بقلم محمد كابي
في طين بني دغوغ المضمخ بعبق الحكايات ، ومسالك تلك الشعاب والروابي وجد الشاعر الزجال الغوتي مفتقر الدغوغي ضالته في الاستمتاع بحكايات أهل الكلمة الشفهية ، ونمت في فكره الرغبة في المغامرة والتجوال في وطنه شرقا وغربا وشمالا وجنوبا ، فنما مولعا بغروب الشمـــــس ودون سابق إنذار سكنه وخز الحرف كحمى مزمنة ليفجر في زجله احزانه وهمومه الذاتية والمجتمعية بكل تجلياته الموشحة بأنين الأرض وهدير الموج. لـــــذا يمكن القول أنه لم يطرق باب القول صدفة وهو المسكون بدندنة السنتيـــــــر وهنات العيطة ، وهسيس بني دغوغ ..
فهو يعيش جرحين : جرحا ذاتيا في صراعه مع تقلبات الزمان وجرحا بامتداد كينونة الإنسان ..وبمرارة من عاش وشاهد الوقائع نجده يقول:
( اللي يسولني يسولني
على راسي
وبلاش الشوفة العايبة )
…. فهذا المقطع يضيء مساحات أكبر لتعفف الشاعر ولمن أراد معرفة هذه الذات المحترقة التي تغزل أشعارها ببساطة الحكواتيين والرواة مبنى ومعنى
من خلال ما يقتنصه يوميا من واقعه وتجواله وتجاربه رغم أنه سرعان مــا يعود إلى أتون الانتماء ليسلط الضوء على ما آلت إليه المدينة المهدومة:
( في سوق البشرية
سلعة طايحة في السومة
بنادم كان زمان إلى تقهر
يغرب القبر
وما يخلي عليه اللومة)
فالشاعر حين ينتابه البوح يجد النجاة في البحر ليغرق في لجته كي يعيد صياغة وجوده المتشضي أشعارا تتنوع أغراضها وبنياتها مما يجعل القارئ يسافر شغفا لمتابعتها ومعاينتها خصوصا حين تتـــــــــــداخل الذات والأحاسيس مع القصيدة المسموعة لما يلقيها الشاعر بطريقته المثيرة.. وهو يبحث عن سر الوجود وكنه الخبر:
( شكون يعطينا صحة الخبار
يطمأن الخاطر .. يطمأن لقلوب
واش لحنش خارج للشمس
ولا جامد في الغار.)
هكذا إذن جاءت قصائده مشبعة بالقيم الإنسانية بعفويتها وبساطة أسلوبها بعيدا عن المدارس الزجلية ، فهي بالنسبة إليه متنفس لتحقيق ذاته ووجوده داخل الفسيفساء الزجلي.