 ألف شخص. فضلا عن الخطوة العملاقة التي قطعها في هذا المجال، وخاصة في ماي 2023 إبان ترؤس ملك البلاد محمد السادس حفل تقديم نموذج سيارة أول مصنع مغربي، والنموذج الأولي لمركبة تعمل بالهيدروجين، قام بتطويرها شاب مغربي، وهما مشروعان مبتكران من شأنهما تعزيز علامة “صنع في المغرب” وتدعيم المملكة الشريفة كمنصة تنافسية لإنتاج السيارات، إضافة إلى كونهما مبادرتين صناعيتين، تنسجمان مع التعليمات الملكية السامية، الهادفة إلى توجيه القطاع الخاص نحو الاستثمار المنتج، خاصة في القطاعات المتطورة المستقبلية، والتشجيع على ظهور جيل جديد من المقاولات، تكريسا للرؤية الملكية المستنيرة على صعيد التنمية المستدامة، وتعزيز الطاقات المتجددة، خاصة في قطاع الهيدروجين الأخضر الواعد…
فقد أبى هؤلاء الكابرانات إلا أن يسارعوا إلى تقديم أول نموذج لسيارة كهربائية جزائرية الصنع، وحاولوا كالعادة أن يجعلوا منها حدثا بارزا يغطي على المنجزات المغربية، إذ أنهم لم يتأخروا في تجنيد إعلامهم المأجور من أجل تسليط الضوء على ما اعتبروه إنجازا عظيما وغير مسبوق، والسعي إلى تسويقه عبر القنوات الرسمية، بيد أنه سرعان ما ضجت مواقع التواصل الاجتماعي بحملة سخرية عارمة، حيث تحولت السيارة العجيبة إلى مادة دسمة للتهكم، وبادر الكثير من النشطاء الجزائريين إلى تشبيبها بمجرد لعبة من لعبة الأطفال، خاصة عندما علموا أن سرعتها القصوى لا تتجاوز ال”35″ كلم/ساعة. وهو الإنجاز الذي جعل العديد من المتتبعين للشأن المغاربي يرون أن لحاق الجزائر بالمغرب يلزمها سنوات ضوئية، ولاسيما أنه أصبح رائدا في قطاع السيارات ومن أبرز المتخصصين فيه عبر العالم.
نحن لسنا ضد أن تصنع الجزائر سيارة كهربائية وغيرها، لكننا نريدها أن تستحضر دائما وأبدا الحديث الشريف الذي يقول: “إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه”، وأن تقوم بذلك في إطار من التنافس الشريف الذي يدفع في اتجاه العمل الجاد والمسؤول لبلوغ أعلى المراتب. إذ أنه ليس عيبا أن يتفوق شخص على آخر أو بلد على بلد في علم أو خبرة أو غيرها في مجال من مجالات الحياة، كما أنه ليس عيبا أن يسعى الأدنى إلى اللحاق بالأعلى في حدود معقولة، بل العيب كل العيب هو أن يتحول التنافس إلى حسد وحقد وضغينة، لأن التنافس الشريف لا يمكن أن يكون إلا فيما يرضي الله سبحانه وتعالى، ويساهم في شحذ الهمم والعزائم، كما أنه يحث على البذل المتواصل والتطلع الدائم إلى الخلق والابتكار، وعليه يقول جل من قائل في كتابه المحكم (سورة المطففين الآية 26): “وفي ذلك فليتنافس المتنافسون”.
إننا بصرف النظر عن هذا التقليد المزمن لكل ما هو مغربي أصيل، كنا نأمل اعتبارا للتاريخ المشترك من خلال الحضارات التي مرت على المنطقة المغاربية منذ الفينيقيين والرومان ثم العثمانيين والمورسكيين، الذين أتوا عن طريق البحر وأخيرا الفرنسيين، ولما يجمع بين البلدين الجارين الجزائر والمغرب وشعبيهما من عادات وتقاليد وإرث مشترك ومتنوع على عدة مستويات، ثقافية ومعمارية وحضارية وحتى على مستوى الطعام واللباس، أن يعود حكام قصر المرادية إلى رشدهم واستقبال اليد الممدودة من قبل ملك المغرب محمد السادس في أكثر من مناسبة، من أجل طي صفحة الخلافات ونبذ قيم الحقد والكراهية، والعمل على إعادة الدفء للعلاقات الأخوية والانكباب سويا على بناء المستقبل المشرق، بعيدا عن أجواء الحقد والكراهية.

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *