متى كان الحقوقيون يدعون إلى العنف؟!

إسماعيل الحلوتي 

لا نعتقد أن هناك مواطنا مغربيا يقبل مهما بلغ به السخط مداه وأعمى الحقد عينيه على بلاده ومؤسساتها ومسؤوليها، أن يظل قرابة ثمانية ملايين من المتعلمات والمتعلمين الأبرياء رهائن ومحرومين من الدراسة حوالي ثلاثة أشهر، بسبب تواصل إضرابات نساء ورجال التعليم، التي شلت مؤسسات التعليم العمومي في كافة جهات المملكة منذ 5 أكتوبر 2023، للتعبير عن رفضهم القاطع للنظام الأساسي الجديد الذي صادقت عليه الحكومة في 27 شتنبر 2023 رغم كونه جاء محبطا لآمالهم ودون مستوى تطلعاتهم.
كما أننا لا نعتقد أن هناك أحدا يبارك للتنسيق الوطني لقطاع التعليم الذي يضم 24 تنسيقية تعليمية إصراره على تنفيذ برنامجه التصعيدي، رافضا بذلك مخرجات الاتفاق الذي تم التوقيع على محضره يوم الثلاثاء 26 دجنبر 2023 تحت إشراف رئيس الحكومة عزيز أخنوش بين كل من الحكومة في شخص اللجنة الوزارية الثلاثية والنقابات التعليمية الخمس الأكثر تمثيلية، حول النظام الأساسي الخاص بموظفي قطاع التربية الوطنية، وذلك بعد حصول توافق بين الطرفين بخصوص التعديلات المرتبطة بالجانبين التربوي والمالي…
بيد أن المثير للاستغراب هو دخول إحدى المنظمات الحقوقية على الخط ليس لإصلاح ذات البين، ودعوة التنسيق الوطني لقطاع التعليم إلى رفع كل الأشكال الاحتجاجية واستحضار المصلحة الفضلى للتلاميذ، وعودة الأساتذة المضربين عن العمل لحجرات الدرس، بل إن الأمانة العامة ل”المنظمة المغربية لحقوق الإنسان ومحاربة الفساد” أبت إلا أن توجه يوم الجمعة 29 دجنبر 2023 رسالة عممتها على وسائل الإعلام إلى وزير الداخلية عبد الوفي لفتيت تناشده من خلالها “التدخل العاجل لاتخاذ جميع الإجراءات اللازمة في حق الاحتجاجات المخلة بالنظام العام التي تقودها التنسيقيات التعليمية، متخذة من التلاميذ ذروعا بشرية لتحقيق مآرب فئة معينة على حساب أكثر من ثمانية مليون تلميذة وتلميذ بمختلف ربوع المملكة” معربة بواسطتها عن تضامنها اللامشروط مع جميع التلاميذ ضحايا هدر الزمن المدرسي، ومشددة في ذات الوقت على ضرورة “استعمال القوة العمومية لفك لغز تعنت واستقواء الأطراف المشكوك في أمرها، تلك الرافضة لاستئناف العمل والمصرة على حرمان تلاميذ أبرياء من حقهم في التمدرس، لما سيترتب عن ذلك من تعثرات دراسية وهدر مدرسي في الأفق القريب”
وهي الرسالة التي أثارت جدلا واسعا ليس فقط في أوساط الأسر المغربية ونساء ورجال التعليم، بل امتدت أصداؤها إلى الفضاء الأزرق على منصات التواصل الاجتماعي، واتضح أنه رغم ما تستشعره عديد الأسر من مرارة إزاء ما ضاع من حصص دراسية لأبنائها مقارنة مع تلاميذ مؤسسات التعليم الخصوصي، فإن الجميع يستنكر بشدة مثل هذا التدخل السافر وتأليب السلطات العمومية على الأساتذة من قبل منظمة تدعي الدفاع عن حقوق الإنسان ومكافحة الفساد. متسائلين عن دواعي عدم وقوفها إلى جانب الأساتذة أثناء تعرضهم للتعنيف من طرف قوات الأمن عند بداية الأزمة، التي أشعل فتيلها النظام الأساسي الجديد المجحف وغير المنصف، أو ما بات يعرف في الوسط التعليمي باسم “نظام المآسي”، الذي اضطرت الحكومة في آخر المطاف إلى تعديل بعض مواده وتجويد أخرى؟
فكيف لا تثير مثل هذه الرسالة غير المسبوقة حفيظة الرأي العام وامتعاض الأساتذة المضربين، وهي تحرض وزارة الداخلية على استعمال العنف ضد أساتذة يطالبون فقط بحقوقهم المشروعة، دون أدنى مراعاة لما يمكن أن يترتب عن ذلك من صدام بين الأجهزة الأمنية ونساء ورجال التعليم وغيرهم من المندسين، فضلا عن تهديد الأمن والاستقرار والمس بالسلم الاجتماعي، إذا كان من واجب الجمعيات والمنظمات الحقوقية أن تلعب دورا حاسما في مساعيها المختلفة بهدف التصدي للانتهاكات الفردية لحقوق المواطنين وصون كرامتهم التي تهددها سلطة الدولة؟
نعم، هناك شبه إجماع حول ما ذهب إليه الرئيس الإقليمي لهذه المنظمة التي نصبت نفسها للدفاع عن مصلحة التلاميذ، ناسية أنه ليس هناك من جهة مؤهلة للدفاع عن التلاميذ أكثر من أساتذتهم، حين قال خلال تعليقه على التصريحات المثيرة للجدل، بأن الرسالة الموجهة لوزير الداخلية لا ترمي إلى مصادرة حق الأساتذة والتنسيقيات التعليمية في ممارسة الإضراب، ولكن المنظمة ترفض عدم احترام هذا الحق والتمادي في استعماله ضد مصلحة تلك الأعداد الغفيرة من التلاميذ…
إن إقدام تلك المنظمة “الحقوقية” السالفة الذكر على بعث رسالة إلى وزير الداخلية تلتمس منه التدخل العنيف لإنهاء “تعنت” التنسيقيات التعليمية المستمرة في الاحتجاج، يعد سابقة في المجال الجمعوي والحقوقي، لا تسيء فقط إلى المنتمين إليه من الشرفاء الأحرار، وإنما كذلك لنفسها وسمعة بلادنا، حيث كان يجدر بها إن كانت تسعى حقا إلى حماية حقوق تلاميذ المدرسة العمومية في التمدرس وليس لغرض آخر في نفسها، أن تلجأ إلى قنوات أخرى أكثر سلامة دون إثارة أو أن تلتزم الحياد، وذلك أضعف الإيمان…
اسماعيل الحلوتي

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *