السبت. نوفمبر 23rd, 2024

هذا ما قاله ليو تولستوي عن النبي محمد ﷺ

جميل فتحي الهمامي
إعلامي.
من فضائل الدين الإسلامي أنه أوصى خيرا بالمسيحيين واليهود، ولا سيما قساوسة الأولين، إذ إنه أمر بحسن معاملتهم ومؤازرتهم، حتى أنه أباح لأتباع دينه الزواج بالمسيحيات واليهوديات، مع الترخيص لهن بالبقاء على ملتهن، وهذا مما لا يخفى على ذوي الأبصار والعقول النيرة ما فيه من التسامح والتساهل الجلل العظيم.
“أنا من المبهورين والمعظمين بمحمد، فهو الذي اختاره الله لتكون آخر الرسالات على يديه، ويكون هو كذلك آخر الأنبياء، فيكفيه فخرا وشرفا أنه خلص أمة ذليلة همجية دموية من مخالب شيطان العادات الذميمة، وفتح على وجوههم طريق الرقي والتقدم”.
كان هذا مقتطف مما قاله الأديب الكبير ليو تولستوي في كتابه الشهير حكم النبي محمد، والكونت ليف نيوكوليافيتش تولستوي يعدّ من أعمدة الادب الروسي والانساني ممن تركوا بصمة سامقة في تاريخ الأدب البشري. وفي هذا المقال سنحاول الغوص في مخرجات كتابه حكم النبي محمد الذي تطرّق فيه تولستوي لشخصية الرسول بعيدا عن خضوعه للهالة والقدسية التي يحيط بها المسلمون أنفسهم، فهو يتحدّث عن محمد النبي ومحمد الإنسان ممّا جعله في نظر تولستوي شخصية عظيمة بل أعظم شخصية كما وصفها في كتابه حكم النبي محمد.
كتب ايلمر مود، أحد كبار مترجمي تولستوي إلى اللغة الإنجليزية في كتابه تولستوي ومشكلاته أن تولستوي ولد في عائلة من النبلاء ربما من الطبقة التي تلي العائلة المالكة. كانت لهم أراض شاسعة، وكان أبوه يحمل لقب كونت، وأمه من طبقة الأمراء، ماتت وهو في الثانية من عمره، فكفلته عماته وخالاته، وقد أثر ذلك في أدبه لاحقا. ثم توفي أبوه وهو في التاسعة من عمره، وذلك بعد انتقال العائلة إلى موسكو قادمة من الريف. لكن لم تواجهه مشاكل مادية نتيجة لغنى العائلة. وفي عام 1844م التحق بالجامعة قسم الآداب العربية والتركية قبل أن يتحول إلى كلية الحقوق في العام التالي، ولكن ذلك لم يعجبه فهجر الدراسة وذهب إلى الريف للاهتمام بمزرعته الكبيرة الموجودة في منطقة ساحرة الجمال. ثم انخرط في الجيش وخاض الحروب، وفي نفس الوقت كان يعد نفسه للكتابة الأدبية، فكتب ثلاثيته التي تكلم فيها عن بدايات حياته.
لقد وضع تولستوي كتابه حكم النبي محمد دفاعا عن الحق في مواجهة التزوير والتلفيق اللذين لحقا بالدين الإسلامي والنبي محمد على يد جمعيات المبشرين في مدينة قازان، والذين صوروا الدين الإسلامي على غير حقيقته”.
كان الأدب بالنسبة له عبارة عن أداة للتحليل النفسي للذات لمعرفة سبب الصراع الذي يشعر به بين مبادئه الأخلاقية العالية واستسلامه لعالم الشهوات المادية المضادة للمثل العليا. لقد آمن تولستوي بأهمية العلم لإصلاح الأمم فأقدم في التاسعة عشرة من عمره على تأسيس مدرسة في قريته باستايا بوليانا وكانت له رحلة إلى عدة دول أوروبية للاطلاع على نظمها التعليمية، مما جعله يؤلف كتابا أسماه الأبجدية عام 1872م، وكان هذا الكتاب عميقا بحيث أنّ الدولة أقرّته في جميع مدارسها. لكنّه كان في صراع دائم مع السلطة الدينية آنذاك، صراع كبير جدا بينه وبين الكنيسة، فقد قاوم الكنيسة الأرثوذكسية في روسيا واتهم رجالها بالتحالف مع القيصر ضد الشعب، ولم تقبل الكنيسة أراء تولستوي فكفرته ونبذته… وقد أوصى تولستوي بدفنه بعد موته دون طقوس كنسية.
لقد كان باحثا عن العلم والسكينة النفسية والاصلاح الاجتماعي، وهذا ما وجده في شخصية الرسول محمد، يقول في هذا الإطار: مما لا ريب فيه أن النبي محمد من عظام المصلحين، الذين خدموا الهيئة الاجتماعية خدمة جليلة، ويكفيه شرفا أنه هدى أمة برمتها إلى الحق، وجعلها تجنح للسكينة والسلام، وتفضل عيشة الزهد، ومنعها من إهدار الدماء، وفتح لها طريقًا للرقي والمدنية رغم ابتلاءاته التي واجهته، وهو عمل عظيم جدا، لا يقوم به إلا شخص أوتي قوة، وهو جدير كل الجدارة بالاحترام والتبجيل والإكرام.
لقد وضع تولستوي كتابه حكم النبي محمد دفاعا عن الحق في مواجهة التزوير والتلفيق اللذين لحقا بالدين الإسلامي والنبي محمد على يد جمعيات المبشرين في مدينة قازان، والذين صوروا الدين الإسلامي على غير حقيقته، وألصقوا به ما ليس فيه، فقدم تولستوي الحُجة وأقام البرهان على المدعين عندما اختار مجموعة من الأحاديث النبوية، وأوردها بعد مقدمة جليلة الشأن واضحة المقصد قال فيها إن تعاليم صاحب الشريعة الإسلامية هي حكم عالية ومواعظ سامية تقود الإنسان إلى سواء السبيل، ولا تقل في شيء عن تعاليم الديانة المسيحية، وإن محمدا هو مؤسس الديانة الإسلامية ورسولها، تلك الديانة التي يدين بها في جميع جهات الكرة الأرضية مئتا مليون نفس في زمن تأليف الكتاب عام 1912، يقول في هذا الجانب: “محمد هو مؤسس دين، ونبي الإسلام الذي يدين به أكثر من مئتي مليون إنسان، قام بعمل عظيم بهدايته وثنيين قضوا حياتهم في الحروب وسفك الدماء، فأنار أبصارهم بنور الإيمان وأعلن أن جميع الناس متساوون أمام الله”.
في الختام، لعلّ ما صدم به الكونت ليو تولستوي جمهور القرّاء في العالم قوله في كتاب حكم النبي محمد، حتّى انّ العديدين ذهبوا إلى جزمهم بإسلام تولستوي في أواخر حياته، إن البشرية في أشد الحاجة لقوانين الشريعة الإسلامية، فإن شريعة القرآن سوف تسود العالم، لتوافق العقل وتنسجم مع الحكمة، لقد فهمت وأدركت أن ما تحتاج إليه البشرية هو شريعة سماوية تحقق الحق، وتبدد الباطل، والشريعة الإسلامية بقوانينها هي أرقى نموذج ليسود العدل وائتلاف العقل الحكمة هذا العالم.
جميل فتحي الهمامي.
إعلامي تونسي ، باحث في الحضارة العربية ، كاتب و روائي ، متوّج في العديد من المحافل العربية و الدولية.

Related Post

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *