طوفان الأقصى إحياء للأمة

صفية ادبابا علي

أصبح يوم السابع من أكتوبر يوما تاريخيا شاهدا على الملحمة الكبرى التي هزت العالم وكذبت نظرية الجيش الذي لا يقهر وأسقطت القناع على الوجه الهمجي للكيان الصهيوني وداعميه من العرب قبل الغرب.
واليوم وبعد مرور ما يزيد عن شهر من هذا الحدث العظيم وما تلاه من عدوان على غزة في انتهاك كبير لأبسط حقوق الإنسان، انكشف الوجه الحقيقي للمراقبين والمتابعين وصناع القرار.
فعلى مستوى الأنظمة العربية الرسمية تتأرجح الكفة بين صامت وخجول وقلق يدعو إلى وقف الحرب بين الطرفين وإحلال السلام في المنطقة. ومع الوضوح التام لأحداث العدوان وانتهاك حقوق الإنسان من الجانب الصهيوني، الذي استهدف المدنيين أولا ثم نشر الإشاعات وألف الأكاذيب حول قيام رجال المقاومة بتعذيب الأطفال والنساء والتمثيل بالجثث دون أي دليل، كل هذا أمام الموقف العربي الرسمي الضعيف، تجلت تبعات التطبيع مع الكيان الصهيوني الذي ألجم الألسنة عن قول الحق والدفاع الحقيقي عن المستضعفين المحاصرين في غزة.
أما على مستوى المشاهير من الرياضيين والفنانين وصناع المحتوى فانقسموا بدورهم إلى مخلص لبلاده صامت لصمتها وبين محايد لا يستطيع التعبير عن رأيه فيغلف موقفه بحجج غير مقنعة وبين صهيوني عربي صريح، لكن هذا لم ينف ظهور محتوى توعوي ومساند قوي حصد المشاهدات وساهم في نشر الوعي وتصحيح المفاهيم الخاطئة حول القضية الفلسطينية.
وأما الشعوب المسلمة الحرة فقالت كلمتها بكل قوة فسمعها القاصي والداني وتأكد للجميع أن الخير في أمة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم باق إلى يوم القيامة.
جاء طوفان الأقصى والأمة في سبات يتخبط مستضعفوها بين هموم المعاش واستبداد الحكام وضبابية المصير وهم يعايشون عرى الإسالم تنتقض تباعا ومرض الغثائية ينخر كيانها، حتى حق فيها قول الرسول صلى الله عليه وسلم حين قال : »يوشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها«، فقال قائل: و ِمن قلة نحن يومئذ؟ قال: »بل أنتم يومئٍذ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم، وليقذفن في قلوبكم الوهن«، فقال قائل: يا رسول الله وما الوهن ؟ قال: »حب الدنيا، وكراهية الموت«. أخرجه أبو داود في سننه.
الغُثا ُء غثاء السيل و ُغثاء الِقدر. وهو ما يطفَح ويتف ّرق من النّبات اليابس وزبَد القدر، والغثائية، ذلك المرض العضال الذي صير الأمة ضعيفة الوزن رغم كثرة العدد عديمة التأثير رغم عظم الرسالة. لكن الخير باق في الأمة إلى يوم القيامة ومن ذلك الغثاء تنبعث أمة الخالفة القوية المؤثرة القادرة على الإصلاح والتغيير، وما طوفان الأقصى إلا هبة إسلامية استنهضت الهمم وأعادت القضية الفلسطينية إلى مكانتها الحقيقية في القلوب والعقول، خاصة في صفوف الشباب والاطفال الذين أشيع عنهم الضياع والتيه والبعد عن الدين والإنشغال بالفتن المصنوعة للقضاء عليهم، فرأينا الأطفال يبكون لحال إخوانهم والشباب تصدح حناجرهم في الساحات مطالبين بإيقاف المجازر وإسقاط التطبيع وتحرير فلسطين. وما انتفاضة الأمة بعد العدوان على غزة إلا بذرة يسقيها الثبات والعمل المنظم الستكمال المسير حتى يتجند المسلمون لإمامة الأمة.
إن الهبة الإسالمية التي صنعها طوفان الأقصى لحجر أساس لإعادة بناء الأمة وتربية جيل التحرير ليتجندوا لإستكمال البناء، فأصل المشكل هو الوهن وحب الدنيا الذي يعمي البصيرة عن الغيرة لدين الله، ورجال المقاومة الأحرار برهنوا للعالم أن النصر حليف جند الله ما داموا معرضين عن الدنيا مقبلين على الله تعالى بنفوس مطمئنة تائقة للشهادة.
بعد هذه الهبة المباركة تنتظر جند الله مهمة أعظم هي صناعة الرجال القادرين على تحمل أمانة إمامة الأمة، يقول الأستاذ عبد السالم ياسين : “…تربية المرابطين في دولة القرآن مهمة عظيمة فهي صناعة الرجال: رجال صادقون مسؤولون رحماء متمسكون بالقرآن حالا ومقالا. وعظم الخطوة يجعل على عاتق المربي مهمة الإختيار ووضع كل على ثغره المناسب وقبل ذلك وبعده ثناء على ذوي البلاء الحسن وتشجيع الأبطال فمن فطرة البشر، أن تتأثر العين بما ترى ، والأدن بما تسمع، قبل أن يتأثر العقل، وتجيش في النفس الرغبةُ والرهبة ،  فنعطي لهذه النظاهر حقها في جنديتنا ” إمامة الأمة ص .46 َّ
هؤلاء هم القادرون بإذن الله تعالى على تجديد الدين واستكمال البناء وتحقيق الخلافة على منهاج النبوة بعد تطهير مقدسات المسلمين وتحرير الأمة من اليأس والظلم والجهل وإقامة العدل في الأرض.

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *